دوماً يخطئون التوقيت معك. لبنان لا ادري متى ينتهي الآخرون منك ومن التدخّل في حياتك لكي تعرف ماذا يريدون منك في هذا الظرف الحرج. ماذا يريد السيد حسن نصرالله أن يقول للعالم؟ ما صفته عندما يحرج لبنان في مثل هذا الوقت بالذات؟ ماذا يريد الآخرون من لبنان في مثل هذا الصيف، وهم يعلمون بأن لبنان يعتمد على السياحة في مدخولاته؟
لماذا يريدون حرق لبنان بالتصعيد مع اسرائيل في مثل هذا الوقت بالذات؟ لماذا يُفَجّر الوضع في لبنان بالذات ليكون في فوهة البركان ثانية؟ ما هذا المزاج الثوري الذي يرقص على حلبته اولئك الذين لا يقدّرون الامور حق قدرها؟ ما الذي سيجنيه لبنان غير الحرائق والمآسي وضرب اعماقه وهو غير قادر بشكل رسمي على ان يدخل في حرب مع اسرائيل؟
لقد بدأ التصعيد من خلال خطابات السيد حسن نصرالله النارية لتصل ذروتها بأسر جنديين اسرائيليين، ولا ادري ما الذي سيكسبه لبنان من هذه المغامرة التي اعتبرتها اسرائيل “عملاً حربياً”. وبدأ اولمرت يهدد الحكومة اللبنانية ويتوعدها ويحمّلها المسؤولية ليحمّل الشعب اللبناني كله اخطاء “حزب الله”. علماً بأن الاخير هو بمثابة دولة داخل دولة، ولا يسمع للحكومة ولا يحترم شرعيتها. وهكذا، كما تعودنا دوماً هناك مَن يخطط من وراء الحدود اللبنانية لأعمال ينفذّها “حزب الله”، ثم يأتي لبنان كي يتحمل نتائجها ومسؤولية الاحداث فيدفع اللبنانيون الاثمان الغالية.
هل من المعقول أن يحدث كل هذا في الجنوب والحكومة اللبنانية لم تكن على علم – على حد تصريح وزير الاعلام اللبناني؟ هل من المعقول أن يحدث كل هذا مع اسرائيل والحكومة اللبنانية لا تتحمّل المسؤولية ولا تتبنى ما جرى من احداث على الحدود الدولية ويجري – كما يستطرد الوزير مصرّحاً؟ مَن الذي يتحمّل المسؤولية؟ لماذا تحرق اسرائيل مطارات لبنان من دون أن يقترف المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية انتهاكاً دولياً؟ هل تسمح أي دولة في المنطقة أن يخرّب لبنان مصالحها السياسية والاقتصادية والحيوية من وراء الحدود وتسكت على ذلك؟
ما الذي يجعل اللبنانيين يسكتون ويصمتون على ما يقوم به حزب يرتبط بعلاقات استراتيجية مع دولة بعيدة؟ هل خوّل اللبنانيون الأخ حسن نصرالله أن يلعب بمصير لبنان بتفجير مشاكل مع اسرائيل، ثم تضرب اسرائيل كل مصالح لبنان الحيوية وفي مثل هذا الوقت بالذات؟ ما الذي سيكسبه لبنان من خطف جنديين اسرائيليين؟ هل سيغدو لبنان ضحية اخرى من ضحايا هذا العصر الذي بدا وكأن العصابات تحكمه؟
وانني اسأل كل الاخوة اللبنانيين: هل تريدون حرق هذا البلد الجميل لاسباب لن تجعلكم ابطالاً في عصر بات الكل يبحث فيه عن مصالحه ومنافعه؟ هل ترضون أن يغدو بلدكم مخترقاً كالعراق تعبث به ارادة هذا ومخططات ذاك؟ هل تقبلون أن يتحوّل لبنان من جديد بركة دم مشتعلة لسنوات طوال مقبلة؟ هل تريدون من لبنان الذي عرف كيف يهدأ ويسالم بعضه بعضاً ان يحترق؟ ان كانت ايران تريد ان تصارع اسرائيل فلتجد غير لبنان ساحة عمليات بها. ولكن اسألوا عن صدقية هذا او ذاك في مسألة تحرير فلسطين قبل أن تكونوا ضحية الشعارات والاوهام كالتي عاش عليها العراقيون ردحاً طويلاً من الزمن ليجدوا انفسهم وقد تحطّم بلدهم وجلسوا يتصارعون فوق احجاره. وهذه وتلك من الدول المجاورة تغذي نيرانه المشتعلة!
انني اتوجه بالسؤال مباشرة الى الأخ السيد حسن نصرالله: ماذا كنت تتوقّع من اسرائيل؟ هل تدرك بأن اسرائيل تجدد نفسها من عهد لآخر ومن زمن لآخر، وهي تدرك حجم التحديات التي تواجهها اكثر منا نحن العرب؟! هل تعتقد ان العالم سيقف معك في مثل هذه المغامرة التي لا معنى لها غير خراب لبنان؟ هل تصريحاتك الصارخة ستبني لبنان؟ وهل اعمال كهذه ستساهم في تطوير اقتصاد لبنان؟ اذكر في واحدة من زياراتي للبنان كيف قصفت اسرائيل محطات توليد الطاقة الكهربائية وكنت بالسيارة قريباً منها ثم عاشت مدن لبنان في ظلام دامس نتيجة واحدة من هذه الاستفزازات التي لا علم للحكومة اللبنانية بها!!
اتمنى على الشعب اللبناني ان يحكّم العقل في معالجة هذه الظروف الصعبة التي يمر بها، وان تقف كل القوى السياسية والبرلمانية والاجتماعية اللبنانية لتقول كلمتها: كفى تدخلات بشأن لبنان من جانب هذه الدولة او تلك؟ دعوا لبنان يعيش بسلام، فلقد اعطى الكثير الكثير. دعوا لبنان يقرر بنفسه من دون أي وصاية ولا أي تدخلات. دعوا لبنان، فلقد تدخل الآخرون في شؤونه منذ ازمان مضت ولم يجنِ غير الخيبة والمآسي والانقسمات والحروب. واقول لاسرائيل: كفى ايذاء للبنان ولمصالحه الحيوية. وكفى ضرباً لبنيته التحتية. وكفى اختراقاً لاجوائه وسمائه وضرباً لأهله وأرضه وشعبه وهو ليس مسؤولاً أبداً عن هذا المهرجان. دعوا لبنان للكلمة المبدعة والاغنية الصادحة والقصيدة الجميلة والوجوه الباسمة. دعوا لبنان يسترجع عافيته بعد سنوات الحرب الاهلية القاسية. دعوه فهو الرئة الحقيقية التي تتنفس بها كل هذه المنطقة منذ ازمان. فهل ستتحقق امنياتي الطيبة لكل من لبنان والعراق؟ اشك في ذلك ما دامت سياستنا تصنعها العمائم!
تورنتو – كندا
النهار
البيروتية
19/7/2006
Check Also
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …