الرئيسية / حوارات / حوار مع المؤرخ والمفكر العراقي الدكتور سّيار الجميل

حوار مع المؤرخ والمفكر العراقي الدكتور سّيار الجميل

الجميل لـ «المجلة»: الاحتلال الأمريكي للعراق كشف الغطاء عن واقـع مؤلم وترك الأمور للتعبير الفوضوي
ويصّرح الجميل بأنه ” قادم لدفن بقايا هيكل ” ، ويقول لـ ” المجلة ” عن محمد حسنين هيكل : ” أنني أعلمه بأنني قادم إليه وسافاجئه بتجربة ثانية معه، فليستعد لها وسوف لن يكون سعيدا بها مطلقا

نشر في المجلة : مجلة العرب الدولية 27 سبتمبر 2007
اجرى الحوار في عمّان / الاردن : مهند مبيضين


يردد المؤرخ العراقي سيار الجميل مقولة قديمة مفادها:” إذا عطس العراق أصيبت المنطقة بالزكام” والجميل الذي يقيم حاليا في كندا استاذا لدراسات الشرق الاوسط ، يرى أن إيران كانت الرابح الأكبر في سلسلة الحروب المستمرة والتي كان العراق طرفا فيها. ويعتقد الجميل أن على المنطقة الانتظار مدة تزيد على الست سنوات لتتعافى من كارثة احتلال العراق عام 2003. كما أن المجتمع العراقي بات يعاني انقسامات اجتماعية أثقلته وزادت في مصيبته.
الجميل مؤرخ، لكنه لا يقرأ مصير العراق وحاضره بنظرة تاريخية مثقلة بالاستدعاء التاريخي، بل هو يشخص المشكلة العراقية ويعاين أسباب الخلل، ويرصد الأخطاء التي أفرزت عقليات وذهنيات آمنت كل مرة بأن الانتصار سيتحقق وفي النهاية لم يتحقق شيء.
يرى الجميل أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي غير قادر على تحقيق أي إنجاز، ويرى أن المقاومة مطالبة بالإعلان عن نفسها وعن تمويلها وعن براءتها من دم العراقيين، أما جامعة الدول العربية فتحركها كان متأخرا في حين أن منظمة المؤتمر الإسلامي ظلت تمارس الحذر، هذا إلى جانب اختراق الدولة بنفوذ إيراني واسع.
المجلة التقت الاستاذ الدكتور سيار الجميل في عمّان على هامش مشاركته في إعلان تأسيس المجلس الأعلى للثقافة العراقية في عمان.

* كيف تقيمون مستقبل العملية السياسية في العراق؟
– المستقبل العراقي هو في بداية النفق المظلم وسيجر إليه كامل المنطقة، مع عدم فقدان الأمل. كنا نحلم أن يكون هناك عراق حضاري يساهم في تغيير الفعل والواقع بأيد وطنية عراقية نزيهة، لكن خاب الرجاء؛ لأن قوى الاحتلال أسهمت في تدمير بنى الدولة بالتعاون مع جماعات متنوعة وكل جماعة لها أجندة خاصة بها، وهذه أساءت لوطنها أولاً ولنفسها ثانياً وللمستقبل ثالثاً.
أرى المستقبل ليس بعين الماضي، لكن بعين الرؤيا لهذا الواقع الذي ازداد حطاماًً ولم ينتقل إلى حد الآن بأي خطة وطنية يمكنها أن تسأل وأن تبحث عن أجوبة، ولم تتقدم خطة تتحدى الراهن او تستجيب للتحديات. هناك تحديات صعبة واجهتنا منذ عشرين سنة نهاية حرب إيران والعراق، ولم نستطع أن نفهمها وأن نستدرك خطاياها وصولاً إلى عام 2003م أي أننا بين انسحاق القومية ووصولاً إلى الفجيعة لم نتقدم خطوة.
من هنا أرى أننا دخلنا في نصف النفق وكان بإمكاننا أن نتحاشى دخول النصف الثاني والتاريخ يفهمنا أن هناك نقاطاً فاصلة لو كان هناك “شوية حكمة” على الأقل. الحالة العراقية لا تسحق بهذا الشكل، إذ سيطر الأجانب على مصير العراقيين، والعراقيون المتنفعون من الاحتلال لأنهم ما كانوا يعلنون بما يبطنون نتيجة خوف أو رعب خطابهم.
* البعض يرى أن مشكلة الحالة العراقية في ظلها الكبير الذي أضفته على المنطقة. كيف تفسر ذلك؟
– حدث وهم في الخطاب العربي في 1990 وفي 2003 وكان مفاد الوهم أننا سننتصر. وهذا الانتصار الوهمي لم يقدر الناس أبعاده ولم يقدر العرب فداحته، كما أنهم لم يقدروا خطأ 1967 وبعده تكرس هذا الخطاب حتى اليوم. وبعد كارثة 2003 بدأ الناس يتساءلون أين الانتصار في العراق، وأين دور العراق على مدى خمسين سنة؟ فقد كنا نعتمد عليه كقوة واليوم هو لا شيء.

* أين مسؤولية النخبة العراقية؟ فالعراق دولة فيها الكثير من الكفاءات والقيادات، حتى لو ذهب صدام حسين ألم يكن المجتمع قادرا على النهوض، وعلى من تقع مسؤولية الفشل؟
– السؤال عن المسؤولية وعلى من تقع, على النظام أم الشعب؟ أعتقد أن القوى المدنية العراقية جزء من الجواب، ففي محاضرة قدمتها في سبتمبر 2005 في لندن وكان عنوانها “بنية المجتمع العراقي: محاولة في تفكيك التناقضات ” أوضحت فيها مسؤولية المجتمع في الأزمة، فعلى مدى ثمانين سنة من تكوين الدولة، كان المجتمع يجهل نفسه وكان الآخر يجهل العراق وكانت هناك سياسة الإقفال والإسكات وكان هناك تهميش وإقصاء وكان هناك صامتون وكان هناك مثقفو سلطة وكانت هناك هشاشة في التنظير وندرة في فهم ماهية المجتمع العراقي كونه معقداً جداً، كان هناك فقدان للوطنية ومبادئها خصوصاً آخر خمسين سنة وكان هناك استبداد كي يحل البطل محل الوطن، وكان هناك عدم إدراك متبادل بعين العراقيين والعرب حول طبيعة المجتمع العراقي، وكان هناك عدم إفصاح للتاريخ الحقيقي للعراق وكان هناك انتقال للمجتمع من مأزق إلى آخر، كان هناك تاريخ دولة ولم تكن هناك كتابة لتاريخ مشترك بين الدولة والمجتمع .
* وبذلك جاءت كارثة 2003 لتكشف ظهر العراق، وتكشف ضعف المجتمع؟
– بعد 2003 رفعت الأغطية وانتهى الصمت، وبدأ التعبير بطريقة فوضوية واستغلت المبادئ الجديدة واستغل الفكر السياسي الحديث وكانت فجيعة العراقيين وخربت الذاكرة التاريخية وسحقت المأثورات القديمة. أما مفهوم الوطنية المبهم فقد انتهى في حالة فراغ سياسي وفكري وأخلاقي وهو في أزمة، وأعتقد كما يعتقد الآخرون أنها أزمة ذات منهجية وخطط لها كي تحدث. وأنت تعلم كم سرقت لوحات وآثار ومنجزات لهذا المجتمع الذي فقد هويته وانتماءه الوطني المبهم.
* دعني أقاطعك وأسأل عن البديل الذي بحث عنه العراقيون بعد انتهاء حلم التحرير والدخول في كابوس الاحتلال؟
– بحث العراقيون عن تشظيات في ظل الفراغ الذي تشكل ومن أجل الحماية ومن أجل تعزيز الطائفة ومن أجل التثبيت بجنس أو عرق أو عشيرة أو مدينة أو مشيخة أو مرجعية. ونتيجة لعدم التوازن في ظل سياسة مختلفة وفي ظل فوضى إعلامية تشهر لهذا ضد هذا وذاك ضد ذاك وهؤلاء ضد هؤلاء، انتقل الانقسام السياسي إلى ما يشبه الانقسام الاجتماعي، واستغلت الأحزاب السياسية الجديدة. هذه نتائج مريرة وهي تخلق الصراع داخل المجتمع وتجري بمباركة أميركية والمجتمع ليس مسؤولاً عما يحدث لكنه وجد نفسه محشوراً في الجحيم.
* ما دور القيادة السياسية الحالية في العراق وما مدى قدرتها على الاستمرار؟
– القيادات السياسية الجديدة لم تكن لها خبرة سياسية أو قيادية أو حكمة مشتركة أو اعتراف بخطأ، لا توجد قيادة للأزمات أو صناعة القرار… إلخ، هي قيادة لم يكن لها هذا كله. فضلاً عن هذا أنها لم تكن تملك القدرة للوقوف إزاء الأميركان للمشاركة في صنع القرار لأنها بدأت العملية السياسية على قاعدة غير موجودة.
* كم ينتظر العراق والمنطقة على المشهد العراقي؟
– أعتقد أنه كان علينا الانتظار على الأقل 4-5 سنوات بعد 2003 للمرور بفترة نقاهة قبل الدخول في العملية السياسية لمعالجة الوضع القوي لإعادة المؤسسات وبخاصة الجيش لسابق قوته، إلى ضبط المجتمع وتفريغه من السلاح .. إلى التعامل مع المحتل وفق أجندة زمنية مجدولة والعمل على تشكيل مجتمع مدني وأخيراً الوصول إلى عقد مؤتمر وطني يعزز قيادة وطنية تبدل صيغ الأحزاب القديمة المعارضة وتغير الشعارات الانقسامية ومن ثم تحاول أن تجد صيغة مع الأمم المتحدة أو آلية محددة لمعرفة ماذا يريد الأميركان. كما نأمل أن يُفصح الأميركان عن المخطط الذي دفعهم للشرق الأوسط.
* ماذا عن إيران؟
– منذ أربع سنوات وإلى الآن لا بل أستطيع القول منذ عام 1991 لا يعرف ماذا يريد الخارج منا، وأتحدى أي عراقي وأي عربي وأي شخص من الإقليم أن يعطيني جواباً يقنعني عن ماذا يريده الخارج منا ربما سنعرف ذلك بعد 50 سنة. لقد ساهمت المخاطر الخارجية في بلورة ما وصل إليه العراق مع عدم نسيان عوامل الداخل عندنا في الموضوع العراقي وإن تجاوزنا أحداث 1991، فعندنا 2003 وهي مفصل تاريخي خطير جداً ليس في حياة العراق بل المنطقة، أعتقد أنها كانت قفلة تاريخية لكل أحداث القرن العشرين والبدء بمرحلة جديدة لكنها مخاض صعب.
فيما يخص الدور الإيراني فالمشكلة هي أن هناك بلورة لأزمات موجودة كونت مربع أزمات الشرق الأوسط وفي قلب هذه الأزمات يمثل العراق بكل مشاكله وبين زوايا- المربع- عملت قوى على التصادم ضد هذا القلب وهي:
أولا: مشكلة إيران مع العراق وهي مشكلة إقليمية.
ثانيا: مشكلة الكويت مع العراق وهي حدودية عربية.
ثالثاً: إسرائيل والعراق إقليمية دولية.
رابعاً: مشكلة العراق مع كل الأطراف وهي أخطر هذه المشكلات.
اما المشكلة مع إيران فهي كبرى المشكلات. لماذا؟ لأنها تمتد إلى تاريخ طويل جداً، وهي تعود إلى خمسة قرون وهي أكثر ثقلا من مشكلات العراق وفيها مشكلات خفية، ومشكلة مياه وأزمة مرجعية دينية وهناك مشكلات اقتصادية ومشكلات تاريخية وبطبيعة الحال هذه المشكلات خلقت تدخلات دولية فانتقل الصراع إزاء العراق من أزمة إقليمية إلى دولية من خلال معبر حدودي وهذا تجسد بالأزمة مع الكويت وحربها بمعنى أن ما بين الإقليمي والحدودي مشكلة عربية وهناك المشكلات إزاء المشاكل التي عاش بها العراق سواء في الثمانينيات إزاء إيران وهذه جرت بتحالفات عربية مع العراق ثم انتقل العراق إلى مشكلته مع الكويت ثم مع أميركا وحتى اليوم.
وهناك خطأ حصل في ظل المشكلة العراقية الكويتية عندما وثق العراق بحسن نية بعدوته التي حاربها ثماني سنوات لكي يؤمن طائراته على أراضيها وعددها 550 طائرة وفي غضون ستة أشهر ضرب العراق دولياً وهزم. وكانت المحصلة تدمير العراق، لكن من الذي ربح المعركة من طرفين؟ الجواب لم يربحها لا العراق ولا العرب. أنا عندي أن الرابح الأول هو إيران و ثانياً أميركا.
* كيف ترى الدور الإيراني اليوم في العراق?
– جاءت 2003 لكي تقدم العراق من دون أي انتصار حربي أو سياسي لإيران والأخيرة عرفت كيف تلعب لأجل ذلك منذ عام 1991 حتى اليوم.
والآن مع الوجود الأميركي في العراق وشرق إيران في أفغانستان, إيران لا تشعر بأي تهديد وإنما تحركاتها مستمرة في كل مكان، ولكن ما هو حجم الدور الذي ساهمت به إيران في العراق؟ أرى أنه كبير وبالمقابل أعتقد أن إيران عرفت كيف تلعب بالسياسة، فإن العرب لم يعرفوا إجادة اللعب، أي لعبة سياسية مع الأميركان، والعكس نتائج عام 2003 أثرت سلباً على لبنان وفلسطين، وعززت الإرهاب وجعلت العراق ساحة للجميع ليلعب بها كل من يرغب بدور مستتر، في هذه الحالة أصبح العراق كالجمل الذي ما إن وقع حتى كثرت الحراب تقطيعا فيه. وإيران مستفيدة وتركيا وسوريا. والمأساة تعمقت مع حل الجيش وانقلاب الأمن وضياع النظام وتمزق الشرطة إلى ولاءات لغير الدولة، لا بل تجد شرطة ربما توجه من قبل إيران في الجنوب أو تجد مكاتب لمؤسسات أمنية إيرانية.
لقد اختلطت الأوراق العراقية وامتزجت القوى الخيرة مع الشريرة وضاع الأمر مع وجود جيش أميركي محتل عبرالعرب عن رفضهم وجوده في قمة الرياض أخيرا.
* ماذا عن المقاومة؟
– هناك من يقاوم الأميركان لكن هناك من يقتل العراقيين، وهناك اليوم جريمة من نوع آخر وهي أن يهاجر ملايين العراقيين للخلاص، وتقارير الأمم المتحدة تقول إن هناك مليوني عراقي في سوريا والأردن،وهناك ما يزيد على 100 ألف في مصر إضافة إلى ملايين سابقة هاجرت منذ 1991 أي أن الحصيلة هي خمسة ملايين نسمة من المهاجرين، لدينا شعب بكامله مشتت مع واقع مليء بالبؤس والسرقة والتفكيك وانهيار المجتمع.
* كيف تنظر للدور التركي؟
– أعتقد أن تركيا وضعت نفسها بعيداً عن الصراع الداخلي العراقي وهي الوحيدة في ذلك الموقف من دول الجوار، ربما لأن أمنها لا يتأثر بالفوضى العراقية كما هو حال جيران مثل الأردن والسعودية، باستثناء تحذيراتها من النشاطات الكردية في كردستان العراق وبخاصة قضية كركوك.

قادم لدفن بقايا هيكل
* من المعروف عن الدكتور سيار الجميل تصديه للنقد التاريخي واثارته للسجالات الفكرية، ومن ذلك كتابكم ” تفكيك هيكل ” ، فلماذا كان اختياركم لهيكل وكيف كانت التجربة النقدية له، وما مدى الثقة برواياته؟
– ثمة اسباب دفعتني للسجال ضد كتابات هيكل، ذلك:
اولا: أن الناس وفيهم بعض الباحثين العرب وطلبتنا في الدراسات العليا أخذوا يعتمدون على كتاباته ومعلوماته التي لا أساس لها من الصحة التاريخية، أردت أن أقرع جرسا للقراء العرب اليوم وللاجيال القادمة التي تهمني اكثر بكثير من اهتمامي بهيكل وكتاباته، إذ أخشى ان يؤخذ ما يكتبه حقائق مسلما بها وهذه فجيعة كبيرة!
ثانيا: أن اتهاماته للعديد من الزعماء بعد رحيلهم مباشرة هي تلفيقية وخطيرة من القصص والاكاذيب عنهم ولا أساس لها من الصحة. بعد أن يكون قد مدحهم وهم أحياء ومنهم: أنور السادات والملك حسين والملك سعود وأخوه الملك فيصل آل السعود والملك الحسن الثاني والملك ادريس وشاه ايران وغيرهم!!
ثالثا: كانت إحدى طالباتي في جامعة كيل بالمانيا وهي الدكتورة سمر ماضي، قد نبهتني منذ العام 1987 في ورقتها البحثية التي طلبت منها اعدادها عن اينشتاين والعرب، بأن لا صحة مطلقا للمقابلة التي ادّعى هيكل حدوثها بينه وبين اينشتاين بعد أن تحقّقت عن ذلك بطريقة بحثية مضنية في النمسا. من هنا تزعزعت ثقتي بهيكل وبدأت حفرياتنا عن مقابلات وهمية يدّعيها هيكل ولا اساس لها من الصحة ابدا. واكتشفت ان مشكلته هناك سايكلوجية بحتة، فهو يتوهم الاوهام حقائق ويتخّيل لقاءات غير حقيقية يكتب عن تفاصيلها بقدرة عجيبة، واذا كانت له ثمة زيارات لدول فهو يختلق دعوة الرئيس ميتران له على العشاء أو تزال الحواجز بينه وبين الملك خوان كارلوس في مكتبه. أو مع خروتشوف في حديقته والملك حسين في الفندق الذي يرتاده وغيرهم كثير وهو يصف نفسه ناصحا لهم، بهدف جعل نفسه في مصافهم كي يفوز بضيافة زعيم!
رابعا: انه يدّعي بأن ما يكتبه يعتمد اعتمادا اساسيا على الوثائق، وهذه كذبة خطيرة اخرى، فمن خلال خبرتنا في وثائق التاريخ الحديث والمعاصر ومعاينتنا لما اعتمده من وثائق نقول بأن الرجل كان قد احتفظ لنفسه باوراق خطيرة من خلال اشتراكه مع بعض الوفود – وكان عليه ان يسلّمها الى دار الوثائق المصرية، فليس من حق اي انسان الاحتفاظ بوثائق سياسية- وهو يصورها ليقول بأن عمله وثائقي، علما بأنه لا يشير الى اية ارقام ولا اية احترازات وثائقية، فكتاباته غير موثقّة ابدا بالشكل العلمي، او وجدناه مؤخرا على شاشة التلفزيون في قناة الجزيرة الفضائية ونتيجة نقدنا له وتفكيكنا لاوصال كتاباته يمسك ببعض الوثائق التي حضرها له بعض موظفيه في مكتبه ليقول للناس هاكم عملي الوثائقي. إن من يعمل في مكتبه يستل بعض البحوث الوثائقية ويترجمها له ليقول بأنها معلومات عن وثائق! ولا ادري هل اللعبة منه او ممن يخدعه!
خامسا: أنه تطفّل على ميدان التاريخ الحديث والمعاصر، وهو صحفي لا يعرف آليات المناهج التاريخية ولم يقرأ فلسفة التاريخ. وبالرغم من تصريحاته انه بصحفي لا بمؤرخ، ولكنه اقحم نفسه في ميدان هو بعيد عنه كل البعد، بل واطلق احكاما لا تاريخية على مراحل وعلى زعماء وعلى اوضاع لم يفهمها ابدا، كما وأساء الى مجتمعاتنا، فأساء الى العراقيين والاردنيين والسودانيين والسعوديين والكويتيين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة والاتراك والايرانيين. وقبلهم كلهم اساء الى المصريين انفسهم من دون اي شعور بالذنب ، ولم يكن ذلك بلائق أبدا.
كان عليه قبل ان يتكلم في التاريخ الحديث لمصر او للعرب او للشرق الاوسط برمته ان يكون قد اكمل الشهادة الثانوية، فهو بلا اي شهادة ثانوية، وايضا كان عليه ان يدرس التاريخ في واحد من اقسامه، ثم يكمل دراساته العليا كي يتأهل لكتابة التاريخ، والا فهو يعرض نفسه للتفكيك والتشريح .. اضافة الى ذلك، فهو يتجاهل ذكر اي مؤرخ مصري او عربي في كتاباته، ولن يمجّد الا بعض الكتاب من الغربيين، فلدية عقدة خواجة قاتلة، والاكثر من ذلك انه يجعلهم كلهم اصدقاؤه وقد اكل معهم الخبز والملح!!
* هل انت مستمر في نقدك لهيكل خاصة وانه ما زال يطل على الجمهور العربي بين حين وآخر؟
– هنا اود ان اعلمكم بأنني اعمل الان على كتاب ثاني في تفكيك هيكل عنوانه:”بقايا هيكل: محاولة ثانية في نقد اشكاليات محمد حسنين هيكل” وسابحث له عن ناشر صحفي في البداية كي ينسر على حلقات في أي جريدة او مجلة عربية رصينة، ثم ابحث له عن ناشر عربي قوي لادفعه الى ملايين القراء، والكتاب متمم للكتاب الاول ولكنه يتناول بالنقد التوثيقي كل الحلقات التلفزيونية التي اذاعها هيكل على شاشة قناة الجزيرة الفضائية منذ سنتين.
أما التجربة النقدية، فأنه لم يستطع ان يردّ علي ّ، واتحداه ان يرد بطريقة مباشرة لا ان يستخدم اسلوب التورية ليرد ردا تلفزيونيا وهو بشكل متخف لا يعلن للناس من يكون المقصود، وأنا اعرف من يعني! عليه ان يرد بنفسه على اساتذة جامعات وفي مقدمة منتقديه العلامة فؤاد زكريا ، لا أن يكلف فلان أو علان بالهجوم لقاء اثمان! أو يجري اتصالاته ببعض الصحف وان توقف نقد الناس له لقاء اتفاقات مبهمة! أنني أعلمه بأنني قادم إليه وسافاجئه بتجربة ثانية معه، فليستعد لها وسوف لن يكون سعيدا بها مطلقا، ولكن اتمنى عليه ان لا يحارب نقّاده باساليب ماكرة ومؤذية في عيشهم ورزقهم كما فعل طوال حياته مع اناس اخلصوا له وعلموه، فكان وراء ادخال بعضهم السجن، وأناس امتعض منهم فاقصاهم عن الاهرام واخبار اليوم. وأناس فككوا نصه ليجنّد من يلحق الاذى بهم.
* كيف تقيم حركة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي؟
– كتبت عن دور الجامعة العربية عدة مقالات منذ سنوات طوال وكنت قد طالبتها بمقال في جريدة النهار البيروتية عام 2002 بأن تلعب دوراً لأن العراق يسير نحو الهاوية ونبهتها عام 2001 وعام 2002 وكان هناك رد علي من قبل مستشارها الإعلامي. وهو رد لا معنى له وكأن الأمر لا يعنيه، وجاءت الحرب بعد سنة وكان هناك تحرك للجامعة مشوب بالحذر وعدم الثقة وعدم الجرأة.
وأعتقد أن مؤتمر المصالحة العراقية الذي رعته الجامعة كان مؤهلا للتقدم بالحالة العراقية. أما دور منظمة المؤتمر الإسلامي فهو متواضع والمنظمة تخاف أن تشوك يدها في الوضع المتفجر في العراق.
* بعد أكثر من عام على تسلم مهامه يبدو نوري المالكي من دون أي إنجاز ما رأيكم؟
– وجهت عدة رسائل للمالكي ولكني لا أحمله مسؤولية كل شيء، فالرجل لا يستطيع فعل شيء. وأثبتت التجارب أنه غير قادر على تنفيذ مشروع أو قرار أو قيادة دولة فكيف يقود مجتمعاً، لا أنتقده شخصياً لكن هناك سلسلة فشل معه ومع غيره، بدءاً من مجلس الحكم إلى الحكومة الانتقالية إلى الحكومة المنتخبة، وهناك فشل وراء فشل بمعنى أن الموجودين في السلطة غير قادرين على أن يعودوا بالعراق إلى عهد الأمان، وهذا ليس عيباً في العراقيين، لأنه في مثل هذا الوضع أي قيادات لا يمكنها أن تصنع انتصاراً في مثل هذه الظروف لأنها أصعب من مجابهتها، والأميركان لا يستحقون الدعم فهم لم يقدروا الناس حق قدرهم وأعتقد أن هناك من له القدرة على أن يشارك بمشروع أو خطة لكنهم لا يسلمون كل الأمور للعراقيين، لذا تتوالى السلبيات ونتائج الفشل. حتى الأميركان اعترفوا أنهم أخطأوا ولكن أتساءل هل يمكن أن يبقى المخطئ أربع سنوات دون أن يصحح أخطاءه؟
* كيف تقيمون دور المقاومة؟
– هناك قوى سياسية موجودة تعمل ولكنها تحت الأرض وهذه القوى منقسمة على نفسها ولا تقبل الإعلان عن نفسها أو أن تقول والله فعلاً نحن نقاوم الأميركان، وهي حتى الآن لم تفصح عن نفسها بجبهة أو حزب ثم إن المقاومة لم تتوضح منها براءتها من دم الأبرياء وشهداء العراق الذين يقتلون كل يوم باسم المقاومة، أتمنى على القوى المعارضة المقاتلة أن تعلن عن عدم ارتكابها الجرائم، حتى نعرف من المسؤول دائماً، أنا أقارن بمثلين تاريخيين من تاريخ المقاومة كمؤرخ، هناك مثال فيتنام وكانت المقاومة فيه وطنية ضد مستعمر أميركي يقودها “هوشي منه” تعلن عن عملياتها ومسؤولياتها وعن الذي يساعدها، وهناك مثل آخر في الجزائر، وهنا لدينا مستعمر فرنسي، وهناك إعلان عن جبهة الجزائر من سنة 1951 حتى سنة 1962 وهي معلنة سياستها ومعروفة, لها دعايتها وإعلامها وبعد هذا أو ذاك هناك مجتمع دولي وحركات تحرر بجانبها وتساند كلا الجبهتين، والسؤال من يصطف اليوم مع أي مقاوم في العراق؟ ما الخطأ في هذه الحركات، الخطأ هو أن هناك مقاومة غامضة، وهناك اختلاط بين مليشيات وتدخلات دولية وطائفية ومساعدات دول كبرى ففقدت المقاومة معالمها وظلت الأمور مبهمة وغامضة.
* ماالسيناريو الأقرب الذي يمكن تحقيقه في العراق؟
– السيناريو الأقرب دائماً هو أنني متفائل بتحقيق خطوات أفضل، ولكن لابد أن نكون على بصيرة وأن نسأل وأن تكون لنا رؤيا وأن نتحمل هذه الرؤيا مهما كانت قاسية علينا، أنا قلت في بداية الحوار إننا في بداية النفق بمعنى أننا في بداية معركة مصير ومعركة تاريخ، لا أتأمل أن تنضج الأمور بسرعة وأن تعود إلى الاستقرار بهذه السرعة، يعني ربما علينا الانتظار أكثر من 6-5 سنوات هذه فترة يجب أن نرفعها من قاموسنا. كنت دائماً أقول منذ 8 سنوات إن عام 2009 سيكون مفص لا تاريخيا لكن الآن بعد ما حدث في 2003 – تقدم المفصل التاريخي ست سنوات- ومع عدم إدراك طبيعة الصراع والهجمة الغربية، عندي قناعة وربما أكون مخطئاً أن هناك صراعاً في داخل مجتمعاتنا. صراع بين عقليتين, عقلية يتمتع بها القليل من السياسيين وعقلية يتمتع بها الكثير وهي بعض من أوهام وخرافات، وفي كل حدث نؤمن إيماناً راسخاً بالانتصار إلى أن نصل إلى قمة الهزيمة.
* ما الحل ؟
– أعتقد أن مفاعيل الصراع أكبر من هذا الواقع بكثير. لماذا؟ لأن الانقسام السياسي في العراق قاد إلى انقسام اجتماعي تقوده الأحزاب السياسية اليوم، ثم هناك معضلة الطائفية وقد تضاربت الأكثرية الدينية والطائفية كثيرا، العراق لا تخلصه إلا الشرعة المدنية، والعراقيون يعتقدون أنه لا يمكن إلا أن تحكمهم القوى السياسية المتنورة ولا يخلصهم إلا دستور مدني لا أثر فيه للطائفية أو للدين، وهذا لن يحدث بمثل هذه السرعة، خصوصاً إذا كانت الإرادة الوطنية مصادرة والقوى الاجتماعية ثقيلة الحركة. هناك صراع على مناطق نفوذ, كما تم تحول بعض الوحدات الإدارية إلى كيانات سياسية ونهبت كنوز البلد وثرواتها، إذن الكارثة مازالت تتفاعل وإن لم تجد علاجات واقية وخططا بديلة فإن الكارثة ستستمر، أعتقد أن الداء سيصيب غير العراق ولن يقف مطولا في حدوده، وأخشى منه على العراق وعلى مستقبل المنطقة كلها. ودائماً أقول وأردد قول أحدهم حين ما قال: “إذا عطس العراق أصيبت المنطقة كلها بالزكام”.

انتهى

شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …