الرئيسية / حوارات / (الديمقراطية) في مجتمعاتنا …… !! (الحلقة الثانية) جادة نقاش بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب

(الديمقراطية) في مجتمعاتنا …… !! (الحلقة الثانية) جادة نقاش بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب

“هل المشكلة في حكامنا ام في مجتمعاتنا ؟
ان غالبية شعوبنا الشرق اوسطية والشمالي افريقية لم تعش حتى يومنا هذا اي مرحلة من العصر الحديث ولا ظواهره الممتدة من الاستكشافات الجغرافية الى الاصلاحية الدينية الى الثورة التجارية ( الماركنتالية ) الى حركات التنوير الى الثورة التكنولوجية الى العولمة وثورة المعلومات .. كما انها لم تسع ابدا ما يمكّنها من ولوج العصر .. فلو انها كانت كذلك لحققت القفزة المرجوة ، سواء برضى الحكام ام بعدم رضاهم . المشكلة ليست في الحكام فقط كونهم يمنحون الديمقراطية او لا يمنحونها ، بل ان المشكلة تكمن في المجتمعات نفسها التي لم تعش حتى يومنا فلسفة الحداثة ولا الثورة الانتاجية ولا مشاركة العولمة ولا اي ظاهرة من التي نتفلسف بها في وسائل اعلامنا الكثيفة .. ربما كانت شعوب العالم في اغلبيتها لا تصل الى مدارج الثقافة العليا من اجل ان تقتنع بظواهر الحداثة ، ولكن ثمة نخبا وفئات اجتماعية هي التي تضطلع بقيادة التطوير ..
ان الحياة الديمقراطية لا كما يصفها حكامنا ومثقفونا انها مجرد عملية سياسية وصناديق اقتراع يطلقون عليها بـ ( اجراءات دمقرطة الحياة السياسية في حياة المجتمع اليومية ) ، بل هي نظام حياة وتربية واسلوب تفكير وتعامل لا يمكن ان يؤسس الا بوسائل تربوية تؤهلها النخب المثقفة لا ان تشّرع بقوانين وتعليمات من اية سلطات .. انها اعراف وتقاليد في كل مرافق الحياة وكل مفاصل المجتمع .. وعليه ، فان تلك ” النخب ” ينبغي ان تكون في حل من اية سلطات ، وبعكسه ، فان اي حياة متمدنة لا يمكن ان تجدها مجتمعاتنا ان بقي المثقف في رعاية السلطة او بقي السياسي في قعر حزب طائفي وبقي المفكر مقيدا بالاغلال ! ان الديمقراطية لا تترك الامور على عواهنها ، بل هي نظام فكري واجتماعي قبل ان تكون مرتبطة بنظام سياسي ، ولكن مع وجود القانون والحياة الدستورية .. ففي ظل الديمقراطية اي نوع من السلطة يخلق ؟.. واي نوع من الرقابة يفرض ؟؟ .. واي نوع من الهيمنة يكون ؟ .. وفي السياسة اي نوع من الاجندة تؤسس ؟
كنت اتمنى ان تكون تجاربنا المريرة في القرن العشرين كافية جدا كي تعلمنا الطريق نحو المستقبل وبناء حياتنا الجديدة في القرن الواحد والعشرين .. ولكن هذا لم يحدث الى حد الان ، وسوف لن يحدث بسبب مكابدة مجتمعاتنا من امراض اخطر بكثير من التي عانينا منها في القرن العشرين ، فاذا كانت الايديولوجيات في الماضي سياسية قومية شوفينية وتعصبية طبقية وبدائل بروليتارية ، فان ايديولوجيات اليوم طائفية وطفيلية وماضوية .. واذا كان المثقف السلطوي يرتبط بالسلطة السياسية في الماضي ويشهر ذلك على الملأ ، فان المثقف السلطوي اليوم يرتبط بأي سلطة اجتماعية تفرض اجندتها على الحياة بكل سطوة ، وخصوصا من يستخدم الدين والطائفة والمذهب .. رموزا له ، فهو هنا يتخندق ويكبل نفسه ويفتقد حريته ويصبح مجردا من قيمته الثقافية ..

المفارقات المفصلية
انني لا اجد فروقا مفصلية بين مجتمعاتنا العربية كما اجدها فروقا مفصلية بين مجتمعات ايرانية وتركية وافغانية وباكستانية .. الخ بل ربما اجد مقاربات اجتماعية بين الاغلبيات العربية والاقليات التركمانية والارمنية والكردية والسريانية ـ مثلا ـ في مجتمعاتنا اكثر من تلك التي اجدها بين مجتمعاتنا في المشرق ومجتمعاتنا في المغرب .. وخوفا ان لا يتشعب الحديث الى ثنائية المشرق والمغرب كتلك التي ناقشناها مع بعض المفكرين المغاربة قبل اكثر من عشرين سنة من اليوم .. فان المقاربات بين الامازيغ والعرب في العادات هناك هي اكبر من تلك التي نجدها بين اصحاب المشرق والمغرب .. وعليه ، فان كانت البيئات المغاربية قد تأثرت ببعض اللوائح والعادات الفرنسية ، فليس معنى ذلك انها ” دول شمال افريقيا نماذج حية في كل لحظة على مثل تلك العطايا ” !! ان البلاد المغاربية برغم كل اشكال المعاصرة وشكلياتها التي لم تصل الى اعماق الحياة تتميز كل بشخصيته التاريخية التي لم نألفها نحن في مجتمعاتنا ( المشرقية ) .. ان الشخصية البايوية التونسية هي غير الشخصية الدايوية الجزائرية وهي بالضرورة غير الشخصية السعدية والعلوية المغربية وحتى ليبيا ، فان من يخلع الجلد سيجد شخصية سنوسية لم تزل مختبئة وهي متربصة نحو الخروج متى ما اتيحت الفرصة التاريخية لها ..

ما نفع الثورة العولمية الحديثة ازاء التفكير السائد في مجتمعاتنا ؟
انني لا اعتقد ابدا بأن منجزات العصر الحديث بكل جوانبها وابعادها ، وخاصة ثورة الاتصالات والمعلومات ستوفر فرصة او امكانية طيبة للتعجيل بعملية الانتقال من الحالة القديمة والبالية الى الحالة الجديدة والحديثة .. فلقد انتبهت مجتمعاتنا الى المنجزات الحديثة طوال القرن العشرين ، ولم تلتفت لتفكر قليلا في تطور الحياة ، ولم تفّكر ابدا باسرار المكتشفات المذهلة .. واليوم ، كما نرى غدت ثورة الاتصالات والمعلومات في مجتمعاتنا مستخدمة كلها لاغراض لا تمت للبناء الحضاري في شيئ من الاشياء ، بل وتستخدم بعض هذه المنجزات في اشغال التفكير بما هو غير منتج وقتل الزمن واضاعة الامكانات وهدر الاموال .. بل ووصل الامر الى ان تكون التكنولوجيا الحديثة وسيلة بارعة في عمليات الارهاب وعمليات غسيل الاموال وعمليات التفجير واستخدام ارقى انواع الاسلحة !! ان التحول صوب الجديد واختزال الزمن من عدة قرون الى عدة عقود سوف زمنية لن يحصل بمجرد توفير مستلزمات مادية او ان بعض دولنا بترولية .. اننا بحاجة الى انسان جديد يفكر تفكير جديد ويمتلك وعي جديد وله منطق من نوع جديد وله رؤية فلسفية نافعة وواقعية للحياة والزمن والمجتمع على نحو جديد .. ان توفير مستلزمات مادية قد حصل ويحصل ، ولكن ما نفعها ازاء مجتمعات متخلفة جدا وعاجزة جدا ، ليس بسبب جماهيرها الهائجة ، بل بسبب نخبها التي تشكل ارتالا تصنع التخلف !

تداعيات الصحوة الدينية
هذا هو الجواب الحقيقي المستديم لبقاء الحالة المرهقة التي تعيش فيها شعوب المنطقة ليس في المرحلة الراهنة حسب ، بل في مراحل قادمة ايضا لثلاثين سنة قادمة قدرت قفلتها في العام 2039.. ولماذا اعتبرتها ردة حضارية على كل ما تحقق في الفترة القصيرة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية 1949 – 1979 .. ؟؟ فالكل يذكر ” المصطلح ” الذي اشيع بعد العام 1979 ، اي بعد الثورة الدينية في ايران ؟ لقد اشاع الكتّاب العرب خصوصا مصطلح ” الصحوة الدينية ” الذي كنت قد انتقدته نقدا مريرا منذ ذلك الوقت ( الثمانينيات ) حتى الان ! فالصحوة الدينية التي تبنّت اكثر من مشروع سياسي ضمن ما اسمي بمنهاج الاسلام السياسي من دون اي برنامج تنموي ولا اي مشروع حضاري هي التي كانت وراء الردة الحضارية 1979- 2009 .. وهي التي اشعلت المنطقة بالصراعات الدينية وهي التي اججت روح الطائفية وهي التي نقلت المجتمع من سيرورته نحو الامام برغم كل الافات والكوارث والنكبات والاستبداد والدكتاتوريات التي انتجتها الزعانمات الفردية والاحزاب الاحادية والايديولوجيات الماركة الى تراجعات مهولة نحو الوراء او بالاحرى الى ما وراء الوراء ! بل والاغرب من ذلك ان كل التجارب السياسية والايديولوجية القومية والراديكالية السابقة كانت تتبجح بالتعابير الرنانة ، ولكنها لم تطبقها او تحاول ان تمارس ادوارها من خلالها لثلاثين سنة ما بعد الحرب الثانية .. في حين ان تجارب اليوم السياسية من دينية وطائفية وماضوية تستعير الاساليب الغربية في الديمقراطية والانتخابات لتشرك نفسها فيها مضللة الرأي العام انها قوى ديمقراطية فعلا لمرحلة جيل ما بعد الثورة الدينية عام 1979 .. وهذا ليس بصحيح ابدا ، اي لم تكن هذه التجارب البائسة باسم الديمقراطية لها اي قدر من الشرعية ابدا ما دامت تنتج برعاية احزاب وقوى دينية . وعليه ، لا يمكن ان ننتظر الديمقراطية من احزاب وقوى اسلامية او طائفية !

حاجتنا للمنهج النقدي اولا في عملية التحولات
اعتقد ان هناك المهم في عملية البحث في عدد كبير من المسائل المهمة التي تعيق دخول مجتمعاتنا للمدنية والحداثة والديمقراطية .. وهناك الاهم في عرض السبب المركزي ( او اكثر من سبب حسبما يراه اكثر من باحث ومفكر ) .. ان من يريد التعمّق في فحوى تفكير اي مفكر يعالج مثل هذه القضايا الشائكة عليه ان يدرك بادئ ذي بدء طبيعة تاريخ الانسان وجغرافية المنطقة .. وان المهم الذي يعرض من المسائل يقوم منهجه على التشخيص ، اي تشخيص المعوقات وتحليل التناقضات وليس كونها عملية انتاج واعادة انتاج تلك المظاهر السلبية .. ومن يتأمل في مجمل ما يطرحه بعض المفكرين سيكون اشمل بكثير من ذاك الذي يتعّرض له بعض الباحثين .. فالفرق كبير بين ما يطلقه اي مفكر تكونت لديه حصيلة من المعلومات تؤهله للسيطرة على الموضوع الذي يعالجه من كل الجوانب وتغطيته لكل الدوائر .. ولكن اي باحث سيبقى يدور في دائرة معينة فيعلمها علم اليقين ، ولكن ليس له القدرة على معرفة ما يدور في الدائرة المغلقة الاخرى . وهذا ما اشار اليه المؤرخ الفيلسوف بروديل في مقدمته الرائعة لكتاب البحر المتوسط .. وهنا ينتقل بالضرورة الى جملة كبيرة من كتّاب ومفكرين في القرن العشرين عندما استسلموا لنظرية واحدة بقيت تلازمهم طوال حياتهم وتشغل تفكيرهم من دون ان يستخدموا اية نظريات اخرى .. ففات عليهم استيعاب شمولية الظاهرة كلها .. انني ارى ان هناك جملة هائلة من الاسباب والمسببات التي تقف حائلا وعائقا امام التحول الديمقراطي في منطقتنا كلها والعالم الاسلامي برمته .. ولكنني كنت قد ركّزت تماما في العديد من دراساتي وكتبي على اشكاليات الوعي وزحمة التناقضات .. وكنت ولم ازل اطالب بمناهج تربوية جديدة تنسف كل التفكير السائد منذ مئة سنة .. ( راجع كتابي : التحولات العربية : اشكاليات الوعي وتحليل التناقضات وخطاب المستقبل ، 1997 ) .

www.sayyaraljamil.com

الصباح الجديد ، 22 اكتوبر 2007


(الديمقراطية) في مجتمعاتنا …… !! (الحلقة الأولى) جادة نقاش بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب

شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …