الرئيسية / حوارات / وكالة مهر: حوار صريح مع المفكر العراقي الدكتور سّيار الجميل حول الاحداث الجارية والعدوان على لبنان

وكالة مهر: حوار صريح مع المفكر العراقي الدكتور سّيار الجميل حول الاحداث الجارية والعدوان على لبنان

أجرى الحوار : السيد عمار الحسيني – مندوب وكالة مهر وصحيفة اعتماد ملي وصحيفة اعتماد

السؤال الاول
هل يوجد سبب خاص لتكون عملية اسر الجنديين الصهيونيين بواسطة حزب الله في هذا الظرف الخاص من الزمن ؟

-لا اعتقد ان هناك سببا حقيقيا لدى حزب الله في لبنان ان تكون له مثل هكذا عملية لأسر جنديين اسرائيليين .. فمسألة الاسر عملية ليست طبيعية في مثل هذا الوقت بالذات ، ولكن يبدو لي ان هناك اسبابا اقليمية حقيقية لأطراف ينفّذ حزب الله اجندتها السياسية ولا عيب ان نذكر ذلك فالمنطقة تعيش فوق بركان كما قلنا ذلك قبل شهرين وذلك امر يدركه الجميع .. ولكنني اقول ان هكذا لعبة خطيرة وبمثل هذا التوقيت ستعم آثارها ليس على لبنان وحده ، بل على كل المنطقة . لقد اختلف الزمن بين الذي كان عليه سابقا باسر جنود او ضباط او رجال اعمال اسرائيليين في الماضي وبين هذا الزمن الذي لا يريد الاسلاميون من الزعماء والقادة والساسة فهمه والوعي به والتوافق معه ، وهذا نفسه الذي كان يتشدق به القوميون سابقا .. فهم يحملون نفس الشعارات التي لا يمكن خلط الاوراق من خلالها .. ويمكنني القول ايضا انه لا يمكن المجازفة بتنفيذ هكذا لعبة عادية تكون السبب في عدوان اسرائيلي مفجع على لبنان وغير لبنان .. وقد رأينا ما الذي حصل في لبنان اليوم . وبعيدا عن العواطف الوطنية والقومية والدينية .. فخراب لبنان وتدميره لا ثمن له كما جرت العادة في تدمير بلدان اخرى لم تحّصل على شئ !! ان السياسات الاستراتيجية وصنع القرارات الصعبة لا يمكنها ان تنبثق على ايدي اناس لا تدرك حجم الفعل وردود الفعل .. ان اختطاف جنديين اسرائيليين سوف لا يجعلنا ننتصر على العالم .. والحرب ليست لعبة سياسية او عملية جهوية او خطوة طائفية .. الخ لقد انتج ذلك خراب لبنان وتهشيم اقتصاده وتعطيل الحركة فيه وتحطيم السياحة فيه .. بل استطيع القول ان حزب الله بمثل هذه العملية الغبية قد قّدم مشنقته الى جلاديه .. ولا يمكن للسيد حسن نصر الله بعد اليوم ان يتبارى بالشعارات ، حتى وان توقّف اطلاق النار . كان عليه ان يجد وسيلة اخرى للخروج من أي مأزق يعيشه !

السؤال الثاني :
لماذا تصعد اسرائيل بدلا من القبول بالامر الواقع والدخول في مفاوضات لاطلاق
اسيريها؟
-اعتقد اننا لم نزل نعيش اوهام الماضي واننا قد فقدنا ذاكرتنا التاريخية ايضا .. واننا قادرون على مواجهة التحديات الشرسة بالاوهام وبضاعة الكلام واستعراض العضلات .. ونقنع انفسنا بأن اسرائيل ستقبل الجلوس في مفاوضات وحتى ان قبلت فمن هو صاحب الورقة الرابحة ؟ .. لم نزل نتوهم ان اسرائيل قد فقدت توازنها وانها ضعيفة واننا اقوياء .. لم نزل نعيش باوهام واخيلة لا تتسق والواقع المرير ! ولم ندرك حتى اليوم ما الذي يمكن لاسرائيل ان تفعله في اللحظة التاريخية الحاسمة .. وانها تنتهز هكذا فرص ثمينة للضرب في العمق ضربات موجعة لا يحس بها الا من يكابدها .. بل ويتوهم الاخ حسن نصر الله انه قوة جبارة خارقة في هذا الكون .. وقد افتقد الاجماع الوطني اللبناني بهذه السياسات والشعارات .. ان هذه العملية قد اعادت الى الاذهان ما يصّرح به الناس من الشعارات والاوهام .. او ما تصرخ به العامة في الشوارع وكأن العالم يسمعنا ! صحيح ان هذه العملية قد كلّفت لبنان الكثير ، ولكنها ـ كما يقول العديد من الاصدقاء اللبنانيين ـ قد خلّصتهم من اسطورة نصر الله التي لا ندري كيف سيواجه اللبنانيين بعد اليوم ! لابد ان نعيد التفكير في مسببات هذا العدوان الاسرائيلي قبل ان نجلس ونندب ونبكي على نتائجه الكارثية .. لابد ان نعيد التفكير بأن الحرب مع اسرائيل ليست نزهة وانها ليست لعبة كر وفر ، او انها اضرب واهرب .. بل في اسرائيل تقاس الامور بالخطط وصناعة العمليات بدقة متناهية وهي قادرة على اقناع العالم خصوصا ونحن العرب لا رصيد لنا اليوم في هذا العالم .. ان العالم يتصورنا وحوشا ضارية .. وعلى العرب والمسلمين ان يدركوا حجم مخاطر اسرائيل قبل اللعب معها .. فليس قوة حزب الله اقوى من جيوش جمال عبد الناصر ولا اقوى من جيوش صدام حسين !!


السؤال الثالث :
هل نحن على اعتاب حرب عربية اسرائيلية اخرى؟

-لا اسميها حربا عربية اسرائيلية ، فالعرب سوف لن يشتركوا في هكذا عملية .. قل انها حرب غير متكافئة من قبل حزب الله وبين اسرائيل والمتضّرر الاساسي هو لبنان والمتضرر الاخر هو العرب .. وقد نجحت ايران في ان تشغل العالم عنها ، وان اسرائيل تسميها حربا لكي تفهم العالم بأن العرب يعتدون عليها ويأسرون جنودها !!
ان ما نشهده اليوم هو تعبير فاضح عن انقسام جوهري ازاء التعامل مع اسرائيل التي قامت بعدوان صارخ على لبنان ، ولكن يتحّمل حزب الله المسؤولية عنه ، فالحزب يمّثل احد طرفي المعادلة في التعامل مع اسرائيل وهو بدون شك لا يمثّل كل الارادة اللبنانية ، فلبنان منقسم على نفسه اليوم .. اللبنانيون الحقيقيون لا يريدون الحرب ولا يريدون خراب بلادهم الجميلة .. ان حزب الله يمّثل كل من ايران وسوريا ازاء الطرف الاخر الذي تتزعمه اليوم كل من السعودية ومصر والاردن .. اما السلطة الفلسطينية فهي منقسمة بين طرفين اثنين ، طرف حماس الذي يؤيد حزب الله وطرف ابو عباس وفتح الذي يؤيد المشروع السلمي .. ان اللاعب الاساسي لما وراء الاستار هو ايران والعرب ينسحقون بين قوتين اقليميتين !

السؤال الرابع :
ما مدى تاثير هذه العملية على الوضع في فلسطين المحتلة بشكل خاص ومنطقة الشرق الاوسط بشكل عام؟
-انني اعتقد ان ما يحدث اليوم ستكون له عواقبه البالغة على منطقة الشرق الاوسط برمّته .. ان الجولة التي ستكسبها اسرائيل دوليا واقليميا ستطلق يدها القوية على كل من يقف في وجهها حتى في أي مفاوضات قادمة .. وحتى ان لم تكسب ، فهي قد حققت عدوانا صارخا مخربا من يتحمّل مسؤوليته ؟ لقد تحجّم اليوم دور حماس بعد هذا الدرس البليغ الذي لن يفق عليه العرب اليوم ، ولكن ضرب المصالح الحيوية اللبنانية وفي مثل هذا الوقت بالذات سيؤخر لبنان كثيرا اذ انها الان تتحمّل عبْ الضربة الصاعقة وعندما ستفيق ستجد ان لا احد يقف الى جانبها ! اما حماس ، فستكون في رحى المعركة الحقيقية بعد اتمام عملية علس حزب الله لتستدير اسرائيل اليها فتعلسها هي الاخرى ! كان المطلوب من كل من الطرفين ان يناورا اكثر ، ويلعبان باوراق سياسية بدل هذا الهوس الذي سينهيهما او على الاقل يحجّم ادوارهما .. انني اعتقد بأن من ساهم في اذكاء الموقف واشعاله لم يدرك ابدا بأنه يقّدم لاسرائيل هدية ممتازة لتنفيذ ما تريده منذ زمن بعيد خصوصا وان المنطقة تعيش على بركان وستخرج اسرائيل منه رابحة مرة اخرى .. وسيخرج منه العرب منه بخفي حنين بعد خراب لبنان وربما غير لبنان .. ان السياسات التي يصنعها اليوم بعض الثائرين من الشباب الجدد ستكلفنا ثمنا غاليا ، كما كلفتنا مغامرات من سبقهم منذ خمسين سنة !

السؤال الخامس
لماذا تتهم اسرائيل سوريا وايران بالوقوف وراء هذه العملية؟
-هذه حقيقة واضحة .. لماذا نخفي رؤوسنا في الرمال ؟ لماذا لم نقل الحقيقة سواء قالتها اسرائيل ام لم تقلها ؟ ولماذا لم نقلها قبل ان تقلها اسرائيل ؟ حزب الله له علاقاته الصريحة مع كل من البلدين سوريا وايران .. وواضح كم هو حجم العلاقة بين الطرفين .. وان كل عمليات حزب الله يباركها كل من النظامين .. واذا كان حزب الله قد أسر جنديين اسرائيليين ، فان ذلك قد تمّ بمباركة سياسية واعلامية من قبل كل من النظامين .. بل ولم يعلن عن أي موقف مضاد من قبل النظامين ازاء ما يفعله الاخ حسن نصر الله وان تصريحاته تأتي في سياق سياسي معّبر عن ارادة كل من النظامين سواء في القضية الفلسطينية ام المسألة العراقية .. فلماذا ننكر ذلك ؟ انني اعتقد ان ايران لها اجندة سياسية تختلف عن الاجندة السورية ولكنهما تتفقان في الاهداف ، فاذا كانت ايران ستكسب من وراء هذه العملية ، فان سوريا ستفقد الكثير من اوراقها ، والسؤال : هل ستبقى سوريا تلعب بورقتها ازاء اسرائيل في الارض اللبنانية ؟ ام انها ستضطر لفتح جبهتها الحدودية مع اسرائيل ؟ هذا سؤال مهم .. هل ستشتعل الجبهة السورية مع اسرائيل ام ستبقى باردة خامدة ؟ . اما لبنان فهو الخاسر الاكبر لأنه شعبا وحكومة قد ارتهنت ارادتهما من قبل حزب الله الذي يمّثل دولة داخل دولة ولكن ربما ستكون هذه العملية بمثابة بداية لنهاية حزب الله وعند ذاك سيبدأ العمل باوراق جديدة .
السؤال السادس
ماهو تاثير هذه العملية على الحوار الوطني اللبناني والوحدة الوطنية اللبنانية
بشكل عام؟

-ان تأثيرها كبير جدا وصاعق جدا ومؤثر جدا .. ان الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 كان بريا ، مما خلق ردود فعل غاضبة على المحتل وعلى نتائج عمليته تلك .. اما الضربة الاسرائيلية اليوم فهي تطال البنية الحيوية اللبنانية فردود الفعل الغاضبة على مسببات الحدث وربط ما نتج عنها بالاسباب .. ان الشعب اللبناني اليوم متألم على مصالحه ومنافعه اكثر من تألمه على من اشعل فتيل المعركة التي لا وجوب لها ابدا وجعل العدوان الاسرائيلي بمثل هذه البشاعة .. هناك كما سمعت بعض الاطراف مهتاجة لفقدان مصالحها السياسية مع هذا الطرف او ذاك .. وهناك من يأمل في ان تكون هذه العملية هي نهاية افراغ حزب الله من سلاحه ومحاسبة السيد نصر الله على ” حجم ما اقترفه .. ” . انني ارى ان هذه العملية سوف لن تنهي مشكلات لبنان ، اذ ستبقى مشكلات لبنان صعبة على مدى زمني ليس بالقصير ، فالانقسامات داخل لبنان ليست سياسية بحتة ، بل طائفية بحتة ولكن اخشى ان تصبح لبنان في اوضاعها كالعراق خصوصا وان التدخلات في لبنان لا تقل خطورة عن التدخلات في العراق .. كما واشّدد على الدور العربي في الوقوف الى جانب كل من لبنان والعراق علما بأن تعقديات العراق اكثر صعوبة من لبنان .

السؤال السابع
كيف تقرأ لنا مستقبل المنطقة في ظل هذه الظروف؟
-ان مستقبل المنطقة مرتهن بايدي صناع القرار في الاقليم اولا ، ومرتهن اليوم بيد ما تريده الولايات المتحدة الامريكية ثانيا .. وانني اعتقد ان ما يجري اليوم من قبل اسرائيل سيصّب في صالح ما ترمي اليه الولايات المتحدة الامريكية .. كما ويمكنني القول بأن الانقسام الحاصل اليوم في المواقف الاقليمية هو الذي مهّد الفضاءات الواسعة للولايات المتحدة ان تتدخل تدخلات مباشرة في قضايا المنطقة التي تزداد تدويلا يوما بعد آخر .. ان مستقبل المنطقة محفوف بالاخطار الجسام ومن سوء التفكير السياسي لزعامات وقيادات وقوى واحزاب عربية واسلامية وطائفية واقليمية وجهوية وطفيلية .. انها ما زالت تستعرض العضلات امام العالم وتتشدق بالشعارات الصارخة .. وانها لا تتعلم من الدروس التاريخية ابدا .. كما انها تمّهد لتفجير الاوضاع ثم تجلس تندب وتولول وتطلب مساعدة المجتمع الدولي .. ان الصراع في المنطقة لا يقوده اصحاب منطق سياسي ممن تمّرسوا على المفاوضات وعلى قيادة الازمات ، بل انهم يأتون الى الزعامة او القيادة من دون أي تجارب ولا أي خبرات ولا أي ذكاء ولا أي مناورات ولا أي خطط وحسابات .. لقد انتقلنا اليوم في صناعة قراراتنا المصيرية من رجال انقلابات عسكرية الى رجال عمائم دينية وكل من الاثنين مع احترامي لهما لا يجيد اللعب بالمقدرات السياسية وليست له أي مقدرة في اقناع العالم بما نريد وبما لا نريد .. مستخدمين الهوس العاطفي الديني او الطائفي او الشوفيني كي تصفق لهم الملايين من دون أي دراية بالنتائج .. وقد تعلمنا ان كل النتائج كارثية على منطقتنا ومحيطنا كوننا لا نحسن فقط صنع قراراتنا ، بل ولا نستطيع البتة ترويج بضاعتنا السياسية وقضايانا الحقيقية امام العالم . ان المنطقة مقبلة على تغييرات جذرية في السنوات القادمة .. وستفقد مجتمعاتنا ثقتها بالاسلاميين ليس لأنهم اسلاميون ، بل توّضح انهم من اعجز الناس عن صنع القرارات ومن اكثر الناس استهزاء برأي الاخرين .. وانهم لا يعتمدون أي خطة عمل ولا برنامج رأي بل تسّيرهم العواطف وتصفيق الجماهير .. واخيرا ، لابد ان نقول بأن من يقف ليدلي بكلامه صريحا وواقعيا لا ينطلق من أي منطلق طائفي ولا جهوي ولا شوفيني .. اننا ضد هذه الحرب اللعينة وضد هذا العدوان الهمجي .. لأن لبنان لا يستحق ان يقف وحده في الميدان مخربا .. ولأننا لا نريد لبنان ان يبقى بورصة للمناورات ولا مسرحا يتلاعب عليه الاخرون .. لابد ان يتوقف هذا العدوان مهما كانت الاثمان .. ولنسأل بعد ذلك : ما جدوى كل ما حصل ؟ فهل من حساب للمقصّرين والمذنبين ؟؟

16/7/2006

شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …