أربعة مشاريع سياسية طرحت في المنطقة العربية في خمسينيات القرن الماضي وهي: الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) الاتحاد العربي – الهاشمي (العراق والاردن) الهلال الخصيب الذي طرحه نوري السعيد بتوجهات مغايرة لطرح انطون سعادة. وكان السعيد طرح مشروعاً كونفيديرالياً عربياً وضع الأسس لجامعة الدول العربية، وأسس حلف بغداد مع تركيا آملاً ان تنضم اليه كل من ايران وباكستان، لكنه حورب عربيا كمشروع استعماري، فلم يكتمل. ما كان دور بريطانيا في إطاحة النظام الملكي في العراق وهو ربيبها؟ ولماذا؟ وما كان دور الولايات المتحدة في إطاحة شاه ايران وهو بوليسها الاقليمي؟ ولماذا؟ لعل أرشيف استخبارات الدولتين يكشف الخفايا يوماً !
يجمع كتاب الاتحاد العربي في الوثائق البريطانية أهمها عن العراق ويوضح الجوانب الخفية للستة اشهر التي سبقت انقلاب 14 تموز 1958، الذي قاده عبد الكريم قاسم وأدى الى مقتل الأمير عبدالإله والوزير الاول نوري السعيد، فانتهى العهد الملكي الذي كان أبناء الشريف حسين يحاولون تثبيته في دول سوريا (فيصل الأول والعراق (فيصل الثاني) والاردن (عبدالله بن حسين).
تعد الوثائق البريطانية من اهم الوثائق الدولية في ما يتعلق بمنطقتنا، من مصر امتداداً الى ايران، في مرحلة ما بعد العثمانيين، وتضم رسائل خاصة وشيفرات ديبلوماسية واستخبارية تنقل معلومات دقيقة عن شؤوننا وأحوالنا وقضايانا وسلطاتنا، وتلقي الوثائق مزيداً من الأضواء على حوادث مهمة في العراق والمنطقة العربية، بل الشرق الأوسط كله.
ويكشف الكتاب عن معلومات مهمة والوقائع السلطوية والحراك السياسي والعربي، وتعبر الوثائق عن مواقف حكومات وزعماء واحزاب وتيارات وتشريعات ورأي عام – في مرحلة تاريخية مفصلية وبالغة الأهمية… كان لبريطانيا تأثير قوي في صنع احداثها التاريخية، خصوصاً في تشكيل اتحاد عربي يواجه الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسوريا.
في 1 شباط 1958 أعلن الاتحاد العربي (الهاشمي) بين الدولتين العربيتين المرتبطتين بعائلة مالكة واحدة (الهاشمية) وهما العراق والاردن، اذ كان يحكمهما فيصل الثاني والحسين بن طلال اللذان ورثا الحكم عن جدهما الأكبر الشريف الحسين بن علي. وكان اتحاداً غير اندماجي جاء رداً مباشراً على خطوة الوحدة السورية – المصرية، واصبحت قضايا العلاقات الخارجية والدفاع والسياسة الجمركية والتعليم من صلاحيات الحكومة الاتحادية المشتركة بين العراق والاردن. على أن يكون ملك العراق هو رئيس الاتحاد.
وعلى رغم أن الوثائق تشير الى ان فكرة الاتحاد بين المملكتين ولدت قبل مشروع الجمهورية العربية المتحدة، إلا انه كانت بنيته هشة.
فنوري السعيد لم يكن مقتنعاً به واشتكى الى البريطانيين ان موارد العراق لا يمكن أن تتحمل الانفاق على دولتين، واقترح ضم الكويت الى الاتحاد.
لكن الرأي العام في كل من العراق والاردن لم يظهر حماسة للاتحاد، بل كانت ميوله مع الجمهورية العربية المتحدة. وشكلت قضية فلسطين محوراً أساسياً في توجيه هذه الميول.
وطمأنت بريطانيا اسرائيل الى أن الاتحاد العراقي – الاردني لن يضر بمصلحة اسرائيل وأمنها.
وحظي نوري السعيد بحصة الاسد في الوثائق، خصوصاً تداعيات حلف بغداد والاتحاد العربي الهاشمي والوحدة المصرية السورية، والقضية الفلسطينية وقضية الكويت وصراعه السياسي مع جمال عبد الناصر… و سخّر السعيد اتصالاته لادخال الكويت في الاتحاد “لقاء استقلالها عن البريطانيين” وتوضح الوثائق تحول السياسة البريطانية حيال السعيد، الذي بدا من خلال مواقفه عراقياً صلباً ومخالفاً للرؤية البريطانية، خصوصاً ازاء مسألة الكويت التي تشبث بها وهو يعلم علم اليقين أنها خط أحمر.
ترجم المؤلف 215 وثيقة تشمل الفترة الممتدة من 1 كانون الثاني 1958 الى 14 تموز 1958. يفترض سيار الجميل في مقدمته للكتاب أن السفير البريطاني في بغداد آنذاك السير مايكل رايت لديه معلومات خاصة وشيفرات متبادلة مع خارجيته لم يكشف عنها، والوصول اليها سيكشف معلومات خطرة عن اسرار ثورة 1958، والمعروف ان رايت غادر السفارة مع زوجته الى فندق بغداد، صبيحة 14 تموز وبقي فيه الى مساء اليوم التالي!
من حظي بحماية بريطانيا وأميركا هو فاضل الجمالي رئيس وزراء ووزير الخارجية العراقي في العهد الملكي!
وللملك حسين بن طلال ملك الاردن موقعه الكبير في الوثائق البريطانية التي تشير الى قوّة تأثيراته السياسية مقارنة بدور الملك فيصل الثاني ملك العراق. تمنع الملك سعود عن المشاركة في الاتحاد، متذرعاً بوجوب ترك العراق حلف بغداد كي يشارك وعارض الوحدة بين مصر وسوريا ومقابل ابقاء الحدود بين الاردن واسرائيل هادئة يطلب المسؤول عن مكتب شؤون اسرائيل والاردن في الخارجية الاميركية من بريطانيا انجاح تجربة الاتحاد العربي، “مهما كان الثمن”.
ما حقيقة ما رواه الملك حسين انه نبّه رئيس اركان الجيش العراقي محمد رفيق عارف الى المؤامرة التي كان يعدّها بعض الضباط العراقيين؟ وأن عارف ردّ عليه متحدياً “ان عليه ان يخاف من جيشه هو، لأن الجيش العراقي موال لملكه”. ونفى عارف هذا الكلام! ولماذا لم يبلغ حسين ابن عمه فيصل الثاني مباشرة؟ ولماذا بقي عارف صامتاً طوال حياته، رافضاً الحديث عن الانقلاب؟ ولماذا لم يحاسبه قادة الانقلاب كما حاسبوا جميع اركان النظام السابق، علماً أنه رئيس الاركان وقطعات الجيش التي كانت تحركاتها تحت أمرته قلبت نظام الحكم في العراق؟
هل دفع نوري السعيد حياته، ونظام الحكم الملكي، ثمناً لمشروعه وإصراره على ضم الكويت الى العراق أو الى الاتحاد العربي؟
تتكون وثائق الكتاب من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء البريطاني ومناقشاته للفقرات المتعلقة بموضوع الكتاب، ومجموعة البرقيات التي تبادلها سفراء بريطانيا في بغداد وعمان وبيروت وطهران وكراتشي وأنقرة وباريس وواشنطن وغيرها، ومراسلات المقيم السياسي البريطاني في البحرين والوكيل السياسي في الكويت، وايضاً البرقيات المتبادلة مع وزارة الخارجية البريطانية.
ويضم الكتاب وثائق حلف بغداد، خصوصاً ما يتعلق باجتماع قادة الحلف في اسطنبول عام 1958، والوثائق المتصلة باقامة الاتحاد الهاشمي التي تتميز بعرض حقائب جديدة، وأهمية المراسلات بين السفير رايت في بغداد والسفير تشارلز جونستون في عمّان.
وجمعت مجموعة وثائقية عن الأزمة اللبنانية عام 1958 وأهمها استعداد الحكومة البريطانية للتدخل العسكري ودعم الرئيس كميل شمعون ضد خصومه الذين تدعمهم الجمهورية العربية المتحدة.
وعلى أهمية الكتاب في ما يحصر بهذه المرحلة، فأن الصورة لا تكتمل الا بمزيد من الوثائق من مصادر مختلفة ومراحل تسبق وتلحق الأشهر الستة التي انحصرت فيها وثائق الكتاب.
نشرت في جريدة النهار البيروتية ، السبت 13/ ابريل نيسان /2013
http://newspaper.annahar.com/article.php?t=adab&p=1&d=25046
ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
ملاحظات
عنوان الكتاب : الاتحاد العربي في الوثائق البريطانية
المؤلف : مؤيد الونداوي
تقديم : سيّار الجميل
الطبعة الاولى
الناشر : بيروت / الدوحة : المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات
سنة النشر : 2013
عدد الصفحات : 718
الرئيسية / كتابات عن / الاتحاد العربي بين العراق والاردن لمواجهة الجمهورية العربية المتحدة ما هو الدور البريطاني في الانقلاب على نوري السعيد ؟
شاهد أيضاً
كلمة إنصاف مطلوبة بحق الأستاذ الدكتور سّيار الجميل
عندما يبدأ الكاتب المثقف في معالجة مشكلات عامة, سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية, …