الحلقة الأولى :
الجذور والأغصان
1/ الارمن عراقيون
لقد غبنت مجموعات اجتماعية عراقية عديدة ، تعد تشكيلاتها مؤسسة لبنية المجتمع العراقي اليوم .. نعم ، غبنت طويلا من قبل الدارسين والعلماء والمؤرخين العراقيين الذين كتبوا عن حياة المجتمع العراقي ، دون التطرق إلى تفاصيل أولئك الناس الذين لم يكونوا مجرد أصفار على الشمال ، بل امتازوا بحيويتهم وجهودهم وخصالهم التي أسدوا من خلالها خدمات كبيرة الى المجتمع على امتداد تاريخ طويل .. ومنهم الأرمن الذين لهم تاريخ حافل بالمنجزات والسمعة الحسنة ، وكانوا على الدوام من الناس الحاذقين والمهرة .. صحيح أن لهم خصوصيتهم ، شأنهم شأن أي تكوين اجتماعي آخر ضمن حلقة المجموعات الأخرى ، إلا أنهم كانوا من المسالمين الذين ندرت مشاكلهم نتيجة تماسكهم الاجتماعي ، والفتهم وتجانسهم مع بعضهم الاخر في المدن العراقية التي سكنوها ، ولكنهم دفعوا أثمانا غالية في وجودهم كعراقيين ، وهم يحتفظون بالجميل الذي أسداه لهم العراقيون الأوائل عندما فتحوا أبوابهم لهم ، فتعايشوا مع الجميع من دون أية نعرات خلاف ، ولا أي اتكالية على الآخرين في كسب رزقهم مع دوام العلاقة الرائعة بينهم وبين الآخرين ، فضلا عن تمسكهم بوطنهم العراقي ، وعدم إثارتهم لأية مشاكل سياسية أم اجتماعية . صحيح أن العراق استقبل الأرمن الذين جاءوا إليه بعد تشردهم وإفنائهم في موجتين للنزوح من تركيا شمالا واستوطنوا العراق ، ولكن ثمة حقائق تاريخية تؤكد أن هناك من الأرمن من كان له وجود في العراق منذ القدم ، بل وان بعضهم قد استوطن العراق منذ العصور الوسطى فثمة معلومة تقول بأن أبرشية للأرمن قد أنشأت في البصرة1222م ، وان آخرين من الأرمن قد استوطنوه عبر تضاعيف العصر الحديث.
2/ مصادر المعلومات ومراجع البحث
إن الأرمن جزء حيوي في بنية المجتمع العراقي الذي نتدارس اليوم تشكيلاته بكل ألوانه وأطيافه التي ينبغي تدارسها بمنتهى الموضوعية والحيادية والأمانة العلمية وبمنهجية واضحة والاعتماد على مصادر موثوقة لا مراجع تافهة . لقد اعتمدت على عدة مصادر وكتابات وشواهد وذكريات ومعلومات رسمية وكنسية أرمنية في كتابة هذا ” الموضوع ” الذي تندر المراجع عنه بالعربية ، ولقد أسعفتني مقالة الكاتب والمؤرخ الارمني آرا اشجيان عن الأرمن العراقيين ، والرجل ارمني عراقي يقطن اليوم في أرمينيا ، وقد ساعدتني مقالاته كثيرا ، فضلا عن مصادر مهمة كتلك التي نشرها صائغيان ، أو التي كان قد حكاها لي الدكتور الراحل حنا جقماقجيان مع معلومات عدة أسدتها لي عائلته الكريمة . إضافة إلى معلومات الدكتور الموسيقار فريد الله ويردي قبل سنوات طويلة مضت . لقد استفدت أيضا من كتابات المؤرخين الأرمن ، وأشهرهم : يعقوب سركيس ونرسيس صائغيان ورازميك سيمونيان .. إضافة إلى بعض الكتب بالتركية والانكليزية ، ووقع بيدي مؤخرا ما كتبه كل من الصديقين الكاتبين ليث الحمداني في تعقيبه على واثق الغضنفري ، فأكبرت جهدهما الوطني .. كما قمت بعدة اتصالات مع السيدة الفاضلة دكرانوهي طوقاتليان وولدها الصديق العزيز ميناس جاقماقجيان وقد أرسلوا لي بمعلومات قيمة جدا ، وخصوصا عن أوضاع الأرمن العراقيين في هذه الأيام العصيبة . فلهم كل الشكر والعرفان .
الارمن العراقيون : الجذور والاغصان
1/ من الماضي القديم حتى اليوم
الأرمن ، شعب عريق ينتمي إلى الآريين ، وقد عرفوا في المناطق الشرقية والوسطى من آسيا الصغرى (= الأناضول ) منذ الألف الثالثة ق.م. وكانت لهم إمبراطوريتهم القديمة التي امتدت في شرق الأناضول حتى سواحل البحر المتوسط ، وان لهم تاريخهم العريق في منطقة الشرق الأوسط ، ولهم دورهم التاريخي الذي أخذ بالأفول نتيجة التحديات الكبرى التي تعرضوا لها . والأرمن من المسيحيين القدماء جدا ، واندمج مذهبهم بقوميتهم اندماجا قويا ، وبقوا يعتزون بذلك ، ويدافعون عنه دفاعا مستميتا . صحيح ان لهم جمهوريتهم الأرمينية اليوم ، والتي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي قبل تفككه ، الا أنهم ينتشرون على رقعة واسعة من الأرض المزدحمة بمختلف الأعراق القديمة .. ولقد تعرضت مناطقهم واوطانهم الى موجات اكتساح عدة من قبل إمبراطوريات قديمة ، ويشير المستشرق الفرنسي المعروف غوستاف لوبون في كتابه ” حضارة العرب ” إلى أن الأرمن القدماء قد سجلوا في سجلاتهم الكنسية وتناقلوا في موروثهم بأن تاريخهم لم يعرف ارحم من العرب في تعاملهم مع الأرمن إبان الامتدادات العربية الإسلامية الأولى .
نعم ، لقد تعرّضوا إلى تحديات كبرى سواء من خارج مملكتهم ، ام من داخلها بحكم صراعات السكان المحليين المتنوعين.. ولعل أشهر المجازر ، تلك التي حدثت بحقهم بين 1894- 1896 إبان حكم الدولة العثمانية ، تلتها مجازر 1915-1923 والتي انتهت بتأسيس الجمهورية التركية على يد الغازي مصطفى كمال أتاتورك . لقد تشّرد الآلاف من الأرمن في بلدان عدة من الشرق الأوسط ، وخصوصا العراق وسوريا ولبنان ومصر .. لقد وصل عدد الأرمن في العراق بعد المجازر المريعة التي تعرضوا لها إلى 25-30 ألفاً.. وسكن الأرمن المُهجًّرون في البدء مدينة الموصل، ونزح قسم منهم إلى بعقوبة، ثم سكنوا في منطقة نهر عمر قبل أن يقطنوا مناطق مختلفة في العراق، فيما هاجر قسم آخر منهم إلى خارج العراق.
إن الغالبية العظمى من الأرمن العراقيين اليوم هم أحفاد وأولاد أولئك القدماء من القاطنين الأوائل ، أو من صلب هؤلاء المُهجًّرين الجدد الذين أصبحوا عراقيين بعد أن توطنّوا العراق وعشقوا الحياة العراقية وعملوا من اجل تطوير اقتصادياته المتباينة . ويتراوح عدد الأرمن في العراق حالياً بين 18-20 ألف نسمة يسكنون بغداد والبصرة وكركوك والموصل وزاخو ومناطق أخرى من العراق . ونقلا عن السيدة دكرانوهي طوقاتليان أن امّها التي وصلت مع المهاجرين المشردّين حكت لها ، وكانت شاهدة عيان بأن المهاجرين الأرمن عندما وصلوا إلى الموصل ، استقبلتهم العوائل الموصلية بسلال من الخبز والحلاوة .
2/ الشخصيات التاريخية
يفتخر الأرمن العراقيون بشخصيات أرمنية مهمة جدا خدمت العراق تاريخيا ، وبانجازات حققوها في الماضي ويستمرون في تحقيقها في الحاضر. وقد ورد في تاريخ العراق أسماء عدة ملوك وحكام حكموا العراق ، وكانوا من أصول ارمنية منذ القدم ، وصولا إلى العصور الوسطى ، وخدم بعضهم مع القادة العرب المسلمين ، وكانوا من الأمراء الأرمن الذين عرفوا بمصداقيتهم ونزاهتهم وأنشطتهم التطبيقية في كل الميادين ، فضلا عن جعل بعضهم مساعدين ، وكانت لهم صلاحياتهم التفويضية في شؤون العراق إبان العصور العباسية ، ويذكر أن أصل كل من السلطان بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل في القرن الثالث عشر الميلادي كان ارمني الأصل ، أي في نهاية العهد الاتابكي ، وكان الرسام الشهير الواسطي الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي أرمني الأصل أيضا . ويعد يعقوب أميرجان ، وهو بغدادي المولد ، من الشخصيات الأرمنية البارزة ، وأسدى خدمات كبرى للعراق عند قيادته مجموعة من رجال البصرة للدفاع عن بغداد والمحافظة عليها ، والقتال دفاعا عنها ، حينما حاصرها طهماسب قولي خان مع جيوشه عام 1732 . وترد أسماء شخصيات أرمنية عراقية شغلت عدة مناصب ببغداد إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ومنهم : بيدروس كوركجي الذي كان رئيسا للفرائين .. ويوسف كيفورك رئيس الصيارفة ، وستراك بوغوصيان المفتش العام للبنك العثماني. أما التاجر الأرمني المعروف نعوم سركيس فكان أول من سكن الشطرة وشجع الناس للسكن فيها.
العراق وارمينيا : حفريات لروابط جيو تاريخية
تشير الحفريات التاريخية الى ان العراق وارمينيا كانت بينهما علاقات قديمة جدا ، نظرا لاقترابهما بعضهما من الآخر جغرافيا .. وان العلاقات بين الطرفين تعود إلى العصور القديمة تاريخيا . قلت في كتابي ” العثمانيون وتكوين العرب الحديث : من اجل بحث رؤيوي معاصر والمنشور ببيروت 1989 ” إن كلا من العراق وأرمينيا كانا ساحتي صراع بين الإمبراطوريات المتصادمة في الشرق الأوسط .. منذ القدم وحتى الصراع العثماني ـ الإيراني الذي استمر أربعة قرون كاملة منذ بدايات القرن السادس عشر وانتهاء ببدايات القرن العشرين . كما استطعت أن أتحقق جغرافيا في كتابي الآخر ” حصار الموصل .. المنشور عام 1990 ” من استخدام المسلك التجاري الذي كان يربط ارمينيا بالعراق من خلال مسالك الموصل التجارية نهرا وبرا عبر الجبال باتجاه بحيرة وان .
لقد استقر العديد من الأرمن في بلاد ما بين النهرين بتأثير امتدادات دجلة والفرات تجاريا في مختلف العهود ، إذ وجدت كنائسهم معهم منذ العصور الوسطى .. وزاد توّطن الأرمن في العراق إبان العصر الحديث ، أي في القرون الخمسة الأخيرة ، وخصوصا منذ القرن السابع عشر ، كما تشير المصادر التاريخية إلى ذلك ، ويشير الخوري ناريك اشخانيان راعي كنيسة الأرمن الأرثوذكس في العراق : إن أول هجرة للأرمن إلى العراق كانت من مناطق إيران إلى البصرة فبغداد، ثم الموصل في بدايات القرن السابع عشر. ووجدنا كم استقر من الأرمن في الموصل والبصرة خصوصا في القرن الثامن عشر .. وشاركوا العراقيين معاناتهم مرورا بالقرنين التاسع عشر والعشرين . ومع وجود بقايا من الأرمن العراقيين منذ القدم ، إلا أن العراقيين استقبلوا الأرمن النازحين منذ بدايات القرن العشرين ، وكانوا حماة لهم بعد أن نفروا خفافا وثقالا اثر المذابح الدموية التي تعرضّوا لها في شرق تركيا وخصوصا في العام 1915 . ( لقد أطلعني طبيب الأسنان الراحل الدكتور حنا جاقماقجيان عندما كنت طالبا في الجامعة على مجموعة صور قديمة منها ما نشر ومنها ما لم ينشر عن ركامات من جثث القتلى الأرمن الذين راحوا ضحايا تلك المجازر البشعة التي كانت تمثّل حربا عرقية بين السكان المحليين المختلطين وهم من الترك والأرمن والكرد في شرقي الأناضول ) . ويقول اشكانيان : ” نحن مدينون للعرب، فقد فعلوا ما باستطاعتهم للترحيب بنا، كما سمحوا لنا بالعمل والترقي في المراتب الاجتماعية بعد أن وصل الناجون من (المذابح)، وغالبيتهم من اليتامى، حفاة إثر فرارهم في متاهات الصحراء هربا من الموت “.
أما في مجال التجارة، فقد أخذ التجار الأرمن يتواردون من اسطنبول إلى العراق منذ بدء الربع الأخير من القرن الثامن عشر ، بفعل الحراك الاقتصادي وقوة الأسواق الدولية التي ازدهر العراق بها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر . وينقل الكاتب الارمني آرا اشجيان قول جان باتست روتسو قنصل فرنسا في بغداد في كتابه المعنون: (Description du pachalig de Bagdad)، ما يأتي: “إن نصارى بغداد سواء كانوا كاثوليكاً أو غير كاثوليك يعيشون عيشة عديمة الرّفاه وهم يتعاطون البيع والشراء الداخلي ويزاولون مهنة الطباعة على الأقمشة (البصم) وغيرها من المهن اليدوية. وأما العدد اليسير من التجار ذوي اليسار فيهم فمعظمهم أرمن من استانبول قد اغتنوا بمعاطاة التجارة بالأحجار الكريمة والشال مع إيران والهند”. ويتابع أشجيان كتابته قائلا : ” لا غرو في ذلك، لأن الأرمن على ما قاله السائح الفرنسي المدعو بيتون دي تورنيفور: ليسوا أسياد تجارة الشرق فحسب، بل لهم شطر وافر في تجارة أعظم مدن أوروبا ” . ويتابع ما تحدث به الرحالة الانكليزي جاكسون عن أن الأرمن هم الذين يتحكمون في الاقتصاد والتجارة في بغداد، وأن النحاس الذي كان يبعث من قبل التجار الأرمن من الموصل الى بغداد والبصرة كان من النوع نفسه الذي يجري صنعه في انكلترا. ويتحدث عن مشاهداته في المدينة بالقول:” وتوجد فيها سوق واسعة مزودة بمختلف أنواع المواد … والأرمن هنا يؤلفون التجار الرئيسيين والمعامل المستعملة في بغداد قليلة وهي محدودة .. ويبعث الأرمن الموجودون في الموصل عن طريق دجلة بكميات كبيرة من النحاس تنقل في أرماث من الأخشاب التي تشد إلى بعضها بعضاً ومتى وصل الرمث إلى بغداد بيعت أخشابه فيها لأنها جد نادرة هناك .ومن ثم يشحن النحاس إلى البصرة في سفن شراعية ..ويكون النحاس …من نفس النوع الذي يجري صنعه في انجلترا. إن هذه التجارة التي لم يكن أحد قبلاً يمارسها قد ازدادت بسرعة فغدت تجري بنطاق واسع …وأنا مقتنع أن هذه السلعة ستثير بمرور الوقت سخط أصحاب المعامل الانجليزية. فالعمل في هذه البلدان أقل نفقة بكثير مما هو عليه في أوروبا، وهذا مما يساعد الصناع على نقل مصنوعاتهم إلى السوق بسعر أرخص ويهيئ ربحاً أوفر للمشتغلين فيها”.وكان الأرمن، مع اليهود، يشكلون غالبية موظفي الشركة الانكليزية التي تحولت إليها ملكية شركة بغداد للقوة الكهربائية بعد الاحتلال البريطاني للعراق في عام 1917. اضيف الى ذلك ما ذكره العديد من الرحالة والآثاريين الذين جاسوا عدة مناطق من الشرق الاوسط ابان القرن التاسع عشر ، وخصوصا اولئك الذين امتدوا برحلاتهم في شرقي تركيا وغربي ايران والعراق بصدد الارمن ومشكلاتهم الاجتماعية مع غيرهم من سكان المنطقة والتي قادت الى صراعات لا ترحم ، وكان من نتائجها ان استؤصل الارمن عن اوطانهم ومدنهم وفر الناجون الى من يحميهم .
الارمن العراقيون : كنائسهم ومدارسهم وجمعياتهم ونواديهم
1/ الكنائس
انهم تكوين مستقل عن المسيحيين العراقيين سواء كانوا كلدانا ام سريانا ام آثوريين ، ومستقلين مذهبيا ايضا ، فلهم كنيستهم الارثودكسية وكنيستهم الاخرى الكاثوليكية . وتتوزع كنائسهم العديدة في ابرز المدن العراقية التي سكنوها ، ومن اشهر تلك الكنائس في بغداد ، كنيسة القديس كرابيت للارمن الارثودكس في منطقة كمب سارة ، وكنيسة القلب الاقدس للارمن الكاثوليك في الكرادة الشرقية ، وكنيسة القديس كريكور للارثودكس في الباب الشرقي ، وكنيسة الارمن في الجادرية ، وكنيسة سيدة الزهور للكاثوليك في الكرادة ، وكنيسة مريم العذراء للارمن في الميدان وتعد هذه الاخيرة من اقدم الكنائس الارمنية ببغداد . وتوجد كنيسة قديمة لهم في الموصل واخريات في كل من البصرة وكركوك وزاخو .. وقد افتتحت كنائس جديدة لهم ، ولكنها تعرضّت لتفجيرات خلال السنوات الاخيرة من قبل ارهابيين .
2/ المدارس
وللارمن مدارسهم الخاصة باولادهم وبناتهم ، اذ أنشأت أول مدرسة أرمنية في بغداد عام 1852 باسم (تاركمانجاتس وتعني : المترجمون) . وأول مدرسة للبنات افتتحت من قبل الطائفة الأرمنية في العراق عام 1901، وكذلك أول روضة منفصلة عن الابتدائية سنة 1913. وفي عام 1917، دمجت مدرسة البنات مع (المدرسة الزابيلية) الأرمنية، لتتكون منهما أول مدرسة مختلطة في العراق . وفي عام 1921، افتتحت مدرسة للأرمن في منطقة كمب الكيلاني ببغداد سميت لاحقاً (مدرسة سفاجيان). وقد دمجت مدرستا (تاركمانجاتس) و(سفاجيان) عام 1948 لتتكون منهما (مدرسة الأرمن المتحدة الأهلية) ، وكانت تضم صفوفاً وطلبة من كلا الجنسين في المراحل الدراسية من الروضة وحتى الإعدادية، والتي استمرت حتى عام 1974، حينما جرى تأميم جميع المدارس الأهلية في العراق. وتقول احدى الدراسات انه أعيد افتتاح (مدرسة الأرمن الابتدائية الأهلية المختلطة) في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2004. وهناك مدرسة قديمة خاصة باسم مدرسة الأرمن بالموصل وتقع في الدواسة قرب حديقة الشهداء . وكانت هذه المدرسة الخاصة قد بنيت بجهود ارمنية ، وأموال أهلها الأرمن ، ومن دون مساعدة من أي شخص أو دولة … بنيت بالتبرعات الارمنية آنذاك لحين أن تمّ تأميمها ، وكان مديرها بارون اردافارست ومساعده بارون خاجيك . هنا يتساءل المرء : بأي حق تؤمم مؤسسات خاصة تبرع بها الأهالي ، ولم تكن الدولة قد صرفت عليها فلسا واحدا ؟ وليس هذه المدرسة وحدها فقط ، بل كان هناك مدارس أخرى لهم في بعض المدن العراقية . وفي العراق أسس طلاب مدرسة الارمن (سيفاجيان) الأهلية أول فرقة كشفية في البلد عام 1919 وقدموا عرضا تضمن تمثيليات وبعض الألعاب ، ويذكر أن اودايس اوهانيسيان قد لعب دورا مهما في ذلك . وللعلم ، فإن أول طالب عراقي حصل على مجموع 599 من 600 في الامتحانات العامة للدراسة الإعدادية الثانوية (الصف السادس العلمي) كان الأرمني زافين بانوسيان، وذلك في العام الدراسي 1982-1983
