في دراسة حديثة قدمها الدكتور سيار الجميل أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الإمارات إلي معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة تحت عنوان رؤية نقدية للمشروع الحضاري العربي توقف أمام عدة ملاحظات مهمة في سياق رصدنا لمسئوليتنا عن بؤس اللحظة الراهنة منها أن العرب أضاعوا القرن الماضي دون القدرة علي بناء المؤسسات السياسية المدنية أو تطوير التعايش الثقافي المتكافيء وثمة أسباب وقفت وراء ذلك, منها تخلفهم وتواكلتيهم وسلبيات كثيرة من مواريثهم التي شغلتهم لا عن تأسيس وعيهم الثقافي العربي وحده, بل عن الوعي بالآخر وبما هو حاصل حتي اليوم في العالم, لقد عاشوا لسنوات أسري تقاليد الأفكار والأيديولوجيات والسلوك ولم يسهموا طوال هذه السنوات إلا في تكريس الانغلاق وتشريع الممنوعات وبناء الجدران العالية بينهم وبين ذواتهم أولا, وبينهم وبين العالم كله ثانيا, واستعرت كما يقول سيار الجميل, حرب مفتعلة شعواء باسم الأصالة والمعاصرة بحجة الحفاظ علي التراث أو القيم أو الدين أو الهوية, ومما يؤسف له أن هذا الصراع المفتعل قد بدأ بحجة المحافظة علي التراث, وانتهي اليوم إلي حجة الحفاظ علي الهوية.
والمشكلة حسب وصف الجميل أن مثل هذه الأزمات المزمنة لم تبق منحصرة في أيدي أبناء المجتمع العربي, بل كان للدولة العربية دورها الخطير في الموضوع سياسيا وإعلاميا وتربويا, وكانت الدولة أكثر تلفيقية من المجتمع علي نحو ساعد علي الانحسار الحضاري الذي نعيشه حاليا وكبح جماح التقدم, وأكثر من ذلك أن هناك عوامل أخري كانت مفجعة في تاريخنا المعاصر, خصوصا في الخمسين سنة الثانية من القرن العشرين, عندما تبدلت السياسات العربية علي أسس انقلابية مفاجئة, وزاولت العسكريات العربية دورها في كل المؤسسات المدنية واتخذت قرارات وطبقت مشروعات كان أغلبها فاشلا برغم مسمياتها النهضوية.
الاهرام العربي ، العدد 250 السنة 123 في 5 يناير 2002
شاهد أيضاً
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …