الرئيسية / حوارات / حوار مع المؤرخ الاستاذ الدكتور سيّار الجميل ضيف الجمعية الدولية للمترجمين العرب صيف 2005

حوار مع المؤرخ الاستاذ الدكتور سيّار الجميل ضيف الجمعية الدولية للمترجمين العرب صيف 2005

اجرت الجمعية الدولية للمترجمين العرب هذا ” الحوار ” الشامل مع المؤرخ العراقي الاستاذ الدكتور سيّار الجميل والذي تطرّق فيه الى العديد من القضايا الشخصية والموضوعية والفكرية والنقدية والمستقبلية ..
– هل لك أن تحدثنا عن حياتك ودراستك ؟
بدأت حياتي في بيت كبير من بيوتات الموصل القديمة ، وكان يمتلىء بالكتب القديمة والجديدة ومنذ طفولتي في الخمسينيات من القرن الماضي وأنا اسمع كلاما رائعا في الادب والشعر والثقافة والفن .. كنت ارسم خطوطا على صفحات المجلات الاسبوعية والشهرية التي يزدحم بها الدار .. كنت أتعّلم في بيئة عائلة مثقفة ثقافة عليا .. اسمع لما تورده الاذاعات المختلفة ، واختلس الاوقات الثمينة لادخل مجلس اسبوعي يقيمه والدي – رحمه الله – وكان من ابرز رجال القانون في العراق ، والتقي بعشرات من الشخصيات العراقية والعربية وقد ورثنا الثقافة العربية عن جدّي لأبي الذي توفي في العام 1928 وكان شاعرا واديبا نهضويا معروفا ومثقفا بارعا واحد مؤسسي المنتدى الادبي في الاستانة في العام 1909 رفقة نخبة من الاحرار العرب ومنهم عبد الكريم الخليل واحمد عزت الاعظمي وزكي الخطيب وغيرهم وساهم في الحركة العربية .
وتأثرت بالوان ثقافية متنوعة منذ صبوتي .. وتعلمّت في مدارس خاصة واهمها ( مدرسة ام المعونة للراهبات النموذجية ) في منطقة الدواسة بالموصل وبدأت قراءاتي منذ صغري ، ويقال انني طفقت اكتب وانا ابن الخامسة من العمر .. واذكر ان اعمال محمد احمد برانق كان لها تأثير في تكوين اسلوبي في بداياته ، وبدأت احفظ على ظهر قلب سورا من القرآن الكريم ، وما زلت احفظ سورا مثل : طه والجمعة وتبارك ويوسف ومريم والاسراء .. وكانت الرسوم والكتابات تنمو شيئا فشيئا في ظل شجرة عائلية وارفة لها ثقافتها المعاصرة .. وساعدتني التنقلات بعد ذلك في سفر دائم من بيئة الى أخرى اكسبتني جملة هائلة من المعرفة وافتقدت والدي وكان احد رجال القانون العراقيين وكان مثقفا ثقافة عريضة ، اذ توفي وانا في الخامسة عشرة من العمر .. كنت في مراهقتي قد بدأت مع المنفلوطي في نظراته وعبراته ، ثم كنت اتصفح ( نهج البلاغة ) فأشار علي أبي ( رحمه الله ) ان يكون مشروع قراءتي له مؤجلا لصغر سني ، مما جعلني ادخل عالم سلامه موسى فقرأت كل كتبه وقد بدأت افكر في يكتبه هذا الاخير ، ثم كنت اقضي اوقاتا طوال في قسم المجلات بمكتبة العائلة وهي غنية جدا فاستهوتني مجلة ( العصور ) و ( الدهور ) و( الهلال ) في مجلدات قديمة كتلك التي صدرت في العشرينيات من القرن العشرين ، وكنت افتح ذهني على ترجمات في الفكر والحياة وشغفت بقراءة روايات عالمية واعدت قراءة ( الجريمة والعقاب ) و( احدب نوتردام ) و ( مرتفعات وذرنج ) .. كان قاموس المنجد يلازمني طوال الوقت ، ولعل اهم ثلاث أشياء لم تكن تفارقني البتة ، هي : المنجد الصغير ومن ثم الكبير ، ثم القاموس العصري لألياس انطوان الياس ، ثم اقتنيت (المورد) بعد صدوره ، ثم لازمني قاموس اكسفورد .. والشيىء الثالث هو ( اطلس العالم ) الذي كنت اتعمّد أن اشفي فضولي دوما لمعرفة المكان اي مكان من هذا العالم . هذه الاشياء الثلاثة لم تزل تلازمني حتى اليوم واجددها كل عام بل ولدي من الاطالس والمعاجم والانسكلوبيديات ما يعد ثروة حقيقية .. ومؤخرا ، كل ما احتاجه مخزّن عندي في جهاز ( اللاب توب ) ولكن يبقى الانسان بحاجة الى جملة من المراجع المعرفية والمساعدة للتأكد من المعلومات والحقائق .
اكملت دراساتي الاولى وكنت قد تمّيزت في الفيزياء ( عند استاذي رمو فتوحي ) والتاريخ ( عند استاذي هاشم سليم ) وكل المعارف التي تثير التفكير وتسلمت بعض الجوائز المدرسية في الالقاء والخطابة ( عند استاذي عبد النافع الحكيم ) وبعض الابداعات في الرسم واكتشاف بعض الاشياء التي اخترعتها ( عند استاذي عبد الله القليه جي ) ، أما عالم الجغرافية فلقد ازددت له عشقا ( عند استاذي محي الدين العشائري ) .. كنت أهوى الفلك وافكر في الكون ولم أحدد هدفا محددا في ما ساغدو عليه ، كنت أهوى الطيران المدني واعشق رؤية الطائرات في السماء ، ولكن فكّرت بأن المهنة سوف تلبي رغبتي في التحليق نحو السماء ولكن سوف اقتل هواياتي ، بل كنت اهوى الشعر والكتابة واصدرت وأنا في الثانوية بمعية صديق مبدع لي كان يعشق كتابة القصة والرواية اسمه عبود عبد الله بكر ( استشهد في الحرب العراقية الايرانية رحمه الله ) في اصدار جريدة اسميتها ( الاصداء ) في العامين 1967 – 1968 وكانت اسبوعية اكتب بقلمي افتتاحيتها ونحن في الثانوية الشرقية بالموصل العراق وسببت لنا مشكلات سياسية وفكرية منها الاعتراض على نشرنا قصيدة لنزار قباني بعد هزيمة 1967 .
كان والدي –رحمه الله – قد ازمع ان يرسلني الى الجامعة الامريكية ببيروت لدراسة القانون الدولي وكنت قد شغفت بدراسته ، ولكنه رحل مبكرا ، ولما كنت اكبر أخوتي مما اضطرني ان ابقى في العراق وانخرط لدراسة الاداب والتاريخ فدخلت عالما جديدا لم اكن في البداية راغبا في ان يحدد مستقبلي ، ولكن مع الايام جعلني التاريخ اشغف به شغفا كبيرا وتأسرني فلسفته التي اثارت عندي جملة هائلة من الاسئلة التي رحت ابحث لها عن أجوبة حقيقية .. ومنذ ان قدّمت بحثا اولويا تلقيت ملاحظات احد اساتذتي بتفكير منهجي عميق وكان ان منحني درجة امتياز ، في السنة الثانية كلفني استاذ آخر شكّل لي تحدّيا من نوع آخر في المنهج وكان عن الاستشراق ، فرحت ادخل عالما جديدا لاتعّرف عليه في الزمان والمكان ، وكانت الحصيلة بحث قال عنه اساتذتي انه يقابل رسالة ماجستير ونلت الامتياز عليه .. لم اكتف بالبحث ، بل رحت اقرأ في الذي كتبه المستشرقون عن ظاهرتهم وتعلمت كيف اكون حياديا منصفا في قراءتي وكتابتي ..
ولقد أثرت مشكلات ثقافية في الكلية منذ ان كنت في الصف الاول ، اذ نشرت نقدا صارخا في مجلة ( الجامعة ) ضد كتاب نشره أحد الاساتذة في الكلية ، فخاصمني الرجل عهدا طويلا ، ثم غدا احد اصدقائي عندما اصبحت زميلا له ، ولم تزل الناس تذكر تلك المشكلة .. تخرجّت في جامعة الموصل وكنت من الاوائل على الجامعة في العام 1974 ، ثم انخرطت معيدا ( او كما يسمى بمساعد باحث ) فيها وبقيت سنة واحدة وكانت صعبة جدا بحكم تبعيث الجامعات وغلو السياسة البعثية ، وفي مطلع 1976 سافرت الى بريطانيا بحجة السياحة ولكنني كنت قد استحصلت على اكثر من قبول لاكمال دراستي العليا على حسابي الخاص وارسلت باستقالتي الى العراق .. وكانت مرحلة صعبة جدا على امتداد ست سنوات حققت فيها طموحي بشهادة الدكتوراه في فلسفة التاريخ 1982 ، وهي مرحلة انجزت فيها اطروحة اشتغلت عليها ليل نهار وانجزتها بثلاث مجلدات لم تطبع بعد ، وبحثت فيها التاريخ الحديث للشرق الاوسط من خلال منهج التحقيق النقدي لنصوص تاريخية قديمة وقد تعاملت مع مخطوطات ووثائق تاريخية نادرة وصعبة وفي مكتبات اوربية كبرى مثل : المتحف البريطاني والمكتبة الوطنية بباريس والمكتبة الوطنية بفيّنا ومكتبة استات بيبلوتك ببرلين ومكتبة بترسبورغ في روسيا والاسكوريال في اسبانيا ومكتبة طبو قابي باستانبول .. وقد تعلمّت كيف اتعامل مع مكتبات العالم الكبرى. وخلال دراستي العليا في بريطانيا تعلمّت من اساتذة ومستشرقين ممتازين مثل : ديفيد جاكسون والبرت حوراني وسارجنت وغالوي وجون بيرتون وماتوك وبوزورث .. اذ تعلمت جملة من المناهج العلمية .. وتعلمت من سفرات عدة وادهشني المتحف البريطاني ومتحف اللوفر وغيرهما .
مرحلة اخرى في حياتي العلمية انني عملت مطبقا لغويا بين العربية والانكليزية في كل من جامعة سانت اندروس وجامعة اكسفورد ، ولم ارجع الى العراق بسبب الحرب العراقية الايرانية التي كانت تحصد كل اصدقائي وزملائي .. وقد آثرت العمل في جامعات عربية ، فعملت في جامعات : وهران بالجزائر والحسن الثاني بالدار البيضاء وكلية آداب منوبة بتونس وعملت استاذا زائرا في جامعة كيل بالمانيا الغربية وزرت جامعة واشنطن في سياتل بالولايات المتحدة وفي الموصل بالعراق واليرموك وآل البيت بالاردن ثم في الامارات العربية المتحدة .. ومنذ العام 1989 حتى اليوم نشرت اكثر من واحد وعشرين كتابا وعشرات البحوث بالعربية والانكليزية ومئات المقالات .. والمساهمة في عشرات المؤتمرات العلمية والدولية في دول عدة .. ولعل اهم منشوراتي في مجال الترجمة : رحلة جوستن بيركنس كأول رحالة امريكي الى العراق في العام 1847 ، ونشرت الترجمة في دورية ( المورد ) العراقية في العام 1989 .
– ما هي مواهبك و هل من هوايات لا زلت تمارسها حتى الآن؟
لا استطيع ان احدد ما في نفسي من ( مواهب ) ولكن الاخرين هم الذين يرونها ان وجدت .. ولكنني ادرك ادراكا حقيقيا بأن لي اسلوبا في الكتابة متميز وجذاب ويعشقه الاخرون ، ولي القدرة على فحص الكتابات وتمييز الكتب والاشياء والرسوم وحتى البشر .. اعرف ايضا ان لي قدرة على ان اجلس الساعات الطوال اقرأ او اكتب من دون كلل او تعب .. اعرف ان لي صداقات قديمة وجديدة لا يمكنها ان تنفصم ابدا وبقدر ما عندي من كل هذا وذاك ، فانني ادرك بأن لي خصوم كثر انني اعرف لماذا يخاصمونني ولكنهم مساكين لا يدركون لماذا الخصام .. قسم منهم قال لي : خاصمناك من دون ان نعرفك ! وقسم آخر خاصمني لأسباب فكرية وسياسية بالدرجة الاولى .. وآخرون كان لهم موقفهم بالضد مني بسبب اصداري كتاب ( تفكيك هيكل ) وهو يبحث في نقد الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل !
اعرف انني ماهر في نقد الاشياء والنصوص ولي مهارتي في تحليل النصوص والخطاب وتفكيك مقول القول .. اعشق الموسيقى واميّز بين الالحان ولي ثقافة معتبرة في الكلاسيكيات العالمية واشغف بابداعات الموسيقار غوستاف مالر .. احب الاغاني العربية التي تطرب وكل الكلاسيكيات العربية ، واعزف بعض الالحان وأميّز المقامات الموسيقية والاصوات الغنائية .. كانت لي موهبة الرسم في صباي ورسمت لوحات رائعة ، ولكنني لم أكن على استعداد لتنمية تلك الرغبة .. اعشق الترحال والسفر والطيران وقد زرت بلدانا كثيرة واعرف التعامل مع اللهجات والعاميات العربية بحيث استخدم العربية العادية .. كنت ارسم منذ صغري واجمع الطوابع والصور الفوتوغرافية ..ولكنني تخليت عنها بسبب ما اخزّنه في الكومبيوتر اليوم .
– ما هي أنواع الكتب التي تجذبك وتطالعها غالباً؟
لقد كبر حجم النشر في العالم في العشرين سنة الاخيرة ، وهو عالم يتطور بشكل مذهل بحيث لا يستطيع الانسان ان يلم ويطالع كل ما ينتج عالميا .. وعليه ، انصح باختيار انواع محددة من الكتب . انني بداية اهتم بكتب المعرفة العامة اذ لابد من التواصل مع دوائر المعارف المختلفة وما يستجد من القواميس والمعاجم .. اهتم ايضا بكتب الفكر الاجتماعي والسياسي .. اما الكتب التخصصية في التاريخ الحديث والفكر المعاصر فلي معها متابعة شهرية لمعرفة ما يصدر من جديد فيها اذ لابد ان اقتني ما له علاقة بتخصصي مهما كان ثمن ذلك ، وتسعفني في الكثير من الاحيان العروض والتحليلات التي اتعّرف من خلالها على طبيعة محتويات كل اصدار واقرر ما يفيدني مما لا يخصني .. اهتم ايضا بكتب المذكرات اذ تمنحني متعة وزيادة في معرفة تجارب الاخرين من بيئات وبلدان وثقافات متنوعة ومتعددة .. لي ايضا اشتراكات محددة لبعض ابرز المجلات والدوريات التي من خلالها استطيع الاطلالة على عالم النشر والكتب في كل عام .
– ما هي أهم الدوريات التي نشرت فيها؟
كثيرة هي المجلات التي نشرت فيها ، وهي : المجلة الدولية لدراسات التاريخ ، ومجلة فلسفة التاريخ ، ومجلة دراسات الشرق الاوسط ، ومجلة التاريخ ، والمجلة العربية للدراسات العثمانية ، والمورد ، والمجلة التاريخية المغربية ، والمستقبل العربي ، والفكر العربي ، والمجلة العربية للدراسات الانسانية ومجلة ليوا وغيرها كثير .
– لكل عالمٍ ومفكر وأديب مصادر أسهمت في تكوين خلفيته الثقافية العامة من جهة، وتنمية وتطور ملكاته في مجال تخصصه. فماهي مصادر ومناهل المعرفة التي كان لها أكبر الأثر في تكوين خلفيتك الثقافية العامة وأيضاً خلفيتك العلمية في مجال تخصصك الأكاديمي؟!
– لا يمكن ان أحصر عدد مصادر ومناهل المعرفة التي نجحت من خلالها في تكوين ثقافتي العامة أو ثقافتي التخصصية ، ولكن أحاول ان اتذّكر ان من بين مناهل ثقافتي العربية كان البيان والتبيين للجاحظ واحصاء العلوم للفارابي والمقدمة لابن خلدون وادب الدين والدنيا للحسن البصري الماوردي والمثل السائر في ادب الكاتب والشاعر لابن الاثير وشرح المعلقات للزوزني والوساطة للجرجاني والموازنة للامدي وتهافت التهافت لابن رشد وكتابات لا تحصى لابن طفيل والطبري ومسكويه والمعّري واعجبت بابي حيان التوحيدي وكتاب الشاهنامه وفصل المقال واتعاطف جدا مع مأساة ابن المقفع وقرأت كل اعماله .. اعشق قراءة الشعر العربي وقرأت العديد من الاعمال الشعرية القديمة والحديثة ، قرأت طه حسين واحمد امين وزكي مبارك وعبد الرازق والرصافي وصولا الى رواد الجيل الحديث وغيرها اما ثقافتي غير العربية فكان من بواكير ما اعدت قراءته : مسرحيات شكسبير وخصوصا تاجر البندقية وهاملت ، ثم قرأت تولستوي واعجبت باسلوب شارلوت برونتي وهمنغواي.. قرأت اعمال كولن ولسن وارنولد توينبي وكارل ماركس وجاك بيرك واعدت قراءة مكدوغل وفرويد واخذت قسطا من أدبيات جارلس ديكنز .. اما التخصص ، فكانت مناهل معرفتي فيه كثيرة جدا ، ربما اقول انني احفظ على ظهر قلب مضامين واسعة من اعمال لونكريك والبرت حوراني ( الذي تأثّرت جدا باعماله من خلال حضوري محاضراته في العام 1977 ) وتأثرت جدا بمناهج وفلسفات : روبرت منتران وماكس فيبر وميشيل فوكو والتوسير وجاك دريدا وادبيات جان جينيه وغيرهم كثير .
– من هم أبرز الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم وتفتخر بهم ولماذا؟
من ابرز الاساتذة الذين طلبت العلم منهم وافتخر بهم ، هم على التوالي :
1/ البروفيسور الدكتور ديفيد جاكسون ، المستشرق البريطاني الذي علمني منهج تحقيق النصوص والتاريخ المقارن وعلمني كيفية التعامل مع اللغات القديمة وخصوصا في مصطلحات ومفاهيم اللاتينية والعربية القديمة .. علمّني كيف يكون الصبر في نشر المخطوطات وكيفية فك الغاز الكتابات القديمة ومقارنة الحروف واساليب النسخ وكيفية بناء شجرة النسخ .
2/ البروفيسور الدكتور جون بيرتون المستشرق الاسكتلندي الذي علمني كيف يمكن لطالب البحث ان يكون صبورا وكيف يميز بين المصادر وكيف يتعامل مع المراجع وكيف التعّرف على المفاهيم وكيف تستخلص النتائج التاريخية والاستنتاجات البحثية وما هو الفرق بين الاثنين .
3/ البروفيسور الدكتور البرت حوراني المستشرق البريطاني ( عربي الاصل ) الذي علمني ما هو الشرق الاوسط وما اهميته وما تأثير أرثه التاريخي على تكويناته المعاصرة .. علمني كيف يمكننا ان نتعلم الكثير من التاريخ الاجتماعي .. علمني كيف يمكنني قراءة اعمال المستشرقين وهم يكتبون عن تاريخنا وثقافتنا العربية الاسلامية .. علمني كيف يمكننا كتابة تاريخ الشرق الاوسط بجملة تكويناته .. وآخر ما تعلمته منه في آخر لقاء لي معه : كيف يمكنني بناء التوقعات في مستقبل منطقتنا على ضوء العلاقات الدولية .
4/ البروفيسور الدكتور سارجنت المستشرق البريطاني الذي تعلمت منه في لقاءات غير صفّية وبعد تقاعده اهمية تراث العرب في ما انتجوه من ثقافة ومعرفة كلامية وعلمني كيفية التعامل مع المخطوطات العربية التي لها اجناسها واصنافها وبيئاتها .
5/ الاستاذ الدكتور احمد الحسو ( المؤرخ العراقي ) وهو استاذ وصديق وزميل مهنة ، تعلمت منه اهمية تاريخ مصر في العهود الايوبية والمملوكية ، وتعلمت منه هدوء الطبع في التعامل مع الافكار المتوحشة وتعلمت منه كيف يكون الانغمار لساعات طوال في العمل من اجل تحقيق اشياء مبدعة .
6/ الدكتور ج. م. ولفنسون ، الفيلسوف الذي كنت اعشق الذهاب لسماع محاضراته ، وقد تزّوج باحدى زميلاتنا وهي بولندية كتبت مؤخرا كتابا عنه ، وهو اول من فتح دماغي على الفلسفات الحديثة وخصوصا الانثربولوجية والبنيوية والتفكيكية والسلالية ..
– من هم أبرز الأساتذة الذين تتلمذوا على يديك و تفتخر بهم ولماذا؟
انني اعتز ببعض من تخرجوا على يدي من حملة الماجستير والدكتوراه ، وهم : الدكتور عبد الفتاح يحي عميد كلية الاداب في جامعة دهوك والدكتور عصمت برهان الدين رئيس قسم التاريخ بجامعة الموصل والدكتور يونس الطائي مدير مركز تراث الموصل والدكتور زهير النحاس والدكتور غانم وحيد والدكتورة زهية رولان الباحثة في المعهد الدولي بواشنطن ، والدكتورة م. بلقاسم المؤرخة الجزائرية والدكتور خالد ابو ربيع الباحث الاردني ، والدكتورة سمر ماضي رئيسة قسم الدراسات الاجتماعية في كلية فرانكفورت الجامعة ، والدكتور ستيفن رايت المحاضر في تاريخ التعليم بالشرق الاوسط وغيرهم كثير .. انني افتخر باغلبهم لأنهم تعلّموا اشياء كثيرة مني ، وهم يذكرون استاذهم بطيب الذكر .
– ما هي أبرز الإنجازات التي حققتها؟
لقد حققت على المستوى العلمي مشروع ( تكوين العرب الحديث ) باربعة مجلدات واعمل على انجاز المجلد الخامس .. انجزت مشروع نظرية في التحقيب التاريخي تقوم على اساس الوحدتين الجزئية والكلية .. انجزت تحرير عدة مقالات علمية في الانسكلوبيديات العالمية .. ولقد حقّقت المشاركة في منجزات على المستوى الفكري والسياسي .
– ما هي المشاريع التي تحلم بإنجازها وما هي الطموحات التي تسعى لتحقيقها؟
– احلم بتحقيق مشروع علمي بتأسيس مركز في تورنتو بكندا لبحوث تواصل الثقافات في العالم .. واحلم بأن تتحقق المشروعات التي قدمتها لأكثر من جهة عربية من اجل دعم تأسيس انسكلوبيديا عربية باللغة الانكليزية .. واسعى لتأسيس مدرسة عربية او جامعة عربية تعتني بتنمية التفكير العربي لدى الاجيال الجديدة . كما اسعى اليوم لافتتاح المنظمة العراقية لتنمية المجتمع المدني ( يودكس ) التي يعبر عنها موقع ( عراق الغد ) الالكتروني وقد اكملت انجازها رفقة بعض الشخصيات العراقية المرموقة .. اسعى – ايضا – لتطوير نظريتي في التحقيب التاريخي كي اطبقها ( بالانكليزية ) على تاريخ البشرية بعد ان طبقتها على تاريخ العرب والثقافة الاسلامية .. اطمح ايضا بالمشاركة في تأسيس ميثاق عمل فكري وتجمع دولي لليبراليين العرب وشركائهم في العيش والمصير وهذا ما انادي به اليوم .
– ما هي الطموحات التي تسعى إلى تحقيقها في مجال الترجمة؟
– اتمنى ان يتشّكل فريق عمل عربي عالي المستوى لترجمة اشهر الانسكلوبيديات العالمية ، وخصوصا ( البريتانيكا ) و ( اميركانا ) .. كما اطمح بمحاولة اثارة الجامعات والمراكز البحثية العربية على ترجمة اهم ما انجزته الثقافة العالمية الى العربية .. لقد ذهلت عندما علمت ان في تايلاند ( 60 مليونا من البشر ) ومنذ زمن ليس بالقصير تقدم في ثقافتها ومن بين مترجماتها عن الانكليزية خصوصا مجلة النيوزويك اسبوعيا ومجلة الانترناشنال جيوغرافي الشهرية الى اللغة التايلاندية .. فأين نحن العرب اليوم ( قرابة 300 مليونا من البشر ) من تايلاند ؟
– يلاحظ المرء أنك رجل تتمتع بطاقة ذهنية هائلة -ما شاء الله- فما سر ذلك؟
– توليد الافكار من اصعب ما يتميز به البعض من الناس ، ولكن الاصعب هو كيفية ترجمتها واساليب التعبير عنها .. انها قدرة لا يتوفر عليها الجميع ، ولكن بالامكان تربية نخبة عربية معينة على اساليب محددة ممن يمتلكون مواهب اولية .. ان الطاقة الذهنية الهائلة التي حبا الله بها بعض الناس لا يمكن التخّلي عنها ، بل لابد من صقلها وان تجدد نفسها يوما بعد آخر ، لانتاج المزيد من الافكار . المشكلة ان سلطاتنا ومجتمعاتنا تقتل الطاقات وتجّمد الاذهان منذ مراحل تاريخية مضت .. ثمة اسرار شخصية لا يمكن البوح بها في كيفية شحذ التفكير والتخلص من الذهنية المركبة .. اذ ان الانسان في كل عالمنا ومحيطنا بحاجة ماسة الى ان يفّكر كثيرا ، وان يحاول تغيير اسلوب تفكيره ويتجرد من المطلقات الى الفلسفة النسبية ، وان لا يتسرّع في ابداء الرأي ، وان يدقّق في الاشياء ثم يطلق احكامه ، وان يكون مرّكزا في كلامه ، فخير الكلام ما قلّ ودل بدل السرد والانشائيات والكلام الفضفاض الذي لا ينتهي الى شيىء ..
– ما هو تعريفك للمترجم؟
– مختص لغوي يبرع بنقل النص بروحه ومضمونه واقصى ما يعنيه من لغة معينة الى أخرى ، ولابد ان يبرع في كل اللغتين ويكون فنانا في الاثنتين من اجل اختيار المرادفات الحقيقية ووضعها في مكانها الطبيعي .. بشرط ان لا يفتقد النص المترجم على يديه اي من معانيه ولا يختلف عن الاصل في اي شيىء من الاشياء ابدا .
– ما هي الصعوبات التي تواجهها في عملك اليومي؟
– تواجهني صعوبات عدة في عملي اليومي ، منها : تخّلف بعض الطلبة عن دورهم وانهم قد وصلوا الى مراحل جامعية من دون استحقاق .. اي بمعنى : انهم وصلوا مرحلة لم يؤهلوا لها بما يجب ، ولا ادري فالسبب لا يعود اليهم بقدر ما يعود الى ضعف تكويناتهم في الدراسة والخلل في مناهجهم الدراسية والضعف في اساليب تدريسهم وما يعانوه من شظف العيش وانغلاقات المجتمع والتربية القاسية وسطوة الاهل .. فضلا عن تطور وسائل الحياة الحديثة التي تأكل من زمن التكوين كثيرا .. ان النخب الرائعة من المفكرين والشعراء وكتاب النصوص والعلماء الحقيقيين المبدعين بدأت تقل وهذا ما يشغل بالي في مجتمعاتنا العربية التي لم تعد تنتج مبدعين مفكرين او ادباء رائعين او فنانين متألقين او علماء موسوعيين .. ما يشغلني في حياتي اليومية من صعوبات بعض التحديات التي فرضتها علينا السياسات البليدة لحكومات عربية سابقة وحالية عندما ادخلت في الجامعات العربية اناس لا يستحقون ان يكونوا من الاكاديميين .. انه جهلة لا يدركون معنى المعرفة الحقيقية .. انهم يتبوأوون مراكز ليست لهم ، فوجودهم في الجامعات قد اتى بوسائط سياسية واجتماعية وليس بطرق علمية باختيار الافضل والاكفأ ..
– هل تعتقد أن المبدعين العرب من أمثالك قد نالوا حقهم من الأضواء أو الانتشار؟ ولماذا؟
– لا ابدا ، ربما الصدف تصنع لأناس مبدعين عرب أسماءهم !! ان الذين اعتمدوا على انفسهم في ابداعاتهم وثمار نتاجاتهم لم يجدوا الفرص الحقيقية للانطلاق لاسباب انعدام تكافؤ الفرص في الحياة العربية ، ربما كانت هناك انطلاقات لمبدعين عرب في مجتمعات غربية ولكن مجتمعاتنا العربية انتجت كتابا وناشرين وحتى ادباء واساتذة جامعيين ليسوا بمبدعين ابدا .. ودوما ما أجد بأن المبدعين العرب هم الذين يكونّوا انفسهم بأنفسهم اذ لم تقف من ورائهم وزارات ومؤسسات ودول وسلطات على عكس مثقفي السلطات الرسميين .. اذكر أنني قد كنت من اوائل الطلبة على الكلية التي تخرجت فيها والجامعة ولكنني لا انل اي فرصة كي ادرس على حساب الحكومة العراقية اسوة بالطلبة الذين كانت ترسلهم الدولة وهم يتمتعون بالبعثات الحكومية وانا اعرف كم كانت معدلات تخرجّهم ضعيفة ومخجلة .. لست الوحيد اذ اذكر ان هناك القليل ممن خرج ليدرس على حسابه الخاص ويرى الامّرين في اوروبا وامريكا في حين كان اقرانه من الطلبة العراقيين يدرسون مبعوثين من قبل الدولة .. نعم حصلوا على شهادات عليا ولكن كانت هناك سلطات من ورائهم لكي يجدوا انفسهم تلمعهم ادارات وسياسات ومؤسسات لمواقف مشتراة اصلا وخصوصا اذا كانت سياسية وسلطوية ومؤدلجة .. وهم ليسوا ابدا من المبدعين .. قليلون هم المبدعين الذين شقوا طريقهم في صعاب لا حصر ولا عدّ لها .. هناك من قتل في حروب وهناك من اعتقل وهناك من تشرد في الافاق وهناك من عتم عليه وغّيب وهناك من انتحر وهناك من تراجع عن ابداعه ليجد نفسه موظفا هزيلا في مكان لا يستحق ان يكون فيه .. وعليه ، فان حجم المبدعين العرب قليلا وهو ينقص يوما بعد آخر على حساب الطارئين والمضللين والمهرجّين والمفذلكين والمؤدلجين والسياسيين والمتلاعبين باسم الابداع ..
– ماهي أهم النقائص والسلبيات التي يعاني منها النظام التعليمي في الوطن العربي ـ آخذين بعين الاعتبار التفاوت في مستوى الجودة بين النظم التعليمية من قطر عربي إلى قطرٍ آخر ـ وماهي آفاق التطوير المنشودة للارتقاء بنظمنا التعليمية لتصبح أكثر مواكبة لروح العصر؟
– ثمة نقائص وسلبيات لا تعد ولا تحصى كتلك التي يعاني منها النظام التعليمي في وطننا العربي الكبير ، وهي تتعلّق بما للمنظومة التعليمية العربية من مواطن خلل مزمنة منذ ان تأسس النظام التعليمي العربي الحديث في كل البلدان العربية .. وان هذا ” النظام ” لم يجد حتى يومنا هذا اي اساليب للاصلاح والتحديث .. ودعوني اشير الى ابرز مواطن الخلل التي لا يمكن معالجتها على عجل ، بل انها بحاجة ماسة الى ثورة اساسية في التغيير ، خصوصا وان القائمين على المؤسسة التعليمية العربية يعتنون بالاشكال لا المضامين وينظرون الى الامور بالكم لا بالنوع فضلا عن كونهم لا يتقبلون النقد ابدا .. وان المسؤول الحقيقي على ما اصاب مؤسستنا التعليمية العربية بكل اقسامها هي الدول بحد ذاتها لا المجتمعات ، واذا كان المجتمع قد اصابه الفساد فبتأثير سياسات الدول والحكومات في النصف الثاني من القرن العشرين :
– اولا : فشل المخرجات التربوية في صناعة مؤهلين لتلقي العلم والمعرفة في المعاهد والجامعات العربية ، اذ ان المدارس العربية غدت فاشلة في تخريج الملايين من الشباب الذين لم يدركوا اولويات المعرفة ولا اساليب التلقي ولا التدريب ضمن برامج وتطبيقات ولا اصول التعلم ، بل تدربوا على كل الاساليب الخاطئة من حفظ النصوص وعلى عدم التفكير بالاشياء ولا استنباط المعاني ولا القدرة على الابداع .. وفشل مناهج مبادىء المعرفة في المدارس بل وان الكتب التربوية كسيحة يلقنها للتلاميذ معلمون فاشلون في صفوف مزدحمة وتدنّى مستوى المدارس الحكومية والاهلية معا بفعل ضعف مستوى المعلمين في المدارس وعدم معرفتهم كيف يربون التلاميذ تربية صحيحة .. وزاد من عقم الحياة التربوية المناهج التدريسية البليدة التي لا تستقيم والحياة المعاصرة ابدا .. وعلينا ان نفحص عدة كتب مقررة في مدارسنا العربية لتجدون هول ما يدرسه الابناء وهم يؤهلون انفسهم للمعرفة والاختصاص بعد سنوات .. انهم يحفظون على ظهر قلب حتى العمليات الحسابية .. انهم كالببغاوات يرددون ما يعلمه لهم المدرسون الخاصون في البيوت .. انهم اصبحوا بكارهين لمواد مثل النحو العربي والدين الاسلامي نظرا لما يفرضه عليهم النظام التعليمي من نصوص مقررة لا تستقيم وحياتهم الصاخبة .. انهم يتربون على تناقضات لا حصر لها .. واصبح المعلم يتدخل في شؤون شخصية لتلاميذه ، فبدلا ان يعلمهم الاخلاقيات العالية ومنطق الاشياء واستنباط الافكار وبناء الشخصية ، اخذ بغلق عقلياتهم وتحجيم ادوارهم .. فكيف سيتعامل مثل هؤلاء في المعاهد والجامعات ؟
– ثانيا : ان الجامعات العربية مترهلة باساتذة ومحاضرين تخرّجوا من خلال منحهم شهادات ورقية دخلوا من خلالها رحاب الجامعات من دون اي فهم او ادراك لطبيعة الحياة الاكاديمية ومستلزماتها .. لقد تخرج في اروقة الجامعات العربية المئات بل الالاف من حملة الشهادات العليا ممن لا يجيدون التعامل ابدا مع مستحدثات العلوم والمعرفة في العالم بحكم ضعف لغتهم الاجنبية ( بل انعدامها عند اغلبهم ) .. وان سلسلة ساذجة من الترقيات والدرجات ( العلمية ) قد منحت لهم من خلال ( بحوث ) غير علمية ابدا .. هؤلاء يتحملون اليوم وزر تخريج الالاف المؤلفة من طلبة العلم العرب .. ان جامعاتنا العربية اكاد اشبهها بالمدارس العربية العادية ، فالطالب يبقى في طور التلقين والاستماع وحفظ النصوص من دون ان يتعلم المعرفة الحقيقية او ان يشارك في البحث العلمي وان يسعف معلوماته التي اخذها في المحاضرات من مراجع اساسية .. بل اصبح ينتظر ( ملزمات ) او ( كراسات ) يوزعها الاستاذ ليحفظ الطالب ما فيها ويمتحن ! ناهيكم عن عقم المناهج المتبعة ويدهش المرء من كتب مقررة لا منهجية فيها ولا معرفة في مضامينها ! يموت المبدعون من الطلبة في صفوفهم وقاعاتهم وهم يسمعون محاضرة تلقى من دون اي حوار ولا اي نقاش ولا اي فهم حقيقي لما يقوله هذا ولما يستعرضه ذاك !
– ثالثا : جرت محاولات عدة لاصلاح التعليم العالي عربيا في بلدان عربية عدة من دون اي نتائج ايجابية ، ويكمن السبب في السياسات التعليمية البليدة التي هي بحاجة ماسة الى علاجات جذرية والاستماع لنصائح وتقييمات خبراء دوليين . ان بقاء الجامعات العربية رهينة بيد السلطات الحكومية قد أضّر بأي عملية لاصلاحها .. مع سكوت اتحاد الجامعات العربية عن اي مبادرة بفعل مصالح ادارات جامعية عربية من الوضع القائم ! ناهيكم عن ان اصلاح الجامعات والمنظومة التعليمية لا يمكنها ان تتم بمعزل عن اصلاح كل من المجتمع والدولة معا ، اذ ان ما يربط الجزء بالكل اساسي في عملية التقييم .
– لوحظ فى السنوات الاخيرة إقبال العرب على تعليم أولادهم فى مدارس أجنبية ،فهل فى اعتقادك بأن هذا سيساعد فى ازدهار حركة الترجمة بشكل يساعد فى تغيير نظرة الغرب لثقافتنا؟
– اعتقد ذلك لدى من يتخصص في اللغة الاجنبية وليس لدى كل من يعرف لغة ثانية خصوصا اذا ما علمنا بأن اللغة الاجنبية لا تكفي فقط ، فهناك الالاف ممن يعرفون اللغة الاجنبية ، ولكن الوعي باهميتها كوسيلة تخصصية في خدمة المعرفة والمجتمع . فلابد من زراعة الوعي بتوظيف هذه الوسيلة الفعالة في ذلك .
– هل من الضروري تعليم المترجم وتدريبه على أن يكون حيادياً دائماً عند الترجمة؟
– طبعا ، هذا امر اساسي . وما دمتم قد سألتموني هذا ” السؤال ” لابد ان أوضح للثقافة والتاريخ بأن ما يجري اليوم من ترجمات تنشر في العديد من الصحف والمؤسسات الاعلامية تمّثل ما تمثّله تلك المؤسسات والصحف العربية من اتجاهات فكرية وسياسية عقائدية .. اذ نلحظ فقدان الحيادية حتى في انتقاء ما يترجم واهمال ما لا يترجم عن قصد وسبق اصرار .. ان ما يطرح في الثقافات العالمية وخصوصا بالانكليزية والفرنسية انما هو كبير جدا ومتنوع جدا بافكاره وتياراته وحجم قوته في قضايا متعددة وخصوصا قضايا الشرق الاوسط .. لقد اضطلعت بعض المنشورات العربية وخصوصا الصحف التي تقف من ورائها مافيات سياسية من بقايا الستينيات لا تنشر اليوم الا ترجمات معينة تختارها لكل ما يتفق واجندتها السياسية الدينية والايديولوجية .. علما بأن هناك كتابات من نوع آخر في الغرب يتم تجاهلها عن قصد .. وهذه مشكلة حقيقية لأنها تفسر للمثقفين العرب الذين يقرأوون العربية بأن الثقافات الاجنبية تتفق مع ما يفكرون ، وانها تزيد من زرع الكراهية بين الثقافات والشعوب .. واعتقد ان ليس هناك من منتبه لمثل ما يحدث خصوصا اذا ما علمنا بأن الاعلام العربي المعاصر يكاد تسيطر عليه جماعات معروفة في انتماءاتها واتجاهاتها وافكارها ..
– كيف نتقي التحريف في الترجمة؟
– نتقّي التحريف في الترجمة بأن تؤلف طواقم عمل مشتركة تعمل سويا ، او ان تعرض المادتين على مقيمين حقيقيين لمقارنة النصوص . وان ينتبه المثقفون العرب الحقيقيون بأن ليس كل ما يترجم الى العربية يمكن ان يعتمد عليه .. فأنني اقف بين الحين والاخر على ترجمات وعروض لكتب اجنبية باللغة العربية ، يتجاوز المترجم او الكاتب حدوده ليتخذ ما يكتب عنه ذريعة كي يتدخل في النص ويعّدل ويبدّل على مزاجه وكيفما اتفق هواه واتجاهه ! انه بالوقت الذي يتم اختيار النصوص بوسيلة خبيثة ، فان هناك مصيبة لما يحدثه المترجم والكاتب بعبثه للنص المترجم .. انني اقتني واقرأ بعض النتاجات الخاصة بالفكر السياسي المعاصر والشرق الاوسط واوضاعه وخصوصا بالانكليزية ، ولما اطلّع مصدافة على من يكتب عربيا على بعض تلك النتاجات ، أجدها وقد زيّفت وفبركت عنها اشياء ليس لها وجود في حقيقة الامر .. بل ويصل الامر ان يفترض بعض المترجمين والكتاب لاشياء من عندياتهم وهم يكتبون عروضا ومقالات عن تلك الكتب الاجنبية . ان اتقاء التحريف صعب جدا ، ولكن لابد ان يسعى كل المخلصين الى فضح تلك المحاولات وتعرية اصحابها .. ثم التشجيع على تقييم ما يترجم ويكتب عن النتاجات الاجنبية في كل مؤسسة علمية ودار نشر ومركز بحث وفي كل هيئة تحرير لصحيفة او مجلة ..
– هل تعتقد بأن عقد المؤتمرات يكفي لخلق حراك في حركة الترجمة؟
– لا ابدا
– يقال أن المترجم بطبعه إنسان غير اجتماعي ولذا لا ترى روح الفريق الواحد تشيع بين المترجمين الذين يعملون في إدارات وهيئات ومنظمات كبير، ما السبب في ذلك؟
– انها طبيعة العرب ليس من طبعهم اليوم العمل الجماعي ولا ضمن اي فرق عمل .. ان الفردية طابع معروف في السايكلوجية العربية .. مطلوب ازالة هذا المرض ، بأن يزرع في الجيل الجديد والاجيال القادمة المزيد من القيم الجديدة التي تنمّي روح العمل الجماعي ليس في الترجمة حسب ، بل في كل حقول الحياة . واتمنى ان تكون هناك فرق عمل وطواقم ترجمة للتثبت من النصوص .
– هل تعتقد أن المشروع القومي للترجمة الذي تبناه المجلس الأعلى للثقافة قد أدى دوره كما يجب؟
– لا ابدا مع احترامي لكل ما انتجه .. فثمة اخطاء ونواقص لا يمكن اعتبار المشروع ناجحا بسببها .. والمشكلة ان الناس لا تسمع النصائح .
– لماذا تعتمد حركة الترجمة والتأليف في عالمنا العربي على الوزارات والمؤسسات الحكومية وليس الأهلية، وإسهامات القطاع الخاص المدعومة من قبل الاثرياء والشركات الكبرى؟
– لأنها عمليات مكلفة ومردودها قليلا بسبب ابتعاد العرب عن القراءة والتعلّم .. انها مشكلة وعي ومشكلة عدم اهتمام علما بأنني ادعم المؤسسات الاهلية من اجل ترجمات عدة عن ثقافات عدة ومتنوعة ..
– ما هي أهم المخاطر التي تحدق باللغة العربية؟
– هذا سؤال كبير لا استطيع ان اجيب عليه بمثل هذه العجالة ، ولقد نشرت عدة مقالات ومداخلات في ندوات مختصة بهذا الشأن منذ عشرين سنة .. استطيع ان اجمل باختصار اهم المخاطر : 1/ضعف التربويات اللغوية في المدارس والجامعات 2/ انعدام الاهتمام اللغوي بشخصية وتكوين الشباب العربي ومن دون تدريبه على الشجاعة الادبية والقراءات المتنوعة 3/ طغيان الاعلام المسموع والمرئي على المقروء بكل فجاجاته اللغوية واستخدام العاميات العربية في اغلب القنوات التلفزيونية او استخدام الخطابية المقعّرة في البرامج الدينية 4/ طغيان السياسي على الثقافي في الحياة العربية مما جعل كتابا سياسيين او كما يطلقون على انفسهم بـ ” محللّين سياسيين ” لا يعرفون كيف يتكلمون او يكتبون اذ باتوا لا يفرقون بين الضاد وبين الظاء !!
– ما رأيك بدور مجامع اللغة العربية في تطور حركة الترجمة وماهي المآخذ عليها؟
– لقد انتقدت في عدة مناسبات وهاجمت في عدة مقالات مجامع اللغة العربية .. مّما سبّب لي مشكلات عدة مع شخصيات من اعضائها لأنهم يصّرون على كسلهم ويصّرون على غلق اذانهم وعيونهم على ما يحدث في حياتنا اللغوية .. اما من ناحية الترجمة ، فلقد فشلت تلك المجامع الموقرة في ترجمة المصطلحات وتوليد المرادفات التي تتضمن معاني جديدة ومفاهيم مخصبة .. بسبب سرعة وكثافة المصطلحات القادمة من كل مكان وخصوصا في الانكليزية ، وعجز المجامع اللغوية المطبق على القيام بمهامها .. وعليه ، فان الحياة العربية في الثلاثين سنة الاخيرة شهدت ولادة مرادفات عربية جديدة ولّدها مترجمون ومفكرون وكتاب عرب بعيدا عن تلك المؤسسات العجوزة التي باتت لا تهتم الا باجتماعات لا نفع فيها وباصدارات كئيبة .. والانكى من ذلك انه بعد ان كانت تلك المجامع تضم علماء عرب اصلاء قد تضلعوا في اكثر من لغة ، زجّت في تلك المجامع شخصيات سياسية واصحاب مناصب ادارية وسلطوية كما حدث في المجمع العلمي العراقي على العهد السابق .. مما ذهب بهيبة بعض تلك المجامع .
– هنالك حالة من التأخر سواء في الترجمة أو النشر، لمن تعزي الأسباب ومن يتحمل المسؤولية في نظرك؟
– لما كانت اي دولة تعيش وتحيا من اجل خدمة المجتمع لا العكس كما يحدث اليوم في اغلب بلداننا العربية ، فان الدولة هي التي المسؤولة الحقيقية عن تأخر هذا الجانب الخطير .. واقصد بالدولة ما تمثّله مؤسساتها جميعا ووزاراتها جميعا وكل الجامعات والمراكز .. ان كل العاملين في حقول الحياة بحاجة الى ان يجددوا انفسهم وافكارهم وخبراتهم ومعارفهم .. فلابد ان تؤسس دوائر لغوية للترجمة في كل مرافق الدولة ووزارتها ومؤسساتها .. فهل بالامكان استحداث ذلك ؟ نعم ، ان بدأت العديد من دولنا العمل من خدمة مجتمعاتها لا العكس في ان يكون المجتمع في خدمة الدول والسلطات . ان كل من يعمل في حقول الحياة العربية المهنية والعلمية والفنية والقضائية والهندسية والطبية وكل مرافق الحياة .. بحاجة الى ان يتعّرف ليس على ما يحدث من تطورات واسعة ومذهلة في تخصصه ، بل على المتّغيرات الكبرى في العالم ، ومن دون اللغة سوف لن يدرك حقائق الامور ومنطق الاشياء .
– تذكر المصادر التاريخية أن حركة الترجمة عايشت فترة ازدهار كبيرة في بغداد، عاصمة الخلافة العباسية، ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الازدهار ولماذا لا تعاود الازدهار مرة أخرى الآن؟
– حركة الترجمة اعتبرها ظاهرة تاريخية معبّرة عن واقع سياسي وحضاري معا ، فعندما تتشكل هناك نخبة حضارية في المجتمع من اولى معالمها عقليات منفتحة على العالم تزدهر حركة ترجمة الاخر وآثاره .. وبالعكس ان انغلقت العقليات وتركبت الذهنيات عن تناقضات وقفل المجتمع بتمجيد ذاته وترديد مفاخره وشعوره القاصر بأنه لا يحتاج الى الاخر ماتت الترجمة ولم تجد لها سوقا ، انني ارى المجتمع العربي ليس كما كان منفتحا ايام العباسيين ، بل في النصف الاول من القرن العشرين كم كان منفتحا على العالم وكم ترجم من اعمال عن ثقافات الغرب مقارنة بما حدث في النصف الثاني من القرن العشرين ، وكيف انغلق المجتمع بفعل سياسات الانغلاق وكراهية الاخر والتندر بثقافاته وتربية جيل كامل على التقليل من شأن الامم الاخرى وثقافاتها فالمطلوب اليوم توفير اجواء الحريات وانفتاح للذهنيات والعقليات على الاخر وتبديد كراهية الامم الاخرى . والقضاء على تناقضات التفكير ، فالمجتمع العربي يكره الغرب وثقافاته ولكنه لا يستطيع العيش دقيقة واحدة من دون تكنولوجياته ! فهل باستطاعة العرب التخلص من هذا المأزق بسهولة حتى يعود الاهتمام ثانية بالانفتاح على ثقافات الامم الاخرى !؟
– ماهو تقويمك لواقع الترجمة في الوطن العربي في الوقت الراهن؟ وماهي رؤيتك للكيفية التي يمكن بها تجاوز السلبيات والمعوقات التي تحول دون الانفتاح على العالم المعاصر ـ عبر نافذة الترجمة ـ والتواصل مع تياراته المختلفة أخْذاً وعطاءً بحيث تصبح الثقافة العربية جزءاً مؤثراً وفعالاً في الثقافة العالمية؟!
– كما قلت في اجابتي السابقة من تشخيص المشكلة ببساطة .. انها ازمة سياسية وايديولوجية وضعت العراقيل في عجلة السيرورة الحضارية .. انها بحاجة الى زمن في تخصيب وعي جديد يبدأ من المدارس ورياض الاطفال في زرع مقومات عربية جديدة ازاء ثقافات الشعوب .. لكي نخلق جيل جديد لا تعقيدات فيه ولا كراهية في اعماق ذهنه ولا في تلافيف عقله ينطلق ليشارك العالم في ثقافاته العالمية .. وابعاد كامل لسياسات التخوين والخوف والكراهية .. وزرع القيم النقدية الفاعلة واساليب التلاقح واحترام الاخر .. ومن دونها فسوف لن ننجح ابدا في اي مشروع حضاري عربي طموح يمكن ان يحترمه العالم . لقد افتقدنا احترام العالم لنا ليس كراهية مزعومة من قبل الغرب لنا ، بل بسبب سياساتنا الكسيحة ازاء العالم كل العالم .. وهذا ما لم اجده لا في الهند ولا في شعوب جنوب شرق اسيا ولا حتى في تركيا وهي اجزاء من عالمنا الاسلامي ..
– لماذا هذا التباكي دائماً على الماضي بدلاً من المساهمة في بناء المستقبل في ظل توافر عدد كبير جداً من علماء اللغة والترجمة العرب المعاصرين ونظل نحن واقفين عند اسحاق بن حنين؟! ألا يوجد مئات اسحاق بن حنين في هذا العصر؟!
– نعم ، انكم بهذا السؤال ايضا تريدون مني المزيد من الافصاح عن العلل والمعلولات معا .. وحبذا لو تعلمنا اشياء رائعة من تجارب الشعوب المتقدمة الاخرى كاليابان مثلا وكم بذلت وتبذل اليوم من جهود في ترجمات متبادلة بين ثقافتين مثلا اليابانية والانكليزية .. لم تكن هكذا حالتنا في نهايات القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين ، اذ كانت هناك تجارب نشيطة في ترجمة الفلسفات والنظريات والافكار والمستحدثات في كتب ومجلات كالتي قدّمها مثلا احمد لطفي السيد واسماعيل مظهر وغيرهما .. ثم تبلورت سياسات بليدة عند العرب بحيث انقاد المؤلفون والاساتذة الجامعيون والمثقفون لسياسات شوفينية ماكرة وافكار ومواعظ باسم التراث غدت تتباكى على التراث وانغلقت عليه بدل الانفتاح الذي كان قائما في المرحلة الليبرالية العربية .. بل ولم يكتف الخطاب السياسي القومي والديني العربي بالانغلاق والتباكي ، بل وصف عموم التجربة النهضوية العربية والترجمة جزءا منها بالانبهار بالغرب ، وكأن الانبهار عملية سمجة .. ولم تزل سياسات الدول ومناهج التعليم ودعايات الاعلام اعربي الغبي تصف اي مثقف منفتح على العالم بالانبهار بالغرب .. وهذا اس المشكلة التي غدت سايكلوجية في العرف الجمعي .. ان التباكي على الماضي يأتي متبلورا مع الانغماس بمأثوراته التي لابد من احترامها والاعتزاز بها برغم ان العالم قد تجاوزها .. فهل من وعي جديد بهذه المسألة الجوهرية ؟؟
– ما رأيكم في إشكالية المصطلح في العالم العربي؟ وكيف السبيل الى حلها؟
– هذه مصيبة اخرى ابتليت بها ثقافتنا العربية المعاصرة ، وهي ليست مشكلة عامة فقط ، بل انها مشكلة خاصة لدى النخب ( وحتى الاكاديمية منها ) .. انها مشكلة المجامع اللغوية العربية التي وصفتها في اكثر من مقالة ودراسة ومداخلة بالمجامع السكونية الجامدة التي لا نفع فيها اليوم ، فهي غير قادرة على تكييف حياتنا الفكرية والثقافية بتوليد المصطلحات العربية الجديدة .. واصبح الامر ينحصر ببعض المترجمين والمؤلفين العرب البارعين الذين عادة ما يستخدمون توليدات لمصطلحات جديدة .. يبدأ الاخرون باستخدامها كالعميان من دون فحص ما يريده مولديها ، فمع توالي الايام عجّت ثقافتنا بمصطلحات يستخدمها الكتاب والصحافيون والاعلاميون من دون ان يفهموا مقاصدها الحقيقية .. ناهيكم عن استخدام بعض المصطلحات الاجنبية التي لا مانع عندي من استخدامها ، ولكن ضمن معانيها الحقيقية لا كما يجري اليوم مع الاسف الشديد . ان مشكلة المصطلحات لابد من التركيز عليها والوعي بخطورتها ، اذ ان ثقافتنا العربية قد غدت لها اشكال مضحكة ومتنوعة بين بيئة عربية وأخرى .. لقد نشرت عن ذلك قبل سنوات ونتيجة رحلتي الاكاديمية من مكان الى آخر بين المشرق والمغرب العربيين ، فوجدت ان لكل بلد عربي قد غدت له مصطلحاته المحددة في الثقافة العربية .. وهذه مشكلة اخرى لم يتوقف عندها الفكر العربي المعاصر .. بل هناك ونتيجة الراديو وفضائيات التلفزيون استعارات هزيلة لمرادفات مصرية او خليجية او لبنانية او مغاربية يتم استخدامها ببلادة تامة .
– يشير أحدث تقارير اليونسكو عن التنمية الثقافية العربية إلى أن ما ترجمه العرب من جميع اللغات الى لغتهم خلال الألف سنة الماضية لا يساوي ما ترجمته أسبانيا في سنة واحدة في عصرنا، ما ردك على هذا القول؟
– هذه افتراضات وتكهنات لا اقبل بها ان لم اجد احصائيات حقيقية .. صحيح اننا متخلفون جدا في ترجماتنا ولكن ان تقوم اسبانيا بترجمة كل ما ترجمناه بالف سنة في سنة واحدة لا يمكن ان اقبله .. ليس بسبب حجم ما ترجمناه ، بل في انعدام قدرة اسبانيا في ترجمة مأثور الف سنة في سنة واحدة . ربما اتفق مع الراي القائل بأن ترجمات اسبانيا لابحاث علمية هو كبير جدا يوازي ما تترجمه امم اخرى في جامعات ومعاهد .. ولكن يجب ان لا نغفل ابدا عن ان روائع ادبية عالمية قد ترجمها العرب في النصف الاول من القرن العشرين .. وان فكرا سياسيا واعمالا كبيرة قد ترجمت الى العربية ايضا .. ان ما ينقصنا حقا اليوم ترجمات واسعة للانسكلوبيديات ودوائر المعارف العالمية والكتب الموسوعية والاطالس والمراجع الكبرى .. تنقصنا ترجمات لبحوث متخصصة تنقصنا ترجمات في الفكر العالمي والفلسفة الحديثة وتنقصنا ترجمات لمجلات جغرافية وتاريخية واطروحات اساسية لما انتجه الغرب خصوصا في الخمسين سنة الفائتة .. تنقصنا ترجمات لكتب في تربية الاطفال وشؤون المجتمع .. تنقصنا ترجمات لكتب المستشرقين والمستعربين عن حضارتنا وثقافتنا وتواريخنا ..
– لماذا نجد إقبالا على الكتب الأجنبية غير المترجمة الى العربية في البلدان العربية وخاصة في معارض الكتب وهل تعبر هذه الظاهرة عن عدم مواكبة للمؤلفات الأجنبية أو ضعف الثقة في النتاج الفكري العربي؟
– بالعكس ، ان اقبالا غبيا على كتب المأثور العربي هو اكبر عند العامة في المجتمع .. اما الاقبال على الكتب الاجنبية فهو يأتي من قبل الخاصة وخصوصا من قبل الذين يقرأون الانكليزية وحتى المختصين منهم الذين لا يتابعون عروض ما ينتج يوميا .. فيكتفوا بقراءة ما تعرضه المعارض العربية واغلبه من مؤلفات مألوفة ومشهورة .
– ما رأيكم في شعار اليوم العالمي للترجمة لهذه السنة والخاص “بحقوق المترجم”؟
– خطوة على الطريق لابد ان تعقبها خطوات ..
– هل ترون أن بوسع سوق الترجمة -بوضعه الحالي- استيعاب أفواج الخريجين من المترجمين؟
– لا ابدا ، فالترجمة فن ومهارة وخبرة في اكثر من لغة .. وهي تمّرس على ثقافة عليا .. انها امانة وموضوع .. انها ليست صف كلمات وانشاء اي نص .. انها عمل مضني لابد ان يقتحمه اناس لهم خبراتهم كل حسب تخصصه ، انني لاحظت ان بعض الخريجين العرب في اقسام الترجمة لا يعرفون يركّبون جملة مفيدة في العربية ، فكيف يركبونها في الانكليزية ؟؟
– هل تعتقد ان اللهجات العامية واللغات الأجنبية في الإعلام والإعلان والإشهار تشكل خطراً على اللغة العربية؟
– ليس خطرا على العربية بحد ذاتها ، بل على المجتمع العربي ذاته ، اذ اجد بين وقت وآخر ان دكاترة ومثقفين عرب ليس باستطاعتهم التكلم بعربية مبسطة ولا يعرفون يكتبون .. ان هناك برامج تلفزيونية تذاع في قنوات بالعربية ومقدمي تلك البرامج لا يعرفون العربية ، ومن المضحك ان واحدة منهن لها برنامج اسمه ( بالعربي ) وهي لا تستطيع ان تتكلم بعربية عادية ، اذ لا تستطيع المسكينة التخلص من عاميتها .
– ما نصيحتك للمترجم العربي كي يطور من قدرته وكفاءته؟
– ان يقرأ كثيرا في اللغتين او اكثر .. وان يقارن ترجمات لا حصر لها بين الاصول والمترجمات وان يدرك المعاني الخفية والمستورة وراء استخدام الالفاظ وان يضطلع بالمصطلحات ، فمشكلة مترجمينا العرب في ترجمة المصطلحات .. عليه ان يطّلع ايضا على ترجمات ثقافات اخرى اي ما يترجم من لغات اخرى الى اللغة التي يترجم منها ليستوعب المزيد من المهنية ..
– هل أنت راض عن واقع المترجمين واللغويين العرب؟ ولماذا؟
– لا لست راض ابدا .. لا على المترجمين ولا على اللغويين والفرق كبير بين الاثنين ، ان المترجم لابد ان يكون حلقة وصل حقيقية بين نصّين اثنين ، ولابد ان يتفوق المترجم على اللغوي ، فالاخير له مهمة من نوع آخر .. وهو كسيح لم يتفوق بأي مشروعات للخروج من ارث المقعّرات والمواعظ ولم نقرأ الى حد اليوم حتى ولو نظرية واحدة عربية في اللغة العربية يمكنها ان تخدم مشروع اللغة العربية الحضاري .. ناهيكم عن ان المختصين العرب في فقة اللغات الاخرى وخصوصا الانكليزية والفرنسية لم نشهد عنهم اي تلاقح مع رجال اللغة العربية .. ولم يعمل كل من الاثنين على تقديم معرفة لغوية من نوع ما الى المترجم .. فنحن في عالم غير معرفي ابدا وفي واقع لغوي بائس !
– ما رؤيتك لواقع المترجمين العرب وكيف النهوض بهم علمياً ومهنياً؟
– هناك مترجمين عرب لامعين ولكنهم لم يجدوا لهم فرصهم في الحياة العربية المعاصرة لممارسة خبراتهم الممتازة ، وهناك على النقيض منهم مترجمون عرب يسيئون جدا للثقافة العربية بشكل لا يصدّق ولا يستطيع ان يلتقط اساءاتهم الا من له خبرة في الشأن الثقافي ومنهم من يمتهن لدى مؤسسات محددة تبّث منشورات لا تستقيم والحياة العربية ، وخصوصا من الناحية السياسية ، وهناك مترجمين عرب يعكسون تكوينهم ومعتقداتهم وايديولوجياتهم السياسية على النصوص المترجمة فيفسدونها عن عمد .. لابد من تقويم وتقييم محايد لما يترجم قبل النشر .. لابد من مراقبة ما ينشر من تزويرات عند بعض المترجمين . على وزارات الثقافة والاعلام ودور النشر ان تعتني بهذه المشكلات الخفية والمسكوت عنها ..
– ما رأيك في قيام الجمعية بإنشاء دار جمع للنشر والتوزيع؟
– مؤيد لهذا المشروع تأييدا كاملا
– ما رأيك في شروع الجمعية في الإعداد لكتابين مرجعيين في الترجمة؟
– موافق جدا شريطة تضمينهما وسائل وآليات واسس ومبادىء قيمية في امانة نقل النصوص وموضوعية ترجمتها واساليب فن الترجمة ووسائل التطبيق .
– هل تعتقد أن الجمعية أحدثت حراكاً في المشهد الثقافي العربي؟
– نعم ، بحيث تستقطب يوما بعد آخر المزيد من المهتمين والراغبين في معرفة ما ستؤديه لحياتنا العربية مستقبلا . وهي على عكس منظمة اخرى للترجمة تأسست في بيروت منذ سبع سنوات ، ولكنها لم تقدّم شيئا ذي بال الى ثقافتنا العربية مع الاسف .
– كيف ترى مستقبل الجمعية الدولية للمترجمين العرب؟
– متفاءل جدا بها وباهتماماتها في اهم ما تحتاجه مجتمعاتنا الا وهو الوعي باهمية الترجمة في حياتنا العقلية والانفتاح على الثقافات العالمية ، وهذا من اسس اي نهضة او اي مشروع حضاري للعرب .
– ما رأيك بحدث تكريم الجمعية للعلماء والمبدعين والمفكرين الذي قامت به في الأول من يناير 2005؟
– رائع جدا ، بحيث يشعر هؤلاء كلهم بأن هناك من يمنحهم المعاني الحقيقية التي ينتظرونها قبل اي شيىء آخر .. وهذا ما غفلت عنه العديد من الدول العربية .
– تمر الحضارات وثقافات الأمم والشعوب بأزمة حقيقية في ظل العولمة حسبما يرى البعض، فما هو السبيل إلى صون خصوصية الأمة العربية بالذات في خضم العولمة؟ وهل ترى للأمة العربية خصوصية ما؟
– اعترض بشدة على هذا السؤال مع احترامي لكم ، فالامة العربية مكشوفة في كل اصقاعها ولم تعد تسيطر حتى على دواخلها .. ونحن نتحدث عن خصوصيات ؟ ارجو ان اطمئنك بأن خصوصياتنا ستبقى عربية كما بقيت على امتداد التاريخ ، ولكنها ستغنى بالمزيد من الوان واطياف الثقافات الاخرى .. لم تعد اي خصوصيات تحافظ على نفسها في اي مجتمع من مجتمعات البشرية .. فنحن لم نشهد بعد تأثير ثورة الاتصالات وثورة الانترنيت وثورة الستالايت على خصويات الشعوب .. فعمر هذه الثورات لا يتجاوز عشر سنوات ، ولكن اعتقد ان المستقبل سيشهد نشوء اجيال جديدة تتشابك عندها الثقافات ، وسيشهد العالم كله ثورة في المعرفة وهنا سنحتاج الى الترجمة وسيتعزز موقع الجمعية الدولية مستقبلا لأنها ستكون بمثابة صمام امان لما يمكن ان يرسخ من تبادلات من الثقافات . وعليه ، فالعولمة تحصيل حاصل في كل مرافق الحياة في المستقبل وستغدو ظاهرة للقرن الواحد والعشرين .
– ما رأيك في إصدار مجلة واتــا للترجمة واللغات؟
– مشروع حيوي رائع تحتاجه حياتنا الثقافية العربية المعاصرة .
– ما هو الدور الذي يمكن أن يضطلع به مجلس خبراء الجميعة الدولية في نظرك؟
– الاضطلاع بالظواهر الاساسية التي تحتاجها الحياة العربية المعاصرة والمستقبلية بدل اية انشغالات بأمور جزئية لا تمت بصلة للموضوع ، فموضوع جمعيتنا له شراكته بين العربيةو واللغات الاخرى .. وعليه فان العالم اليوم تشغله ظواهر كبرى على الجمعية ومجلس خبرائها الموقر ان ينشغل بها كي يستطيع ان يقدم خدمات حيوية للحياة العربية .
– هل ترجمة القرآن الكريم ممكنة؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فهل للترجمة ضرر على اللغة العربية وعلى العرب والمسلمين؟ وإذا كان هناك ضرر، فما دور المختصين في مجالات اللغات الأجنبية والترجمة في التقليل من الضرر؟ وهل هناك حاجة لترجمات جديدة للقرآن الكريم؟ وكيف تقييم ترجمات القرآن الموجودة؟
– منذ الف سنة وترجمات عديدة تظهر للقرآن الكريم ، وقد كان احد اصدقائي القدماء في بريطانيا قد نال شهادة الدكتوراه في دراسته عن ترجمات القرآن الكريم الاساسية في اللغة الانكليزية .. هناك ترجمات الى الفرنسية ولغات أخرى .. لقد نال القرآن الكريم من جهود العشرات بل المئات من العلماء والمترجمين والمستشرقين .. ولكنني لا أؤمن بأي ترجمة للقرآن الكريم ، فالترجمة تفقده جملة هائلة من المعاني التي لا يمكن ان نحس بها الا بالعربية .. وما يتداوله الناس في ارجاء هذا العالم من ترجمات هي كافية .
– ماذا تنصح المترجمين الشباب؟
– انصحهم بالدقة والحيادية والموضوعية والابقاء على روح النص والمعنى مهما اختلف ذلك عن معتقدات المترجم وافكاره .. اوصي بالمصطلحات وعدم الاستخفاف بها .. اوصيهم ان لا يكونوا مجرد ادوات بايدي من يعملون عندهم في تشويه ليس الثقافة الاجنبية بل الثقافة العربية .. عليهم ان يقرأوا سير من سبقهم من المترجمين العرب الرائعين وكيف ترجمت العديد من الاعمال الاجنبية الادبية الرائعة .. اوصيهم بالامانة وايفاء النصوص الاصلية حقوقها لا بتر ما لا يريدون نشره .. اوصيهم باختيار ما لهم القدرة على ترجمته .. اوصيهم باعداد انفسهم عربيا من خلال تدريبات على الكتابة العربية انشاء واملاء ونحوا واسلوبا جاذبا ووضع الكلمة المرادفة في مكانها المناسب ..
– هل من كلمة أخيرة توجهها (للمترجمين/ الأساتذة/ كليات الترجمة/ الجامعات/ أهل الحل والعقد/ الخ (سمِّ من تشاء)
– لابد لي من كلمة أوجهها الى كل المعنيين العرب في اعلاه بأن لا مجال لأي نهضة او اي مشروع حضاري عربي ان لم ينغرس وعي جديد في الحياة العربية من خلال اعادة التفكير بالاساليب التقليدية والمنهكة والمشلولة التي تسود اليوم في كل المؤسسات والمجامع والجامعات والمنظمات والمراكز البحثية ولدى كل المؤلفين والمترجمين .. ولدى كل اهل الحل والعقد .. ان ما يسود اليوم من اساليب تفكير وتراكيب ذهنية وتناقضات لا حصر لها .. ومخادعة العالم بمشروعات وهمية من دون اي مشاركة فاعلة في عالم اليوم سيأكل ما تبّقى من نزوعات فكرية وعقلانية متبقّية عند بعض المحدثين والمستنيرين العرب .. واهم ما يمكنني تسجيله ايضا هو محاربة المحدثين والمستنيرين والاذكياء واللامعين والمبدعين العرب حربا لا هوادة فيها على حساب طغيان الجهلاء والبلهاء والمتكلسين الذين لا علاقة لهم بالتفكير العلمي ولا صلة لهم بمجريات العصر ! ان ان لم يتغّير الوضع في جملة متغيرات الحياة العربية من النظر الى الخلف والماضي الى النظر نحو الامام وبافق واسع ووضع الانسان المناسب في المكان المناسب ، فلن تحدث اي نهضة ولا يحدث اي تطور . لقد بات العلماء العرب من المستنيرين واصحاب العقل واصحاب المشاركات العالمية يحاربون باسوأ الاساليب ويتم اقصاؤهم على حساب سيادة التقليديين .. فهل سيعي اهل الحل والعقد ما اقول ؟ اتمنى حدوث ذلك في قابل .
جزيل الشكر على جهودكم
– اشكركم على هذه الفرصة الثمينة التي وفرتموها لي من اجل الاطلالة على القراء والمهتمين والمترجمين العرب .. متمنيا لكم وللجمعية الدولية كل النجاح والتوفيق في مهامها الرائعة في تطوير حياتنا العربية ، وخصوصا عنايتها بأهم وسيلة نهضوية وحضارية من اجل اثراء مشروعنا مستقبلا .. متمنيا ان تتواصل لاثراء التفكير العربي المعاصر وتجاربه في المستقبل .

الجمعية الدولية للمترجمين العرب
http://www.arabicwata.org





شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …