الرئيسية / سيرة وصور / الست مقبولة…سيدة التعايش الديني الاجتماعي في العراق..قصة اسرار فتيل النار والقار والاحجار في مدينة سنجار !!

الست مقبولة…سيدة التعايش الديني الاجتماعي في العراق..قصة اسرار فتيل النار والقار والاحجار في مدينة سنجار !!

بيتي الصغير يطل على كل الآفاق الغريبة الملبدة بالعواصف اسرعوا تعالوا عندي فالجميع بانتظاركم”
ست مقبولة
سأرجع بالقراء الاعزاء الى اكثر من اربعين سنة الى الوراء لأكتب قصة حقيقية عايشتها بكل جوارحي وانا لم اتجاوز السبع سنوات من العمر .. كان ذلك في شهر مارس 1959 بعد ان كنت قد حدثتكم في الحلقة الخاصة بالشيخ فائق الدبوني واحداث العام 1958 .. وسأتخذ اليوم من شخصية ظريفة وذكية مجالا كي اتحرك فيه في وصف ما علق في ذاكرتي الغضة وانا لم اتجاوز السبع سنوات من العمر .. والمكان هو بلدة سنجار الواقعه في اقصى شمال غربي العراق .. ولم يمض على احداث ثورة 1958 الا بضعة شهور كانت المتغيرات خلالها قد وصلت الى اقصى درجة من الغليان في العراق ، لأسباب سياسية داخلية وخارجية خصوصا وان تغير نظام الحكم لم يتبعه اي نوع من الاستقرار في ظل هياج سياسي واجتماعي داخلي او في ظل غلو قومي عربي خارجي يقابله على الطرف الاخر ، غلو سياسي من قبل الشيوعيين العراقيين .. فبدأ يتبلور تباين حاد ايديولوجي صار الى نزاع سياسي عقيم ثم انفجر صراع في الشوارع .
كانت الست مقبولة تعيش مع زوجها العجوز من دون اولاد في بيتها الصغير الذي كانا قد اختاراه بعناية بالغة في اعلى مكان من منطقة القلعة ، ويمتلك شرفة مستطيلة تطل على افاق رحبة من انفساح الغرب . ويرى من فوق كل اجزاء المدينة بما فيها العين الكبيرة وبساتين التين والزيتون وعلى الطرف الاخر كانت هناك نهايات الشارع الرئيسي الذي ينتهي عنده مركز الشرطة وبيت الحاكم وصولا الى آخر نقطة من المدينة عند المنارة ( وهذه المنارة قديمة جدا يقال انها تعود الى العصر العباسي وقد بنيت في مثل هذا المكان المنفتح على آفاق البادية لتكون مكانا علميا للقياسات الفلكية وليس لأداء الشعائر الدينية ) واثناء وجودنا ، وبجهود حثيثة من والدي ـ رحمه الله ـ في اعمار سنجار ، بدأ العمل ببناء المستشفى الجديد وبناء نادي ومنتجع للموظفين وتعبيد الشوارع .. بجهود كرسها والدي حاكم المدينة رحمه الله لمساعدة الفقراء والمحتاجين وكسر شوكة الاقوياء .
والست مقبولة تنتمي الى اشهر واعرق العوائل المسيحية من اليعاقبة في العراق من آل سرسم الموصلية . وقد اختارت سنجار ايضا لأسباب صحية واجتماعية اذ لا يمكن للمرء ان يتخيل كم كانت الحياة فيها رائعة بعذوبة مياهها واطعم اثمارها وطيبة نسائمها وروائح حشائشها وسخاء عيونها.. كانت الست مقبولة تكبر والدتي بسنوات طوال ، ولكنها اعتبرت وجودنا سعادة لها ونعمة على البلدة والمنطقة خصوصا وانها منطقة صعبة جدا لا يمكن تخيل مخاطرها لاشتباك امر الناس دينيا وقبليا واجتماعيا .. فالبلدة تحتوي على العرب والاكراد والتركمان وبعض المسيحيين .. في العشرات من قراها القريبة ينتشر اليزيدية وخصوصا في جبلها الجميل .. وبينها وبين الموصل تقع تل اعفر وهي مع قراها يقطنها التركمان من السنة والشيعة .. وللغرب من سنجار حتى الحدود السورية باتجاه زمار وتل كوجك نزولا الى الحضر تنتشر القبائل العربية المتنوعة التي لديها حزازات اجتماعية وصدامات على الارض والماء والكلأ .. كان الوضع متعبا حقا ، وكانت الدولة تختار اكفأ الرجال الاداريين والقضاة المسؤولين الذين لهم المقدرة العليا لادارة شؤون معقدة كهذه !
كانت الست مقبولة تزورنا دوما لتساعد والدتي في عدة امور ، وكانت تلاطفني كثيرا وفي جيبها بعض الشوكولاتات .. كانت تحب الزهور لتقطف من حديقة دارنا ما شاءت من اجل ان تنشره في بيتها الصغير وخصوصا اوراد النرجس والاقحوان الذي فيه شذى عطر يسحر الالباب .. كانت تحب ملك البلاد الراحل فيصل الثاني حبا جما ، وعندما يأتي ذكره تبكي بحرارة عليه . ولابد هنا من تسجيل بعض ما سمعته لاحقا عن تقرير سري وصل الى آمر موقع الموصل العقيد الركن عبد الوهاب الشواف الذي كان قد جعل من نفسه الامر الناهي في الموصل .. وكان ذلك التقرير يتضمن معلومات حقيقية وكاذبة عن حاكم سنجار كوكب الجميل من انه ينتقد الوضع بشدة وينتقد الشواف على تصرفاته ، مما جعل الشواف يأخذ موقفا رسميا وشخصيا من والدي ويقوم بتشكيل لجنة تحقيقية ضده ! يقال ان الشواف كان في حالة سكر شديد في نادي الضباط بالموصل المطل على نهر دجلة ، مما حدا بالزعيم الركن عبد العزيز العقيلي وكان يزور الموصل وقت ذاك ان ينهر الشواف ويعنّفه ، مما جعل الشواف يمزق الاوراق التي بيديه ويرميها في نهر دجلة !
كانت الامور بالعراق مشحونة بالخوف والترقب خصوصا في الاشهر الاولى من العام 1959 وان الناس قد انقسموا سياسيا بين ثلاث اتجاهات :
وطني ليبرالي يعلن عن سيادة القانون والانتخابات وعودة الاستقرار بعد الاحداث الدموية التي رافقت ثورة 14 تموز / يوليو 1958 .. وكان هناك القاسميون والشيوعيون الذين اعتقدوا بأن الثورة مرتبطة باسم قائدها الذي غدا اوحدا وبتشجيع من الشيوعيين . وكان هناك القوميون والبعثيون وبداية تشكل الحركيين ، وهم يؤلفون جميعهم اتجاها يمالىء الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان قد وصل شأنه الى الذرى ايام الوحدة المصرية السورية .. ولم نكن نقف على أي بلورة لاتجاه ديني محض ، الا ان المتدينين من جماعة الاخوان المسلمين كانوا يصطفون الى جانب القوميين والبعثيين ، وهم يكرهون العهد الملكي كراهية شديدة ، بل ويكرهون ايضا الشيوعيين والقاسميين كراهية عمياء .
هذه الاتجاهات هي التي قادت الى انفجار الصراع السياسي في الموصل شهر آذار / مارس 1959 . لقد انفجر الوضع في المدينة بعد اعلان العقيد الركن عبد الوهاب الشواف قائد موقع الموصل بياناته التي ثار فيها على حكم الزعيم عبد الكريم قاسم باتفاق واه مع كل من الطبقجلي في كركوك ورفعت الحاج سري في بغداد ولكنهما لم يكونا براغبين ان ينفرد الشواف في اعلان حركته الانقلابية التي تلّقت دعما واضحا من عبد الناصر عبر الاراضي والحدود السورية وخصوصا تزويد الثوار باذاعة بائسة !!
وكانت مدينة الموصل متأججة وتغلي كالبركان بانقسامها السياسي بين الشيوعيين والقوميين وكان انفجارها يوم 11 مارس اثر فشل مؤتمر انصار السلام في ملعب الادارة المحلية بالموصل ومصرع بعض زعماء المؤتمر وفي مقدمتهم السياسي الشيوعي المعروف المحامي كامل قزانجي ، واعلان الشواف حركته الانقلابية من الموصل ، مما جعلها عرضة لقصف طائرات بغداد وقتل زعيم الحركة وسحل جثتّه وانحل النظام العسكري والاداري والامني فيها واستبيحت المدينة وكثرت فيها اعمال القتل والسلب والنهب فزهقت الارواح وسحلت الاجساد ونهبت القصور واحترقت الاسواق على مدى اسبوع كامل .. وشكّلت الكوميونات الشيوعية في كلّ من المركز العام لشرطة المدينة ، وفي الثانوية الشرقية .. كانت تصدر احكامها السريعة على القوميين والناصريين والاسلاميين الذين قتل منهم بالعشرات .. وشهدت منطقة الدملماجة جملة من الاعدامات السريعة .. وكانت الغوغاء من الاطراف قد هّبت على المدينة فعبثت بها !
ولم يقتصر الوضع على الموصل ، بل امتدت القلاقل الى كل من ناحية تلكيف والى قضائيها دهوك ثم سنجار .. اذ قتل من قتل في كل من تلكيف ودهوك ولكن الاحتقان الشديد لم ينفجر في سنجار ، ولم تزهق أي روح ولم تسفك أي قطرة من الدماء . فماذا حدث في سنجار ؟
احداث سنجار الصعبة
وصلت الاخبار من الموصل عن ذلك الانفجار ، فبدأت سلسلة قلاقل في الشوارع .. كان ثمة شيوعيين في المدينة قد طافوا تلك الشوارع وامتدوا نحو القلعة حيث يقوم هناك فناء كبير الى جانب دار المحاكم وازداد الصخب وكان الهتاف يعلو مزمجرا .. فخرج ابي ( رحمه الله ) مع ثلة من رجال الشرطة والموظفين الى المتظاهرين ، والقى في الجموع المحتشدة كلمة دعا فيها الى الهدوء والسكينة باعتباره حاكما وقاضيا ولم يكن ينتمي الى أي حزب ولا يمثّل أي اتجاه سياسي او ايديولوجي او عسكري .. وبدأ الشيوعيون يطالبون بالتحرك لقمع حركة التمرد في الموصل .. وفي الساعة الواحدة ظهرا تفرقت الجموع .. وصل ابي الى الدار بسيارته الشخصية من دون اي حراسة الشرطة وعبثا حاول الاتصال بالجهات المعنية في كل من بغداد والموصل .. فلا استجابة ابدا .. فلقد تقطعت كل الاتصالات وبدا الوضع اكثر سوءا في عصر ذلك اليوم ، جاءت بنا سيارة خاصة لتأخذنا نحن الاطفال الثلاثة بمعية والدتي والعمة الكبيرة والخادمة صبيحة والمربية كوشريه الى حيث انتهت بنا في دار الست مقبولة التي كانت قد اتصلت بوالدي تلفونيا واخبرته بأن نذر الشر باتت قريبة منا واردفت قائلة : ” بيتي الصغير يطل على كل الآفاق الغريبة الملبدة بالعواصف اسرعوا تعالوا عندي فالجميع بانتظاركم .. ” .
لم تكن والدتي تعرف شيئا مما يجري ، فوالدي لم يخبرها بأن الاحداث تسير نحو العنفوان .. اما هو ، فكان لابد ان يترك الدار بيد الحراس الشخصيين ويغادره ليتخذ من مركز الشرطة المجاور للدار مقرا له .. كان القائمقام السيد احمد الوهاب ، وهو من خيرة رجال العراق قد غادر سنجار منذ ايام ، وكان معاون الشرطة اسماعيل احمّيد ( رحمه الله ) يتلقى اوامره من والدي رسميا .. اما هيئة الموظفين والمعلمين فكان اغلبهم في عداد الشيوعيين الذين لم يقف الامر عليهم فقط ، فلقد زحفت جماهير القرى المحيطة من يزيدية واكراد وبقايا تركمان نحو شوارع سنجار وهي تزحف الان نحو بيت الحاكم تطلب رأس والدي باعتباره خائنا ، علما بأنه لم يؤيد حركة الشواف ابدا ، ولكنه ابى ان يسّلم للغوغاء بعض تجار المدينة من العرب والاكراد ..
كنا في اعالي بيت الست مقبولة نتطلع من بعيد من فوق القلعة الى افق الغرب الذي يعج بالالاف المؤلفة من الجموع وهي تزحف في الشارع العام الذي كان عمال الطرق يعيدون رصفه بالاحجار والقار الاسود .. كان الزحف نحو بيتنا .. كانت والدتي تسأل وقد اصفر وجهها وهي حائرة لا تدري ما هذا الطوفان من البشر . اما الست مقبولة ، فهي تشجعها وتطمئنها وكلامها يتلعثم من بين شفتيها .. ارادت والدتي الخروج ، ولكن كيف باستطاعتها الوصول الى البيت البعيد وهي لا تعرف مصير ما سيحل بزوجها ! حاولت الاتصال تلفونيا وكانت التلفونات وقت ذاك ليست اتوماتيكية ، فلم يجبها عامل البدالة ! وجدنا النار تندلع من بعيد ! كانت سيارة والدي الشخصية في كراج الدار .. يبدو انهم بدأوا يحرقونها ويريدون حرق كل الدار !
ما الذي حدث في ساعة الغسق ؟
حكى لنا والدي في ما بعد عما حدث في ما بعد فضلا عن تقرير سري مطول رفعه الى الجهات المختصة ليعرض امام انظار الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس مجلس الوزراء ، قال : طلبت ان اخرج من مركز الشرطة الى الجماهير المكتظة التي تتجمع بهتافاتها ضد الاستعمار والرجعية والقومية العربية والعهد المباد .. ولم اسمع لمن اشار عليّ بالبقاء لأنني اذا بقيت في مركز الشرطة فسيتعرض للهجوم والحرق لا محالة وسيبدأ اطلاق النار وستحدث مجزرة كبرى بين الشرطة والمتمردين وسيختلط الحابل بالنابل .. لقد خرج لوحده والقي نظرة فوجد النار قد اندلعت في سيارته ولم يستمع احد لصوته ، فمشى بين الجموع الى داره المجاور الذي يبعد خطوات ، فامسك الغوغاء من المتظاهرين به ووضعوا المسدس عند فود شعره وخصوصا من اولئك الذين كان قد الزمهم باحكام غيابية قاسية في السابق ، فقام بحركة سريعة وضرب احدهم بيده فهجم عليه آخرون للنيل منه وقد احضروا الحبال استعدادا للسحل بعد القتل ..
ولكن ارادة الله شاءت ان تغّير الموقف لصالحه ، فما هي الا لحظات حتى تقدمت جماعة صغيرة من الطائفة اليزيدية الذين يلبسون العباءات السوداء ، ويدعون بـ ” السوداوية ” فجذبوه من بين ايدي المتمردين ونشروا فوقه عباءة احدهم .. وفي الطقوس اليزيدية ان غطي احد بمثل هذه العباءة فلابد ان يتوقف الجميع عن قتله ! سحبوه وادخلوه الى داره وكانت الشرطة قد اغلقت ابواب المركز .. في غمرة ذلك الحدث الصعب ، تسلم والدي قصاصة ورق من قبل احدهم سلمها الى خادمه الذي كان موجودا معه في البيت ، كتب عليها : لابد من اعتقالك فالشيوعيون يريدونك معتقلا والقوميون يريدونك هاربا والمتمردون عليك يريدونك مقتولا وهناك خطة لتهريبك الى الحدود السورية القريبة فالغوغاء تطلب رأسك ..
رفض فكرة الهروب الى سوريا لأنه لم يكن ناصريا ابدا حتى يحسب كذلك لو هرب وآثر الاعتقال لأنه كان رجل قانون ويطبق القانون .. وقد عرف في ما بعد بأن القصاصة قد كتبها الدكتور البير رسام مدير صحة المدينة وكانت تربطه بالشيوعيين علاقة معينة ! صعد الوالد الى سطح الدار من دون دراية احد به ، وقفز من علو بالغ الى سطح المركز بعد ان اصابته رضوض وخدوش ونزل الى فناء المركز مرة اخرى فاستقبلته الشرطة ، فطلب منهم اعتقاله فادخل الى المعتقل ليجد من كان قد سجنهم معتقلا معهم ، فرحبوا به ليبقى معتقلا بارادته لمدة يومين حتى وصول كل من زعيمي اليزيدية قاسم حسون اغا وعمر اغا الداوود وهما من رؤساء اليزيدية وبقية شيوخ قبائل واغوات اكراد ليخرجوه ويستعيد سلطاته فيعود ويفرض الامن من جديد .. وقد رفض رفضا قاطعا معاقبة اولئك المهتاجين والغوغاء والسياسيين اذ طلبهم وسامحهم على ما فعلوه .. وكان ان اتصّل برجال المدينة وفي مقدمتهم الشيخ سعيد الذي كان له مكانته في المدينة وهو من اعيان اليزيدية في سنجار ، وكان يبره الوالد ويعتز بشخصيته ومكانته الاجتماعية من اجل استعادة العمل وعودة الحياة الى طبيعتها في تلك المدينة المغيبة في ما كان يحدث فيها عن العالم .
الخروج من دون عودة
كانت ليلتنا سوداء لا ندرك انا واخوي الاثنين ما الذي يجري .. كانت والدتي في حالة نفسية صعبة ويرثى لها ، ولكن الاخبار بدأت تطمئنها من خلال الاتصالات التي يقوم بها الطبيب البير رسام والسيدة زوجته سميرة مع الست مقبولة التي كان لها الفضل في حمايتنا من دون ان يعرف احد اين صارت عائلة الحاكم ، فلو ظفروا بنا لقتلنا جميعا .. رجعنا الى الدار بعد يومين لنرى والدنا وهو قوي الارادة مع بعض ما اصيب به من جروح .. وقد جعل الدار مقرا رسميا له وهي مزدحمة بالناس المهنئين من كل فج عميق .. بقي اليزيديون الاشراف يحموننا لأكثر من شهر كامل ، وكان والدي قد طلبوه على وجه السرعة الى بغداد التي قابل فيها الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء وشرح له ما جرى وطلب منه العودة الى الموصل وقدم استقالته من منصبه ولكن الزعيم رفض الاستقالة.. وبعد ايام ودعنا مدينة سنجار الوديعة الساحرة ، ولم يرها والدي منذ تلك الاحداث النضالية حتى وفاته بجلطة قلبية في 28 نيسان / ابريل 1968 رحمه الله رحمة واسعة ، وستكون لي وقفة مطولة عن رائع الذكرى معه ..
كنت طوال سنوات حياتي اذكر تلك الايام الاولى في تلك المدينة .. واذكر بالذات الست مقبولة .. وقد اتاحت لي الظروف وانا في ايام الخدمة العسكرية الصعبة وفي احدى السنوات ان امر بمدينة سنجار ، فهالني ما حّل بها من بؤس ، فالمدينة غير تلك التي كانت مرسومة في ذاكرتي .. انها مدينة متعبة جدا في كل مرافقها وشوارعها .. لم يعد فضاءها الجميل كما كنت اتخيله .. كان كل الذين رسخوا في ذاكرتي قد ماتوا او رحلوا او هجّروا اوقتلوا .. لم تعد مياه العيون كما كانت .. لم تعد البساتين تزهو باشجارها .. لم يعد السوق يعج بالبضائع المحلية والسورية ، لم اجد المفتول ولا بيت الست مقبوله العالي .. تحّسرت وقلت : كم تمنيت ان لا ازورك ايتها المدينة الطيبة ، اذ زالت من عندي كل ذكرياتك الجميلة واطيافك الرائعة ، ولكن احداثك المأساوية باقية ومحفورة في ذاكرتي .
فصلة من كتاب : زعماء ومثقفون : ذاكرة مؤرخ لمؤلفه سّيار الجميل

شاهد أيضاً

اعلان من الدكتور سيّار الجميل.. الى كافة المثقفين العراقيين في العالم

ايها الاخوة .. ايتها الاخوات أعلن لكم جميعا انسحابي من المجلس العراقي للثقافة في عمّان …