عندما يبدأ الكاتب المثقف في معالجة مشكلات عامة, سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية, يتحول بالضرورة إلى إنسان يعالج الشأن العام وتصبح المواد التي يكتبها تحت تصرف القارئات والقراء ومعرضة للمطالعة والتحليل والتدقيق والنقد. وهو أمر مفيد جداً وضروري لكي تتطور المسؤولية المشتركة في تحسين مستوى الكتابة والبحث والتوثيق العلمي لما يكتب وينشر. وليس فينا من يشك بأهمية هذه الممارسة العقلانية, إذ أنها الطريق للمعرفة العلمية والإغناء والتطوير وتنشيط الحوار الموضوعي البناء الذي لا يتخلى عن احترام الرأي الآخر بالرغم من الاختلاف معه. وهذه الظاهرة قائمة وإيجابية, إذ أنها تساعد على انتعاش الحوار وتبادل وجهات النظر دون تردد أو خشية الإساءة وسوء الفهم.
ولكن بجوار هذه الظاهرة الإيجابية والحضارية نلاحظ وجود من يحاول أن يتجاوز على الكتاب والمثقفين الذين يبذلون جهداً فكرياً وعلمياً في طرح وجهات نظرهم واجتهادهم حول هذه القضية أو تلك, بغض النظر عن مدى صواب أو خطأ ما يطرحوه للنقاش. وتزداد أهمية ذلك عندما ترتبط هذه القضية أو تلك ضمن اختصاص وبحث الأخوات والأخوة الكتاب. وهذا التجاوز لا يسيء إلى الكاتب المثقف ذاته, بل هي إساءة مباشرة إلى المتجاوز ذاته حين يستخدم عبارات لا تليق بأدب الكتابة أو التجريح غير المطلوب أو تصور أن الكاتب عدو يريد الإساءة له أو لجماعة إثنية أو دينية أو مذهبية معينة. وهذه الظاهرة سلبية جداً ولا تساعد على تطوير البحث وتبادل وجهات النظر بحرية.
قبل فترة وجيزة نشر الأخ والصديق الأستاذ الدكتور سيّار الجميل, وهو باحث علمي ديمقراطي علماني وأكاديمي متميز, مقالاً حول الأيزيدية. وهي وجهة نظر تستوجب الدراسة والتمحيص والتحليل والنقد, بغض النظر عن مدى صحة الآراء التي وردت فيها أو خطأها جزئياً أو كلياً. ويحق لكل إنسان, وخاصة الكتاب من أتباع الديانة الأيزيدية أو العارفين بها, المشاركة في النقد وإبراز الجوانب الإيجابية والسلبية في ما عرضه الزميل الفاضل. وهو أمر ضروري ومهم ومفيد للجميع. وقد برز بعض الأخوة, ومنهم الأخ الدكتور ميرزا حسن دنايي, بصواب حيث كتب وجهة نظره بكل احترام ومن منطلق رؤيته للمسألة, وأدان الأسلوب غير المناسب الذي كتب بهذا الصدد.
لقد نشرت في الآونة الأخيرة كتابات كانت مليئة بالكلمات الخشنة والنابية والسيئة التي تثير الشفقة على كتابها وليس على الزميل الدكتور سيّار الجميل. فليس من مصلحة الأخوة الباحثين الأيزيديين الإساءة إلى أصدقاء الأيزيدية بغض النظر عن مدى قناعتهم بعروبة أو كردية الأيزيديين, إذ يمكن عبر الحوار الهادئ والبناء أن تدرس هذه القضية وليس عبر أساليب لا تمت إلى البحث العلمي والكتابة الودية بصلة.
كم أتمنى على هؤلاء الكتاب أن يدركوا بأن الاختلاف في الرأي ليس سبة بل فضيلة وهو الطريق للوصول إلى التفاعل المتبادل والمعرفة الأفضل.إن الأيزيديين هم بحاجة إلى دعم كل الناس الطيبين في العالم, وخاصة دعم الناس الذين يدركون مدى المعاناة التي مّر بها أتباع هذه الديانة العراقية القديمة, وهم في غنى عن أعداء جدد عبر الإساءة للباحثين العلميين بغض النظر عن مدى قناعتنا بأبحاثهم.
أتمنى على هؤلاء الأخوة أن يدركوا ويقتنعوا بأن الصواب لا يكمن في الشتائم والإساءات, بل في طرح الرأي بكل موضوعية والمشاركة بتوضيح الخطأ والصواب في الرأي الآخر, وليس في الإساءة لصاحبه. تحية لكل باحث علمي حر وجريء يطرح وجهات نظره بثقة وقناعة, ولكن لا يرفض الرأي الآخر ولا يسفهه, بل يحاوره بموضوعية وأناة, تحية إلى الزميل الفاضل الأستاذ الدكتور سيّار الجميل على ممارسته هذا النهج, مع اختلافي معه في وجهة نظره إزاء الكرد الأيزيدية.
22/2/2007 كاظم حبيب
مواقع عديدة
شاهد أيضاً
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …