لمن لا يعرفه ، فهو باحث واكاديمي ومؤرخ نشط ، شاب ينتمي الى جيل ذروة العطاء ، اصدر مؤخرا ستة مؤلفات دفعة واحدة . جميعها تدور حول الهم القومي ، ومحاولة توظيف اللحظة التاريخية المشرقة لتخدم الحاضر وتؤسس للمستقبل ، يمزج بموضوعية بين التطّلع والواقعية ، والمهم لديه ليس التمسك بالحلم فقط ، بل وبايجاد الكيفيات التي تمكننا من تحقيق الحلم .. او بعضه مرحليا .
سّيار يعاني كما هو جيله ، جيل ذروة العطاء ، من ذلك التشبث الغريزي للجيل الاقدم ، حيث يرفض الاخير ان يعطي اعترافا واضحا بجيل ذروة العطاء والتسليم بدورة الحياة ، جيل يسلّم الى جيل ، بل ويصّر على انه لا زال في موقع الفعل وبالتالي يتمسك بمكان القرار بكل مستوياته وانواعه الرسمية والشعبية والاكاديمية .
سيار ينتقد بأدب جم كذلك ، تلك الموجة من الاشخاص الظاهرة الذين لم يتربوا تربية ديمقراطية مع انهم اكثر من يتشدّق بهذه الكلمة ، ويستشهد بحوارات هؤلاء العلنية ، بحيث لا تحمل نقاشاتهم الا مفردات التخوين والاتهام والمزايدة على بعضهم البعض ، والتي تخلو من كل معنى حضاري ومن اية مضامين يمكن ان يتولد عنها عمل ما ، ويقول ان هؤلاء واذا ما اتيحت لهم الفرصة ، فانهم لن يترددوا باستعمال الرصاص بدل الكلمات .
وقد سار سيّار نحو الحقيقة ، فالحال العربي هو هو ، على امتداد الرقعة العربية ، فالجيل الاقدم يصّر على ان يستمتع في سن التقاعد وهو في موقع القرار ، والنتيجة ان وجود هذا الجيل في الواجهة يعني تقاعد القرار نفسه ، وهي الحالة التي تنبئ بانهيار .. مثل ذلك الذي اسقط الاتحاد السوفييتي ، فنحن ومهما عددنا من عوامل ادت الى سقوط هذا العملاق ، فان تشبّث القيادات المتقاعدة في مواقعها ، هو من اهم عوامل السقوط . وكانت النتيجة ان تقاعد القرار بتقاعدهم ، ومن ثم انهارت المؤسسة كلها .
اما بعض جيلنا من المحسوبين على النخب الواعية ، او الذين تسللوا الى مواقع النخبة ، فان اصواتهم العالية الفجّة ، لا تسمح بالهدوء المطلوب للتفكير بحال الامة وسبل خروجها من مأزقها الراهن .
ان ذلك يذكّرني بالمقولة النقدية ، العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ، وهو الحال العربي ، جيل الذروة ، محاصر بين فكي كماشة ، جيل متقاعد عمليا لكنه يصّر على ان يبقى فوق السرج وبعض جيلنا ، الذي امتهن المزايدة والمناقصة وتوزيع الاتهامات واستمرأ الضجيج ، فكانت حالة من الاستئثار والصخب ، ضيّعت العقل واسكتت رواده .
المهندس سمير حباشنة
وزير الثقافة ووزير الداخلية والنائب في البرلمان الاردني سابقا
جريدة الرأي الاردنية ، العدد 9992 15 يناير / كانون ثان 1998 .
Check Also
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …