المقدمات
استمراراً لما قامت به إدارة القسم السياسي في أضواء العراق، من استضافة الشخصيات السياسية للحوار معها حول الوضع السياسي في العراق، كان ضيفنا لهذه المرة هو المفكر والباحث والمؤرخ السياسي الشهير الدكتور سيّار الجميل، وكان حوارنا مع ضيفنا العزيز مطولاً وشاملاً، تناول جوانب تاريخية واجتماعية وسياسية من الوضع العراقي، وقد أسهب الدكتور سيّار الجميل في الحديث عن القضية العراقية من كل جوانبها، وتحدث بصراحة شديدة، وقاسية أحياناً، عن مكامن الخلل في الوضع العراقي الراهن، فكل الشكر للأستاذ الدكتور سيار الجميل المفكر والمؤرخ العراقي على هذا الحوار المفيد، وعلى اتاحته هذه الفرصة الثمينة ليتحدث للعراقيين عامة ولشريحة الشباب منهم بشكل أخص عن رؤيته لما يجري في العراق، فنقدم الشكرالجزيل باسم الأخوات والأخوة في أضواء العراق للأستاذ الدكتور الجميل على حديثه الشامل والصريح والمفيد، وعلى ما خصصه لنا من وقت وجهد..
نبذة عن حياة الدكتور سيار الجميل:
سيار الجميل استاذ التاريخ الحديث والفكر المعاصر…أحد أهم المفكرين العرب..تجربته العلمية والفكرية ثرية بثراء أفكاره حيث بلغ إنتاجه العلمي والفكري أكثر من عشرين كتاباً منشوراً وعشرات البحوث العلمية المنشورة في العربية والانكليزية. نشر المئات من المقالات الفكرية والسياسية والنقدية في العديد من الصحف العربية والاجنبية. ترجمت بعض أعماله الى الانكليزية والفرنسية والتركية. اكمل دراساته في الجامعات البريطانية عام 1982 ونال دكتوراه الفلسفة في التاريخ الحديث .. حصل على عدة جوائز دولية وتخرد على يدية العديد من حملة الماجستير والدكتوراه .. وهو عضو مزامل في عدد من المؤسسات الاكاديمية والمراكز العلمية والمنتديات الفكرية في العالم .
وهو خبير دولي في الدراسات الاجتماعية والثقافية لعدد من المنظمات وادار بعض ورشات العمل البحثية ووحدات البحوث ، كما شارك في كتابة موضوعات مختزلة للانسكلوبيديا الاسلامية والانسكلوبيديا التركية وموسوعة تاريخ الثقافة البشرية الحديثة ( اليونسكو.)
كما اشترك مع علماء آخرين في دراسات مشتركة ، منهم : سمير امين وبيتر بيرك وخليل انالجيك وغيرهم .
للمزيد عن سيرة ومقالات الدكتور سيار الجميل يرجى الدخول الى موقعه الشخصي
http://www.sayyaraljamil.com/Arabic/index.php
الحوار
1. دور المثقف، وبالأخص المثقف السياسي، في عراق اليوم، هل تجدونه غائباً أم مغيباً؟، وكيف السبيل لاستعادته بالشكل الذي يؤدي فيه دوراً فعالاً في الساحة السياسية العراقية؟
ـ المثقف العراقي موجود وله قيمته وقوته مقارنة بالمثقفين العرب اليوم ، ولكن صوته غائب او مغّيب ، فكيف اذن دوره ؟ المثقف السياسي العراقي اجده قد علمته التجارب المريرة كثيرا ، وعاش في خضم ازمات الصراع ، ولكن لا دور له الان ابدا لا على مستوى الفعل ولا على مستوى القرار ولا على مستوى المجتمع المدني .. واعتقد ان ثمة موانع تقف في وجهه ، بسبب قوة كلمته ، ومدى تأثيره في المجتمع ومدى نزعته في اعادة بناء المؤسسات .. وهذا ما يقف حائلا ازاء القوى السياسية المهيمنة على السلطة باسم ( الديمقراطية ) ، فضلا عن تهميش متعمد من قبل المحتل الذي لا يريد اي عامل ضغط باتجاه صنع عراق جديد .. اما بالنسبة لاستعادته وتفعيل دوره ، فليس من سبيل الا المطالبة بتجسير الهوة الكبرى بينه وبين الواقع السياسي المهيمن تحت مانشيتات معروفة .. المثقف الحقيقي هو المرتبط بارضه ومجتمعه ارتباطا عضويا ، فهو الذي يطالب بالتغيير على عكس اغلب السياسيين الذين لا تربطهم بالعراق الا مصالحهم الخاصة .. المثقف الحقيقي ليس طفيليا باستطاعته جلب اصوات ، او شراء ذمم ، او نشر مليشيا من حوله .. وعليه ، فهو الوحيد الذي يدفع دمه وحياته ثمنا اذا ما اراد التغيير بصوته او قلمه او رأيه وموقفه .. المطلوب تآلف كل المثقفين العراقيين في نخب فاعلة ومواجهة الواقع القائم مواجهة صريحة من دون اي انكسارات او تبعيات او مناورات او اي نفاق ومداهنات .. وليس للمثقفين العراقيين الا ان يستجيبوا للتحديات القاسية ولا ينهزموا من الميدان سواء كانوا في الداخل ام في الشتات . المشكلة ان المثقفين العراقيين في الخارج زادت معاناتهم كثيرا عّما كانت عليه في السابق .. فاذا كان حتى اليوم مهمشا في الداخل ، فكيف تريد الاخر ينظر اليه ؟
2. خمس وثلاثون عاماً مرت على العراق، من حكم الحزب الواحد، ثم حكم الشخص الواحد، صاحبتها فرض آيديولجية وثقافة واحدة على العقل العراقي .. هل يمكن تجاوز ذلك في سنوات قلائل؟ وما هو واجب المثقفين والأكاديميين في هذه المرحلة التي أنطلق فيها العقل العراقي الى فضاءات اوسع حتى وجد نفسه ضائعاً بين الكثير من الاتجاهات والآراء؟
ـ لقد كتبت ونشرت منذ العام 2000 ، بأن العراق بحاجة الى عشر سنوات على الاقل باستطاعة ابنائه ومثقفيه وسياسييه واكاديمييه التخلص من بقايا وآثار العهد السابق .. هذا كان على أمل ان تكون العملية قد سارت في الطريق الصحيح ، ولكن ما جرى ويجري حتى اليوم من تفاقم التناقضات الى الدرجة التي بات فيها الواقع العراقي متحولا من سطوة الاحادية والدكتاتورية الى شرذمة التقسيمات واشاعة الهويات على حساب المشروع الوطني الحضاري .. ناهيكم عن انقسام المجتمع السياسي العراقي الى قسمين اثنين : ديني ودنيوي .. فان انطلاقة العقل العراقي بحاجة الى سنوات اكثر ومدة اطول .. بمعنى الرهان على جيل جديد قادم . المشكلة ، ان الجيل العراقي الجديد يترّبى اليوم على اساليب تربوية واعلامية لا علاقة لها بأي مشروعات حضارية ومدنية .. وانه جيل منقسم على ذاته ايضا ، ويعيش فوضى جماعية من سطوة التناقضات التي خلقتها الاحزاب الدينية والمناخات التقليدية التي لا تستقيم ابدا وروح العصر . انني اعتقد ان مخاضنا العراقي صعب جدا ، اذا لم تحدث اية متغيرات جذرية على مستوى العصر ضد التخلف وتبعية الماضوية ، وانفتاح مجتمعنا على العالم انفتاحا معرفيا وفكريا .. وتخليصه من آفات الاعلاميات والفضائيات العربية والعراقية . ان العقل العراقي الذي عاش مكبلا طوال خمسين سنة ، لابد ان يتحرر ليس من ايديولوجية الحزب الواحد ، بل ان يتحرر ايضا من تناقضات الاحزاب الدينية والاتجاهات الانقسامية الشوفينية والطائفية والعشائرية والقبلية .. دعنا ننتظر المرحلة القادمة ، فربما تحدث متغيرات على الواقع ، وتبدأ الدولة بتشريع قوانين معاصرة .. بالرغم من انني لا اتوقع حدوث ذلك بمنتهى السهولة ، فبنى التخلف صلدة غير قابلة للرضوخ على عكس مجتمعات اخرى هي رخوة ، ولهذا ترضخ للتغيير شاءت ام ابت !
3. يصنف البعض كل الحكومات العراقية التي حكمت العراق منذ نهاية ثورة العشرين بأنها اتبعت منهجاً طائفياً عدا حكومة المرحوم عبد الكريم قاسم التي اختطت لنفسها خطاً وطنياً، فما رأيكم في هذا التصنيف؟، وما هي أسباب وجود هذا المنهج؟
ـ انني في الحقيقة ، اسخر جدا من هذا التصنيف الذي يأتي على افواه البعض ممن لم يمّيز بين الدولة والمجتمع ، ولم يميز ايضا بين الوطن والشعب .. علينا ان لا نخفي الاشياء الراسخة في مجتمعنا ، ونّصب كل اللوم على الحكومات العراقية السابقة .. الطائفية موجودة في العراق منذ خمسة قرون ، والمجتمع منقسم على نفسه قوميا وطائفيا ودينيا ولم يكن يعرف اي معنى للمواطنة .. وعندما تأسست الدولة العراقية ، وكانت علمانية منذ تأسيسها ، فكان لابد ان تتأّثر الدولة بكل امراض المجتمع .. ولكن لو كان تأسيس الدولة طائفيا ، لما نجح مشروع فيصل الاول في تكوين العراق الحديث .. ولما وجدنا هناك نزعة وطنية غرست في وجدان العراقيين ، ولم تكن موجودة في الماضي .. ولما وجدنا نضوج احزاب وطنية اشترك فيها كل العراقيين .. ولما وجدنا اي تطورات ابداعية على ايدي جماعات وتشكيلات ثقافية لم تعرف للطائفة اي عنوان .. ولما عرفنا اي معنى للشراكة في الحياة العراقية السياسية والثقافية والتجارية والتربوية وفي كل الميادين ، وما عهد الزعيم عبد الكريم قاسم الا قفلة لذاك العهد الاول الذي ناضل الجميع فيه من اجل العراق .. انني لا انزه اي عهد من العهود من اخطاء ، والاخطاء ترتكب في اي تجربة ، فالعراقيون ليسوا بمعصومين عن الاخطاء ! ان العلة في المجتمع لا الدولة حتى العام 1963 عندما تغّير جلد الدولة ليتلون بالوان المجتمع . انني لا انّزه اي عهد سياسي في العراق من الاخطاء ، ولكنني لا اقبل ان يصبح الخطأ خطيئة ، ويغرق العراق في بحر من الخطايا . ربما كانت هناك تجاوزات ومثالب قد تحدث هنا او تجري هناك ، ولكن لم تتدّنى الدولة الى اي مستنقع طائفي معلن ، اما في الخفاء ، فالله هو وحده العالم بالسرائر .. لم تحدث هناك اية نزاعات طائفية او حروب داخلية كالتي عاشها لبنان مثلا منذ 300 سنة ! وفي اقسى حرب طويلة عرفها العالم في الثمانينيات بين العراق وايران ، لم يصارع العراقيون بعضهم بعضا لاسباب طائفية ، برغم اتساع الفجوة ، بل الهوة بين الدولة والمجتمع . ان هذا التصنيف هو دعوة صريحة لايجاد مبررات للصراع الطائفي اولا ، ودعوة صريحة ايضا لتقسيم العراق .. اي استغلال اخطاء وخطايا الدولة والمجتمع معا لشرعنة تقسيم الوطن . اذ يدرك الجميع ان العراق وطنا عصي على الانقسام جغرافيا وتاريخيا ، فمن الهين ان يؤسس لتزوير التاريخ من اجل شرعنة الطائفية علنا هذه المرة ، وشرعنة تقسيم العراق .. والطائفية مبدأ يغالي به كل صاحب مذهب على غيره ، وهو فعل لهذا ورد فعل لذاك ، او بالعكس .. وسيبقى العراق يعاني من هذه النعرات لازمان ، ان لم يؤسس لمشروع وطني مدني لا يمكنه اجتثاث الطائفية ابدا ، بل لتحجيم دورها وتفاعلها في كل من الدولة .. اذ لا يمكن الا ابقائها في المجتمع .. اود القول ايضا : مهما اطلنا ورددنا القول بادانة الحكومات العراقية السابقة في القرن العشرين .. فسوف لا نغّير من الامر شيئا ، اذ سنبقى ندور في الحلقة نفسها ، خصوصا وان المحاصصات باتت معلنة اليوم ، وان التخندقات باتت رسمية على مستوى كل الحياة الرسمية والعامة اليوم .
4. هل ترى وجوب اتباع العلمانية حلاً للتعدد الطائفي والإثني في العراق، مع وجود أغلبية مسلمة متمسكة بتقاليدها الاسلامية؟
ـ علينا ان نعلم بأن الطائفية شيئ والاسلام شيئ آخر .. وان الوطنية شيئ والاثنية شيئ آخر .. ان العلمنة لا تجتث كل هذا او ذاك ، بل تّحجم من ادوارها جميعا . العلماني يفصل بين كل هذا الموروث وبين مشروعه الوطني . انه يفصل بين السلطات ، فكيف لا يفصل بين السلطات وبين هذه التقاليد والنزوعات الموروثة . علينا ان نعلم بأن الطائفي ليس شرطا ان يكون متدينا سنيا كان ام شيعيا .. انه طائفي ، اي انه يتملكه الغلو لطائفته او مذهبه .. وعلينا قبل ان نسأل قبل كل شيئ : هل ان هذه الاغلبية المسلمة المتمسكة بتقاليدها ( الدينية ) هي متوحدة على مذهب واحد وطقوس واحده ومرجعية واحدة وتقاليد واحدة .. ؟ الجواب : كلا ، فكيف يمكن ان تجمع الكل في حكم اسلامي واحد للعراق ؟ انني أسأل : متى حكم العراق حكما دينيا على امتداد العصور ؟ ان كل عراقي يعتز بمشاعره الدينية ، ولكن لا يمكن حكم العراق بمشاعر دينية وبتقاليد موروثة .. اذا كان العراقيون لهم مواريثهم المدنية والحضارية وتواريخهم السياسية على امتداد العصور .. فمن الصواب ان يبتعد اصحاب العمائم واجندتهم عن حكم العراق .. كي يستقر العراق . ان العلمنة والحكم المدني والدستور المدني ينبغي ان يوفر الفرص والحقوق متماثلة للجميع من دون اي تمايزات اثنية او دينية او طائفية ، فلماذا الاصرار على ان يكون اصحاب العمائم هم حكام العراق ؟ اما اثنيا ، فاننا لو رجعنا الى الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 حتى 1968 ، واحصينا اعداد القضاة والضباط والمديرين والمهندسين والاساتذة الجامعيين والفنانين من الاكراد العراقيين مثلا ، لوجدنا كم هي نسبتهم عالية في الدولة على امتداد عقود القرن العشرين .
5. انقسم العراقيون بصورة عامة بعد سقوط النظام الى قسمين رئيسيين، قسم منهم مؤيد للنظام الجديد وعملية التغيير، وقسم ضد التغيير ويرى ان النظام السابق على مساوئه أفضل من النظام الحالي.. ترى هل سبب ذلك مجرد مصالح ذاتية أم أسباب أخرى؟
ـ انه انقسام لم تسببّه المصالح الذاتية فقط ، بل اعتقد انه انقسام لم يدم طويلا ، وهو وليد عوامل سايكلوجية اكثر منها ايديولوجية .. انه انقسام لابد ان يكون بسبب وجود المحتل الامريكي على التراب الوطني .. ولم ير العراقيون اي محتل منذ الاربعينيات .. انه انقسام بسبب عدم وجود ثقة قوية بين الحكام الجدد ( قوى المعارضة سابقا ) .. انه انقسام ، علينا ان نعترف به ، سببه التصنيف الجديد للعراقيين على اساس طائفي ( سني وشيعي ) وكردي .. اي على اساس النتائج التي قاد اليها تقسيم العراق على اساس المكونات الاساسية الثلاث ( شيعة ـ سنة ـ اكراد ) واهمال المكونات الاخرى من دون اي مشروع وطني يجمع عليه كل العراقيين في مكون واحد .. انقسام سببه اساءة التصرف بمصير العراق بعد لحظات السقوط وسحق مؤسسات الدولة .. وغير ذاك . ان من السذاجة والبدائية اخذ الامور كون العراقيين مع نظام جديد او قديم من دون التحري عن مصير مجتمع بالكامل .. ماذا لو احتضن هذا المجتمع من دون اي عناصر للتفرقة او الاخذ بالثارات او بث الاعلاميات الجارحة للمشاعر او الاصرار على جعل العراق ينقسم طائفيا وكرديا على اساس فيدرالي ، وكأنه مشروع لتقسيم العراق على اساس بشع لا يمكن احتماله .. ان العراقيين بقوا اشهرا يترقبون شيئا وطنيا ، ولما ضاع الامن والنظام وتبعثر العمل وزاد القتل والخطف وتاهت البلاد ، فقد الامل ، بالضرورة فان اي عراقي بسيط سيقول : ” والله كّنا في ظل النظام السابق افضل حالا ” . انها نتيجة واضحة من نتائج ما جرى في البلاد سواء صحّت المقارنة ام لم تصح ، فابن الشعب يريد امنا واستقرارا ليعيش ويعمل ويكد ويرتاح في بيته وفي المقهى والشارع وهو لا ينتظر امتيازا او منصبا او جاها او حراسات او مناطق خاصة .
6. هل تعتقد أن السلطة الحالية في العراق الجديد تستطيع أن تتجاوز أخطاء السلطة في عراق ما قبل الاحتلال الأمريكي؟ حينما كانت الدولة تمتهن المجتمع؟ وهل ترى بوادر أمل –وإن كانت ضعيفة- في أن هناك تغييراً حقيقياً سوف يتم في عراق ما بعد 2003؟
ـ الدولة ما بعد 2003 هي غير الدولة ما قبل هذا التاريخ . لا يمكننا ابدا مقارنة وضعية الامس باليوم . بالامس امتهنت الدولة المجتمع ، وغدا كل المجتمع في خدمة الدولة ، بل وخدمة السلطة العليا بالذات ، بل في خدمة الذات العليا على وجه التحديد .. الدولة اليوم مفتقدة وليس في مقدورها السيطرة على العاصمة وحدها .. علينا ان نكون واقعيين . الدولة السابقة كانت بيد صانع قرار واحد يخضع لمشيئته الجميع ويرتعب منه الجميع .. الدولة الحالية هي مرتهنة في العديد من قرارات لابد لها ان تصنعها او تسير على هداها ، ويا ويلها ان خرجت عنها .. هناك اجندة امريكية لا يمكن تجاوزها بفعل الاحتلال .. هناك قادة احزاب لا قادة دولة والرهانات للاحزاب والتحالفات اكبر بكثير من مشروع الدولة .. هناك اليوم سعي من قبل بعض العراقيين المخلصين لخدمة العراق دولة ومجتمعا ، ولكن تمنعهم خطوط حمر لا يمكنهم ابدا ان يتعدوها .. ولكن هناك اليوم سعي محموم للتمتع بالسلطة اكثر من السعي لتقديم الخدمات للمجتمع .. ان من اخذ فرصته في الدولة وفشل ، عليه ان يغادر ليفسح المجال امام غيره ليأخذ فرصته فربما كان اكثر حراكا واخلاصا ونشاطا وجرأة وقوة .. في النظام السابق هناك لص كبير هو الذي يوزع حصص السرقات على اناس معلومين محسوبين عليه .. اليوم هناك عصابات من اللصوص غير معروفين .. الذين لا تنفع معهم لا هيئات نزاهة ولا لجان تحقيق ولا حتى شرطة انتروبول .. اليوم ، مجرمون اقحاح يعتقلون ويفرج عنهم ليمارسوا كل الشناعات بلا اية احكام رادعة .. ان المجتمع العراقي اليوم بحاجة الى ضبط وربط من نواح عديدة .. يمنح كل الحريات لممارسة انشطته ، ولكن يطبق القانون في كل شبر من ارض العراق .. ان ارادت الدولة اليوم ان تكون مهابة ومقتدرة ، عليها ان تحلّ كل المليشيات ومظاهر التسلح في كل شبر من ارض العراق .. عليها ان تبني الجيش العراقي وتسلحه باحدث وأقوى انواع الاسلحة .. عليها ان تنشئ قوات درك لضبط الامن في كل المحافظات سواء كان ذلك في شمال العراق ام في جنوبه .. عليها ان تضرب بيد من حديد على كل القتلة والمجرمين والخاطفين والجواسيس والمقنعين .. عليها ان تحرم اختراق الجيش والدرك والشرطة من قبل الاحزاب والمليشيات السلطوية فالولاءات لها لا للدولة .. هذا كله وذاك لا يمكن تحقيقه الا في ظل تغيير لبنود الدستور ، فتغيير تلك ” البنود ” ضرورة اساسية . ان الذي اوصلنا الى هذه الحالة من الضعف بعض بنود الدستور التي لبت مطاليب احزاب وقوى معينة على حساب مشروع الدولة الحقيقية . لقد وقفت مع بعض الشخصيات الليبرالية العراقية ضد شرعنة هذا ” الدستور ” ، وقلت عام 2005 على شاشات التلفزيون بأنه ” دستور يحمل تابوت العراق ” ، فهاجمني كل من في السلطة .. ان ” مشروع الدولة الحقيقية ” لا يمكنه ان يكون مركزيا ظالما ، ولكن بالوقت نفسه لا يمكنه ان يكون خراعة خضرة ! عليه ان يكون لا مركزيا ضمن قانون يضمن حقوق الجميع في كل محافظات العراق واقليم كردستان معا .. ويخضع الكل لارادة الدولة الام .
7. تقول في كتاباتك ان الوعي غائب عن معظم شرائح المجتمع العراقي.. فما هو سبب ذلك؟ هل هناك من منهجية معينة من أجل زرع الوعي فيهم؟
ـ لقد غادرنا النظام السابق في العراق وترك فراغا هائلا يصعب ملأه بسهولة ، والعراق بحاجة الى سنوات طوال كي يتمكن من ملأ الفراغ السياسي والفكري والتربوي .. هذا ما قلته ونشرته قبل سقوط النظام السابق . ان الوعي المغيب حالة متبلورة منذ اكثر من ثلاثين سنة ، بل من اربعين سنة 1963 – 2003 .. العراقيون لا يمكن ان تزرع فيهم وعيا جديدا ، فالوعي ليس لباسا جديدا او قناعا بديلا .. الوعي بحاجة الى سنوات طويلة ، يشعر فيها الانسان بقدرته على كشف الصواب من الخطأ ، وعلى تكوين ارادته التي لا ينساق من دونها وراء هذا او ذاك .. الوعي بأن تشعر بتحديات المستقبل اكثر مما تعيش وانت تلوك الماضي صباح مساء .. الوعي انك تستطيع ان تنتخب من تراه صالحا من اخيار الناس واذكاهم للادارة والاعمار وصنع القرار .. وان لم تجده لا تنتخب .. الوعي انك لا تعيش هوس الشعارات وتشعر بانك منفوخا اكبر من حجمك وانت لا بدايل لديك في ان تكون او لا تكون .. الوعي انك تعرف حجمك عندما تخاطب العالم والاقليم ودول الجوار .. الوعي انك تعرف اين يرتبط مصيرك هل باهلك ووطنك ام بغيرهم .. الوعي انك تعيش في عصر وتنادي من اجل دولة تحمي مصالحك وتخدم حياتك لا من اجل ان يتكالب المرء على السلطة والجاه والمال والحرس والانتماءات ضمن محاصصات وتحالفات غير سياسية .
تريدني زرع وعي جديد من خلال منهجية معينة . وهل الوعي له منهجية واحدة كي يزرع كالحنطة والشلب ؟ ان الوعي يبدأ من حيث يبدأ النظام والتربية والتعليم والانفتاح وان يخرج الانسان من سجن تقاليده البالية .. وان يخرج من شرانقه التي حبسوه فيها .. وان يبدل سايكلوجياته بالكامل بحيث يشعر بعراقيته قبل ان يشعر باي انتماء يسبق ذلك .. وان يصنع ارادته بنفسه قبل ان يصنعها الاخرون له .. وان يؤمن بأن الدين ينبغي فصله عن السياسة ولا عمل لرجال الدين في الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية .. عملهم للامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اماكن وجودهم فقط ، اي يكون عملهم اخلاقي لا سياسي وان يكون علماء الدين الكبار مصدرا كي يسأل المجتمع وهم يجيبون ولا علاقة لهم لا بسياسة الدولة ولا بمؤسساتها .. الوعي اكبر من ان نتخيل حجمه .. ربما لا نجده في مجتمعات اخرى والامور هناك تسير بصورة حسنة ، فربما كانت الدولة قد اشبعت حاجات الناس كلهم ، فلم يعودوا يسألوا عما يمكن ان يكونوا عليه .
8. تدعو في كتاباتك الى تفكيك المؤسسات العشائرية والقبلية والأحزاب الدينية والأعراف الاجتماعية البالية، فيما نلاحظ أن الدولة اليوم عادت واعتمدت على المؤسسة العشائرية في محاربة التنظيمات الإرهابية والميليشيات، وأثبتت التجربة أن العشائر هي التي استطاعت محاربة القاعدة وتثبيت الأمن. فكيف تجد مثل هذه المفارقة في عودة الدولة الحديثة الى الاستعانة بالعشائر؟
ـ جرى ذلك بحكم ضعف الدولة ومؤسساتها .. لو كان هناك دولة له قدراتها لما احتاجت لا الى عشائر ولا الى قبائل . ومن قال ان دولتنا حديثة في مؤسساتها واجهزتها ودستورها ورجالها .. ؟ انها دولة ضعيفة جدا تحكمها الاحزاب ولا تحكمها المؤسسات .. تتصارع عليها المصالح ولا تتنافس فيها النخب .. تتوزع فيها القرارات ولا تتشكل عنها المفاهيم .. هل هناك عاقل في القرن الواحد والعشرين يعتمد على عشائر لفرض الامن الداخلي ؟ ربما كان ذلك في العراق والعراق محتل من قبل قوات اقوى دولة في العالم .. فالصراع ليس داخليا بقدر ما هو صراع دول في داخل العراق . وهل نصدّق ان العشائر قد حاربت من دون انتظار اثمان ؟ انها تريد الثمن .. ولا تكتفي بمال او سلاح بل طموحها السلطة . فهل هذه معادلة معاصرة برب السماء ؟ . ان المؤسسات العشائرية والقبلية موجودة في العراق منذ ازمان سابقة وقد حاربتها كل الاحزاب التقدمية منذ اكثر من خمسين سنة .. فهل من الصواب ان اقبل بعد خمسين سنة سلطة عشائرية في بلاد يقال عنها انها كانت موطن حضارات وقانون ؟ قد تقول : ان للضرورة احكام ، وما دامت العشائر قادرة على شل الارهاب ، فلم لا يستعان بها ؟ اقول لك : وهل كانت البادرة عراقية ام امريكية ؟ ان الامريكيين هم دفعوا ويدفعون .. ؟ علينا ان لا نكون كالنعامة نخبئ رأسنا في التراب وكل اشلائنا عاهرة .. قبل ان تكون العشائر هنا او هناك لها اعرافها وسمعتها وبعد ذلك ادوارها في خذلان الارهاب .. الم يكن بعض ابناء تلك العشائر مطاردين وسفاحين وقطاع طرق وارهابيين وقتلة على الهوية وخاطفين وممارسة كل الفاينات ـ حسب كل البيانات التي كنّا نسمعها ـ ؟؟ والشيئ نفسه ينطبق على بعض المليشيات التي تحتل اليوم مواقعها في الدولة الجديدة وتاريخها يشهد ان اياديها كلها ملطخة بدماء الشعب العراقي . عندما تقول لي ان هناك مشروعا وطنيا عراقيا في التغيير الجذري ويقضي على كل الموبقات التي لم تزل موجودة منذ خمسين سنة .. ساصفق لك واقول نعم صدقت ورب الكعبة .
9. اتخذت معظم الدول العربية –أنظمة وشعوباً- مواقف عدائية حادة من العراق وشعبه بعد سقوط النظام السابق، بل أخذ الكثير منهم في دعم الحركات الإرهابية داخل العراق، فما هي رؤيتكم وتفسيركم لهذه المواقف؟ ولماذا كل هذه العدائية ضد شعب العراق والتباكي على مجرم دمر العراق والمنطقة؟ هل لأسباب طائفية، أم لخشية من تجربة ديمقراطية وليدة؟ أم معارضة للوجود الأمريكي في المنطقة؟
ـ هناك اسباب عديدة ومعقدة في طبيعة العلاقة العربية العراقية خلال الخمس سنوات الفائتة .. ليس الدول العربية وحدها ،بل هناك دول عديدة بانظمتها وشعوبها ولا استثني من ذلك ايران وبعض دول العالم الاسلامي .. للسلطات حسابات معينة وللشعوب حسابات من نوع اخر قد تتلاقى حينا وقد تفترق حينا آخر ..الشعوب ببساطة منها المخدوعة ومنها التي تجتر الشعارات ومنها التي لا تدرك وتخلط بين الامور نتيجة قلة المعلومات او انعدام الوعي الذي تحدثنا عنه .. ناهيكم عن الشعور بالمصالح ..ولكن علينا ان لا نظلم الشعوب .. لقد سمعت بأن اساءات قد الحقت بعراقيين في دول عربية معينة .. ولكن ثمة دول عربية اخرى تجد الشعب يحب العراقيين .. فالامور نسبية ..اما سياسات الدول فثمة اجندات مختلفة ، هناك هواجس من دور الامريكان في العراق .. هناك هواجس من انتقال العراق من الايديولوجية القومية الى الايديولوجية الدينية .. وفي الحقيقة ، هناك هواجس تقول بأن” الشيعة ” تحكم العراق اليوم .. ومن الخطأ ان ينظر العرب هكذا نظرة الى الشيعة العرب من العراقيين ، لأنهم بذلك يعمقون الهّوة والانقسام في المجتمع العراقي نفسه. هناك شعور بهيمنة صدام حسين عليهم حتى وهو في قبره ..هناك هواجس من ان يكون العراق قوي في يوم من الايام .. هناك وهناك . ان الرؤية قد تغيرت ما دام العراق لم يعد يصنف نفسه دولة عربية ، بل انه مجرد دولة شاركت في تأسيس جامعة للدول العربية ! والحياة العربية مجموعة مصالح ومنافع وتاريخ من الابتزازات والتحالفات والصراعات . فليس غريبا ان اجد ذلك في العلاقات العربية العراقية . ان العراقيين عندما ينتصرون لأنفسهم بحيث اجد علاقاتهم الداخلية على افضل ما يكون ، سيسعى اليهم الاخرون من كل الاطراف يبتغون رضاهم .
10. كيف يمكن استعادة الثقة المفقودة بين العراق ومحيطه العربي؟
ـ كما قلت لك قبل قليل في جوابي على السؤال السابق ، واسمح لي ان اضيف قائلا : عندما يتحرر العراق من وجود قوات احتلال وعندما يتفوق في تقدمه سيجد غيره في حاجة اليه .. عندما يتوحّد في مشروع وطني عراقي ولا يعلن عن اية انقسامات ومكونات .. عندما يستعيد العراقي ثقته بنفسه اولا .. عندما يصبح المجتمع العراقي يستعيد الثقة بين ابنائه ويتخلص من انقساماته والرهان عليها .. عند ذاك نطالب باستعادة الثقة بين العراقين والعرب . دعني اتوقف قليلا عند حالات كارثية تجعل بعض الدول والمجتمعات العربية تضيق ذرعا بالعراقيين ومشاكلهم ، ليس لاسباب سياسية ، بل لاسباب اخرى .. ان الثقل العراقي اليوم يتوزع على دول عربية معينة وخصوصا في سوريا والاردن ولبنان والامارات ومصر واليمن .. فضلا عن جاليات عراقية ليس بقليلة في دول عربية اخرى .. ان الاوضاع السيئة التي يعاني منها بعض العراقيين في مثل هذه البلدان لم يكن مسؤولا عنها احد في هذه الدول ! ان الاغلبية تعيش في حرمان وبؤس ، ولكن هناك الالاف من العراقيين ممن يمتلكون الملايين من الدولارات يعيشون في مثل هذه البلدان عيشة خيالية ، ومن يرى اشكالهم القميئة والسوقية لا يتوقع انهم يسحبون الملايين معهم من العراق .. ان افعال هؤلاء المشينة تكفي لكي يحترق من خلالهم الطيب من ابناء الجاليات ! ان ثمة حالات من السرقات والاحتيالات وعمليات النصب التي يقوم بها عراقيون .. لا يمكن ان يتصورها احد .. كلها تسجّل ضد سمعتنا كعراقيين ! ان الفتيات العراقيات اللواتي تجدهن منتشرات في مدن عربية وهن مبتذلات ساقطات قد ساهمن بقسط كبير من الاساءة للمرأة العراقية ! ثمة جرائم وجنايات يقترفها عراقيون رجالا ونساء قد عّمت على مكانة العراقيين في اغلب المجتمعات العربية .. علينا ان لا ننسى كل هذا في تقييمنا للدور العربي الذي ربما ننتقده حيال مواقفه سياسيا ، ولكن علينا ان لا ننسى ما يقترفه البعض من العراقيين في بلدان تختلف مجتمعاتها عن مجتمع العراق .
11. هل ترى أن مشكلة العراق اجتماعية قبل أن تكون سياسية؟ هلاّ ذكرت لنا وجهة نظركم تجاه هذا الأمر بشئ من التفصيل؟
ـ طبيعي مشكلة ( او : مشكلات ) العراق اجتماعية قبل ان تكون سياسية .. هذه حقيقة ينبغي ان يدركها الجميع ، وان كل المشاكل السياسية طوال تاريخ العراق المعاصر هي انعكاس فاضح لما في المجتمع العراقي من معضلات يصعب حلها كثيرا اليوم بعد كل ما تراكم من اخطاء وما مورس من خطايا .. ان الصراعات السياسية والاقتصادية .. القومية والاقلياتية السكانية هي اجتماعية لمجتمع متنوع ليس في ثقافاته ، بل حتى في هواجسه وافكاره وطموحاته . وهناك ثلة من العراقيين ساسة وحكماء ادركوا هذه الحالة ( او : بالاحرى الظاهرة ) ولم يكن باستطاعتهم فعل شيئ ، لأن علاج ذلك لا يتم ابدا باصدار قرارات او بيانات او تصريحات او كتابة مقالات .. ان ظاهرة المجتمع العراقي لا يمكن تشخيصها بهذه السهولة في مثل هذا الجواب على سؤال مهم وخطير للغاية .. انها بحاجة الى فصول وابحاث ومقارنات .. ولكن دعني اختصر المسافة قليلا لاعود بك الى محاضرتي التي القيتها عام 2005 في غاليراي الكوفة بلندن عن تناقضات المجتمع العراقي وستجد حزمة من التحليلات ناهيكم عن مقالات ودراسات اخرى اوضحت فيها خلل في الثقافات التي لا تتلاقى بسرعة .. هناك صراع بين ثلاث بنى اجتماعية عراقية لم تزل قيمها متصادمة حتى اليوم وغير متلاقية تتمثل بالحضر في المدن الكبيرة الذين تبدلوا عما كانوا عليه قبل خمسين سنة ، والريف في المناطق الزراعية الذين انتشروا في المناطق الحضرية . وهناك البدو الذين يحملون قيمهم القبلية حتى اليوم حتى وان استقروا في مناطق واحياء مدن .. في كل نسق من هذه الانساق المشكلة للبنية العراقية صراعات من نوع ما ، قد تكون طبقية او تجارية او حرفية او رعوية او اروائية .. الخ هذه كلها ترجمت في اكثر من واقع سياسي سواء كان ذلك في العهد الملكي ام العهود الجمهورية .. وبدل ان تكون مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية بعيدة عن كل امراض المجتمع ، غدت مؤهلة لكي تحمل كل البلاء .. بدءا بالاحزاب وانتهاء بالاجهزة الرسمية وشبه الرسمية وحتى النقابات والتكتلات .. هناك تواريخ متعفنة من المحسوبيات والمنسوبيات وهناك الوساطات والتجاوزات .. هناك وهناك . ان صراعات البعثيين مع الشيوعيين العراقيين كنت اتمنى ان تبقى في اطار ايديولوجي وسياسي ، ولكن غدت صراعات اجتماعية ودموية وبعد التي واللتيا بين الطرفين تلاقيا في جبهة حملت تشظياتها في دواخلها .. كنت اتمنى ان يبتعد العراق بعد مرور خمسين سنة عن الشلليات العشائرية والانحيازات الطائفية وعن كل الكراهية بين القوميات والاقليات وعن اوضاع لا تعد ولا تحصى .. ولكن هذا لم يحدث ، بل زاد وتفاقم بفعل سوء السياسات التي مورست في العراق . هناك من يهرب من واقعه السياسي والاجتماعي ليقول بأن الاستعمار هو السبب في هجمان بيت العراق من دون ان يسأل نفسه سؤالا واحدا : باستطاعة الاستعمار ان يخلق افرادا وبعض جماعات من اصحاب الخسّة ، ولكن هل باستطاعته ان يخلق طبقات محرومة ومليشيات قاتلة ؟ هل باستطاعته ان يّحول بعض ابناء الشعب من ملائكة الى مجموعة قتلة واشقياء ؟ هل باستطاعته ان يخلق موجة من المتغيرات ولكن ليس باستطاعته ان يخلق موجة من الظواهر ..
12. يزخر العالم بالعديد من الكفاءات العراقية التي يتمناها أي بلد، ولكنها مع الاسف هاجرت العراق وربما للأبد، فما هو السبب وهل من سبيل لمنع تدفق العقول العراقية الى المهجر؟ ولماذا نجعل كل الكفاءات والنخب العراقية تعاني ونراها محاربة حتى تضطر الى الهجرة او الموت؟
ـ منذ خمسين سنة واذكياء العراق يهاجرون .. وقد ازدادت الهجرة كلما كان يتقدم العراق نحو النار .. اليوم العراق في محنة كبيرة ، فلقد انفق على ابنائه امواله لكي يجد الابناء قد تبددوا هم ومن معهم .. هناك جاليات عراقيات في المهجر اليوم لا يمكنها ان ترجع الى العراق ابدا ، بحكم اندماج ابنائها بالمجتمعات الاخرى .. لقد ولد صراع جديد منذ زمن بعيد بين مجتمعين عراقيين ، مجتمع الاصل في الداخل ، ومجتمع المنفى في الخارج .. اعتقد ان الصراع من طرف واحد ، ذلك ان ابن الخارج عواطفه دوما مع الداخل بل ووقف مع محنة الداخل ايام الحصار وايام الحرب ، ولكن ابن الداخل يحمل هواجسا مريبة في الاخر ، كونه لم يشاركه الامه ونضاله وكل المأساة .. تسألني عن سبب هجرة الكفاءات وهي عدة اسباب لا يمكن ان تخفى على العراقيين ، ولكن المأساة ان الهجرة لم تقتصر على ابناء الكفاءات وحدهم ، بل طالت حتى التجار والمزارعين والحرفيين والموظفين العاديين وحتى المتقاعدين من كبار السن .. الخ ان الاسباب التي كانت وراء نفرة العراقيين من البقاء في العراق ليست سياسية بحتة ايضا ، بل غدت اجتماعية ، بعد ان تفاقمت الصراعات الى درجة الهروب الجمعي .. هذه حالات لم تعان منها شعوب اخرى ابدا وبمثل هذه الماراثونات القاتلة . صحيح ان هناك شعوبا قد اضطهدت وهاجرت عن ارضها كالارمن والفلسطينيين مثلا .. او ان تجد ان هناك مشروعات هجرة كي يتجمع شعب في مكان معين كالذي فعلته الحركة الصهيونية باستئصال اليهود من مواطنهم وتجميعهم في ( وطن سليب ) .. ولكن العراقيين مشكلتهم بالعكس ، انهم تبددوا في الشتات . وان كلا من الارمن والفلسطييننين تختلف مآسيهم عن مآسي العراقيين كثيرا .
13. هل يصح أن نطلق على التجربة العراقية الجديدة بأنها تجربة ديمقراطية؟ أو على الأقل بدايات ديمقراطية؟ ام هي مجرد ديمقراطية شكلية خالية من المضمون؟
ـ تجربتنا العراقية الجديدة ليست حتى مجرد ديمقراطية شكلية خالية من المضمون .. انها تجربة صراع قوى سياسية اوليغارشية على السلطة .. انها تجربة فوضوية لاحزاب لم تزل تحمل مواريث الماضي وتريد ان تسلك سلوكا حضاريا ، كمّن تجده بعباءته ويشماغه او بجبته وعمامته ويحاول ان يقنعك انه يعزف سمفونية على مسرح اوربي وجماهيره عراقية !! ان الديمقراطية لا يمكنها ان تطبق من قبل احزاب دينية او شوفينية او ميليشياوية مسلحة .. الديمقراطية لا يمكنها ان تطلب مني انتخاب كتل واحزاب لا اعرف تواريخ شخوصها وسيرهم الذاتية ، لأرى نفسي امام اشخاص بائسين حقا ! الديمقراطية لا تعرف القوى التي تشتغل بالسياسة واجندتها طائفية او انفصالية .. وان تستخدم الورقة الدينية في عملية الانتخابات . الديمقراطية لا يمكنها ان تمارس في مجتمعات خالية من مؤسسات المجتمع المدني ووظائفها .. الديمقراطية ليست مانشيتا او شعارا او صندوقا انتخابيا يأتي بممثلين غير مؤهلين ليمثلوا شعب العراق اصدق تمثيل ! بل ليأتي قادة يقودون البلد بهذا الطريق .. الديمقراطية الحقيقية فلسفة كاملة في الحكم المدني والمؤسسات المدنية ! ماذا تسمّي الحكم الحالي في العراق في ظل وجود ايديولوجية تقوم اساسا على مكونات طائفية وعرقية في تقسيم البلاد الى ثلاثة اقسام ؟ ما دمت قد اعلنت في فلسفتك وايديولوجيتك انك مع هذه المكونات ، فلقد الغيت حرية كل العراقيين السياسية ! ثم كيف تطبق الديمقراطية مع تقاليد تعود الى العصور الوسطى ؟ وهل يمكن تطبيق ديمقراطية مع ” دستور ” هو مدعاة لانقسام العراق ؟ اننا نضحك على انفسنا ان آمنا بهذا الذي يجري ، ولكن يستوجب ان اقول هنا بأن الشعب العراقي قد منح حريات واسعة من قبل الامريكان لا من قبل العراقيين بحيث انفلتت وانقلبت الى فوضى ويا للاسف الشديد .. ثمة حريات في الصحافة والاعلام العراقيين ولكن سمح ذلك لاجندة غير وطنية ان تفعل فعلها باسم الديمقراطية . هنا ، يستوجب عدة امور لبناء مشروع ديمقراطي عراقي :
1) اعادة النظر في الحياة السياسية العراقية بتجديد كل الانظمة الداخلية للاحزاب العراقية . وان يفصل الدين عن الدولة فهي ضرورة عراقية قبل ان تكون اي شيئ اخر.
2) اعادة النظر في دستور العراق ، بحيث يكون دستورا مدنيا موحدا للعراق ، ويتفق وطبيعة العراق بعد فشل بنود الدستور الحالي ( وعلينا ان نعلم ان دستور الولايات المتحدة الامريكية نفسها دام بناؤه 11 سنة كاملة ) .
3) منح القضاء سلطة مستقلة وان يكون القانون هو الاول والاخير في ضبط خلل المجتمع . وان تطبق احكاما عسكرية عرفية في المناطق الساخنة .
4) تشكيل هيئة محاسبة قانونية لكل من تسّول له نفسه ان يتجاوز صلاحياته في الدولة بأي وسيلة من الوسائل .
5) تلغى كل الميليشيات والاوليغاريات والقوى والاحزاب المسلحة من العراق سواء كانت علنية ام سرية . وان لا يرتبط ايا كان في الدولة بأي واحدة منها .
6) على اقليم كردستان ان يحدد مواقفه من المبادئ العراقية ، وان يكون جزءا من دولة ، لا دولة في دولة .. وان تعالج العلاقة العراقية الكردية بمنتهى الصراحة والشفافية .
7) على العراقيين ان يستعدوا لثورة دستورية وقانونية وتربوية في كل المجالات بحيث تلغى كل المظاهر الطائفية والاجندة المذهبية وكل ما له علاقة بزرع الخلافات والانقسامات .
8) على كل من يحكم العراق ويشارك في حكمه التجرد من ولاءاته القومية والحزبية والطائفية ليمثل العراق لا ليمثل اقليما او طائفة او حزبا ..
هنا أسأل : هل هناك ثمة استعداد لمثل هذا الامر في العراق ؟ ان لم يكن هناك اي بصيص امل ، فسيبقى العراق يراوح في مكانه وستأكله الفوضى وسيدفع الجميع ثمن ذلك .. واقصد بالجميع كل العرب والاكراد وكل ابناء الطيف العراقي .
14. نلاحظ أن هناك تطرف عراقي في الحب والكره.. ونرى ذلك واضحاً في مشاعر العراقيين تجاه قادتهم؟ ما هو تفسيركم لهذه الظاهرة؟
ـ التطرف والغلو معروف عند العراقيين منذ ازمان ، ولكنه ابن زمنه ومرحلته ، فالعراقي سرعان ما يغضب وسرعان ما يهدأ .. سرعان ما يكره وسرعان ما يحب الى حد العشق .. هذه هي طبيعته انه ان شيمّته اخذت عباءته ، وان اغضبته فيمكنك ان تطيّب خاطره باجمل الكلمات .. وقليل من ابنائه من يحمل حقدا او كراهية كالجمال .. المهم ان علينا ان نفصل بصدد المشاعر ازاء القادة والزعماء العراقيين . ان العراق من المجتمعات الصعبة ويحتاج الى زعماء من نوع خاص .. ومن يتزعم العراق عليه ان يتوقع كل التراجيديات والمصائب التي قد تحل به وبالتنكيل به ( والشحشطة ) باهله .. من تاريخ العراق ندرك ان العراقيين يعشقون زعيما او قائدا او استاذا او معلما او مفكرا ان كان هو نفسه لا ينحاز الى خندق معين او يحسب على طائفة او فئة .. انه معشوقهم ان وجدوه قويا ونظيفا ووطنيا ليغدو رمزا حقيقيا غير دائم الوجود .. ان اي زعيم او اي شخصية عراقية لا تمتلك الكاريزما والتفوق والارتفاع عن كل الميول والانتماءات .. ستضيع حتما ان كانت عكس ذلك حتى وان صعد اسمها من بين القوى .. العراقيون لا يريدون زعيما يكذب عليهم ، فهم اصحاب فهم وحسجة لا من البهائم والاغبياء .. العراقيون لا يريدون زعيما يعدهم بالجنة وهو يمشي بهم الى الجحيم .. العراقيون يريدون زعيمهم ملتصق بترابه العراقي .. وهنا لا افصل بين العرب والاكراد ، فالاكراد يدركون جيدا ان لا حياة لهم من دون العراق وهم بقدر ما يستذكرون مآسيهم العراقية ـ كما يقولون ـ ، لكنهم يذكرون ان وزراء واداريين وضباطا وموظفين كرد لا حصر لهم خدموا الدولة العراقية لاكثر من ثمانين سنة ، وكانوا من نعم الناس .. ان المقولة : كيفما تكونوا يوّلى عليكم اتمنى اعادة النظر فيها .. ان العراق ان وجد على رأسه زعماء وقادة واداريين مدنيين وعسكريين يحسنون التعامل مع شعبه فسترى المعادلة مقلوبة .. اما ان بقي الزعماء وقد تخندقوا مع اجندتهم ومصالحهم الفئوية والحزبية والطائفية والشوفينيية .. فسيبقى اي زعيم مكروها كالموت .
15. ما هو دور الاعلام في تأجيج الوضع في الساحة العراقية؟ فالبعض يرى أن مشكلة العراق مشكلة إعلامية.. حيث أن للإعلام –اليوم- الدور الأكبر في توجيه وإدارة السياسات في الدول.
ـ الاعلام خطير هذه الايام وتزداد خطورته يوما بعد آخر .. الاعلام هو الذي يبيّض ويسوّد .. الاعلام هو الذي يصّعد ويّنزل .. الاعلام هو الذي ينزّه وهو الذي يسيئ .. ان الاعلام هو الذي صنع ريادة القومية العربية وكان الاعلام هو الذي دفع باتجاه بطولات صدام حسين الخارقة وهو الذي خلق من المجاهدين العرب في افغانستان رموزا وهو الذي دفع الى سقوط شاهنشاه ايران والاندفاع للثورة الاسلامية .. وهو الذي يؤجج الوضع في الساحة العراقية .. صحيح ان مشكلة العراق اعلامية ، ولكن العراق هو الذي يعطي يوما بعد آخر خرافه بيد الجزارين كي ينحروها على مرأى ومسمع منه .. العراق هو الذي ليس باستطاعته التحرك المضاد كونه مكبّل الارادة .. وان العراقيين هم اول من وقف اعلاميا ليؤججوا الساحة قبل غيرهم .. كنت اتمنى لو قامت هناك ثورة اعلامية عراقية اليوم موحدة باسم المشروع الوطني لترى اين تصبح الاعلاميات المضادة لكل العراق .
16. كيف تنظر الى الحرية التي تمتع بها الإعلام العراقي بعد التاسع من نيسان؟ هل تراها ساهمت في توحيد الصفوف ام تخندقت طائفياً وحزبياً.. وما هو سر عدم وجود إعلام كفوء ووطني ومحايد لحد الآن في العراق رغم كثرة عدد وسائل الإعلام؟
ـ عد الى جوابي للسؤال الثالث عشر .. وسترى ازمة الاعلام العراقي وهي شبيهة بازمة السياسة العراقية .. الاعلام وسيلة للتعبير عن واقع ، فاذا كان الواقع العراقي مهترئا ، فسيكون الاعلام مهترئا ايضا . ولكن ؟ علي ان اعترف بأن ليس كل النخب الاعلامية العراقية متخندقة ضمن اجندة طوابير وسلال ودنان ومجالس وحفلات .. ان الاعلاميين العراقيين مجموعات نخبوية ، وفيهم وطنيون حتى النخاع .. ان ما دفعه الاعلاميون العراقيون من ضحايا وشهداء يكفي ان نقول بأن هناك ثورة اعلامية ستتحقق في العراق ان كان هناك ثمة مشروع وطني ليبرالي مدني يحمل هم الوطن ويجمع كل العراقيين تحت رايته . ان هناك صحفا ومجلات واصوات عراقية ممتازة ونقية وحريصة ونظيفة وانا اعرفهم واحدا واحدا ومتابع لمواقفهم وانشطتهم .. فهل ثمة من يبقيها من اجل معالجة واقع العراق وبناء مستقبل العراق ؟
17. هل تعتقد بضرورة انسحاب سريع للقوات الأمريكية من العراق؟ وما رأيكم بمشروع الاتفاقية الأمريكية العراقية لتنظيم الوجود العسكري الأمريكي في العراق؟
ـ العراقيون اليوم منقسمون حول هذا الموضوع الخطير .. وبصراحة وتواضع جميعهم لا يدركون ابعاده ومخاطره وما الخيارات الصعبة التي يمكن ان نسلكها .. ان هذه المسألة ليست سياسية بل انها وطنية ، وهي ليست ابنة الحاضر بل انها قضية مستقبلية بالدرجة الاساس .. بمعنى انها تاريخية .. ان الجهل بتواريخ العلاقات الدولية في التاريخ الحديث والمعاصر يجعل اغلب العراقيين يتخبطون ، ولا يعرفون من اين تمسك خيوط القضية ! ثمة من يسعى الى هذه المعاهدة من دون قيد او شرط ، كونه مقتنع وراسخ القناعة ان امريكا ستبقى الاب الرحيم للعراق ( كذا ) ، وقسم مجنون بالتوقيع عليها من اجل كسب مصالح اقليمية او فئوية او جزئية على حساب المصالح العراقية العليا ، وقسم يتخبط بين القبول والرفض ، فهو مشّبع بقيم ومبادئ معينة ولا يريد ان يفّرط بها ، وهكذا بالنسبة لآخرين يرفضون اي علاقة مع الامريكيين كونه ترّبى على كراهية الاستعمار ، وقسم أخير يرفض رفضا قاطعا اي اتفاقية مهما كان نوعها مع الامريكيين كونهم محتلين للبلاد وكانوا قد دمروها واحتلوا اراضيها وعاثوا في سكانها فسادا .. ونصّبوا حكومة عميلة لهم ـ كما يقولون ـ ، بل وان الامريكيين يحاولون تقسيم العراق .. كل هذا التفكير لا نجده عند الامريكان . الامريكيون يعترفون بأنهم جاءوا من اجل المصالح المركزية الامريكية ووسائلهم في ذلك : الخلاص من اسلحة الدمار الشامل والقضاء على الارهاب ونشر الديمقراطية الى نهاية الاسطوانة . اننا كعراقيين لسنا اذكى من غيرنا والامريكيون في مقدمتهم اذ لا تعرف حتى الان الاسباب الحقيقية لغزو العراق والاطاحة بنظام صدام حسين .. العالم اليوم كله يجهل ماذا تتضمن الاستراتيجية الامريكية لخمسين سنة قادمة .. انني اقول كمؤرخ محترف ادرك ان كل الدول المهزومة توقّع على اتفاقيات بعد ان يصار الى هدنة .. كما ان العالم كله بات يتعامل مع الامريكيين من خلال اتفاقيات ، ولكن تلك ” الاتفاقيات ” لا تمس لا بالسيادة ولا باستقلالية القرار ولا بالمصادر والثروات ، بل ولا علاقة لها بالمصالح العليا لكل بلد .. ولكن العراق بوضعه المهلهل اليوم وسط غابة تعج بالمفترسين في الشرق الاوسط بحاجة ماسة الى ان يتفاهم مع الامريكيين على مبادئ اساسية قبل التوقيع على اية معاهدات مشتركة ، وخصوصا اذا كانت ذات منحى استراتيجي وامني . كل العراقيين يدركون ان العراقيين لابد ان يدفعوا ثمنا باهضا ، ولكن عليهم ان يكونوا عند تحمّل المسؤولية في ربط كل ما يقبلونه من الامريكيين يقابله مطالب عراقية .. اولها اعلان مبادئ وطنية تقبل بها الولايات المتحدة وتنص على وحدة العراق وسيادته واستقلاله وقوته والحفاظ على ثرواته .. كما لا يمكن لأي عراقي له قدر من الوطنية ان يقبل اية اتفاقات من دون قيام الولايات المتحدة باعمار ما قامت بسحقه في العراق بدءا بالعام 1991 وانتقالا الى العام 1998 ووصولا الى العام 2003 وانتهاء حتى اليوم . على كل العالم اطفاء ديون العراقيين .. ان نشترط ايقاف ما يسمى بالتعويضات للدول الاخرى .. ان تقف الولايات المتحدة معنا في مقاضاة دول نالت من حقوق العراقيين واموالهم وطائراتهم وثرواتهم .. ان نطالب الولايات المتحدة بتعويض العراق لكل ما قامت بسحقه من طائرات وادوات حرب ودبابات .. ان العراق ينبغي ان يطالب بكل مفقوداته النفطية على امتداد زمن طويل ، وان يطالب بالتعويضات عن شعب برئ حوصر لسنوات طوال .. ان العراقيين بحاجة الى ان يكونوا اكثر جرأة وشجاعة بالمطالبة بحقوقهم الوطنية .. فهل هم مستعدون لذلك ؟ هل هناك ارادة وطنية واحدة كي نوّقع على معاهدة تضمن مستقبل كل من دولتنا ومجتمعنا بمشروع عراقي واجندة عراقية .. ام ان العكس هو الحاصل اليوم ؟ كيف تريدني قبول الامر الواقع وحالتنا العراقية قد جعلوها تختلف عن حالة اليابان والمانيا بعيد الحرب العالمية الثانية ؟ اذا ضمنت الولايات المتحدة لي حقوقي الوطنية واي مشروع حضاري متقدم للعراق اسوة بالامم المغلوبة التي انطلقت بعيد الحرب ، فانني اعتقد ان كل عراقي وطني سينام مرتاحا ، وقد أمّن على ماله وعرضه واولاده في المستقبل . ولكن عندما يجد ما حل بالبلاد من تمزق وارهاب وفوضى وتريده ان يقبل معاهدة جائرة ، فهذا افتتاح لابواب الجحيم .
18. رؤيتكم لقضية كركوك وطموحات الأكراد في العراق الجديد؟ وما هو الحل الأمثل لهذه المعضلة التي تهدد بفتنة قومية في العراق؟
ـ لقد بقيت ساكتا ولم ادل بأي رأي حول هذا ” الموضوع ” ، اذ انني مقتنع تمام الاقتناع بسذاجة هذه القضية ، ولكنها بداية صراع دموي وليس نهاية قضية .. قضية كركوك مستجدة لم يسمع بها الشعب العراقي من قبل .. الاكراد انفسهم لم اجد في كل ادبياتهم لما قبل 2003 ما يتصل بقضية كركوك .. بل ولم اجد ايضا ان لهم ” اراض مسلوخة من كردستان ” كي نسمع بها اليوم .. لقد اطلعت على جملة هائلة من الوثائق التاريخية بدءا بمطالبهم بحقوق لهم ابان عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ، ومن ثم بمفاوضاتهم مع اركان حكم البعث عام 1963 ، ثم في مفاوضاتهم مع الدكتور عبد الرحمن البزاز واتفاقهم معه ، ثم في مفاوضاتهم مع البعثيين وصدام حسين عام 1970 .. لم اجد قضية كركوك مطروحة في مطاليبهم ، بل اتفقوا مع صدام حسين على حدود الحكم الذاتي ووافقوا عليه تاريخيا والنقاط معروفة حتى جمجمال .. اي بالمحافظات العراقية الثلاث : اربيل والسليمانية ودهوك .. ان اتفاقهم على مساحة الحكم الذاتي يعني قبولهم تاريخيا تلك الجغرافية ضمن حدود العراق الدولية .. واذا كان الحكم الذاتي قد الغي من قبلهم ، فلم تكن اسباب الالغاء بما اتفق عليه في الحدود الجغرافية التي قبلوها ، ولم يطالبوا بأكثر من ذلك اذ ان خلافهم مع صدام حسين كان سياسيا وفي صيغ تطبيق الحكم الذاتي .. وانا معهم في ان الحكم الذاتي اما ان يتمتعوا به حقا ، او ان تكون الادارة مركزية .. اليوم ، مطالب الاكراد مختلفة عن السابق ولم تقتصر على كركوك وحدها ، بل تصل الى اعماق جغرافية اخرى . ربما كانت تلك الاعماق مختلطة السكان بنسب مختلفة من الانتماءات ، وربما كانت لا علاقة لها بالديار الكردية اصلا ، ولكن نزوح الاكراد واستيطانهم فيها على امتداد خمسين سنة جعلهم اليوم يطالبون بها .. لقد فوجئ الكثير من المثقفين العراقيين بخارطة كردستان العراق التي نشرت على موقع حكومة الاقليم رسميا والتي تمتد الى نصف العراق . فما معنى ذلك ؟ ان العراقيين كلهم لا مشكلة لهم مع الاكراد ، ولكن الاخوة الاكراد لهم مشاكلهم مع العراقيين ، والتي لا معنى لها ابدا ، الا ان كانت هناك ثمة استراتيجية كردية من اجل الانفصال. العراقيون غير مسؤولين عما جرى من اضطهادات ايام النظام السابق ، بل ساهمت في صنعها عناصر النظام وعناصر من الاكراد معا كالفرسان مثلا .. ان مشكلة كركوك ايضا ، ليست ـ كما اعتقد ـ مشكلة داخلية ، بل ستغدو مشكلة اقليمية وستفتح الباب امام دول الاقليم كي تتدخل .. ان مشكلة كركوك ليست قومية بل انها مشكلة سياسية ومؤدلجة ، فمدينة كركوك تتعايش فيها القوميات وهم بنسب مختلفة ، ولا يمكن ان تنفجر الاوضاع سياسيا من دون تأسيس لجنة حكماء تضم بالدرجة الاولى مؤرخين وعلماء من مختلف القوميات ويكونوا حياديين ووطنيين يتداولون مشروعية كركوك .. انني سأقر تلك ” المشروعية ” ضمن وحدة العراق ، او سارفضها اذا كانت هناك اية اجندة للتقسيم والانفصال . واذا بقينا نسمع بالانفصال ، فيصبح حق تقرير المصير واقعا بشرط عدم سلخ اي حقوق عراقية . وليعلم الجميع بأن العراقيين كانوا في السابق يعتبرون الانفصال خيانة للوطن ولم يروّجوا لأي غايات انفصالية .. ولكنني اليوم اجد ان هناك من يطالب بانفصال الاكراد عنهم مع الاسف . هذا الانفصال ان حدث سيجر ليس العراق الى فتنة او صراع داخلي ، بل سيجر كل المنطقة الى كارثة سيكون ضحاياها الاف مؤلفة من الناس ، ولا اعرف ماذا سيكون مصير كردستان ؟ انني اناشد الاخوة الحكام الاكراد ان يقولوا لنا ماذا يريدون بالضبط .. وان يحددوا هويتهم الاساسية عراقية ام كردستانية ومن يسبق الاخر ؟ انني ادرك تمام الادراك ان الجيل الجديد من الكرد يختلف تماما عن الجيل القديم في مجتمع كردستان ، فهو اكثر طموحا في الانفصال .. فاذا كان العراقيون يدركون ذلك ، فان عليهم تبديل كل اجندتهم السياسية لما فيه مصلحة العراق الحقيقية . واخيرا ، فان كركوك لها اهلها واصحابها اذ انها ليست معروضة للبيع والشراء حتى يمكن تسجيلها بالطابو باسم هذا على حساب ذاك .
19. نلاحظ ظاهرة تورط عدد من الزعماء والسياسيين العراقيين في أعمال قتل وإرهاب، فهم يستغلون مناصبهم للحيلولة دون مثولهم أمام القضاء؟ ما هو تعليقكم على هذه الحالة؟
ـ الا تعتقد ان هذا السؤال يدين كل السلطات العراقية ؟ الا تعتقد ان مجرد هكذا سؤال يعني ان الجميع متواطئون في الجريمة ؟ اذا كان هناك زعماء وسياسيون قد تورطوا في اعمال قتل واجرام وارهاب .. فاين هو القضاء العراقي ؟ واين التحقيقات ؟ لماذا لا يعلن عن محاكمة القتلة وهم يعرضون امام الملايين على شاشات التلفزيون ؟ انني مدرك منذ سنوات ، ان زعماء العراق متورطون بالقتل لاسباب سلطوية وطائفية وحزبية ، ولكن اين العدالة ؟ واين الاحكام ؟ واين المحاكمات ؟ ارجو ان توّجه هذا السؤال يا عزيزي الى زعماء العراق انفسهم .. لماذا يسكتون على مسؤولين مجرمين ، بل ويجالسونهم ويشاركونهم الهريسة والعزائم .
20. هل تعتقد أن الأحزاب الحاكمة حالياً ستستمر بنفس سياساتها مع قرب الانتخابات، أم سنلاحظ تحول جذري في السياسات تمكنها من استعادة ثقة المواطن العراقي المفقودة بها؟
ـ الاحزاب الحاكمة حاليا كلها على الاطلاق لا تفكّر بشأن العراق ولا بالعراقيين كونها غدت طبقة طفيلية تتمتع بالمليارات والنفوذ والسطوة ، وهي غير معنية الا بالسلطة . وهي تدرك ان عملية استعادة ثقة المواطن العراقي عملية خاسرة .. فهي تراهن على نفس السياسات التي اتبعتها في الماضي .. لو كان هناك اي تحّول جذري لشهدنا بدايات له .. او تصريحات عنه او اصدار بيانات بشأنه . ولا اعتقد ان اي حزب سياسي حاكم سيتنازل او يعترف باخطائه او يتراجع عن مسؤولياته .. انها طبقة جديدة حاكمة في العراق .. فاذا بقيت في السلطة لمرحلة قادمة ، فيا ويلنا من دكتاتورية الطبقة الحاكمة الجديدة ؟
21. هل تتوقع ظهور نخبة سياسية حاكمة جديدة غير الموجودة حالياً؟ وهل ترى إمكانية فوز أحزاب علمانية أو ليبرالية في الانتخابات القادمة؟ أم أن الاحزاب العلمانية ما زالت ضعيفة ولا تستطيع الصمود أمام الأحزاب الدينية؟
ـ الاحزاب العلمانية والجماعات المدنية والنخب الليبرالية ضعيفة جدا ولا تقوى على الحياة حتى الان .. الامريكان مع الاحزاب في السلطة ولا يريدون اي اطياف جديدة لها تفكير مدني .. دول الجوار مع الاحزاب الدينية او مع الذين تحالفوا مع الجماعات الدينية .. البعد الطائفي لم تزل الاحزاب تتماهى عليه .. الاجندة الداخية كلها تعمل لصالح الاحزاب الدينية في الدولة .. الاعلام العربي محابي ولم يقف مع الاحزاب المدنية .. الدول العربية كلها لم تحتضن الاحزاب الليبرالية والحرة كونها اساسا تهدد فلسفة الحكم في اغلب البلاد العربية .. ادرك ان العراقيين قد خدعوا في الانتخابات السابقة ، ولكنهم ليسوا من السهولة ان يجدوا في الساحة من يطمئنوا اليه .. انني انسان حر لم انتم ابدا الى اي حزب او تنظيم ليبرالي او قومي ، ولكنني كنت قد طالبت بعض الزعماء الليبراليين ، وفي مقدمتهم الدكتور اياد علاوي عمل شيئ او فعل شيئ من اجل مستقبل الانتخابات القادمة ، ولكنهم لم يفعلوا شيئا حتى الان .. سمعت بل وكنت على اطلاع حول انبثاق اكثر من جماعة علمانية وليبرالية للعمل ومنها ( مدنيون ) التي باركت انبثاقها .. ولكنني اجدها اضعف من مواجهة الحيتان حتى الان .. قرأت مؤخرا ما ارسله لي احد الاصدقاء من مراسلات عن سعي جماعة اخرى لاعلان حزب او كتلة علمانية ليبرالية ، ولكنني واثق انها ستخفق بسبب انحسارها على طائفة واحدة ، وعدم انفتاحها على كل اطياف العراق اولا ، وبسبب ضعف تأسيسها وقلة مواردها ثانيا ، وبسبب خوف مؤسسها من ايذاء مشاعر اصحاب العمائم ثالثا .. حالة العلمانيين العراقيين متخبطة وهزيلة مع كل الاسف ولا يمكن لها ان تصمد امام الاحزاب الدينية السلطوية ..
22. تكشفت بعض سقوط النظام السابق ظواهر ربما كانت مخفية في المجتمع العراقي، ولعلها تجسدت في أحداث السلب والنهب للدوائر الحكومية، تبعتها موجة السرقات والاختطاف والقتل، هل تعتقد أن المجتمع العراقي يفتقد الى روح المواطنة والمسؤولية.
ـ الفوضى تخلق فجأة في اي مجتمع عندما يغيب القانون والنظام الامني .. فكيف اذا والحالة في العراق .. والنماذج التاريخية شاهدة على ما اقول ، خصوصا اذا سمحت السلطة بالتجاوزات .. او غابت السلطة وبدأ اجتياح الرعاع والمحرومين .. فكيف اذا خرج المجتمع من عهد الانسحاقات الذي خلقت فيه قوى اجرامية لا حدود لتجاوزاتها ، ولا قيمة للقانون عندها .. ولكن علينا ان نكون مدققين تاريخيا لما حدث ، فليس المجرمون وحدهم سرقوا ونهبوا ، ومن ثم خطفوا وقتلوا .. بل كانت هناك احزاب وميليشيات من الاف العناصر تدفقت على العاصمة بغداد وعلى الموصل ، فقاموا بنهب الدوائر والوزارات والمؤسسات والثكنات والبنوك .. والمتاحف والمكتبات .. ان المجتمع العراقي حاميه حراميه منذ اكثر من اربعين سنة .. ايّ روح مواطنة ومسؤولية هناك ، اذا كانت الاخلاق مفقودة اصلا ، واذا كان المال العام مباحا ، واذا تعود المجتمع العراقي على ان يتناصف بين ظالم ومظلوم .. انني لا اجرد من هذا المجتمع الا المظلومين والمقهورين والمسحوقين والمستورين امام كل الطفيليين والسارقين والمختلسين والقابضين على الملايين والطارئين والمرتزقة والموتورين والمنافقين والعلاسين والخطافين وقطاع الطرق ..
23. الطائفية التي ظهرت أخيراً على السطح، هل هي نتاج سنوات عديدة من التمييز الطائفي مارستها الحكومات المتعاقبة في العراق الحديث؟ أم هي مجرد ظاهرة طارئة على المجتمع العراقي؟ وكيف يمكن إعادة زرع الروح الوطنية لدى المواطن العراقي وتفتيت الاتجاهات الطائفية والفئوية؟
ـ كتبت عن هذه الظاهرة الكثير .. وعلينا ان ندرس التاريخ المعاصر بجزئياته ، وطبيعة علاقة الدولة بالمجتمع ، ومن ثم نصّنف ممارسات الحكومات العراقية المتعاقبة ازاء مشكلة اجتماعية خطيرة .. وهل كان هناك تمييز طائفي في المجتمع قبل الدولة ؟ وما تأثير الظاهرة الدينية التي اجتاحت منطقتنا في منتهى السبعينيات من القرن العشرين ، كي نجد الطائفية تتسلق بسرعة لتلقي بظلالها على كل من العراق ولبنان بشكل خاص ، وتشكيل ردود افعال عنيفة ازاء افعال مؤثرة في المجتمعات الاسلامية .. علينا ان ندرك ان الطائفية هي احدى مظاهر الظاهرة الاسلامية التي اجتاحت عالمنا الاسلامي بجناحيه السني والشيعي ( وكلنا يذكر الاعلام السني وترويجه للصحوة الدينية ، والاعلام الشيعي وترويجه تصدير الثورة ) تلك الظاهرة الدينية التي حلت بديلا عن الظاهرة القومية . واسمح لي ان احدد بعض الاساليب في التخلص منها ، ولكنني لا اعتقد ان التخلص من هذا الوباء سيتم بسرعة في كل من العراق ولبنان :
1) تجريد المجتمع السياسي من رجال الدين ايا كانت طائفتهم . ان مجرد وجودهم سياسيا هو اشعال لمناخ الطائفية من هذا الطرف او ذاك .
2) تحرير المشروع الوطني من اي ذكر للطائفية ، وان تكون العراقية هي البديل الحقيقي ، ان مجرد استخدام الاسلام ، معناه التقدم باسم الطائفة .
3) فصل الدين عن الدولة ، اي ابعاد المؤسسات عن رجال الدين او الاسلاميين السياسيين ، وايضا عن المنافقين الذين يعلنون عن شيئ ويخفون اشياء ..
4) تحريم ذكر الطائفية في المؤسسات والاعلام والمدارس والجامعات ..
5) السماح للمجتمع العراقي كله ان يكون حرا فيما يؤمن وان يؤدي كل انسان طقوسه وتقاليده التي يؤمن بها وعدم جرح مشاعر اي انسان عراقي من هذه الناحية . شريطة عدم ادخال الدولة نفسها في اي مسلسل طائفي .
اذا كان هذا ، فستختفي مظاهر الطائفية شيئا فشيئا ، وزرعت المحبة في القلوب .. وبدونها فسيبقى اوار الطائفية مشتعلا .
24. هل تغيير واقع الحال في العراق يستلزم بدء التغيير من المجتمع (من القاع) أو التغيير من أعلى الهرم (من المؤسسات الحاكمة؟)
ـ لا يتم التغيير من دون قرار ، ولا يتخذ اي قرار من دون ارادة ، ولا تتكون الارادة من دون مشروع ، ولا يخلق اي مشروع ان لم يكن هناك نخبة مفكرة وفاعلة .. فالعملية تبدأ من القاع ، ولكن من يبدأ بانطلاق العملية ؟؟ انه اعلى الهرم ( اي : المؤسسة الحاكمة ) . انظر الاف المقالات يوميا تنشر ، والاف المقابلات تجرى ، ومئات الصحف والمجلات والكتب تنشر .. ولا يمكن ان يؤثر ذلك في تغيير القاع .. ولكن مجرد توقيع على قرار رسمي او فرمان سلطوي او تشريع قانوني ، فان التغيير تحصيل حاصل . المطلوب اذن ، زعماء مؤسسات ورجال دولة من الطراز الاول .. اذكياء يحكمون ، توقنوقراط يخططون ، حاذقون ينفذون .. ويا ويل بلاد يحكمها منافقون اغبياء وطفيليون جهلاء وساسة بلداء وطلاب سلطة وجاه ..
25. تتضارب الآراء حول طبيعة التدخل الإيراني في الشأن العراقي، ما هي رؤيتكم لهذا التدخل وأضراره؟ وما هي الوسائل التي يمكن للحكومة العراقية أن تستخدمها من أجل الحد من هذا التدخل؟ أم أن المسئلة مرتبطة بصراعات ومعادلات إقليمية ودولية؟
ـ ان علاقاتنا مع ايران معقدة من الناحية التاريخية .. صحيح ان المسألة مرتبطة بمعادلات اقليمية ودولية ، ولكن ذلك هو مجرد باب اخترقته ايران من اجل التدخل السافر في الشأن العراقي .. وهذا امر معروف ومدان .. ولا اريد الثرثرة فيه ، ولكنني اريد الاشارة الى انني قد حددت منذ العام 1995 كيفية بناء العلاقات العراقية الايرانية في البحث الذي قدمته الى ندوة العلاقات العربية الايرانية في الدوحة وقد نشرت اعمال تلك ” الندوة ” ، فيمكن للقارئ الكريم مراجعتها .. متمنيا حتى اليوم ان يؤخذ بالافكار الواردة فيها .
26. يقول الدكتور علي الوردي أن الشخصية العراقية تتصف بالازدواج، وهي تطالب بحقوقها أكثر مما تؤدي واجباتها.. هل تتفق مع هذا التوصيف لشخصية الفرد العراقي؟ وما هي آثار طبيعة المجتمع العراقي على ما يجري حالياً في العراق؟
ـ ان الشخصية العراقية ليست موحدة الطابع والميول والسايكلوجيا والافكار والطقوس والثقافة والبيئة .. انها شخصية متنوعة الطباع ومتعددة الهواجس وغريبة الاساليب .. لا يمكن اكتشاف اي شخصية عراقية من الداخل بسهولة ، ولكن يمكنك اكتشافها ببساطة من طريقة مشيتها على الارض في الخارج ! انها ليست مزدوجة حسب ، بل تعتريها التناقضات بشكل مهول .. لا يمكنني ان اجد متشابهات كبيرة بين ابن البادية وابن الحضر .. لا يمكن ان اجد متفقات بين اكراد سوران واكراد بهدينان .. لا يمكن ان اجد مشتركات بين تركمان كركوك وتركمان تل اعفر .. لا يمكن ان اجد مزدوجات بين خصوصيات اهل الموصل وخصوصيات اهل البصرة .. حتى بين اهل النجف الاشرف واهل الكوفة . ان الشخصية مختلفة جدا في الجزئيات ، ولكن ثمة عموميات مشتركات بفعل بيئة العراق الجغرافية التي وحدت كل الناس في وادي الرافدين وجعلتهم يحملون تقاليدا معينة .. فالمرأة العراقية سواء كانت في اقصى الجنوب ام اقصى الشمال فهي تعمل ليل نهار .. والرجل كسول خامل سواء كان ابن مدينة ام ابن ريف .. يطالب ليس بحقوقه فقط ( بل انه يلتهم حقوق غيره ان استطاع ) على حساب عدم تقديم اية واجبات .. ولكن تجده على العموم ابن اصول ومضافة يقوم بواجب ضيافة او كرم .. انه ضليع بالمفاخرة وعبادة الذات والانا .. لا تعجبه الشراكة في انجاز اي عمل جماعي .. يريد ان يستأثر بكل شيئ .. يعشق السلطة ويتنمر ان اصبح فوق اي كرسي .. لا يحب مساعدة اي شخص عراقي لا يعرفه او لا يمت اليه بصلة قرابة او صداقة .. بل قد يتحول الى خصم عنيد لك ان وجدك تحمل درجته او رتبته او اختصاصه ..
27. هناك رأي يقول أن للتباين الحاد في مناخ العراق، والتباين في الجغرافيا تأثير على شخصية الفرد العراقي، هل تتفقون مع هذه الرؤية؟
ـ للجغرافية والبيئة عوامل مؤثرة بالتأكيد ، ولكن للتاريخ آثار مدمرة اخرى على شخصية كل العراقيين .. ان التاريخ العراقي ـ عندي ـ ومنذ القدم قد ساهم بسحق النفسية العراقية وآذاها .. لقد اصبح العراقي في مكان من العراق يرتّل صفحات التاريخ وهو يمقت تاريخه ويحس بقسوته عليه وبمظلوميته منه .. وتجد العراقي الاخر في مكان آخر يسبح بالتاريخ العظيم وامجاده وكل ما ولد فيه .. هذا التناقض انعكس على صعوبة تلاقي الشخصيتين في حاضر واحد ! مشكلة هذا الحاضر ان العراقيين يعيشون وهم لا ينسون ماضيهم ، فهو يأكل ويشرب معهم .. في حين ان شعوبا اخرى خلقت قطيعة معرفية مع ماضيها ، ولم تتجرد من تاريخها مهما كانت عظمته او قسوته لتفكر فقط في مستقبلها المشترك ومن خلال مصالحها المشتركة .
28. المحاصصة الطائفية داء مقيت صاحب تشكيل الحكومات المتعاقبة، كيف يمكن التخلص منها؟
ـ اجبت على هذا السؤال .. وكفانا ندق على هذا الاسفين الذي دق عظامنا ونخرنا من الداخل ..
ولكن ليكن معلوما ان تشكيل اي حكومة وكادر اي وزارة او مؤسسة سيكون من هذا الطرف او ذاك . ان مشروعا وطنيا عراقيا سيحل هذا الاشكال .. ولكن ان بقينا نلوك الموضوع مع وجود الطائفية ، فسنعمل على سحق ما تبقى من تكويننا .
29. الميليشيات، نريد منكم رؤية اجتماعية قبل أن تكون رؤية سياسية لبروز هذه الظاهرة في العراق؟
ـ الميليشيات مجاميع مرتزقة لها ارتباطات وظيفية نفعية بهذا الطرف اوذاك .. وانها قلما ترتبط عقائديا او ايديولوجيا بمن تعمل عنده .. انها مع من يدفع اكثر .. ان الميليشيات من هذا المجتمع ، ولكنها منفصلة عن اخلاقياته ، فهي توظف نفسها او بالاحرى تبيع دمها لمن يدفع .. انها مصاحبة لسلوكيات جدّ قميئة وشاذة ، فهي مستعدة لقتل المجتمع كله ان وجدت مصالحها مرتبطة بذلك .. ان الميليشيات ظهرت في العراق المعاصر قبل خمسين سنة ، عندما سمحت الجمهورية العراقية حال انبثاقها عام 1958 بالمقاومة الشعبية وهي مجموعات مرتزقة للحزب الشيوعي العراقي ، وكانت لها ادوارها ليس في حماية الثورة من اعدائها ، وحراسة الجمهورية التي سماها عبد السلام عارف في واحد من خطاباته بـ ” جمهورية خاكية .. ” كما صرح بذلك ـ وقت ذاك ، بل للحد من حركة الناس ، وتقييد الحريات ، ووجود اسناد للجيش العراقي الذي لم تكن له خبرة في المدن .. ثم اعقبها الحرس القومي عام 1963 وهي ميليشيا بعثية صاحبة ممارسات سيئة ضد المجتمع وشرف المجتمع .. ثم جاء الجيش الشعبي للبعثيين من الدفعة الثانية ، والذي تعرفون تاريخه الزيتوني .. وبعد 2003 انفلتت الامور عن تفريخ ميليشيات لا اول لها ولا آخر واصبحت فرقا وجيوشا وعصابات وكتلا .. بل وسمي بعضهم بالمقاتلين والمناضلين الخ
30. كان النظام البعثي يتخذ منهج عسكرة المجتمع، ويزرع ثقافة الحرب والعنف، ما هي انعكاسات هذه السياسة على واقعنا الآن في العراق، وكيف يمكن التخلص من هذا الإرث؟
ـ هذه اليوم حصيلة ما زرع في السابق .. لقد ازيل النظام السابق وكان مكروها عند عموم العراقيين الذين صفقوا وطبّلوا وهوّسوا وكتبوا الاشعار له اثناء وجوده في الحكم ، ولكنهم انقلبوا عليه اثر رحيله ، وهي عادة عراقية ادركها جيدا من خلال تكرارها عبر التاريخ .. لقد رحل النظام السابق ، ولكن بقيت بقاياه وترسباته التي تفعل فعلها اليوم .. والعراق بحاجة الى قرابة عقدين من الزمن حتى ينظف اذا اعتمد برنامجا وطنيا او مشروعا حضاريا .. ان اغلب بقايا عناصر النظام السابق سترحل في غضون عشرين سنة قادمة ، ولم تبق الا الذكريات المؤلمة . فعليك ان تنتظر وعلى الجيل الجديد ان يستعد .. ان مواقع الجيل السابق ستنتهي في غضون 15- 20 سنة بالكامل بعد ان بدأ الجيل الجديد يتحفز لتسلم المواقع القديمة .
31. هل العنف هو قدر العراقيين؟ فالعراق عاش طوال تاريخه يعاني من العنف والحروب، مع فترات قصيرة ومتقطعة من الحياة المدنية والسلمية، هل تعتقد أن العنف غريزة عراقية؟
ـ لا ابدا ، انها نظرية خاطئة مئة بالمئة . ان العراقيين اشداء وعاطفيين ونرجسيين واذكياء وكرماء وقد تجدهم اقوياء واصحاب انفة وكبرياء ـ كما كنت اعرفهم سابقا ـ ، ولكنهم بنفس الوقت غير متحابين في ما بينهم وغير مؤمنين بالدولة وبعضهم ( كلاوجية ) ياخذ منك ويبيع عليك .. وبعضهم الاخر ( روزخونية ) يثرثر بما هو ظاهر ولكن الباطن يحتبس اشياء اخرى .. هناك منافقين كثر وهناك اناس طيبين الى درجة مذهلة .. فصفة العنف تلازم تاريخهم السياسي ، اكثر بكثير من تاريخهم الاجتماعي ، ومن مآسي العراق ان المجتمع دوما ما يقع تحت وطأة ثقل السلطة وعنفوانها .. ان عهودا سياسية قد مرت على العراق ودفع العراقيون دماءهم انهارا ازاء هجمات الغزاة وحصارات الاعداء لهم .. لقد عانوا من العنف كثيرا ولكنهم ليسوا بمتوحشين الى الدرجة التي وصلوا اليها الان .. ربما تتفوق الخسة في بعض الاحيان عند بعض الجماعات ، نتيجة لتفاقم التناقضات وسياسة بعض الحكومات السيئة .
32. تسير الحكومة الحالية بمسار متعرج، ما هي الخطوات العملية التي يمكن للحكومة اتخاذها من أجل تصحيح هذا المسار؟
ـ ليس لي وصفة علاجية جاهزة .. ولكن بصراحة ان ارادت ان تصحح مسارها ، فليس لها ان ان تنفصل عن اجندة الاحزاب والتحالفات وتحكم العراق باجندة جديدة .. وهذا محال ان يحدث / فالحكومة هي مقيدة وليست حرة في ان تصل الى تطلعات العراقيين .
33. الأحزاب العراقية التي اختطت خط المعارضة ضد الحكومة الحالية، هل تراها وصلت الى مرحلة الطموح أم ان خطواتها ما زالت متعثرة وغير محسوبة؟ كما نريد منكم تفسيراً لظاهرة غريبة هي وجود أحزاب مشتركة في الحكومة والسلطة لكنها تمارس دور المعارضة.
ـ هناك قوى سياسية عراقية مختلفة منها معارضة للحكومة ، ولكنها مشوّشة لا تعرف اساليب المعارضة ، وهي تنتمي الى العملية السياسية الحالية بعد سقوط النظام السابق ، ولا تدري هل تعارض الحكومة او النظام وهي مع التغيير .. هناك قوى سياسية تؤمن بالتغيير ، ولكنها تعارض كل العملية السياسية كونها تريد العراق ان يسير في طريق سياسي آخر غير الطريق الذي سلكه النظام السياسي الحالي .. وهناك قوى رافضة لمجمل التغيير التاريخي وهي اما تريد ارجاع القديم الى قدمه او تريد اي نمط ايديولوجي مخالف .. اما الظاهرة الغريبة التي سألت عنها بوجود احزاب وقوى مشتركة مع الحكومة والسلطة لكن قسم منها يمارس دور المعارضة وقسم اخر يعارض للبحث عن مصالحه ومصالح اقليمه وقسم جاء من اجل السلطة ويريد حجما اكبر من السلطة والنفوذ ، وقسم اخترق العملية السياسية ويريد الصعود من خلالها .. الامر كله سيان عندي .. والخلل بدأ منذ البداية ولابد ان يعالج جذريا ..
34. من دراستكم للتاريخ العراقي.. هل تستطيعون رسم مشهد للمستقبل السياسي للعراق؟
ـ العراق يمر اليوم باصعب مرحلة تاريخية لم يشهد مثلها من قبل .. ولا يمكن ان اجد اي تشابهات بين ما يحصل اليوم وبين ما حصل على امتداد التاريخ .. انني اؤمن بأن العراق هو اقوى من العراقيين .. ولكن العراقيون لا يدركون قيمة العراق في الماضي والحاضر ، وهم يعيشون على التقديرات والمصادفات خصوصا وانهم اليوم لا يمتلكون ارادتهم الوطنية ، وان العراق لا يمكن ان تستقيم اوضاعه في ظل تناقضاته الداخلية اولا ، وفي ظل وجوده الاقليمي ثانيا ، وفي ضياع ارادته دوليا .. ان العراق لا يمكنه ان يعيش مفككا مشرذما الى ما لا نهاية .. انه بحاجة الى ان يتوحد من جديد كي يجد نفسه في مداره الاستراتيجي دولة فاعلة بالشرق الاوسط .. ولا يمكن ان يتوحد من دون ارادة وطنية يسيّرها مشروع وطني مع وجود احزاب وقوى متجددة ومتطلعة الى الامام .. الماضي لن يعود ابدا وكل من يتغنى بالماضي فهو واهم على اشد ما يكون الوهم .. الوعي لا ينمو بسرعة في خضم هذا المخاض ، وانني اعتقد ان جيلا جديدا ان نجح في ان يؤسس له ادراكا متبادلا مع رحيل هذا الجيل على امتداد السنوات العشر والعشرين القادمة .. فمن المحتمل ان تبدأ حياة جديدة في العراق ، وبعكسه فان العراقيين سيبقون في دوامة من الصراعات وهم يعيشون الاوهام والمخيالات والمعتقدات البالية او المؤدلجات القديمة التي عفا عليها الزمن .. ان المستقبل صعب ان يبنى في ظل هكذا تفكير مسيطر في المجتمع السياسي .. وان ما اوضحته في اعلاه من افكار اعتقد ان كان العراقيون يدركون خطورة المستقبل فسيأخذون بها .. والا فان مستقبلا معتما ينتظرنا ولمراحل تاريخية اخرى .. حتى ينبلج الصبح وينجلي الليل .. عند ذاك سيصفق ابناؤنا واحفادنا لمثل هذا الكلام .
35. في الختام. لو طلب منكم توجيه كلمة الى الشباب العراقي عبر أضواء العراق ماذا ستقول لهم؟
ـ انهم عماد مستقبلنا وهم لبنة حاضرنا ومادة عراقنا .. اننا سنرحل عاجلا ام آجلا وسيبقى الشباب الذين سيصبحون رجالا .. العراق هو الوطن الذي سيدركون بأنه لا يقبل القسمة ولا التقسيم ابدا ما دام كل من دجلة والفرات يجريان .. المجتمع بكل تنوعاته واطيافه لا حياة له الا ضمن ارادة عراقية واحدة لا هوية ولا ولاء ولا انتماء الا للتراب .. فكل شيئ نختلف عليه الا التراب والماء والهواء وشمس العراق .. الدولة لا يسيرها الا دستور مدني يحدد الواجبات اولا ومن ثم يمنح كل عراقي حقوقه ثانيا .. وان اي عملية سياسية ان لم تصاحبها عملية حضارية فسوف تختنق وتتعثر ولا تعرف اين الطريق .. وكل من العمليتين تتلازمان في مشروع وطني متطور يجتمع حوله الجميع بعيدا عن كل موروثات الماضي الصعب او العقيم .. رجال المستقبل بحاجة الى ان يدركوا ان العراق لا يمكن ان يحكمه الا العراقيون قد تتنوع الاشكال والاساليب ، ولكن الانتماء واحد لا اثنين ، والوطن واحد لا وطنيين .. وان العراق لابد ان ينفتح على العالم ولكن ينبغي على كل شاب عراقي ان يحافظ على مصالح العراق العليا مهما كانت الاثمان .. وعليه ان يقدّس المال العام .. عليه ان يكون عمليا في التصرف بثرواته وان يكون بمنتهى الاخلاق في التصرف مع كل عراقي في هذا الوجود مهما كان جنسه او دينه او طائفته او مكانه .. وان يحب كل العراقيين .. عليه ان يضع هدفا حضاريا للوصول اليه كي يجعل من بلده مركزا حضاريا في هذه الدنيا .. عليه ان يربي اولاده على قيم العراق الفاضلة وان يبتعد قدر الامكان عن كل الامراض المزمنة والهجينة المتوارثة والمستحدثة مؤخرا .. عليه ان لا يتعصّب او يغالي ويتطرف ويتمسك برأيه .. بل يقبل اراء الاخرين .. عليه ان يكون هادئا في معالجة كل المخاطر وان يستجيب لكل التحديات .. عليه ان يكون ذكيا في التعامل مع الاخرين وفي مقدمتهم جيرانه من كل اطراف العراق .. وان يكون عالي الجناب وجيد السلوك في الداخل والخارج معا . عليه ان يثمن رموزه ويقدر تاريخه حق قدره ويتعلم منه وان يكون واقعيا لا مثاليا في المجتمع ، وان يخّلص مجتمعه من كل الآثام التي جثمت على صدر العراقيين لاكثر من خمسين من السنين .. عليه ان يحترم كل قيم العراقيين وطقوسهم وان لا يجرح مشاعر اي عراقي في ما يعتقد به او يؤمن فيه .. فالوطنية العراقية ليس مجرد شعارات بل هي تصرفات واخلاقيات .. عليه ان وصل السلطة ان ينسى حزبه وطائفته وديرته وعائلته ومصالحه الذاتية وخصوصياته .. وان يكون فوق كل هذا وذلك دون ان يفّرق ودون ان يتعّصب ودون ان يغالي .. عليه ان لا يكون نبيا مرسلا ، بل ان يكون رجلا حقيقيا في ان يعترف باخطائه وان يسامح وان يتغاضى ولا يتآمر او يثأر او يختلس او يسرق .. ان يكون صريحا وواقعيا ولا يعرف قاموسه الا الحسنى ويربى الاجيال القادمة على هذا المنوال .
واخيرا :
ـ اتمنى ان تزرعوا وعيا جديدا لدى الجيل الجديد بأن المحنة التاريخية ستنتهي ويتكون عراق جديد عراق حضاري على ايدي ابنائه المخلصين .. لا تتركوا العراق للقتلة والانفصاليين والمرتزقة والاغبياء والحاقدين .. لا تتركوا بلادكم الطيبة وتتشردون في الشتات .. فليس اصعب من ان تكون وحدك في هذا العالم لكي يذوب الابناء والاحفاد في مجتمعات اخرى ويخسرهم العراق .. لقد خسر العراق الى حد الان الالاف المؤلفة من نخبه ورجالاته ومبدعيه وعلمائه ومثقفيه .. كما خسر اطيافا عدة من سكانه نتيجة الخوف والرعب والارهاب والحروب والحصارات وكل الاضطهادات .. وليثق كل شباب العراق ان العراق ليس مشكلة ولكن البلاء في البعض من اهله الذين من الصعب اصلاحهم .. . ان تجارب الذين نزحوا عن العراق مؤلمة للغاية وهناك الاف العراقيين ينتظرون استقرار البلاد للعودة الى بيوتهم ومدنهم وديارهم بعد ان ذاقوا الويلات .. ان المرحلة التاريخية مهمة كانت صعبة علينا ، فان لكل اجل كتاب ولابد لليل ان ينجلي ويطلع الصبح بعد ان تشرق الشمس على كل هذا العراق ..
الى هنا دعني اتوقف وقد اخذ مني هذا الحوار مدى كبيرا من زمني واعصابي واخشى ان اكون قد اطلت ، والناس لا تهوى الاطالة .. اشكركم وتحياتي الى كل الاصدقاء .
* يمكن للقارئ الكريم مراجعة أصل الحوار على موقع اضواء العراق ، الرابط التالي :
http://www.iraqlights.org/vb/showthread.php?t=40058
نشر في يوم الثلاثاء 16 سبتمبر / ايلول 2008
والمعاد نشره في موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
الرئيسية / حوارات / حوار موسّع وصريح* مع المفكّر العراقي سّيار الجَميل عن العراق : الواقع وطريق المستقبل
شاهد أيضاً
ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية
مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …