الرئيسية / ابحاث ودراسات / الفيليون العراقيون: طيفٌ رائعٌ سحقهُ الاستلاب !

الفيليون العراقيون: طيفٌ رائعٌ سحقهُ الاستلاب !

مقدمة
هذه فصلة اجتزأتها من كتابي ( بنية المجتمع العراقي ) أسارع بنشرها لضرورة الموضوع والوعي بأبعاده ، بالرغم من كثرة ما كتب عن المظلومية التي عانى منها هذا الطيف العراقي منذ عقود طوال من الزمن .. لقد كان العراق ستقّل مشكلاته كثيرا ، لو اعتمد المقياس الإنساني والاعتبار الوطني والتقويم الإبداعي أسسا حقيقية للانتماء بديلا عن كل النزعات القومية والعرقية والأوبئة المذهبية والطائفية وكل المخلفات العشائرية والجهوية المناطقية . ما كان أحرى بالعراقيين لو عدّوا العراق واحدا موحدا لكل الأطياف الاجتماعية التي تؤلف تشكيلاته البنيوية من اجل تكوين حضاري مدني بعيدا عن كل التباينات السياسية والإيديولوجية التي كانت بمثابة تعبير صارخ عن الانقسامات التي صنعتها كل تلك النزعات والأوبئة والمخلفات التي توطنت في المجتمع ، فعانى منها الإنسان معاناة شديدة في سلسلة من المآسي القاتلة . دعوني اليوم ، احلل احد تلك الأطياف الاجتماعية العراقية التي عاشت زمنا طويلا مهمشة وهي تعاني من الآلام والأحزان بالرغم من كون هذا ” الطيف ” الكردي الفيلي ، قد تميز بميزات رائعة في تكوين المجتمع وفي كل إبداعاته ومنتجاته الخصبة . لكنه عانى ولم يزل من القهر والظلم والمهانة ، خصوصا ، عندما يشعره الآخرون انه طارئ ، ويقلل من إنسانيته ، ويحطّم معنوياته ، ويسحق نفسيته ويعامل من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة على ارض يشترك فيها الجميع ، ويفترض أن يعمل عليها الجميع ، ولا فرق بين من يعيش عليها إلا بقدر ما يقدمه كل إنسان من إبداع وإنتاج وخدمات ، أما أن تسحب منه جنسيته وتصادر منه أمواله وتنزع عنه أملاكه .. ويجري تسفيره ظلما وعدوانا ، فهذا اضطهاد ضد الإنسانية أولا ، وجريمة ضد المواطنة ثانيا .

اولا : الفيليون : من هم ؟
انه طيف اجتماعي عراقي حقيقي ، عرف بوجوده في مناطقه القديمة منذ أزمان سحيقة ، إذ تمتد جذوره لتصل إلى مملكة عيلام القديمة .. إنهم نتاج سلالات قديمة من لولويين وكاشيين وأيلاميين وميديين ، والذين انتشروا بين جبال زاكروس شمالا وأصفهان جنوبا. ولا يوجد تفسير ثابت وواضح لمدلول كلمة الفيلي ، ويقال أن معناها ( المتمرد ) أو ( العاصي ) .. وفي مراجع أخرى ( الشجاع ) أو ( الفدائي ) . ويسجل المستشرق غروته أن المصطلح قد امتد من اسم ( بيلي ) وهو ملك عيلامي حكم عام 220 قبل الميلاد ! وان حرف الباء قد تحّول إلى الفاء ، كما هو حال إقليم فارس الذي كان أصله ( بارس ) . وتأكد المصادر القديمة انتماء هؤلاء (الفيليون) إلى شعب كاساي ، وقد استوطن هذا الشعب في البداية منطقة (بيس تون) كرمنشاه الحالية. ثم تحول لاستيطان جبال زاكروس, ثم اتجه جنوبا وغربا إلى ما وراء نهر دجلة. وعرف ألاكديون هذا الشعب باسم كاشو , وورد ذكرهم في التوراة باسم شعب كوش .
أما البروفيسور (والتر هينتس) فيذكر في كتابه (دنيا عيلام الضائعة) اكتشاف كتيبة أثرية في معبد (كيريريشا) يعود تاريخها الى العام 2550 ق.م . منقوش عليها اسم الملك بيلي . وكذلك ذكر المحقق يوسف مجيد زاده في كتابه (تاريخ تمدن إيلام)، حكم الملك العيلامي (بيلي)..ولما كان حرف الباء يكتب قديماً عوضاً عن حرف الفاء الحالية ، لذلك تحول الاسم بمرور الوقت إلى فيلي ، كما حصل في تغيير اسم (بارس) القديم إلى فارس حالياً ـ كما ذكرنا آنفا ـ . ويذكر المستشرق بوزورث أن هذا الشعب قد لاقى تحديات لا ترحم على امتداد تاريخه ، وخصوصا من الإمبراطوريات التي حكمت إيران ، ذلك أن التجمعات السياسية التي كانوا ينشئونها ، سرعان ما تكتسح وتسحق ، ومنها الإمارة الخورشيدية التي تأسست في غربي إيران ، وقد دمّرها الشاه الصفوي عباس الأول عام 1598 عند نهايات القرن السادس عشر ، وهم يعتنقون المذهب الشيعي الاثني عشري بحكم توطنهم في المناطق التي تأثرت تأثيرا قويا بالإيديولوجية التي رسخّها الشاه إسماعيل الصفوي منذ بدايات القرن السادس عشر .. وتحكي الروايات التاريخية عن القسوة التي استخدمها الشاه إسماعيل معهم ، والفظائع التي حلّت بهم على امتداد ذلك القرن !

ثانيا : مواصفات الفيلية وجمالياتهم
1/ الطيف المسالم
هذا الطيف الاجتماعي العراقي الذي يسمّى أهله بالفيلية ( وتنطق : الفويلية ) هم اللور ، أي من إقليم لورستان الواقع بين جبال كردستان شمالا وجبال البختياريين وخوزستان (= عربستان ) جنوبا ، وينتمي إلى القومية الكردية ، ولكن ضمن خصوصية تاريخية اكتسبوها منذ أزمان بعيدة .. ويمثله بشر يمتد وجودهم من مناطق جلولاء وخانقين ومندلي ونزولا إلى مناطق بدران وجصان ، أي في مناطق شرق محافظتي ديالى وواسط .. وقد استقطبتهم العديد من المدن العراقية في وسط شرقي دجلة ، وخصوصا في العاصمة بغداد وفي الرصافة بالتحديد إذ استوطنها الفيلية من عشائر كاكائية وملكشاي ومشاركين عرب بغداد حياتهم وخصوصا في مناطق التسابيل عند رأس الساقية ، وخصوصا الملكشاهية التي اكتظت بهم ، امتداد إلى عقد الأكراد . كان يبلغ تعداد الكورد الفيلية عام 1947 حسب أرقام واردة من وزارة الشؤون الاجتماعية ب 30 ألف نسمة وبذلك يشكلون 0.6% من سكان العراق ، كان يسكن حوالي 14 ألف نسمة منهم في المدن في حين يسكن 16 الف نسمة منهم في الريف .
2/ الخصوصية في اطار العراق
ولعل من ابرز ميزات هذا الطيف العراقي سرعة اندماجه بالحياة المدنية العراقية ، والتصاق اهله بالمناخات العربية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ، وخصوصا في بغداد .. بحيث لا تجد احدا منهم يتكلم بلغته الأصلية الا ما ندر في مناطق الحدود أو في القرى النائية .. فضلا عن ان هذا الطيف له خصوصيته في إطار قوميته الكردية ، بحكم الاتصالات والانصهارات والنفسية المسالمة والوضعية المنتجة .. فمن الصعب تمييز هؤلاء الناس عن بقية العراقيين الآخرين الذين يشكلّون أطيافا مندمجة في بنية سوسيولوجية عراقية موحدة . نعم ، إنهم مندمجون اندماجا حقيقيا بالمجتمع العراقي كونهم جزءا منه ، وان خصوصيتهم هي عراقيتهم وليست أرومتهم القومية أو اللغوية ، فهم يحملون ثقافة عراقية عالية المستوى ، ويتكلمون العربية بأية لهجة عراقية حسب البيئة التي غرسوا أنفسهم فيها ..
3/ الخصال الحيوية
يمتلك الفيليون العراقيون تراثا موحدا له خصوصيته ، فضلا عن مجموعة قيم لها شراكتها في ما بينهم ، وكل هذا وذاك يعد جزءا من ميراث العراق الضخم الذي يلّون الحياة الاجتماعية والثقافية العراقية .. وباستطاعة العراقيين أن يميّزوا جملة من التقاليد والخصال التي يعيش عليها هذا الطيف المسالم الذي يقف العمل في مقدمة قيمه ، ثم المصداقية ، ثم النظام والدقة .. وقبل هذا وذاك الإبداع من جانب والإخلاص سواء للوطن أو لروح الجماعة .. فضلا عن التحمّل والصبر .. وأكاد أجد مثل هذه المواصفات مزروعة عند اغلب سكان شرق دجلة ، بل وتعتبر جزءا ليس من تراث قديم متوارث ، بل عصبا لثقافة منتشرة في الواقع ، ولا يمكن أن تتغير بسهولة .. بل وإنها منتقلة من جيل إلى آخر عبر القرون . لقد تتبعت تاريخ سكان شرق دجلة لعصور متقدمة ، فوجدت أن صلات وثيقة تربطها كلها بالعصر الحديث ..
4/ الميراث القديم
إن ميراثا قديما من الألعاب الشعبية مثلا عمره ألف سنة يمتد من اربيل نحو ديالى ، وكان الفيلية جزءا منه مشاركين بقية الأطياف المتوطنة عبر هذه الخطوط الجغرافية منذ أيام حكم الأمير مظفر الدين كوكبوري قبل قرابة ألف سنة ، وخصوصا السكان التركمان المتميزين أيضا بإبداعاتهم الثقافية وخصالهم الاجتماعية العريقة في العراق ، وخصوصا في شرقي دجلة .. ولقد تميّز الفيليون بالرياضة واحترام المهرجانات والتمارين البدنية . لقد اشتهر الفيليون بالألعاب الرياضية منذ القدم ، إذ يتمتع اغلب أبناءهم بالأجسام القوية والعضلات المفتولة .. ومن أشهر الألعاب التي اشتهروا بها منذ القدم ، لعبة تووبان ، وهي لعبة الكره الشبيهة بالهوكي .. وهناك لعبة جويزان او دوزان بين فريقين كاملين لكلا الجنسين بين الشباب وكافة الأعمار ..
5/ مقاربة سوسيولوجية
ولقد تأثر الفيليون بالبيئات العراقية التي عاشوا فيها ، فهم يكتسبون طابع البيئة المحلية ويندمجوا فيه بسرعة ، وكانت بغداد بالنسبة لهم ، هي المركز الحقيقي ، والفضاء الذي يمكنهم التعامل معه بعد أن تركزوا في قلبه .. وهم بذلك على عكس أقوام كردية أخرى ، فالسوران يعتزون ببيئتهم وخصوصياتهم كونهم الأبعد عن أية فضاءات مندمجة ، فبقوا يحملون ثقافتهم واعتزازهم بها وخصوصا في مركزهم في شهرزور وقاعدته السليمانية .. أما البهدينان ، فهم الأقرب في مصالحهم وأنشطتهم إلى فضاء إقليم الجزيرة وقاعدته الموصل ، والتأثر به اقتصاديا بالدرجة الأولى وثقافيا بالدرجة الثانية .. أما الشقاقية ، فهم قلة مقارنة بالآخرين . لقد كان المجتمع العراقي مسالما في جمعه لكل الأطياف منذ أزمان خلت .. وكما وجد الأغوات والأعيان والشيوخ الأكراد أنفسهم في مدن العراق ، كذلك انتشر العوام من الفيلية الفقراء والمسحوقين والمعدمين يعملون ليل نهار في الأعمال الصعبة ببغداد حتى وقت قريب ، وهم يمتلكون قناعتهم ووفائهم في العمل .
6/ الواقعية والانفتاح
ويلاحظ الدارس للفيليين الكرد ، أن اعتزازهم باسمهم ( الفيلية ) هو اكبر من كونهم لورا أو كردا ، وأنهم يتمتعون بالقوة والمهارة في الحرفة والتفكير معا وان ردود أفعالهم قوية ضد الخطأ ، وأنهم أمناء في نقل المعلومات أو المواد والأشياء ، ولهم اهتمامهم بالروح المنزلية وتربية الأطفال وسرعة الاندماج مع الآخرين ويستنكرون التواكل والكسل فضلا عن واقعيتهم في معالجة الأمور بعيدا عن التهويم .. وعليه ، فلقد ندرت الطرق الصوفية في ما بينهم على عكس الآخرين . إن الفيليين كانوا الأكثر اندماجا ببقية الأطياف الاجتماعية الأخرى ، وكم وجدناهم على امتداد القرن العشرين أناس غير متعصبين لا لجنس أو عرق أو طائفة .. وان الذين برزوا سياسيا منهم كانوا أكثر مرونة من غيرهم في التعاطي السياسي والمناورة .. انهم الأكثر تقدمية من غيرهم ، بل ويشكل اعتزازهم بالثقافة العربية ظاهرة عراقية تنطوي على معاني متسامحة بينهم وبين ذاتهم إلى ابعد الحدود ، علما بأن لا أحد قد قسرهم على ذلك . ويبدو واضحا ثقلهم في العاصمة بغداد ، وحيويتهم فيها سواء في بدايات القرن العشرين أم في منتصفه ، ولكن شكّل اضطهادهم في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ردود فعل قوية لديهم جراء ما عانوا منه زمنا طويلا .

ثالثا : الرصافة القديمة : الذاكرة الحية
بين البابين الشرقي والمعظم تمتد بغداد القديمة التي كانت تحيطها الأسوار والتي تزخر اليوم بشارع شقها شقا أسموه بشارع الملك غازي ، ولكنهم أبدلوه باسم الكفاح بعد قيام الجمهورية عام 1958 .. حيت تمتد منه باتجاهات مختلفة مجموعة أزقة ودرابين تقوم فيها بيوتات قديمة متصدعة الجدران بفعل تقادم الزمن .. ونجوس في خضمها حيث تمتد أحياء البغداديين القدامى بدءا بمحلة الفضل والمهدية وقنبر علي وابو سيفين المتصلة كلها بمحلة ابو دودو ، إذ ينتابك إحساس بكم من البشر قد ولد ومات هنا او هناك .. تذهب عميقا حيث دربونة الخزرج ومحلة بني سعيد ودربونة العانة وعكد الأكراد ومحلة القشل ثم الصدرية وباب الشيخ ورأس الساقية وفضوة عرب .. اما هناك بعيدا على الجانب الاخر والذي كان متصلا بالأول قبيل شق الشارع ، فنجد محلة الفناهره والتسابيل .. كلها أحياء تنسج نفسها ببيوت متراصة كانت قد حشيت بالبشر .. كانت أحياء الفقراء الذين تلونت أطيافهم وأعراقهم لتجمعهم هوية واحدة وثقافة واحدة .. أطياف شعب عاش في قلب بغداد ضمن دائرة سكانية واحدة قطرها بلغ مساحة حوالي خمسة كيلو مترات مربعه .. وعند الفجر ، يكتظ شارع الكفاح بالعمال والعتالين الحمالين والكسبة القادمين من أصول وأعراق شتى وحدهم العراق فعشقوه عشقا لا يبارى .. وكانت بغداد تستوعب أعدادا من قادمين جدد وسكنة نزحوا إلى العاصمة منذ القرن التاسع عشر ، وأصبحت بغداد بالنسبة لهم كالأم الرؤوم . وكانت تلك الحارات الشعبية قد انجبت نوابغ ومبدعين ومحترفين ومثقفين في القرن العشرين .. كما شهدت أحداثا تاريخيه وسياسيه مهمة تفجرت من أحياء ذلك الشارع العتيق.

وان اغلبية سكنة المنطقه من الاكراد الفيليين وعرب من عشائر مختلفة والبياتلية وغيرهم من التركمان .. اختاروا العيش المشترك ، فكان أسلوبه مسالما ومتجانسا بتصاهر الناس وتحملهم معا السراء والضراء ، وعاشوا متآخين يؤازر بعضهم بعضاً ، وكثرت بين الأحياء المقاهي الشعبية العريقة التي مضت عليها عهود طويلة ويتوسط الشارع ساحة أسموها بـ ( ساحة النهضة ) وهناك الكثير من الجوامع والحسينيات مثل جامع الخلاني وحسينية ابوسيفين للكرد الفيليه وجامع المصلوب وجامع هادي بادي وحسينية الأحمدي وكانت للمنطقة مواكب حسينيه كبيره مثل موكب الأتون وموكب الاكراد الفيليه وموكب الهيتاويين .. لقد تعرّضت هذه الأحياء الشعبية إبان السبعينيات من القرن الماضي إلى أشرس حملة تطهير من قبل السلطات آنذاك ، وبدأ مسلسل التهجير والاعتقالات والتسفير والحجز ونشر الرعب .. حتى باتت كل تلك الأحياء كئيبة حزينة بعد ان افتقدت الأمان وحلت المأساة ! ولم تزل تلك المناطق تعيش الآلام وتعاني الأمرين من دون ان تنفتح على الحياة من جديد حتى يومنا هذا !



مطرب المقام العراقي حسن خيوكه

رابعا : شخصيات عراقية من الطيف الفويلي
لقد برزت في حياتنا الثقافية والرسمية العراقية شخصيات متميزة من الطيف الفيلي ، وكان لبعضهم مناصب ومراكز ومسؤوليات في مجالات السياسة والمعرفة والأكاديمية والثقافة والتربية والتعليم والطب والرياضة والقضاء والموسيقى والغناء .. ومن اشهر تلك الأسماء اللامعة : العالم اللغوي الدكتور كامل البصير والأديب المبدع عبد المجيد لطفي ومطرب المقام الشهير حسن خيوكه والمثقف الشهير الدكتور علي باباخان والموسيقار عازف العود الشهير سلمان شكر ، وكل من السياسيين التقدميين الشهيرين حبيب محمد كريم وعزيز الحاج .. ويستوجب ذكر اسم السيدة كيفية ( والدة الزعيم عبد الكريم قاسم وهي زوجة جاسم البكر ) ، وهناك السياسي القديم منذ العهد الملكي ابو كاطع- محسن حسن نور والشاعر رياض النعماني والشيخ محمد سعيد النعماني. وهناك الفنان الشهير رضا علي والاقتصادي رجل الأعمال المعروف السيد عبد علي محمد والقاضية المعروفة المناضلة زكية اسماعيل حقي والفنان الممثل الشهير سليم البصري ( بشهادة الفنان حمودي الحارثي ) والشاعر زاهد محمد والشاعر جليل حيدر والأستاذين الدكتور سامي قربان والدكتور شهاب احمد والمطرب الراحل جاسم الخياط والسفير عادل مراد والدكتور الطبيب جمال مراد والروائي برهان شاوي والأستاذة الجيولوجية نظيرة إسماعيل والفنان الممثل جاسم محمد علي حسين الفيلي ، والمطرب صلاح عبد الغفور ، والفنان جلال خورشيد والموسيقار نصير شمه ، وقارئ المربعات فاضل رشيد ورسام الكاريكاتير علي مندلاوي وهناك الرسام إسماعيل خياط، والتشكيلي ماجد شاليار، والنحات حسين مايخان والفنان فرهاد حسن والكاتب المسرحي حيدر الحيدر والمخرج المسرحي حسين الحيدري ، ومطربة المقام فريدة واشتهر من الرياضيين في الملاعب : جلال عبد الرحمن وشاكر علي ومحمود أسد وصمد أسد ومحمد علي قنبر وداود سلمان وعبد الحسين خليل والملاكم اسماعيل خليل والكمال الجسماني ماجد جعفر .. وغيرهم كثير من الشخصيات المتميزة ، ( وليعذرني من لم اذكر اسمه ضمن هذه العجالة ) .
ومن الجدير بالذكر ان من ابرز البعثيين الفيلية هم : علي صالح السعدي ( نقلا عن المؤرخ حنا بطاطو ) وعبد الكريم الشيخلي وعلي رضا باوه ( نائب ناظم كزار ) وصباح محمود مرزا ( مرافق صدام حسين ) ومزبان خضر هادي وغيرهم .



فيلي عراقي شيخ ضرير كبير السن تم نسفيره الى إيران !

خامسا : لماذا كانوا مادة دسمة للاستلاب ؟
ان وقفتنا هذه ، لا تريد أن تكون مثل أية ورقة سياسية لا ينظر إليها باهتمام ، كما يجري عليه الحال حاضرا بعد أن كان هذا الطيف قد دفع أثمانا باهظة جدا في وجوده عراقيا على امتداد تاريخ طويل .. ولعل من اقسى الأسباب الطبيعية التي بعثرت هذا الطيف بين إيران والعراق انقسامهم ضمن الترابين ، فغدا الفيليون مادة دسمة للاستلاب الجغرافي سواء في موطنهم وعلى ترابهم ، أم على أطراف المحيط الذي يدور أو يجاور إقليم لورستان .. ولما كان الوعي به وبجغرافيته وتاريخه في حكم المنعدم عند اغلب من حكم العراق منذ عشرات السنين ، فقد كان كل من الدولة والمجتمع معا يعتبرهم طارئين على العراق ، وكثيرا ما وجهّت تهمة ( الفارسية ) بهم ، وهم من ابعد الناس عن إقليم بارس ( = فارس ) ، إذ أنهم ليسوا من الناحية القومية بفرس ، كما وصفهم المسئولون العراقيون في الماضي العقيم ، وما يتردد عن جهالة أو غباء أو عن قصد لئيم على السنة بعض المسئولين الجدد .. أو ما يردده الناس من الذين لا يستمعون الا لأجهزة الإعلام الرسمي أو لخطب الملالي الجدد !
لقد تعّرض هذا الطيف من الكرد الفيليين إلى هجمة اضطهاد واسعة ليست اجتماعية حسب ، بل سياسية ، ودفع الفيليون أثمانا باهظة من دمائهم وحرياتهم وإبداعاتهم التي طواها البعض من المتألقين منهم خوفا من اضطهاد السلطة إبان حكم النظام السابق . ويروي الفيليون قصصا مرعبة عما صادفوه من المظالم ، اذ اتهموا كونهم طوابير خامسة لإيران ، وشملت التهمة كل أبناء هذا الطيف زورا وبهتانا ، إذ كان الفيليون من أكثر العراقيين التصاقا بعراقيتهم ، ومن أقوى العراقيين اعتزازا بأعمالهم وإبداعاتهم .. لقد احتجب الكثير من المواطنين العراقيين الفويلية عن ممارساتهم وأنشطتهم بفعل الملاحقات والمطاردات ليس في داخل البلاد ، بل حتى في بلدان المنفى . ولعل أقسى الحملات التي تعرّضوا لها هي سلسلة التهجيرات التي طالت عوائلهم ، والتفريق بين الأزواج وزوجاتهم ومصادرة أملاكهم وحلالهم .. تلك التهجيرات التي بدأت منذ العام 1970 في أقسى عملية للاستئصال العرقي سواء بالترحيل الداخلي أو الخارجي ، ووصلت ذروتها في العام 1980 . إن عمليات التطهير العرقي شملت قضايا الجنسية ونزاعات الملكية والتغييب القسري مع السجن السياسي .. ولقد صمدت المرأة الفيلية صمودا قويا ضد اكل التحديات التي واجهتها عبر تاريخ طويل .

وأخيرا : مناشدة عراقية
باختصار مشكلة هذا الطيف اليوم تتمثل بضياع حقوقهم التي لم يسترجعوها ، على غرار غيرهم من الأطياف التي سحقتها القوى الجديدة في السلطة ، بل وان هذا الطيف انقسم على نفسه اليوم ، ومنذ العام 2003 إلى قسمين اثنين جراء التشظّي السياسي الذي صنعته إيديولوجية ( المكونات الرئيسية الثلاثة ) .. وغدا هذا الطيف يتعرض للابتزاز من هذا الطرف او ذاك من دون ان يستحصل على حقوقه المضاعة ، علما بأنه قد دفع أثمانا غالية جدا منذ أربعين سنة حتى يومنا هذا . ونتابع كيف تجري محاولات جديدة لاستئصال هذا الطيف ، فهذا يريد تذويبه طائفيا ، وذاك يريد استخدامه عرقيا .. وكما يقول الباحث الأستاذ عصام الفيلي أن ضعف الحضور السياسي للكرد الفيليين إلى أن ” البعض يريد تذويبنا في المذهب والبعض الآخر يريد تذويبنا في القومية وهم لا يعرفون أن لدينا خصوصية تاريخية” .
هنا نناشد كل رموز هذا الطيف أن يبقى على خصوصيته التاريخية ، وان يبقى ملتصقا بهويته العراقية ، ليكون مثلا عراقيا رائعا كما كان منذ القدم يعطي تجربته لكل الأطياف الأخرى في المجتمع العراقي .. مع أمنياتنا بأن يحصل على حقوقه المضاعة وان ترجع إليهم أملاكهم ، ومن قبلها جنسيتهم العراقية التي أسقطت ظلما وعدوانا ..

نشرت في ايلاف ، 15 ايلول/ سبتمبر 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

ملاحظة : ان جزءا كبيرا من معلومات هذا ” المقال ” مستل من كتاب المؤلف سيار الجميل : بنية المجتمع العراقي ، وهناك ثبت بالمراجع المعتمدة وتوثيق المعلومات في هوامش وملاحظات الكتاب نفسه

شاهد أيضاً

الأرمن العراقيون.. الخصوصيّة والجاذبيّة والأسرار الحيويّة ! -2-

الحلقة الثانية :حذاقة الصنّاع وعظمة المشاهير الشخصيات العامة الأرمنية ينقل لنا الأستاذ آرا اشجيان عن …