تحت عنوان ( الرسالة وصلت) وبتأريخ 31 كانون الثاني 2006 أعلن الدكتور سّيار الجميل ، هذا الكاتب العراقي الثر والباحث الاكاديمي المثقف ، عن توقفه عن الكتابة في الشأن العراقي والاوضاع السياسية الحالية ، كما يعتذر عن البوح بالاسباب التي دعته الى هذا الاجراء.
ومع ان المرء يتوقع مثل هذه الظواهر ، والتي لايمكن لمثقف ان يجهل ما وراءها ، دون ان يحتاج الى بوح الكاتب باسبابها ، فان حالة الاحتجاج والغضب تجتاحنا على فقدان قلم فذ اغنى بالتحليل الساحة الثقافية والسياسية ، في وقت ترفع قوى التخلف والجهل والارهاب عقيرتها وسلاحها في اوجهنا وتحاصرنا لا في بيوتنا في العراق فحسب ، بل وحتى في بلدان كنا نشعر بالامن والامان فيها. وكما كان نور الكلمة والثقافة والعلم مخيفاً لخفافيش الجهل والقتل في كل الازمان ، فانه اليوم يدفعها الى ارتكاب افحش الاعمال وارهبها مرة متسترة بستار ومرات عارية وبلا (ستر) لاجل اسكات الكلمة الحرة والشريفة ، الكلمة التي تواجه العنف والتخلف والارهاب بمدادها فحسب .
كنت اتوقع ( ولا ازال) ان لايتحول المثقف والكاتب والقارئ الى متفرج على ظاهرة خطيرة مثل هذه ، يراد بها اعادتنا قرون الى وراء ، وان يتم استخدام كل الوسائل الاعلامية المتاحة لكشف وفضح تلك القوى الظلامية والحاقدة على كل ماهو حضاري ومتنور . و الشعارات ليست كافية ، والزعيق لا يهزم هذه القوى الظالمة ، لابد من تعاون حقيقي بين كل شرفاء الثقافة والكلمة لكشف من يقف وراء مثل هذه الظواهر و مواجهة مغاو ير الارهاب ، ومواخيره !
واقول للدكتور الجميل ، لقد كنت نسراً حقيقياً وانت تكتب في الشأن العراقي ، نسراً جميلاً يفرش جناحيه في العلا ، فلا تدع هذه الغربان تنزلك من سمائك الشماء ، هؤلاء همج و تعلموا ان يعيشوا على فطائس الجهل والتخلف ، وان تلحفوا بالقاب و عناوين ، اما انت وكل كاتب عراقي حر يمثل الروح العراقية الموحدة بكل الوانها واطيافها ، فنسر، وعالمكم اسمى .
ودعني اهديك هذه الحكاية :
((….ذات مرة سأل نسر غراباً : قل لي ، ايها الغراب ، لماذا تعيش أنت في الدنيا ثلثمائة عام ، بينما لا اعيش انا غير ثلاثة وثلاثين عاماً ؟ أجابه الغراب لأنك ياصاحبي ، تشرب الدم الحي ، بينما أنا آكل الفطيسة، . فكر النسر ثم قال له : يجب أن أحاول أكل نفس الطعام . حسناً . وطار النسر والغراب . ورأيا حصاناً فاطساً . فهبطا وحطا . أخذ الغراب ينقر، وتلذذ ، بينما نقر النسر مرة وأخرى ، ورف بجناحيه ، وقال للغراب : لا ، ياعزيزي الغراب ، أن أشرب دماً حياً خير من أتغذى ثلاثمائة عام على الميتة ، والغيب عند ربي !…))*
فرف بجناحيك أيها الكاتب الجميل ، ودع الغربان تتلذذ بفطائسها !
*
من قصة ابنة الآمر- كتاب (مختارات نثرية ) للكاتب الروسي العظيم الكسندر بوشكين – دار رادوغا 1984
شاهد أيضاً
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …