1. خسر العراق مليون طفل واعاقة الالاف جسديا وفكريا ، هل فعلا استفاد شعب العراق من قرار النفط مقابل الغذاء رغم هذه الحالة الصحية المتدنية التي يعانيها ؟ ام ان لامريكا مصلحة خفية في الابقاء على شعب العراق بلدا تلفه الامراض والاوبئة ؟
بالرغم من خسائر العراق البشرية البشعة التي ستؤثر على مستقبله في الثلاثين سنة القادمة وخصوصا عندما خسر الالاف المؤلفة من الاطفال والشباب من الموتى والمشوهين ، الا انني اقول بأن شعب العراق لم يستفد ابدا من قرار النفط مقابل الغذاء .. علينا ان نفصل بين حالتين اثنتين واضحتين تمام الوضوح ، فالجوع والحصار الاقتصادي لم يقتل العراقيين بالالاف المؤلفة ولكن اصابهم بالامراض والهزال والتخلف والضعف .. اي بأن حالة الحصار لم تقتل الاطفال بالالاف المؤلفة كما رّوج نظام الحكم السابق في العراق ، بل سّبب اضرار من نوع آخر لا تعد ولا تحصى .. ولكن لابد ان تسترعي اهتمامنا الحالة الثانية التي كانت وراء قتل الالاف المؤلفة من الاطفال العراقيين على مدى اكثر من عشر سنوات ، تلك هي الحالة التي سببتها ملوثات أصابت البيئة العراقية وخصوصا في وسط العراق وجنوبه .. ملوثات سببتها الاشعاعات من تفجير العدد الكبير من مراكز التسلح ، او بفعل ما قصفته طائرات التحالف في الحرب الخليجية الثانية قبل تحرير الكويت العام 1991 . اذا كان موت الاطفال بفعل الحالة الاولى اي بتأثير الحصار وقلة الغذاء فسيكون موت الاطفال شاملا في الشمال والوسط والجنوب ، ولكن لنسأل : لماذا كان الموت يعصف باطفال الوسط والجنوب العراقيين ؟ وهل يؤدي الجوع الى الامراض السرطانية البشعة التي كانت ولم تزل تنخر في اجسام الاطفال العراقيين .. ويقال ان الولايات المتحدة الامريكية استخدمت في حروبها القاصفة ضد العراق قنابل من اليوروانيوم المنضب ! ولكن لابد ان ندرك بأن موت الاطفال كان بتأثير حجم الملوثات البيئية على الانسان منذ بداية تسعينيات القرن العشرين وحتى اليوم .
اما بصدد قرار النفط مقابل الغذاء فاعتقد ان شعب العراق لم يستفد منه الا لسد الرمق ، وما عدا ذلك فلقد كانت الاوضاع المعيشية صعبة والخدمات اسوأ .. اما اوضاع المستشفيات والمدارس وغيرها من المرافق العامة فلقد كانت سيئة للغاية وقد سببت مشكلات ومكابدات لا يمكن وصفها ابدا .. ولا ادري ما مصلحة امريكا في ذلك ان لم تكن هي تحكم العراق ! ان المسؤول المباشر عن كل ذلك نظام الحكم السابق بكل خطاياه وتداعياتها القاسية .
2. كيف تنظرون إلى مستقبل الحركات الإسلامية والجمعيات الخيرية سواء داخل الوطن العربي أو خارجه؟
ربما اكون من غير المتفائلين ابدا بمستقبل تلك الحركات والجمعيات المتنوعة والمتعددة .. ذلك لأنها تختنق يوما بعد آخر ان لم تجد لها نوافذ حقيقية نحو المستقبل من خلال ابتداعها جملة من المشروعات والبرامج والمناهج المتكافئة مع روح العصر وخصوصا من الناحية السياسية .. ان لجميعها مستندات ومرجعيات قوية من عمق التاريخ وسمو العقيدة ومرجعيات التراث .. ولكنها كلها لم تستقم والتشيؤات والمشكلات المعاصرة التي لابد لها ان تنتج المزيد من الاجتهادات من اجل معالجة ما يحتاجه الجيل الجديد الذي تصدمه الحياة المعاصرة بكل مستحداثاتها وبين خطاب تلك الحركات والجمعيات المتنوعة في كل مكان من العالم الاسلامي الحديث . انني انادي بأن مستقبلها رهين ما تحدثه من تطورات في الذهنيات الفكرية والبنيويات الاجتماعية .. وانها اذا بقيت على اوضاعها كما نراها اليوم ، فسوف تضعف وتذوى يوما بعد آخر وخصوصا وان العالم اليوم بحاجة الى ملاحقة التطورات الهائلة .. وان عالمنا الاسلامي المعاصر بحاجة الى تقديم المزيد من المعالجات والابتكارات والبرامج الواقعية التي تلبي احتياجاته اليومية وتفكيره المستقبلي بعيدا عن كل سلاسل من الاقوال والشعارات والنصوص والتقاليد المألوفة التي لا تستقيم ومستلزمات المجتمع الدولي . ولابد لي من القول بأن مثل هذه الحركات لا يمكن ان تنفع العراق بشكل خاص في اعادة بنائه وانطلاقه نحو المستقبل ، بسبب الخلافات الجذرية في مرجعية تلك الحركات .. ولابد من ان تكون سياسية صاحبة اطياف وبرامج سياسية صرفة ، وان ينّزه الدين بكل سموه وتجلياته عن مستنقعات السياسات بكل ادرانها .
3. ماهي المساعدات الفعلية التي يحتاجها الشعب العراقي والأسرة العراقية تحديداً اليوم؟
ان المجتمع العراقي بحاجة اليوم الى اعادة تأهيل مدارسه وجامعاته على نحو جديد وانها تتطلب مستلزمات لا حصر لها .. ايضا بحاجة الى عدة متنوعة من الادوات والعلاجات الطبية والى اجهزة طبية ليس في المدن الكبرى ، بل في اصقاع الارياف العراقية .. ان مجتمع العراق بحاجة الى من يؤهل له بنيته التحتية وما تحتاجه الخدمات البلدية من ادوات وسيارات واجهزة ووسائل .. ان مكتباته العامة بحاجة الى ان تغنى بما صدر في العشر سنوات الاخيرة .. وان شعب العراق بحاجة الى ان ينفتح على جيرانه وعلى كل العالم بعد ان بقي منغلقا لعهد طويل ، فاتمنى ان يساعده الاخرون في رفع العقوبات عن العراق واطفاء ديونه وان يعود بلدا فاعلا في الاسرة الدولية .
4. ما هو واجب الشعوب العربية نحو العراق اليوم؟ وما هي الخطوات والإجراءات العملية المتبعة لإزالة الحواجز النفسية وإذابة مشاعر الحزن وتجاوز آثار الماضي لدى الشعب العراقي؟ وما الذي يمكن تقديمه له؟
شعب العراق لا يريد من اخوته الشعوب العربية الا ان يكونوا مع قضيته ضد الطغيان فلقد كان منسيا وهو تحت وطأة الاضطهاد .. وكانت الدول العربية قد سدت ابوابها امام العراقيين وبالرغم من انفتاح بعضها على كفاءات العراقيين وخدماتهم ، الا ان العراقيين اجمالا لاقوا صعوبات ومعاناة لا يمكن ان توصف ! لابد من اتخاذ خطوات واجراءات عملية عربية من اجل كسر الحاجز السايكلوجي والاثار السياسية التي خلقتها سياسات النظام السابق في العراق وان يبدأ العمل بها منذ اليوم ، واقترح منها : 1) فتح ابواب بلدان العالم والعربية خصوصا امام العراقيين ، اذ زال الخوف منهم بزوال الخوف من نظامهم السياسي السابق واجهزة مخابراته . 2) رسم اعادة الثقة بين العراق الجديد بالصورة التي سيولد عليها وبين بلدان الخليج العربي خصوصا نظرا لكونه بلد خليجي يقف عند رأس الخليج ولابد ان تكون مصالحه العليا خليجية بالدرجة الاولى . 3) ايقاف الحملات الاعلامية السيئة الصيت التي يتعرض لها العراقيون بكل اطيافهم من قبل بعض اجهزة الاعلام ، وخصوصا بعض الفضائيات الموتورة . 4) طي صفحة الماضي الكئيب وعدم نكأ الجراحات ضد العراق ، لأن العراقيين عموما لم يكونوا بمسؤولين ابدا عن كل ما فعله النظام السابق باسمهم .. فهم قد نالوا منه ومن حقهم ان يتمتعوا بحرياتهم .
5. هل يمكن أن تلجأ أمريكا لتغيير مناهج التعليم في العراق كسلاح في تعزيز تواجدها في المرحلة القادمة؟
ليس من السهولة ان تتغير مناهج التعليم في العراق لتكون امريكية صرفة .. ان الحاجة تقضي ان تتغير المناهج التعليمية ليس في العراق وحده ، بل في كل البلدان العربية ، فهي مناهج تقليدية وغدت لا تستقيم مع حياة العصر وتطوراته .. وقد نادينا بذلك منذ فترة طويلة ، ولكن حتى وان تدخلت امريكا في هذا الشأن بأن تمنح بعض خبراتها ، فلابد ان يكون ضمن شراكة علمية وضمن اهداف وطنية عراقية عليا من اجل استئصال كل ما له علاقة بالنظام السابق ، وتأسيس مضامين جديدة تستقيم مع روح العراق وتقاليده وحاجاته ومستلزمات مجتمعه المتنوع . وعلينا ان لا نخاف من هذا الجانب ابدا ما دامت مدارسنا تخضع لمناهج مدنية صرفة ، وانها بالفعل بحاجة ماسة الى تغيير جوهري وهيكلي لتكون قادرة على خلق اجيال جديدة تفكر بشكل صحيح وتتخلق عندها ذهنيات معاصرة مع ترسيخ روح المواطنة وجوهر المعتقد وسمو التقاليد الاصيلة .. اما المدارس الدينية فاعتقد ان ليس من حق الاخرين التدخل في شؤونها . ان كل ما تريده امريكا في هذا الجانب كما تفيدني متابعاتي لهذا الشأن انما يكمن في بلورة اجيال عربية مسلمة لا تؤمن بالعنف ولا تترسخ عندها الكراهية ضد الاخرين ( والقصد : الامريكان والغربيين خصوصا ) .
6. ما هي أولويات الشعب تجاه العراق كمجتمع وحكومة؟
اعتقد ان الاولويات تذهب اليوم الى : تشكيل حكومة عراقية خلال فترة انتقالية محددة ، وايضا يتم خلالها اصدار دستور دائم للبلاد يحدد المواطنة العراقية وطبيعة نظام الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل المواطنين ، وايضا يحدد شكل العراق في المستقبل مركزيا ام فيدراليا .. وتزداد مطالبة العراقيين منذ اليوم باطفاء الديون التي يتحملونها واسقاط كل القرارات الدولية التي صدرت في حقهم .. ثم يريدون عهدا تاريخيا مسالما مع الجيران ومع كل العالم ويطمحون ان يكون لهم دورهم الفاعل عربيا واسلاميا واسمع من ينادي بتغيير علم البلاد باعتباره علما مستعارا منذ عهد عبد الناصر في مصر ، ولابد ان يكون علما عراقيا ناهيكم عن تغيير النشيد الوطني العراقي الذي اصدره البعثيون . ثمة اولويات من نوع آخر تكمن بمطالبة العراقيين للانفتاح على العالم اعلاميا وثقافيا ، فهم لم يتمتعوا حتى اليوم بمشاهدة القنوات الفضائية ولا بقراءة الصحف والمجلات العربية .. الخ
7. ما الذي تخطط له وتستهدفه أمريكا تحديداً من وراء حربها على العراق بعيداً عن البترول وتطبيق سياسة إسرائيل؟
بعيدا عن هذين الهدفين الاساسيين ، فان الولايات المتحدة الامريكية تطبق خططا لها كانت قد رسمتها على مهل منذ سنوات بجعل العراق الذي يتمتع بجيوستراتيجية مركزية للمجال الحيوي في الشرق الاوسط ان يلعب دوره كبوابة عربية نحو آسيا وتكتلاتها العولمية وان يفصل بين ايران والبحر المتوسط ، اذ سيتحجم دور ايران الان ولم تعد كما كانت منذ سنوات طوال ، انها اليوم محاصرة من الشرق والغرب .. ان الولايات المتحدة ستجد نفسها مسيطرة على قلب مربع الازمات الذي تكثر فيه المشكلات والمعضلات .. وسيتيح لها ذلك بتحجيم ادوار الدول الاوربية خصوصا في الشرق الاوسط ، وخصوصا تحجيم دور المشروع المتوسطي على حساب تفعيل الشرق اوسطية التي راجت فكرتها قبل عشر سنوات .. واعتقد بأن دولا عدة في المنطقة بما فيها اسرائيل ستخضع للارادة السياسية الامريكية في وضع حلول لمشكلة الشرق الاوسط .. واعتقد ان مشروع امريكا سيستغرق ست سنوات قادمة ، اي ما تبقى من العقد الاول من القرن العشرين اي حتى العام 2009 .
8. كيف تربطون بين الأزمة المفتعلة في العراق وبين ما يحدث في بقية البلدان الإسلامية الأخرى؟
ربما كانت مسألة اسلحة الدمار الشامل ازمة مفتعلة في العراق من اجل تحقيق الاهداف التي رسمتها الولايات المتحدة ونفذتها الادارة الامريكية الجديدة ، ولكن ربما تكون البداية في تحجيم اي دور سياسي مناهض للسياسات الامريكية او تغيير اي نظام في العالمين العربي والاسلامي لا يمكنه ان يستوعب السياسة الامريكية .. فكيف يمكنها ان تبقى ساكتة وهي التي غيرت كل استراتيجياتها ازاء العالم بعد ما حدث في 11 سبتمبر 2001 .
9. اليوم وبعد أن انتهت بالانتصار الأمريكي وسقوط نظام صدام، كيف يمكن للحكومات الإسلامية أن تستفيد من هذه التجربة في علاقتها مع الشعوب سلباً أو إيجاباً؟
ان ما ناديت به قبل ما حدث في العراق في التاسع من ابريل 2003 ، يقول بأن الحكومات العربية والاسلامية ليس امامها من خيارات عديدة .. انها في محنة تاريخية فعليا ، ولكن لا مناص ابدا من ان تخفض رأسها اتقاء شر العاصفة في هذه المرحلة خشية ان تدفع الثمن الذي دفعته الحكومة العراقية السابقة مع اختلاف واسع بين الذي كان عليه النظام في العراق وانظمة الحكم الاخرى في عالمينا العربي والاسلامي .. واعيد النداء من جديد : ان على كل منظومتنا العربية والاسلامية ان تعيد التفكير من ان اجل ان تقود التغيير بنفسها نحو المستقبل ، قبل ان تتعرض للاملاءات الامريكية ، عليها ان تعالج مؤسساتها السياسية باصدار بنود جديدة تضمن المزيد من الحريات .. وعليها ان تباشر فورا باعادة النظر في كل مناهجها التعليمية من اجل تغييرها جذريا ، اذ لا تنفع اية عمليات اصلاحية ترقيعية لا تفي بالاغراض المعاصرة .. وعليها ايضا ان تباشر بتجديد قوانينها وتشريعاتها القضائية التي يمكنها ان تستقيم مع موازنات معروفة .. وعليها ان تعطي للمجتمع ما يحتاجه من حقوق وخصوصا للجيل الجديد ، وللمرأة التي يزداد الاهتمام بقضاياها العالمية اليوم . وعلى ما ينتشر في عالمنا العربي والاسلامي من منظمات سياسية ودينية تحت مسميات مختلفة ان تجمد عملياتها وتحل قواتها لأنها سوف لا تستطيع الوقوف امام المتغيرات الجديدة التي حصلت بعد التاسع من ابريل 2003 .. وربما لا يتقبل البعض مني ما اقول اليوم ، ولكن ليسحب المسلمون البساط قبل ان يسحبون من فوقه !
10. هل تتوقعون قيام تكتلات شرقية غربية في المستقبل تنافس المعسكر الأمريكي البريطاني؟ وهل تشجعون الدعوة لبناء علاقات استراتيجية من قبل الدول العربية مع تلك التكتلات.
لا اتوقع قيام تكتلات شرقية وغربية في المستقبل المنظور تنافس المعسكر البريطاني الامريكي .. اذ اثبتت التجربة العملية قبل ايام بأن امريكا ضربت كل اعتراضات المجتمع الدولي عرض الحائط وحققت مع البريطانيين والحلفاء ما ارادت تحقيقه من دون ان تبقى الدول المعارضة على مواقفها .. بل حدث العكس ! وعليه ، فسوف لن تنبثق اية تكتلات ، وستبقى التكتلات الحالية سواء سياسية ام عسكرية ام اقتصادية كما هي عليه ، وسيزداد تأثير قوة التكتلات الاقتصادية والاستراتيجية على حساب التكتلات العسكرية والتحالفات السياسية .. اما الشطر الاخر من السؤال فانني اعتقد بأن ليس هناك دولة عربية او اسلامية واحدة قادرة على بناء علاقات استراتيجية مع اي تكتل من دون موافقة الولايات المتحدة ، اذ انها تستحوذ اليوم وعلى مدى العقد الاول من القرن الواحد والعشرين على علاقاتها الاستراتيجية بكل دول العالم .. مع تهميشها كل من يخرج عن طوقها ، انها اليوم لا تكتفي بمصالحها الاقتصادية حسب ، بل تذهب الى اكثر من ذلك للسيطرة على مصالحها الامنية
11. هل استفادت الحكومات العربية والإسلامية خلال أزمة العراق في توطيد العلاقة مع الشعوب وكسب ثقتها أم أن العكس هو الذي حصل؟
لم تفرز لنا الاحداث بعد قياس مثل هذا ” التوطيد ” بين الحكومات وشعوبها .. ان الجميع اليوم في مرحلة من الذهول والترقب حكومات وشعوبا .. انهم فوجئوا بكل الذي حدث على امتداد شهر ابريل 2003 ، وليس من السهولة القول ان توطيد العلاقة بين الطرفين من السهولة بمكان ، فالشعوب العربية والاسلامية في اغلب اتجاهاتها محبطة جدا نتيجة ما حدث في العراق ، وسيطرة امريكا عليه وقبل ذلك رهاناتهم التي خابت وكلها كانت على صدام حسين الذي وعدهم بالنصر وعدم الهزيمة .. وفجأة ينهار نظام حكمه العاتي وكأنه قصر من الرمال .. فسقطت فجأة كل المشاعر الساخنة التي كانت قد وصلت الى اعلى مستوياتها .. واصبحت الشعوب اليوم بين حالات حزن واكتئاب كما هي العادة دوما في حروب العرب ، اذ ينفخهم الاعلام الكاذب كثيرا ويوصلهم الى الاعالي وفجأة يسقطهم ليصبحوا حطاما مع الاسف .. اما الحكام ، فلدي قناعة بأن جميعهم قد ارتاحوا ارتياحا لا يوصف لآنهم تخلصوا من خصم لا يهجع ! ولكن بعضهم من جانب آخر يفكر اليوم بما ستلده الايام من سيرورات من الاحداث التي ستضع مصائرهم على كف عفريت ! خصوصا وانه متورط باكثر من ورطة مع الامريكان !
12. كيف تتوقعون موقف الدول العربية في حال وقوع عدوان لا سمح الله على سوريا مشابه لما حصل في العراق؟
نفس موقفها الذي كان مع العراق ايام النظام السابق مع زيادة من الصراخ والتنديدات وعقد الاجتماعات التي لا تجدي نفعا مع الدعاء بالويل والثبور في الشوارع لامريكا من دون اي ردود فعل تذكر !
13. كيف تنظرون إلى مصير المجاهدين العرب الذين دخلوا لنصرة العراق بعد السيطرة الأمريكية؟
مساكين كالملايين الذين غيّبوا وعيهم وجعلوهم يعتقدون بأن النظام السابق في العراق سيدافع عن شرف الامة ومقدساتها .. واعتقدوا انه سينتصر بالمعنويات والكفاح المسلح والجهاد وحرب المدن وما كان يلفقه من المستشارين والخبراء الاستراتيجيين وخطباء المساجد .. فذهبوا ليكونوا لقمة سائغة في طاحونة حرب لا قبل لهم بها .. وان كل ما سمعوه كان كذبا ، فلا الشعب العراقي قاتل ، ولا النظام صمد .. وسيبقى العرب هكذا تسيطر عليهم الاوهام وهم بعيدون جدا عن واقع الامور ولم يتعلموا ابدا من تجاربهم القاسية .. وما زال هناك من يعيد ويكرر الاسطوانة نفسها في الوقوف ضد اكبر قوة في العالم من دون ان يحسب اي حساب لاعتبارات لا اول لها ولا آخر !!
14. هل تتوقعون بقاء أمريكا في أرض العراق كقوات أو كحكومة أمريكية معنية؟ وكيف سيكون التعامل معهم من قبل الشعب؟
اعتقد ان بقاء امريكا في العراق رهين بالفترة الانتقالية اولا .. اعتقد ان غالبية جيوشها ستنسحب مع اعياد الميلاد على بدايات السنة القادمة .. ولكن وجودها للمراقبة والسيطرة سيتحدد كثيرا بعد ان تضمن تحقيق الاهداف الاستراتيجية لها .. وربما كانت توقعاتي خاطئة ، ولكن مكانتها في العراق ستتجسد من خلال تأسيس نظام حكم مهما كان نوعه ، الا انها ستضمن من خلاله مصالحها الحيوية . اما تعامل العراقيين مع الامريكان ، فهو الاخر سيتحدد على ضوء ما سيتم تأسيسه وعلى ضوء اختفاء رموز النظام السابق الى الابد .. وايضا على ضوء ما سيتحقق من فرص لتأسيس مؤسسات وبنى وهيكليات وتحقيق اعادة اعمار العراق وتخليص العراق من كل ذيول ومتعلقات المرحلة السابقة ! ولكن الخوف لا يأتي من طبيعة العلاقة بين الطرفين ، بل انما يأتي من طبيعة ما ستكون عليه اوضاع الدواخل العراقية وعلاقات العراقيين بعضهم بالاخر .
15. كيف سيتم تعامل أمريكا مع الأكراد ومطالبهم؟
اعتقد ضمن ما سيتحقق في العراق من مؤسسات سياسية ومدنية لا مركزية ، ربما ضمن اطار فيدرالي ، وربما في اطار توزيع السلطات ، ينبثقان عن دستور موحد للعراق . ولا يمكن للاكراد العراقيين ان ينفصلوا ابدا ضمن كيان مستقل ، اذ اثبتت الاحداث والمواقف بأن لا حركة لكردستان العراق من دون تغيير المركز .
16. ماهو أثر حرب العراق على القضية الفلسطينية ؟
اعتقد بأن النظام السابق قد اضر بالقضية الفلسطينية كثيرا على امتداد اكثر من عشرين سنة ، فلم يكن موقفه العلني يعبر عن اجراءاته ومتغيراته وسياساته التي اضرت فعلا بالقضية المركزية بدءا بالحرب العراقية الايرانية ومرورا بغزو الكويت والحرب الثانية وانتهاء بانشغالات العراق في مسائل الحصار واسلحة الدمار الشامل وصولا الى الحرب الثالثة التي نشرت الدبابات الامريكية في قلب المجال الحيوي للشرق الاوسط ! اعتقد ، ان حرب العراق الثالثة ستعجل في ايجاد حلول للقضية الفلسطينية من نوع ما سيرضخ الفلسطينيون لها .
وأخيرا نسألك دكتور الجميل ، ما رؤيتك لمستقبل العراق المنظور ؟
اعتقد ان العراق سيمر بمرحلة تاريخية صعبة جدا حتى سنة 2009 اذ سيمّر بمخاض صعب في ظل الفراغ السياسي الذي تركه النظام السابق .. وانهيار مؤسسات البلاد قاطبة فضلا عن ان مشكلاته المعقّدة بحاجة الى جهود خارقة واخشى ان تمر بالعراق صعوبات وانقسامات في ظل وجود اجنبي لم يألفه العراقيون .. فضلا عن غياب القيادات السياسية التي تمتلك مهارات واي مشروعات وبرامج وغياب اي كاريزمات تجذب العراقيين وتندمج مع حياتهم .. جملة من المخاوف تعترضني من تدخلات دول الاقليم في الشأن العراقي ، لأن التاريخ يعلمني انه متى ما ضعف العراق بدأت الدول المجاورة تخترقه .. ان العراق سيمر على مدى سنوات قادمة باصعب الظروف .. وربما ستنفرج عنه الازمات على ايدي الجيل القادم .
دكتور الجميل .. شكرا جزيلا
الرئيسية / حوارات / العراق .. الآم الماضي واوليات البناء..اجوبة الاستاذ الدكتور سيار الجميل .. حوار :فيونا بلاك ديل.. ترجمة : د. سمر ماضي- ديرشبيغل يوليو 2003
شاهد أيضاً
ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية
مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …