رموز واشباح
الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد
طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958
لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟
أ.د. سيّار الجميل
ارسل السفير الاميركي ببغداد فالديمار غالمان Waldemar J. Gallman ( حياته بين 1899- 1980) ( وسفارته ببغداد بين 1954- 1958) العدد الكبير من البرقيات والشفرات الى وزارة الخارجية الاميركية منذ فجر يوم 14 تموز / يوليو 1958 وحتى يوم 15 منه ، ولكن لم يتح لأحد الاطلاع عليها كاملة ، اذ ان بعضها مخفيا عن الانظار حتى الان ، وكم حاولت ان أطلّع عليها سواء من خلال مكتبة الكونغرس في واشنطن دي سي ، او غيرها ، ولكنها لم تزل ضمن الارشيفات السرية ، وقد حصلت على ثلاث برقيات فقط بعضها متقطّع المعلومات ، وقمت بترجمتها ونشرها ، وهي تتضمن بعض ” المعلومات ” ، ولكن تتخللها فراغات عديدة يكتب فيها بين قوسين ” لم يتم رفع السرية عنها ” بمعنى هناك اسرار جدا خطيرة تخشى الدوائر الاميركية البوح منها حتى اليوم بدليل عدم فتح الشفرة الخاصة بها ، اولا :كشف المستور تاريخيا عن شخصيات عراقية وعربية وغربية وارتباطهم بدوائر معينة . ثانيا :كشف تورّط جهات دولية سواء في الشرق الاوسط او العالم بالحدث .. وبعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث .. اضافة الى ذلك ان عددا كبيرا من البرقيات وكلمات مرسلة بالشفرة لم يكشف عنها حتى اليوم، وأتوقّع ان اتصالا وتنسيقا قد جرى بين الدائرة الخارجية الاميركية وبين جمال عبد الناصر منذ العام 1956 من اجل تغيير جذري في العراق وساهم فيه عراقيون وغير عراقيين ، ولما حدث التغيير ، انتهت مهمتهم وقلب عليهم ظهر المجن ، وساهمت في احداث الانفصال بين اقليمي الجمهورية العربية المتحدة ، واعادة العلاقات السيئة ضمن حرب باردة بين مصر والعراق . هنا ، تهمّنا الاسباب والعوامل الخفية التي ساهمت في تغيير العراق بالذات ، ومن كان وراء تلك اللحظة التاريخية الصعبة .
دعوني اليوم انشر ترجمة احدى البرقيات واقوم بالقاء تساؤلات مهمة :
برقية
العلاقات الخارجية للولايات المتحدة ، 1958-1960 ، منطقة الشرق الأدنى ؛ العراق؛ إيران ؛ شبه الجزيرة العربية ، المجلد 12
112. برقية من سفارة العراق إلى وزارة الخارجية .
بغداد ، 14 يوليو / تموز 1958 ، الساعة 11 مساءً
١١٧ – فيما يلي تقييم للسفارة للحالة نتج عن انقلاب اليوم. يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه على الرغم من أن لدينا بعض الاتصال الهاتفي مع شهود العيان على الأحداث اليومية ، فقد تم حظر عناصرنا من خلال حظر التجول ، ولم تصدر الإذاعة التي يسيطر عليها المتمردون سوى القليل من الأخبار.
1. لا تزال الحركة تبدو محلية وذات طابع عسكري بشكل أساسي. يبدو أن القوات الجوية تدعم المتمردين. لا توجد أي إشارة حتى الآن على تحرك مضاد تقوده أي قوى موالية.
2. الحماس المحلي للانقلاب كبير ، وهناك احتمالية أنه لن يكون أقل شعبية في المناطق الإقليمية.
3. شخصية الانقلاب معادية بشدة للغرب وموالاة لعبد الناصر. (كانت الجماهير تصرخ بشعارات مؤيدة لجمال عبد الناصر وتحمل صور عبد الناصر في الشوارع ). .
4. على الرغم من أن أمريكيين ، وفقا للتقارير الحالية ، قتلا في الاحداث ، ولكن لا توجد علامة على أي شعور قوي مناهض للولايات المتحدة حتى الآن. بالطبع أي تدخل أمريكي في لبنان مع الأسطول السادس أو خلاف ذلك سيؤدي إلى عداء قوي بين الناس تجاه الولايات المتحدة.
5. تم تخفيف حظر التجول إلى حد ما في وسط المدينة ولكن لم يكن هناك أي نشاط في محيط السفارة ، حيث يسود الهدوء.
6. من المثير للاهتمام وربما المهم أنه حتى الآن لم يقم أي مدني مسؤول في النظام الجديد بمخاطبة الجمهور في الإذاعة أو غير ذلك. قد يعكس هذا قدرا من التردد من جانب العنصر المدني في الحكومة. والدليل المحتمل على هذا الموقف هو الافتقار التام تقريبًا لتوجيه المعلومات للصحافة المحلية.
غولمان
1. المصدر: وزارة الخارجية ، الملفات المركزية ، 787.00 / 7-1458. سر؛ نياك. كرر اتصاله بعمان ولندن وبيروت وأنقرة وكرر ذلك إلى طهران ودمشق والقاهرة وتل أبيب والقدس. تم الاستلام الساعة 6:58 مساءً
1. طبقاً للبرقية 116 من بغداد ، 14 يوليو / تموز ، منتصف الليل ، اعتقلت القوات العسكرية العراقية عشرة أجانب في فندق بغداد الجديد ، لكن الغوغاء أمسكوا بهم وسحبوهم من أيدي الجنود. وضمت المجموعة كل من يوجين بيرنز من سوساليتو ، كاليفورنيا ، وجورج كولي ، الابن ، من سان فرانسيسكو ، رئيس قسم ما وراء البحار في بكتل ، ويعتقد أن كليهما مات. ونُقل أمريكي ثالث هو خوسيه كارابيا من الفندق وضُرب ضربا مبرحا . بالإضافة إلى ذلك ، ذكرت هذه البرقية أنه لا توجد تقارير موثوقة حول مصير نوري السعيد أو الملك فيصل. (المرجع نفسه). وفي وقت لاحق ، أفيد عن وفاة أمريكي آخر ، روبرت دبليو ألكوك ، وافتراض أنه مات .
انتهت البرقية
اسئلة لابد من التفكير فيها
اولا : اذا كانت هذه ” البرقية ” تحمل رقما لما بعد المئة ، معنى ذلك ان هناك من قبلها اكثر من مئة برقية قد ارسلت على مدى ساعات ذلك اليوم .ما الذي كتبه غالمان فيها ؟
ثانيا : اذا كان مصير نوري السعيد لم يعرف حتى تلك اللحظة التي كتبت فيها ” البرقية ” ، فهل يعقل ان السفير الامريكي لم يتأكد من مصرع فيصل الثاني بعد هذه الساعات من ذلك اليوم الخطير ؟
ثالثا : اين كان اولئك الاميركان حتى يقتلهم العراقيون ؟ وماذا كانوا يفعلون في الشوارع ؟ هل كانوا في طريقهم الى السفارة الاميركية ببغداد ؟ ام في مكان آخر ؟
رابعا : هل كانت كل الحناجر العراقية تهتف باسم جمال عبد الناصر في شوارع بغداد الحارقة ؟ ولماذا تمّ التركيز على جمال عبد الناصر بالذات ؟
خامسا : لما قرأنا كتاب غولمان الذي نشره لاحقا باسم Iraq under General Nuri والذي قمت بدراسته وتحقيقه وتقديمه مؤخرا بعنوان : ” عراق نوري السعيد ” ( 2015) ، لم نجد اي ذكر لما قام به من ارساله لهذا العدد من البرقيات والشفرات التي كانت تتابع ولادة الحدث منذ فجر 14 تموز وحتى اليوم التالي منه ؟
Cf. https://history.state.gov/historicaldo…/frus1958-60v12/ch
انتظروا الحلقة القادمة والبرقية الاخرى مع التقدير >
تنشر يوم الاحد 12 تموز / يوليو 2020 على الموقع الرسمي للدكتور سيار الجميل
https://sayyaraljamil.com/wp/