رائعة سيّار الجميل ..النسر الأحمر : صلاح الدين الأيوبي سيناريو تاريخي : من أجل فلم سينمائي دولي ؟

ليس هناك ما هو أروع من السيناريو التاريخي الذي وضعه المؤرخ العربي المعروف سيّار الجميل حاكيا لنا فيه القصة البطولية العجيبة للقائد الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي متجاوزا المظاهر الشكلية للأحداث حيث محاكاتها بعد قرون من الزمن ؛ وقد أطلق المؤلف على روايته عنوانا ذكيا هو ” النسر الأحمر ” الذي رافق البطل في حله وترحاله أيام السلم والحرب . لقد كان ” النسر الأحمر ” عنوان الإباء والمنعة والكبرياء إذ كان رمزا محبّبا لصلاح الدين نفسه ، وقد تجدد هذا ” الرمز ” كإشارة تاريخية مضيئة في شعارات خمس دول عربية معاصرة انبثقت وعاشت في القرن العشرين ـ كما يقول الدكتور الجميل ـ ، وهي : الأردن ومصر وسوريا والعراق وفلسطين .. وهي البيئات العربية التي ولد ونشأ وعاش وحكم فيها صلاح الدين ، بل واسهم في توحيدها ، ثم مات فيها بعد أن أسهمت منجزاته العليا في تحرير بيت المقدس من يد الصليبيين .
يتشكل مضمون النص في رواية النسر الأحمر من 80 مشهدا تاريخيا دراميا ، تتميز بالحبكة عالية المستوى والوصف الأخاذ مع المزيد من الحوارات بين شخوص العمل .. وان الذي يميز هذا العمل اعتماد مؤلفه على النصوص التاريخية الحقيقية الأصلية من جانب مستفيدا من تجربته العلمية في البحث والاستقصاء التاريخيين ، وتصويره الأحداث والأماكن والشخوص ببراعة الفنان الأديب من جانب آخر بحيث كان اختياره دقيقا للكلمات والتعبيرات .. مستلهما من خياله الواسع عدة فضاءات دارت فيها الأحداث والوقائع والمواقف التي تحركت فوق الأرض والجغرافية .
إن رواية ” النسر الأحمر ” التي نشرت طبعتها الأولى عام 1997 ، وستصدر طبعتها الثانية بعد أيام ، تستحق وقفة تأمل طويلة ، كونها تخاطب بجميع مشاهدها وسيناريوهاتها العقلية الغربية ، فهي جزء حقيقي من حوار حضاري بين الشرق والغرب .. ناهيكم عن قوة الدراما فيها ، مما يؤهلها كي تكون مؤهلة لاخراج فلم سينمائي دولي باسم النسر الأحمر : صلاح الدين الأيوبي .. وقد اعتنى المؤلف في نهاية كتابه بمجموعة من الملحقات والمصورات عن الألبسة والأسلحة والأماكن وغيرها .. فضلا عن أن المؤلف قد منح مساحة معتبرة جدا في الجغرافية التاريخية للعالمين العربي والإسلامي بتقديم صورة حضارية للعالم عن النسر الأحمر الذي يمثل رمز العرب والمسلمين في التاريخ !
ولابد أن اختتم هذه الكلمة بما سطره الدكتور سيار وهو يصّور ببراعة : مبادئ صلاح الدين في بزوغ فجر جديد في المشهد الحادي عشر ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، دعونا نتأمل في هذا النص ، يقول : ” تبزغ الشمس كعادتها وهي تشق أفق الشرق البعيد ، وتبدأ الحركة الرائعة في القاهرة .. وهي تحتفل بانتصارها المجيد على الفرنجة الدخلاء .. والجميع يتحدثون عن دمياط والبحر والمراكب وشاطئ الموت وملاحقة الأعداء في الصحراء .. وفي قصره الذي بدا على الملأ تزينه الأعلام وعلى البوابات كتل من الأوراد والخضرة الوارفة على الشرفات .. ( تقترب الصورة ) وقف الناصر صلاح الدين مع أبرز مقربيه … وقف يشكر الله على نعمته ونصره وأثنى على رجالاته من القادة الأذكياء والمقاتلين الأشداء ، ثم ذهب إلى صدر القاعة المزدانة بالشموع ، ووقف يرسم على لوح أمامه مثلث غير متوازي الأضلاع رأسه في القاهرة وقاعدته تمتد بين دمشق وبغداد .. وأخذ يعلّق على رسمه قائلا :
ـ هذا هو المثلث العربي الذي كان ولم يزل وسيبقى قلب العالم الإسلامي وقلب الأمة العربية ولكنه ـ كما تعلمون ـ منقسم على نفسه ، في أيامنا هذه بين ثلاث قوى أساسية اخترقها الأعداء ، هي : خلافة عباسية ( عراقية ) ضعيفة في بغداد .. ودولة زنكية ( شامية ) مفككة في دمشق .. وخلافة فاطمية ( مصرية ) خائرة في القاهرة .. إن هذا “المثلث ” العربي يتعرض اليوم لأقسى هجمة عاتية وأشرس غزو صليبي لم تشهدها حياته الإسلامية عبر التاريخ .. فلابد له أن يتماسك ويشتد لكي يستعيد قوته ويستغل إمكاناته ويعزز صلابته وأيمانه .. كي يصد الغزاة ويدحر الصليبيين الأعداء . وأسألكم أيها السادة : من أين يبدأ الزمن الجديد ؟ سيبدأ من هنا .. سيبدأ من القاهرة . إن طفولتنا عراقية وتربيتنا شامية وانطلاقتنا مصرية وأعماقنا مغاربية بحول الله . لقد كانت مشاعر الجميع قد وصلت إلى أعلى ذروتها وهم يتطلعون إلى بزوغ فجر جديد .. بولادة نظام عربي ـ إسلامي جديد .. وانطلاقة روح تاريخية جديدة .. وتبلور شعور جديد بخطورة التحديات التي تواجه الأمة والتاريخ والمصير في المشارق والمغارب الإسلامية …… ” ( ص 23 ـ 24 ) .
وهنا لابد من العودة الى البداية التي افتتح المؤرخ سيار الجميل كتابه عن النسر الاحمر لنردد معه الكلمات الرقيقة التي اختارها فاتحة لكتابه وهي كلمات قالها الشاعر التركي ناظم حكمت وقد عبّر من خلالها عن عناقيد الصفصاف قائلا :
يتلاشى وقع الحوافر موجة اثر موجة
يتلاشى الفرسان عند المغيب
الفرسان ذوو الخيول الحمراء
خيولهم اجنحة من ريح
خيولهم ريح
خيولهم
خيل

الحياة 2 فبراير 1998


د. رأفت شكري
هامبورك / المانيا