د. سيّار الجميل: 2006 سيشهد أفول الانظمة القومية العربية التقليدية لصالح الإسلاميين وانكماش الليبراليين في عموم المنطقة حتى العام 2009
في محاضرة القاها الدكتور سيار الجميل في منتدى دراسات المستقبل في بوردو / فرنسا ، اكد فيها ان العام الجديد 2006 قد خرج من رحم سلفه المنصرم حيث رأى فيه ان يكون اكثر قوة في تصفية المزيد من حسابات الماضي الموروث من القرن العشرين مشيرا الى ان العرب قد رفضوا ما اجتمع على تسميته صدام الحضارات وبقوا عاجزين عن اقناع العالم بتأويلاتهم الساذجة. ويعتقد الدكتور الجميل بأن هناك صراع ثقافات اكثر منه صراع حضارات ، وهو يجد بأن الشرق الاوسط تكتنفه صراعات الاارادات ، وهو يمر اليوم بمخاض عسير حتى العام 2009 لابد ان يشير هذا ” التقرير ” الى عدد من الصحف التي اعتنت بموضوع هذه ” المحاضرة ” ومنها الهارولد تربيون والكوريار انترناشنال والاوبزيرفر محللة افكار المؤرخ العراقي الاصل البروفيسور سّيار الجميل وابرزت بعض اهم عباراته التي يشدد فيها على افول الرجل العربي المريض وتقوقع المنظومة العربية على حساب صعود نجم الاسلاميين الذين سيكشفون عن بضاعتهم وهل ان الدين سيكون هو الحل لكل مشكلات الحياة في المنطقة ؟؟ او ان تلك المشكلات ستفرض على الاسلاميين تغيير انماط تفكيرهم السياسي وعند ذلك تبرز قوى سياسية جديدة من جيل جديد يتعامل مع المتغيرات بطريقة افضل . ويرى بأن كل هذه المتغّيرات تجري على مسمع ومرأى الولايات المتحدة الامريكية التي تعمل على ضمان مصالحها اولا واخيرا . ان الاسلاميين سيجربون حظّهم في قيادات وهي فرصتهم في ان يضعوا الشمع الاحمر على مطاليبهم منذ أمد بعيد وقد تطول تجربتهم او تقصر ، اذ ان النهاية ستألوا الى جيل جديد لا يمكن ان يعمل الا ببرامج وآليات في مؤسسات مدنية صرفة . لعل من اهم ما يمكن ذكره في هذا ” التقرير” ان توقّعات البروفيسور سيّار الجميل التي اطلقها في نهاية العام 2002 في مركز دراسات المستقبل ، اي قبل اعوام قد حدثت في ما يخص تغيير النظام العراقي وبداية مرحلة تغيير المنظومة السياسية العربية القديمة ناهيكم عن امتداد ظاهرة الارهاب وهو التي سمّاها بـ ” الظاهرة ” وحّدد بؤر التوتر وما سيؤول اليه الوضع في الشرق الاوسط بعيد ما رسمه من توقّعات منذ العام 1994 وتبلور ما اسماه بـ ” مربع الازمات ” في المنطقة .. ان محاضرة الدكتور الجميل في نهاية العام 2005 لها اهمية كبرى وسنراقب حجم اثقال العام 2006 واحداثه كونها وليدة ولادة قيصرية للعام 2005 كما اسماها في محاضرته التي حضرها لفيف من اهم العلماء والدارسين والمراقبين في العالم . لقد سجل التاريخ العالمي للبشرية ان سنة 2005 هي حلقة قوية من سلسلة احداث كارثية مهمة جدا في التقدم باتجاه صناعة عصر تاريخي جديد ستبدأ فيه اولى محاولات تأسيس عولمي واضح لنظام عالمي اقتصادي جديد تشترك فيه كل الكتل الاقتصادية الكبرى في العالم ويتوضح فيه ضمن اقتسام ليس الدول حسب, بل المصالح في القارات ذات المجالات الحيوية في العالم وخصوصا في قارة اسيا التي بدات الاختراقات الاميركية فيها بعد احداث 11 سبتمبر ضمن مسألتين اساسيتين, هما المسألة الافغانية والمسألة العراقية. فاذا كانت الولايات المتحدة بدأت الحرب ضد ما اسمته ب¯ظاهرة “الارهاب” العام 2002, فان اندراج المسألة العراقية استعدت لها في العام 2002 وقد شغلت قرابة ثلاث سنوات 2003-2005 وربما ستشغل العام 2006 وما يتلوه من العام 2007 وبكل تداعيات الحرب التي ربما لم تكن حاسمة لمصالح الولايات المتحدة في المباشرة بترتيب اوضاع الشرق الاوسط وخارطته الجيوبوليتيكية على نحو جديد لا يمكن تصوره.ولكن لا يمكن ان يغرق العرب ومن يحيطهم في التفاؤل, فان ما تخطط له الولايات المتحدة الامريكية شيء وما تعلنه للعالم شيء اخر! لقد كانت سنة 2005 مثقلة بالمكاره والضغوطات والمعاناة والتوحش التي رافقت كل الاحداث في اجزاء عالمنا العربي وخصوصا في منطقتنا المشبعة بالمتغيرات السياسية سواء في العراق ام سورية ولبنان ام فلسطين ام مصر والسودان ومناطق حيوية اخرى!لقد حلل الدكتور سّيار الجميل الذهنية السياسية السائدة في المنطقة نتيجة تأثير ما حصل منذ 2001 ، 2002 ، 2003 وان المتغيّرات برغم بطئها ولكنها تأتي نتيجة تأثير الاحداث الساخنة دوليا .. وانه ينّبه الى بعض القادة الشباب من المراهقين السياسيين الذين لا يدركون نتائج تصريحاتهم وسوء تصرفاتهم وهوس قراراتهم .. انه لا يؤمن بفلسفة ( حوار الحضارات ) التي يعتبرها من اختراعات العرب والاصلاحيين الايرانيين وينبّه الى ( صدام الحضارات والثقافات ) ويعتبر كل الاحداث المضادة اليوم في المجتمعات الغربية تعود لاسباب ثقافية بحتة وليست لاسباب اقتصادية بحتة .. ان الدكتور الجميل يرى بأن المرحلة التي بدأت في العام 2001 ستقفل نفسها في العام 2009 وستبقى المنطقة في مخاض عسير من المتغيرات ويتوقع حدوث احداثا مهمة في العام 2006 اذ يراه وليد للعام 2005 ومكمّل له . وفي معرض حديثه عن الارهاب رأى الجميل ان ظاهرة الارهاب تستدعي تغييرا شعبيا لاعتقاد الكثيرين ممن يمقتون السياسات الاميركية في المنطقة بضرورته مؤكدا ان الارهاب لن ينتهي بسهولة وسيبقى العراق يعاني منه بعد انبثاق حكومته الجديدة مشيرا في الوقت نفسه الى ان الحدود العراقية ستبقى مفتوحة لتصفية حسابات الكارهين للادارة الاميركية ومساراتها في المنطقة.ولفت د. الجميل في معرض حديثه على اوضاع المنطقة بأن سورية وايران لم تفهما سيرورة المتغيرات التي تقودها الولايات المتحدة مشددا على ضرورة تغيير ايران متغيراتها الاصلاحية خصوصا بعد تسلم شاب »مراهق« في السياسة سدة الحكم فيها والذي تسبب بتصريحاته النارية بالكثير من المشكلات في العالم حاله كحال الكثير من القادة الشباب البعيدين عن الحكمة والذي سيكون لهم تأثيرات سلبية على مجريات الاحداث العالمية.واستطرد الجميل ناقدا الزعامات والدساتير العربية الكهلة والتي اصبح تغييرها ضرورة حتمية بسبب عجزها في المضي قدما من دون عكازات دولية مقارنا بذكاء اكاديمي واضح بين عجز العرب بسد الفراغ العالمي بعد احداث 11 سبتمبر وبين امكانية وقوفهم بعد هذه الاحداث في وجه المتغيرات الدولية التي تتطلب قارئين للاحداث يدركون ان ما هم فيه ليس اعتباطا ولا يأتي من فراغ.وختم د. الجميل محاضرته كاشفا ما لم يجرؤ احد على الولوج فيه قائلا »من يقلب صفحات التاريخ يدرك ان الدول العربية قد رسمها الغرب وشكل تاريخها المعاصر«. ولقد اضاع العرب زمنا طويلا في القرن العشرين وهم لم يستطيعوا تطوير مؤسساتهم ، بل ولم يستطيعوا حتى تغيير اوضاعهم وما زالوا يعتمدون على الاخرين في مسألة التغيير . ان من اخطر ما يتعّرض له الشرق الاوسط في مخاضه الصعب اليوم اعادة رسمه من جديد على ضوء ما انتجه القرن العشرون .. وفيما يلي نص مختصر المحاضرة:اسعدتم صباحا وانها فرصة ثمينة ان نلتقي في منتدى دراسات المستقبل كي نتبادل الشأن العام والخاص لمناسبة توديعنا سنة 2005 واستقبالنا سنة 2006.. دعوني اقدم لكم بعض التحليلات وما اراه من توقعات ازعم انها مهمة كونها حصيلة تأمل في المنهج ودرس مقارن للاحداث.. دعوني اقول بأن ولادة 2006 ما هي الا عملية قيصرية لما عشناه من حالات معقّدة جدا من الاحداث التاريخية على العام 2005، واعيد واكرر بأن سيرورة هذه الحزمة من الاحداث ستقفل في العام 2009، اي بعد اربع سنوات من اليوم ونحن نوّدع العام 2005. اشكر الصديق القديم بروفيسور توماس لنك على تقديمه لي وملاحظاته الثمينة في تحليل فلسفتي للزمن وتجربتي المتواضعة في التكوين التاريخي. انها مناسبة مهمّة جدا ان اشارككم اجتماعكم الذي طرحت فيه دراسات ورؤى مستقبلية غاية في الاهمية، وخصوصا تلك التي تناولت تطور دور الاعلام العالمي وتأثيره في سيرورة الحدث والنقلة النوعية في العلوم والتكنولوجيا والمعلومات للعام 2005. فما الذي وجدته؟ انني اجد ولادة قيصرية للعام 2006 عن مخاض صعب مر به العالم في 2005.تغيير منظومة الشرق الاوسطاعتقد ان العملية من التغيير لمنظومة الشرق الاوسط ستستغرق سنوات هذا العقد الاول من القرن الواحد والعشرين. وتفيدنا مراجعة دقيقة ومركزة لاحداث السنة 2005 بان كل التطورات الساخنة والمهمة الطبيعية والسياسية والعسكرية قد حدث اغلبها في قارة اسيا. وان ما شهده العالم كله في سنة 2005 من كوارث طبيعية كبرى قد اضر بحالة الاقتصاد العالمي ضررا كبيرا.. ان مجموعة الزلازل التي ضربت قارة اسيا في المحيطين: الباسيفيك والهندي قبل ايام من بدء 2005, فضلا عن موجة الزلازل التي ضربت كشمير بين الباكستان والهند قد اضرت جدا بعدد من المجتمعات الاسيوية ناهيكم ما اجتاح الولايات المتحدة من اعاصير طبيعية.فقد قابل هذا كله تحول تاريخي واسع النطاق في البنية السياسية لمنظومة الارهاب التي يقف العالم منها موقف الضد وما سببته هذه الظاهرة من عمليات في اماكن حساسة في العالم وخصوصا بعد ان وجدت في العراق بيئة صالحة للتغلغل والتأثير على العالم.. لم تجد افغانستان نفسها مؤهلة لاستقطاب الارهاب كما حدث في العراق وبالرغم من سيرورة العملية السياسية في كل من افغانستان والعراق وقد تشهد افغانستان انتخابات رئاسية وتشريعية وسط تصاعد هجمات عناصر طالبان كما حدث في العراق, الا ان الثقل التاريخي واضح للمؤرخ الجاد تماما في سيرورة ما يحدث في العراق مقارنة بافغانستان ويعود ذلك كله الى ستراتيجية المجال الحيوي التي يتمتع بها العراق حتى نهاية القرن الواحد والعشرين ان بقي العراق بلدا موحدا اذ بدت عدة مشروعات في العراق عبر سنة 2005 ومن قبل بعض العراقيين الانقساميين الذين لا يريدون ابقاء العراق وحدة جغرافية موحدة.ان من ابرز ما حدث في العام 2005 بالنسبة للمنطقة يؤكد بان الاحداث كان لها وزنها المؤثر في المحيط الاقليمي, فلقد سحبت اسرائيل قواتها من قطاع غزة بعد احتلال دام 38 عاما. اما في السودان, فكان 2005 قد بدا محتفلا بتوقيع اتفاق سلام بشأن ملف الجنوب السوداني بعد 20 عاما من المواجهات المسلحة الصعبة في الاتفاق يوم 9 يناير لينهي اطول صراع في تاريخ القارة السمراء. ولكن لم تمر سوى ثلاثة اسابيع على تسلم قرنق منصبه نائبا اول للرئيس حتى قتل في حادث تحطم طائرة وقع في اغسطس 2005 وقد استمرت المواجهات خلال العام في اقليم دارفور بغرب السودان, وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويبدو لي ان 2006 سيخرج من رحم 2005 اكثر قوة في تصفية المزيد من حسابات الماضي الموروث في القرن العشرين. متغيرات العالم مع صدام الحضارات ¯ الثقافاتاولا: ما المعنى?كثيرا ما رفض العرب نظرية ” صدام الحضارات “, ولكنهم لم يقنعوا العالم بتأويلاتهم الساذجة. وربما كان صدام الثقافات اقوى بكثير من صدام الحضارات لاختلاف التعايشات الثقافية في مجتمعات غربية عديدة بدأت نتائجها تطفو على السطح عام 2005.ان صدام الحضارات الثقافات قد اخذ يتقدم شيئا فشيئا باتجاه انقسام العالم, ولم يعد هناك من يتغنى بمسألة وهمية اسموها ب¯ ” حوار الحضارات ” وخصوصا من قبل البعض من المفكرين والكتاب الطوباويين العرب والايرانيين, ذلك لان العالم في اماكن عدة لم يعد يامن على نفسه اذ يخشى تفاقم حدة الصراع المختفي بين حضارتين.. ولقد ترجمت الاحداث والاضطرابات الساخنة وموجة حرق السيارات التي شهدتها فرنسا قبل ايام عن تفسيرات واضحة لمثل ذلك ” الصراع ” الذي لا اعتقد ابدا انه صراع من اجل المعيشة والمصالح بقدر ما هو صراع بين ثقافات تتباعد شقة الخلاف بينها!! واتمنى الاهتمام بهذه النقطة واشباعها درسا, فالمسالة ستكبر لا محالة مع توالي الايام. ولابد من اتخاذ ما حصل في فرنسا في نهايات العام 2005 منذ شهدت اضطرابات في العديد من الضواحي الباريسية الفقيرة.. فما معنى ذلك? واعتقد ان مرحلة جديدة ستبدا مع العام 2006 تتصادم فيها القوى المهاجرة مع السكان الاصليين بعد مرحلة صراع التقاليد وهذا ما لمسناه في كل من هولندا وفرنسا والمانيا واستراليا وغيرها.عملية التغيير في العراقمن طرف اخر, وفرت عمليات التغيير في العراق والتي اذت العراق والعراقيين في الصميم على المنطقة جملة هائلة من المتغيرات سواء على مستوى الهجمات من التفجيرات وقتل بعض المسؤولين والمثقفين والاعلاميين في لبنان باساليب تفجير وعمليات تفخيخ ارهابية تقف وراءها اجهزة كبيرة منظمة جدا.. او ما يحدث من ضربات ارهابية منظمة ايضا في المملكة العربية السعودية او ما حدث مؤخرا في تفجير بعض الفنادق بالاردن مما استدعى التغيير ليس على المستوى الرسمي, بل على المستوى الشعبي ازاء ظاهرة لم يزل العرب يعتقدون بضرورتها من خلال كراهيتهم ومقتهم للسياسات الاميركية! كما ولا استثني حتى المتغيرات في السياسة الاسرائيلية من جملة تلك التداعيات التي افرزتها احداث ساخنة عاشتها العالم في الاعوام: 2001 و 2002 و 2003 و 2004 و2005.. واعتقد ان سلسلة المتغيرات ستاخذ لها مسارات من نوع جديد على امتداد السنوات: 2006 و 2007 و 2008 و 2009. وهي مرحلة زمنية تستغرق اربع سنوات كاملة, ولكن ان كانت متغيرات مصر قد اتت من الداخل, اذ انها شهدت اول انتخابات رئاسية متعددة والرئيس حسني مبارك يفوز بولاية جديدة.. فلابد ان نتوقع حدوث متغيرات جديدة في كل من سورية وايران نظرا لعدم استيعابهما او فهمهما سيرورة المتغيرات التي اعتقد ان الولايات المتحدة تقودها.ولكن هناك مجتمعا دوليا يسير وفق ارادتها.. وهذا هو مكمن الخطر الذي لمن يكتشفه من هو باق حتى اليوم على افكاره القديمة والتي لم يتزحزح عنها ليس من بعض القادة وصناع القرار في منطقتنا, بل حتى من قبل اعداد ضخمة من الساسة والمثقفين والاعلاميين في المنطقة. ولقد كان على ايران ان تطور متغيراتها الاصلاحية التي اراد ان ينهجها الرئيس السابق محمد خاتمي, ولكنها اختارت الطريق الاخر, واتت برئيس شاب غير ناضج سياسيا سببت تصريحاته مشكلات عدة مع العالم كله. وهذا ما سيعكس عدة مخاطر ازاء ايران في العام 2006. واعتقد ان الدول الغربية ستصعد ضغوطاتها على ايران بشان برنامجها النووي, في وقت تتحدى فيه كوريا الشمالية الولايات المتحدة وتقر بامتلاكها اسلحة نووية. وهنا لابد ان نفرق في الرؤية الاميركية والعالم كله بين كل من ايران وكوريا. ان ثمة ازمات تتعرض لها بعض الدول في المنطقة نتيجة سياسات حمقاء يتبعها رؤساء شباب ليس لهم من الحكمة وضبط النفس والحلم مقارنة بما يتمتع به غيرهم من القادة, وهذا ما وجدناه بشكل مفضوح في العام 2005 وسينعكس لا محالة على الوضع العام للعام 2006.ظاهرة الإرهاب: هل ستنحسر?شهدت 2005 سلسلة تراجيدية من حرب ارهابية متفاقمة كان من ابرزها دوليا ما حدث في لندن اذ شهدت في يوليو 2005 من تفجيرات بالقنابل في ثلاث محطات للمترو وحافلة نقل تخلف 56 قتيلا ومئات الجرحى. وكانت عمليات ارهابية اخرى قد سبقتها ثم عمليات اخرى قد اعقبتها ما زاد من قناعة العالم كله بمخاطر الارهاب واعطى للولايات المتحدة دفعة جديدة في تاييدها للحرب ضد الارهاب.ان ظاهرة الارهاب سوف لن تنتهي بسهولة ابدا, اذ سيبقى العراق وحده هو الذي يعاني منها بشكل يومي ويعاني منها حتى بعد انبثاق حكومة دستورية, فما دامت قوات التحالف الدولية موجودة على ترابه الوطني, وان حدوده قد فتحت منذ زمن طويل لكل من يريد تصفية حساباته مع اميركا وباعتراف الرئيس الاميركي بان العراق اليوم بؤرة للارهاب في العالم وكما شبهته بجرة من العسل انكسرت فاجتمع عليها كل ذباب العالم وحشراته.. وما دام ثمة ضعف في مؤسسات العراق العسكرية والمدنية فسيبقى يعاني لمرحلة زمنية قادمة.ولابد ان اشير بان ما جرى في العراق عبر 2005 من حصيلة انتخابات تشريعية لمرتين واستفتاء على الدستور, وسيمر العراقيون في العام 2006 بجولة صعاب من اجل الاتفاق على حكومة دائمة ولكن الانقسامات ستاخذ لها ابعادا اجتماعية اكثر منها سياسية بفعل عوامل داخلية واقليمية ودولية.. كما واعتقد ان الاحزاب والقوى الاسلامية في المنطقة العربية سيبرز دورها من خلال صناديق الانتخابات وبتشجيع من الولايات المتحدة الاميركية لكشف ما الذي ستفعله وهي في موقع القرار.. اذ ان سياسات الولايات المتحدة ترنو اليوم الى كشف المستور للقوى السياسية (وخصوصا الدينية) التي ناضلت من اجل السلطة. وعليه, فان السلطة ستكشف قدرات كل القوى السياسية (الدينية بوجه خاص) التي تتقلدها في المنطقة. واعتقد ايضا بان الاوربيين من جانبهم يحاولون كشف ما يريده هؤلاء العرب والمسلمين الذين يعيشون معهم ومدى سطوتهم في المجتمعات الغربية التي يكرهونها اشد الكراهية لاسباب ايديولوجية, ولكنهم لا يريدون الانفصام عنها لاسباب واقعية. اما كل الحلول والمقترحات البليدة التي لم تزل تنسج اوهامها على موروثات القرن العشرين, فسوف لن تفلح ابدا في بلورة علاجات حقيقية لما تعانيه السياسات في المنطقة.. ومن تلك الحلول ما تقدمه جامعة الدول العربية من شعارات ومشروعات ومنها مشروع البرلمان العربي الذي سيخلق مشكلات ولا يمكنه ان يساهم في اي مبادرات.منطقتنا تتغير ولكن بشكل بطيءاما مضامين ما تبلور من احداث ووقائع مؤثرة, فلقد شغله الشرق الاوسط بكل ثقله استعدادا تاريخيا لما سيحصل – كما اتوقع – من احداث ثقيلة ومؤثرة في العام 2006 وخصوصا ونحن نراقب ما حدث من تسارع الادارة الاميركية لتغيير الاوضاع في كل من سورية وايران ومن يتبعهما, او على الاقل لاحتواء سياساتهما, واذا كانت قد انهت ” الغطرسة السورية ” – كما تقول -, فانها تدفع بالمجتمع الدولي لانهاء تأثير ايران السياسي وكبح جماحها – على حد وصف كوندوليزا رايس -!! ان ضعفا واضحا قد لحق بسورية بشكل خاص, واعتقد ان سورية لم تستطع ابدا ان ترجع الى ما كانت عليه لما قبل 2005. ويبقى العراق هو الشغل الشاغل للعالم اليوم, اذ اكتشف العالم كله بان العراق هو غير افغانستان كما كان العراقيون يقولون دوما, وهذا ما اعترف به وزير الدفاع الاميركي, وبقدر ما كان العراقيون يقولون بان العراق يتقدم على افغانستان بمئة سنة, يأتي هذا الوزير ليقول العكس اذ يرى ان افغانستان متقدمة على العراق بمئة سنة!! وهو لا يدري ان العراق يشكل قلب العالم من الناحية الستراتيجية.. كما انه بحاجة ماسة الى قراءة تاريخ العراقيين بامعان, ليعرف ما طبيعة المجتمع العراقي.. لقد ارتفعت خسائر القوات الاميركية في العراق الى 2000 قتيل في اكتوبر الاول 2005, والرئيس جورج بوش يقول ان 30 الف عراقي قتلوا منذ غزو بلادهم في مارس عام 2003.كما شهد العراق بدء محاكمة الرئيس المخلوع صدام حسين. ووفاة نحو الف شيعي عراقي في حادث تدافع على جسر الائمة في العاصمة بغداد.ان من ابرز ما حدث في العام 2005 اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في تفجير سيارة مفخخة في بيروت, واصابع الاتهام توجه الى سورية بالوقوف وراء العملية الامر الذي دفعها لسحب قواتها من لبنان بعد وجود دام 27 عاما. وتوالي سلسلة تفجيرات طالت رموزا سياسية ونيابية واعلامية لبنانية.. وحدوث تفجيرات في منتجع شرم الشيخ المصري توقع 88 قتيلا, واخرى في فنادق بالعاصمة الاردنية عمان توقع 57 قتيلا. ناهيكم عما حدث من ارهاب في السعودية بشكل خاص.ثلاث مسائل تاريخيةان العالم لم يعد يخشى اندلاع اي حرب نووية عالمية, بل يخشى امتلاك قوى اقليمية لاسلحة نووية يمكنها ان تصل بسهولة الى جماعات ارهابية يستخدموها من دون اي رادع:1 — المسألة الفلسطينية: اما المساأة الفلسطينية, فهي تسير على غير ما كانت عليه ايام عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات, وان تخلخلا قد حدث لدى قوى الصراع حتى على مستوى اختراق الدبابات الاسرائيلية للاراضي والمدن الفلسطينية, اذ لم تكن كما كانت عليه.. باعادة احتلالها ابتداء بالضفة الغربية وان تحجيم حركة القيادة الفلسطينية لم يكن كما كان ايام عرفات والضغط على هذا المفصل اثر كل موجة من الهجمات الفلسطينية التي لم تشهدها 2005 مقارنة بما كان قد حدث في 2004.. 2 ¯ ملف العراق واعتقد ان هذا كله سيؤثر في ان تضع جملة من الملفات الساخنة حملها في العام 2006, ومنها: ملف العراق الذي سيغدو اكثر هدوءا بعد هبوب العاصفة, ولكن مشكلاته سوف لن تحل بسرعة ابدا وخصوصا تلك التي خلقتها طروحات 2005 وتمريرها وخصوصا ما تضمنه الدستور العراقي من مواد ومضامين لم تلق تأييد كل ابناء الشعب العراقي, وهذه اعتبرها ” مشكلة ” حقيقية لان المسألة ليس باصدار بيان سياسي يختلف حوله الناس, بل المسألة اخطر اذ تتعلق بدستور دولة اي قانون عام للبلاد لابد ان يجتمع ولاء كل الشعب عليه ليكون عقدا حقيقيا بين الدولة والمجتمع. 3 ¯ الخليج العربي:اما بالنسبة لمنطقة الخليج العربي, فاعتقد انها ستطور من فاعليتها الاقتصادية مع وجوب احداث بعض التغييرات السياسية التي تتلاءم وحركة التغيير في العالم كله, اذ ستبقى منطقة الخليج بوابة مفتوحة للعالم بمختلف الاتجاهات برا وبحرا من خلال مركزيتها اليوم لحجم هائل من الاستثمارات خصوصا وان السعودية دخلت عضوا في منظمة الغات, ومن المنتظر ان ينضم العراق بشكل رسمي الى الغات بعد استقراره, ولكنه ينتظر من العالم اطفاء ديونه ومساعدته للخروج من المأزق الذي يعيشه منذ زمن طويل, وبعد ان خرج جريحا من سلسلة الحروب الخليجية الاقليمية والدولية, والذي كنت قد وصفته في توقعاتي للعام 2003 في مقال نشرته في العام 2002 بان ” العراق وليد حرب الخليج الاولى وهو نفسه حرب الخليج الثانية التي ستلد حرب الخليج الثالثة! “.ماذا نستنتج?لقد قلت بالحرف الواحد في مقالة لي بتحليل احداث 2002 عند نهايتها ما نصه: ” ان اهم ما سجلته في مفكرتي من وقائع واحداث تاريخية في العام 2002 ينتمي في اجمعه تقريبا الى قارة اسيا, وخصوصا اسيا الغربية وسخونة الاوضاع في الشرق الاوسط بعد فشل سياسة ” الاحتواء المزدوج ” التي ارادت الولايات المتحدة تطبيقها منذ اكثر من عشر سنوات. لقد وصلت صيغتها النهائية الى درجة من النضوج حتى يعلن كولن باول مبادرته ومشروعه الذي اسماه ب¯ ” الشراكة الاميركية – الشرق اوسطية “, والذي لا يمكن البدء بتنفيذه من دون تغيير النظام السياسي الصعب الذي يقبع في قلب مربع الازمات, اقصد: النظام العراقي. ولكن: لماذا?? “.العام 2005 يقفل نفسه حتى يلد العام 2006!والحقيقة التي اريد مقاربتها في هذه المداخلة المتواضعة تتمثل بالقول ان هناك ناحية حيوية لابد من التشديد عليها عندنا ابناء هذه المنطقة وخصوصا ونحن عند بوابة العام 2006 مؤكدا على ان هناك نقصا في فهم جملة ما يحدث من متغيرات, اذ اقول واردد دوما بان الساسة والمثقفين والمحللين العرب – ويا للاسف – لا يبحثون ولا ينبشون في الاسباب والعلل من اجل معالجة اوضاعهم, بل يتوقفون فقط عند نتائج الامور ليتفرجوا عليها فيبكون عليها او يضحكون ويتشفون بها. وعليه, فليست لديهم الرؤية الحقيقية لما يجري ولا يعرفون بان الاحداث التاريخية لا تولد اعتباطا من فراغ, بل ان هناك جملة متحركات قوية من ورائها.لقد عاشت المنطقة انقلابات وحروبا وفوضى وحتى يومنا هذا لم يعرف العرب ما هي الاسباب الجوهرية وراء تلك الاحداث!! انهم يعيشون مأساة نتائجها وهم اليوم لا يدركون ادراكا حقيقيا طبيعة المرحلة المصيرية الحرجة التي ستحدد نتائجها افق المستقبل المنظور لدول المنطقة والمستقبل البعيد للشعوب والمجتمعات فيها.والمعروف ان كل الياتهم وديبلوماسياتهم ومنظماتهم وعلى راسها جامعة الدول العربية قد شاخت وتعطلت كل فعالياتها عن احداث ما يمكن عمله خلال هذه المرحلة الصعبة التي لم يكن احد يتوقع حدوثها الا البعض القليل من الخبراء والمفكرين والمحللين الستراتيجيين.. والذين نادوا باعلى صوتهم ان جملة متغيرات ستحدث وان ثمة مخاطر في طريقها الينا, ونحن ندرك ادراكا كبيرا بان لا العرب ولا غيرهم من جيرانهم بقادرين على درء تلك المخاطر وايقاف عجلة تلك الاحداث, ولكن كان لابد من ان يبدا العرب وبسرعة اخذ زمام المبادرة واجراء تغييرات حقيقية تتصل بواقعهم وكل مستلزمات حياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية والاعلامية وحتى التربوية والتعليمية بدءا بزعاماتهم ودساتير بلدانهم وانتهاء بما يمكن عمله لمجتمعاتهم من اجل ارجاع صباهم اليهم فهم في شيخوخة تاريخية لا تقوى على المشي لوحدها من دون عكازات.وعليه, لابد من الكشف عن تجسيد الفشل الاساسي في النظام العربي!! لقد غدا هذا ” النظام ” هو الرجل المريض وهي صورة مشابهة الى حد كبير لما حدث في بدايات القرن العشرين ابان العهد الفيكتوري وقبل اشتعال الحرب العالمية الاولى وفترة الهوان التي عاشها النظام العثماني الذي بقي يحتضر حتى بدا النظام الاوربي العالمي وقت ذاك يشرحه ويفككه بعد حرب اعلامية واسعة النطاق ضده كي يخطط للمنطقة ويقسمها قبل ان يسقط النظام العثماني نفسه! دعونا نتفاءل خيرا!!ان العرب وجيرانهم ليس باستطاعتهم كما يبدو ملء الفراغات الهائلة التي احدثتها متغيرات 11 سبتمبر 2001, فكيف باستطاعتهم اذن ايقاف الخطط والاحداث?? واذا علمنا بانهم لم ينجحوا في تشكيل اية منظومة قوية سياسية واقتصادية واعلامية تحمي مكتسباتهم التاريخية في الداخل والخارج وتعالج مشكلاتهم.. فكيف يريدهم العالم ان يقوموا بتغيير ما يمكن تغييره بأنفسهم?! هذا سؤال خطير جدا, فمن يقلب صفحات التاريخ الحديث سيدرك بان الدول العربية المعاصرة جميعها هي التي رسمها الغرب نفسه, اي بمعنى: ان الغرب كان وراء التشكيل التاريخي المعاصر للعرب بالذات, فهل نجح العرب في كسب تجارب وخبرات سياسية غاية في العمق في القرن العشرين ليتمكنوا من تغيير تاريخهم والبدء بعصر جديد?? ان كل امة تجدد تاريخها من عصر الى اخر, فهل تاهل العرب خلال القرن العشرين من اجل التوصل الى الاهداف النهائية التي اذاعوها عند بدايات القرن العشرين!لقد ذكر الفيلسوف الالماني كانط ان التاريخ ستكون له نهاية, اي هدف نهائي توحي به الامكانيات الراهنة عند الانسان. فهل نجح العرب في تحقيق ذلك الهدف? طبيعي انهم لم ينجحوا بدليل تعرضهم اليوم للمواجهة التي ربما ستطول وتكلف كثيرا وقد اعطينا نحن انفسنا المبررات للاخرين كي يغيروا تاريخنا على طريقتهم!انني اسأل: لماذا تتقبل الولايات المتحدة برحابة صدر صعود اسلاميين وحركات واحزاب اسلامية الى السلطة عبر انتخابات سريعة وهي تدرك حجم التأييد الشعبي الذي تلقاه تلك الحركات والقوى والاحزاب.. ولنا في تجارب تركيا ومصر والعراق وفلسطين وايران وغيرها خير دليل فاما ان الولايات المتحدة تطمح من وراء ذلك احراق اوراق تطرف السياسات الدينية في المنطقة, اي بمعنى: كيفية صناعة هذه القوى لفشلها التاريخي على ايديها بعد ان تغنت بالدين حلا لكل مشكلات الحياة.. او انها تطمح بتغيير هذه القوى والاحزاب والحركات اهواءها وشعاراتها الى برامج سياسية مدنية من خلال مواجهتها للمشكلات المعاصرة.. او انها تطمح من خلال وصول الاسلاميين الى السلطة الحد من استشراء ظاهرة الارهاب دوليا.. وفي كل الحالات, فان مصالح الولايات المتحدة الاميركية لن تضطرب ابدا.. وعليه, فما الذي يمكن ان نشهده في العام 2006? سنشهد جزءا من مسلسل بدا في العام 2001, واعتقد انه سيضع اثقاله كلها في العام 2009 القادم… دعونا ننتظر متمنيا على العالم اجمع وعلى منطقتنا كلها المزيد من التقدّم والرخاء والاستقرار والخلاص من الجوع والقهر والعري والامراض وان تتمتع كل البشرية بحقوق الانسان وبضمانات العيش الكريم.. وان تكون سنة 2006 مليئة بالمتغيرات الصائبة لما فيه مصالحنا العليا وتحقيق الاستقرار والتقدم لما فيه مصلحة كافة مجتمعاتنا في الشرق الاوسط وعالمنا العربي والتي تنتظر تحقيق ما تطمح اليه منذ قرن من الزمان. دعونا نتفاءل خيرا وشكرا جزيلا
الرئيسية / كتابات عن / تقرير دولي ترجمة : د. سمر ماضي عن الكوريار ( ملحق دراسات المستقبل ) 5 جانفي 2006 جسد رؤيته لأحداث العام وتنبؤاته حتى 2009
شاهد أيضاً
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …