ألقى الدكتور سيار الجميل محاضرة غاية في الأهمية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كان موضوع تلك المحاضرة جمال الدين الأفغاني. وأشار الدكتور الجميل إلى أن الكثير من الباحثين يشككون في نسب الأفغاني لكونه يغير اسمه في كل بلد يحل فيه فهو على سبيل المثال جمال الدين الحسيني عندما يكون في إيران، وجمال الدين الكابلي عندما يكون في كابل أو الأفغاني وكذلك سمى نفسه جمال الدين الرومي. كان في مصر يلقب نفسه كما أورد الدكتور الجميل بجمال الدين الأفغاني، وتذكر الوثائق التي أوردها محاضرنا الدكتور سيار بأن جمال الدين كان يلقب نفسه ألقابا مختلفة كقوله (الكابلي، الروسي، الطوسي، الأسد أبادي (…). لم يكتف بتغيير لقبه في كل بلد ينزل به بل راح يغير زيه بزي البلد الذي ينزل فيه ففي إيران يلبس العمة السوداء شعار الذين يدعون أنهم سادة، وعندما يكون في مصر يلبس العمة البيضاء، وفي تركيا يلبس الطربوش، وفي الحجاز كان يلبس العمامة والعقال أو العمامة المكية والغبانة.
أستاذنا الدكتور سيار وهو يشير إلى تغيير زي / لبس الأفغاني حسب القطر الذي ينزل فيه يعلم أن العادة جرت عند الكثير من الناس أنه إذا انتقل مواطن عربي على سبيل المثال من الذين يرتدون الغترة والعقال والثوب إلى البلد الذي يرتدي البنطال وربطة العنق والجاكتة أو القميص فانه يقلد ذلك المجتمع في لبسه وفي كثير من عاداته لاتقاء شرور ذلك المجتمع أو لكي لا تتحول الأنظار إليه، لكني اسأل وهل كان ارتداء الأزياء المختلفة تدلل على اتجاه فقهي أو سياسي أو مذهبي أم أنها ” تقية “؟ والحق أن العالم المؤرخ سيار الجميل لم يسبب لنا لماذا كان يغير اسمه وملبسه من بلد إلى آخر يقول الشيخ الغزالي في هذا الموقف ” ما قيمة التشكيك في أن يكون جمال الدين إيرانيا، أو أفغانيا، أو سودانيا فما يستمد الرجل شرفه من موطن ولادته إنما يستمد عظمته من سيرته وتراثه والأصداء البعيدة التي تركها في العالم الإسلامي فا يقظته من سبات “، ويقول عنه محمد عماره أن الأفغاني ” هو موقد الشرق وفيلسوف الإسلام ” يشير جمهور من الباحثين في مصر إلى أن الأفغاني هو أبو الثورة العرابية في مصر وأنه كان يدعو إلى الثورة والحرية والدستور فغضب منه الخديوي إسماعيل وطرده من مصر إلى الهند .
(2)
الدكتور سيار الجميل يروي أن جمال الدين الأفغاني رد على منتقديه في قصيدة طويلة يقول فيها: “يعتقد الإنجليز بأنني روسي أي عميل لروسيا في ذلك الزمان، ويعتقد المسلمون بأنني مجوسي، ويحسب السنة أنني رافضي، ويخال الشيعة أنني ناصبي وبعض أصحاب الرفاق الأربعة.. من الوهابيين!، ويتوهم بعض أتباع الأئمة (الاثني عشرية) إنني بأبي! ويظن المؤمنون بالله بأنني مادي، ويعدني العلماء جهولا ويسئ المؤمنون بي الظنونا، يظنون أنني كافر… ولكن؟ لا الكافر يدعوني لكفره ولا المسلم يعدني من المسلمينا ! منفي أنا من المسجد… منبوذا من المعبد ! ويستمر في قصيدته إلى أن يقول لو تخليت عن عقيدة معينة أقررت أخرى..، ولو أقررت فكرة شددت قوة أصحابها على ما يناقضها !، وعليه، فلا سبيل أمامي للفرار من قبضة أي جماعة..، ولا مكان لي في صراع أعدائها !، جالس أنا في بالا حصار بقلب كابل…، مكبل اليدين… كسيح الساقين !، انتظر طويلا رؤية ستار الغيب وهو ينفتح أمامي…، فيسفر لي عن أي قدر خباء لي دوران هذا الفلك الشرير !
لا شك بان الأفغاني يعلم جيدا ما يقال عنه ولكن لا سبيل لإقناع الخلق كلهم ببراءة الأفغاني الشكوك كانت تطارده وطرد من مصر رغم كثرة تلاميذه وأتباعه ومنهم محمود سامي البارودي وغيره من رجال مصر الذين لم يستطيعوا تقديم أي موقف يحميه من الترحيل عن مصر التي أحبها وهو صاحب مجلة العروة الوثقى التي شاركه في تحريرها من باريس بعض رواد النهضة في مصر ولكنها رغم ذلك منعت من دخول مصر وسجن في إيران اتهم بكل التهم بما في ذلك الماسونية.
سؤالي هل هذه سيرة العظماء في التاريخ يلاحقون ويظن بهم كل الظنون من هنا جئت لاستنتج لماذا كان جمال الدين يغير اسمه ولماذا كان يرتدي أردية مختلفة حسب المكان. لأنه كان يشتغل بالسياسة ويدعو إلى الحرية والعدالة والمساواة وكان ثائرا ضد الظلم والاستبداد كما يقول بعض المؤرخين فكان عليه أن يتخفى بأسماء مختلفة وملابس لا تجذب الانتباه إليه.
آخر القول: ما أردته من هذه المقالة هو الإشادة بجهد الأستاذ الدكتور المؤرخ سيار الجميل على تعمقه في ملاحقة الأفغاني وعمق بحثه في كل مسألة يتناولها، أما أنا فأعلن أن محاضرة الدكتور الجميل تدفعني لملاحقة تاريخ ومواقف الكثير من الرموز الفكرية الدينية في ماضي الأيام .
نشرت في الشرق القطرية ، 25 يناير / كانون الثاني 2013. ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
كلمة إنصاف مطلوبة بحق الأستاذ الدكتور سّيار الجميل
عندما يبدأ الكاتب المثقف في معالجة مشكلات عامة, سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية, …