في عددها الصادر في مارس 2007 ، نشرت مجلة اف بي (=Foreign Policy ) الامريكية ، تحقيقا رئيسيا في ملف مهم عنوانه : ” من سيربح في العراق ” ؟ انهم عشرة من الرابحين ، باستطاعتنا التعّرف عليهم وبواسطة عشرة موضوعات كتبها مختصون ومحللون في هذا العالم .. لنسأل فعلا : هل كان هؤلاء بالفعل ربحوا في العراق ؟ ونسأل : الى متى سيدوم حال العراق وهو يدمّر تدميرا ؟ متى تتبلور الارادة العراقية كي تفعل المستحيل لتحافظ على العراق وتكون هي الرابحة الحقيقية ؟ دعونا نتوقف عند عشرة من الرابحين حسب ما ورد في التقرير :
اولا: الرابح الاول هو ايران اذ استطاعت ان يأتيها العراق ضعيفا مترديا .. وان هناك من يشكر الذين صنعوا لها كل هذا النفوذ ، فتفوقت ايران وانتصرت لتصبح صاحبة ” استراتيجية ” تتلاعب من خلالها بكل المنطقة !
ثانيا: اما الرابح الثاني فيتمثل بالسيد مقتدى الصدر ، اذ يرى ديكستر فيلكينز متسائلا : كيف لرجال الدين من الراديكاليين الشيعة المتطرفين ان يصبحوا القوة الاكبر من خلال الولاء الشعبي لرجل شاب لا يقدر الامور حق قدرها !! ويتمنى الامريكيون ان يروا مقتدى وراء الحجب .. علما بأنه العدو اللدود لكل العراقيين المحدثين .. وقد تعود الرجل ان لا يستطيع احد مهاجمته !!
ثالثا: أما الرابح الثالث ، فيتمّثل بالقاعدة التي تقف على رأس الارهاب العالمي ،وباستطاعتها ان تحّرك الحرب القائمة من على شاشات النت ، بدءا بعمليات 11 سبتمبر حتى قيام الجبهة الجديدة في العراق .. ويذكر دانيال بايمن ، بأن تلك ” الجبهة ” قد فتحت في بغداد التي لم تحدد نهاياتها بعد .
رابعا : أما الرابح الرابع ، فيمثله صموئيا هانتيغتون ، وهو الرجل الذي كانت له رؤيته في صدام الحضارات نجده اليوم اكثر ايمانا بالغيب من اي وقت مضى .. ويكتب ديفيد فروم بأن هانتغتون قّدم اسوأ الافكار والاحكام للمسؤولين الامريكيين ، عندما قرن العراق بالمانيا واليابان بمنتهى الغباء ، اذ اكتشف الامريكيون بأن العراق هو على غير ما وصف به لهم ، اذ تحل به انقسامات كبرى وانعدام حقيقي في الالية الديمقراطية !
خامسا: أما الرابح الخامس ، فيتمثل بالصين . ان الولايات المتحدة قد اخطأت التقدير في العراق وانشغلت بمشاكله العصّية ، فاعطت الصين ارتقاء ( السوبر باور ) في الشرق البعيد ، والصين تتحفز اليوم بسرعة كبيرة لتخزين كميات هائلة من البترول ، وقد افتقدت العراق كاحد اهم مراكز الاحتياطيات النفطية .
سادسا: اما الرابح السادس فيتمثل بالزعماء الاقوياء للشرق الاوسط الذين كانوا قد وقعوا تحت ضغوطات الاصلاحات ، فكانوا قبل الحرب على العراق شيئ وغدوا من بعده شيئا آخر .. لقد اصبحوا اكثر قناعة راسخة بافكارهم القديمة وأساليبهم التقليدية بعد ان وجدوا صورة امريكا تتمرّغ في دماء العراق ـ كما تقول ماريانا اوتاواي ـ !
سابعا: اما الرابح السابع فيتمثل بسعر النفط الذي سجل قفزات كبرى في الاثمان ، بمعنى : ان الارباح تأتي اليوم وهي تقفز نحو الاعلى بسبب الحرب على العراق .. وان الدول الاقليمية ستتمتع بأروع السنوات القادمة لأن الرئيس جورج بوش حطّم العراق كي تصل الاسعار الى 80 دولار للبرميل في العام 2006 ـ على حد تعبير بيل آموت !
ثامنا: اما الرابح الثامن فتمثله الامم المتحدة .. اذ فجأة ، لم تعد الدبلوماسية العولمية ترى على انها سيئة .. نعم ، يرى مارتن وولف بأن الامم المتحدة كانت اشبه بعجوز كسيحة قبل الحرب على العراق ، ولكنها غدت اكثر تأثيرا ونفوذا اثر الحرب .. وهي فرصة تاريخية لم يكن يحسب حسابها ابدا !
تاسعا: أما الرابح التاسع ، فهو اوروبا القديمة التي اصبحت تشاهد بعد اربع سنوات من الحرب طريق الحكمة من وراء السنين ، ولكن هل باستطاعة الاوربيين القدماء ان يعملوا شيئا اكثر من ان يجلسوا الى الخلف ويتطلعون الى المشهد الامريكي بكل خبث ودهاء ؟؟ وان سفراء اوروبا القديمة قادرون على اعطاء اقتراحات رائعة ، ولكن الامريكان ليس لهم الا ان يقولوا كلمة واحدة : ” حسنا ” ، ولكنهم لا يأخذوا بأي مقترح او رأي !
عاشرا: أما الرابح العاشر والاخير فيتمثّل باسرائيل التي لها العدد الاكبر من الاعداء ، ولكنها ربحت من الحرب انها افتقدت خصما قويا عنيدا عبر التاريخ ، وبدأت تنطلق من اجل اشياء جديدة في الطريق الطويل ! نعم ، لقد حيّدت العراق ، ولم يعد الفلسطينيون يعّولون بعد اليوم على العراق ولم يعد العراقيون يشكلون اي خطر على اسرائيل !
الاسئلة الان : من هو الخاسر الحقيقي من وراء هذا كله ؟ متى يشعر العراقيون بكل هذا الذي خسروه ؟ وبكل الذي سيخسرونه ؟ ان حريتهم غير مكتملة ، فمتى يدرك العراقيون بأن امامهم خطوات حقيقية لاسترجاع وحدتهم في التاريخ ؟ متى يدركون انهم دفعوا ماضيا الكثير في حروب عبثية ويدفعون اليوم ثمنا باهضا في حروب غرائبية لما بعد العبثية ؟ متى يدركون ان كل العالم يربح منهم الا هم انفسهم من الخاسرين ، فالبلاد محتلة والثروات مبعثرة والمؤسسات خاوية والانقسامات فاضحة وهم مقيدون بالاغلال ؟؟ متى يستعيدون الوعي بالمصير ؟ متى يدركون انهم جميعا يلعبون لعبة لا يفهمون اصولها ابدا ، وقد تاهوا وسط الدمار والخرائب والكلاب تعوي في كل مكان ؟ متى يكونوا الرابح الحقيقي ؟ متى يتدارك امرهم ، وينتهي مخاضهم الصعب وتكتمل تجاربهم المريرة ؟ ان العراق بحاجة الى صفحة تاريخية جديدة بعيدا عن الاحتلال بالتعامل مع كل الوسائل السياسية المتاحة .. عند ذاك سيخطو العراق خطواته نحو المستقبل .
مؤرخ عراقي
www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية 4 ابريل 2007
شاهد أيضاً
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …