هنا، ينبغي على القراء والمثقفين والمختصين العرب ان يكونوا اذكياء في قراءة ما يكتبه الأميركيون عنّا بالذات. وارى ان هناك تواريخ ممتازة وتنتج برفقتها تواريخ مزيّفة. ولكن رغم تطورها، الا ان المدارس البريطانية تعد صاحبة ثراء في المعلومات والتحليلات الامبريقية للتجارب الجزئية! وهذه نقطة خلاف جذرية مع الأميركيين الذين تختلط عندهم الحالات، في حين تعتمد المدارس الفرنسية على الرؤى الكلية ودراسة الظواهر الكبرى. اما الالمان فيؤكدون في مدارسهم على الفلسفات الجدلية والركون دوما الى النصوص. ان الأميركيين تختلط عندهم المفاهيم ايضا، بحيث لا يمكنك ان تقف على أرضية واحدة، اذ سرعان ما تجعلك تهتز لتقفز الى مكان آخر، فلا يمكنك التحرك على ارضيته لفترة من الزمن!
ومن خلال تجربتي المتواضعة المقارنة في العيش في اربع قارات: آسيا وأوروبا وأفريقيا واميركا الشمالية، اجد أن الاميركيين لا يمكنهم الاعتماد على ما يقوله كل المؤرخين، اذ انهم يعتمدون رأي عدد محدد منهم، بخلاف الاوروبيين الذين يحرصون حرصا كبيرا على ان يكون دليلهم وخبيرهم ومستشارهم عدد متنوع من المؤرخين وحتى الآثاريين والجغرافيين وعلماء الاجتماع والانتربولوجيا.
ان العرب لا اجدهم قد استفادوا البتة من كتاباتهم التاريخ ولا أقول قراءاتهم له، لأنهم لم يعرفوا غير السرد والنقل والتكرار لمجرد بناء سلسلة أحداث، او تركيب فقرات، او سير أشخاص. هذا ان لم يستسلموا لتسجيلات كتب معينة. انهم يسحبون التاريخ إليهم ليعيشوا معه، وليس في استطاعتهم ان ينتقلوا الى مسرح التاريخ زمناً ومكاناً ليتفاعلوا مع الأحداث من أجل تشكيل فهم معين، وأنهم لا يقرأون التاريخ من اجل بناء ذاكرة تاريخية تسهم في معالجة الحاضر وبناء المستقبل، بل يتشدقون به من اجل التفاخر او التناحر او الاحياء او اشباع رغبات السلطة، سواء كانت سلطة دولة ام سلطات مجتمع!!
نشرت في مجلة الاسبوعية ، 10 / 10 / 2010 ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com