3/ الجمعيات
وللارمن في العراق جمعياتهم الاجتماعية والثقافية والرياضية ، اذ جرى منذ العام 1911 ، تأسيس الجمعية الخيرية الارمنية العمومية في بغداد ، ثم اغلقت واعيد افتتاحها عام 1959 ، وكانت تضم فرقة للغناء الفولكلوري الارمني .. كما كانت جمعية الشبيبة الارمنية الارمنية قد تأسست منذ العام 1926 ، وانبثقت عنها عام 1954 فرقة كورال ( كوميداس ) للغناء الفولكلوري الارمني ، واشتهرت بعروضها الرائعة في الخمسينيات . مع جمعية ثقافية في البصرة فضلا عن جمعيات خيرية في كل من الموصل وبغداد والبصرة .. أما النادي الرياضي الارمني ( الهومنتمن ) ، فقد تأسس عام 1949 . وتأسست الجمعية الثقافية لنساء الأرمن عام 1961 .. وكان لهذه الجمعيات والنوادي حرياتها في ممارسة أدوارها الثقافية والحضارية بإقامة الأمسيات الثقافية والاجتماعية والعروض والمهرجانات الرياضية من دون أية معوّقات أبدا .. وحقق بعضها انجازات مهمة باسم العراق مهمة. وقد رفد الارمن العراقيون انفسهم وعلى مدى سنوات طوال بالثقافة الخاصة بهم ، وخصوصا خلال النصف الاول من القرن العشرين ، فبرز منهم نخبة من المختصين والمثقفين والمبدعين الذين ساهموا مساهمات حقيقية في خدمة المجتمع العراقي في حقول مختلفة ، حتى بدأ التضييق عليها لاحقا .
4/ المطبعة والصحف الأرمنية
كانت أول مطبعة أرمنية قد تأسست في بغداد عام 1874، والتي من خلالها ، طبعت كتب المناهج المدرسية وصحيفة بونج بعد صدورها عام 1890 [16]. لقد اصدر الأرمن العراقيون عدة صحف ونشرات وأدلة عمل ، إذ صدرت في بغداد عدة صحف أرمنية، منها صحيفة مدرسية مطبوعة باسم ( بونج : تعني الباقة ) منذ عام 1890 ، واستمرت تصدر على مدى سنتين. ثم صدرت صحيفة ( تايكرس : أي دجلة) عام 1924 ، ولكنها توقفت بعد بضعة إصدارات. ثم صدرت صحيفة ( كويامارد : تعني صراع الوجود) الأسبوعية للفترة 1948-1954، وأعيد نشرها للفترة 1957-1958. وكانت مدرسة الأرمن المتحدة الأهلية تصدر صحيفة ( كايدز) ( أي : الشرارة) المدرسية ، مع إصدار الكتاب السنوي باسم (ماشدوتس). كان هذا ” الكتاب ” قد وثق الحياة المدرسية بكل أنشطتها وفعالياتها وحياة الجماعات الارمنية في العراق منذ ستينيات القرن الماضي وحتى تأميم المدارس الأهلية في العراق عام 1974.. واليوم ، لا توجد للأرمن العراقيين أية صحيفة تعبر عن ذاتهم ، باستثناء نشرات تصدرها مطرانية الأرمن الارثودكس في العراق باسم ( كانتيغ ) ( تعني : القنديل ) إلى جانب نشرات أخرى متفرقة .
انتهت الحلقة الاولى وتليها الحلقة الثانية الموسومة : حذاقة الصنّاع وعظمة المشاهير
نشرت في ايلاف ، 16-17 اكتوبر 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com