مقدمة :
هناك من تبقى تعّنفه وتعاقبه من اجل تأديبه ، ولكنه من النزق بمكان بحيث لا تهمه اية كلمات قاسية ، اذ يبقى يتلقى اللكمات واللعنات وهو يضحك ، لا يهتم ولا تهتز عنده شعرة واحدة .. وهو يرغب للمزيد من الاهانات كونه قد افتقد كرامته وأنفته معا ! ومهما يقال ويذاع من فضائح عن الطبقة السياسية الحاكمة اليوم في العراق ( باستثناء من رحم ربك ) ، فهي كما يبدو قليلة ان عرفت كل الحقائق ، فمن تهن عليه نفسه وكرامته فسوف لا تهمه كرامة العراق والعراقيين .. وان الذين لا تهمهم سمعتهم ، فانهم بالتأكيد قد تعّودوا على فقدان ماء الوجه ، ولا تهمهم سمعة العراقيين في العالم كله وهم اليوم يترجمون كل الهوان والضعة التي عاشوا عليها حياتهم على الموائد ولا تهمهم ان يعلنوا فضائحهم واسرار علاقاتهم وروابطهم التي عاشوا عليها سواء مع النظام السابق ، ام مع اجهزة دول وحكومات اخرى .
ان اغلبهم يترجمون اليوم غاياتهم التي جاءوا من اجلها ليحكموا العراق حكما ضعيفا مبهدلا ، انهم فضلا عن كونهم من الخواء الفكري والسياسي ، فانهم من الجشع والفظاظة بحيث لا يعرفون كيف يسرقون ولا يدركون كيف يتصرفون .. ان العديد من النواب الذين جاءوا بواسطة انتخابات عاجلة وبوسائل غير ديمقراطية حقيقية وهم مجرد اسماء وبيادق وضعوها في سلال حزبية كي يقال ان الشعب قد اختارهم والشعب برئ منهم ومن اسمائهم .. ان احزابهم التي اختارتهم لكي يكونوا اعضاء سلطة تشريعية لم يفعلوا شيئا ذي بال منذ اعتلائهم مناصبهم نوابا في برلمان هزيل لا يقوى على اصدار اي قانون يمكنه ان يخدم الشعب الذي خدع اكبر خديعة في تاريخه ! واقول : اذا كان السابقون يجرون انتخاباتهم المزيفة ، فان الشعب لم يكن مغفّلا ابدا في معرفة الحقيقة .. ولكن أغلب اللاحقين اليوم قد فرضوا من خلال مناورة غير اخلاقية ، فخدع الشعب بوسائل دينية وطائفية ووسائل اخرى .. بل وخدع ولم يزل مخدوعا من آمن بانطلاق العراق وتقدم العراق .. وكل تلك النخب التي لم تزل تؤيد ما يسمى بـ ” الديمقراطية ” التي اساءوا اليها كمبادئ وممارسات وتطبيقات !
نواب العراق : مشروع امتيازات
ان مشروعا لامتيازات رئيس ونواب واعضاء مجلس النواب العراقي صيغ بشكل قانون ، ويبدو انه قد صيغ من قبل لجنة برلمانية كلفّت بذلك من دون ان نعرف من يكون اعضاؤها .. وكانت قد وصلتني نسخة من ” المشروع ” قبل ان ينشر في جريدة المدى الغراء بساعات يوم امس الاول ، فقمت مذ وصلني بتوزيعه على كل اصدقائي ومعارفي ، وما ان طلع الصبح حتى روجّته جريدة المدى ببغداد ، وذاعت الفضيحة ذيوعا شاملا بين العراقيين كما تمتد النار في الهشيم من خلال التقارير الصحفية والتعليقات اللامتناهية .. والسبب لأن العراقيين اليوم يترقبون اي خبر عن الحكومة العراقية والطبقة البرلمانية التي فرضت نفسها على العراقيين رغما عنهم بمسميات حزبية .. ان مشروعا كهذا الذي قرأناه لا يمكنه ان يصدر عن برلمان عاقل ابدا ، كما ان قانونا كهذا يقّدم بهذه الصيغة البلهاء لا يهمنا من قام بصياغته التعيسة خصوصا وان البرلمانيين العراقيين ان لم يصدر عنهم او عن بعض منهم ما يعارض هذا ” المشروع ” ، فان البرلمان مطالب اليوم بأن يحّل نفسه عاجلا لأنه يبدو لنا انه يعمل لنفسه لا للعراقيين اجمعهم ..
انها فضيحة اعتاد على سماعها وسماع مثلها كل العراقيين ، ولكنها فضيحة تترجم نفسها لكل العالم الذي ينتظر شيئا يخدم العراقيين ولا ينتظر قوانين تكّرس امتيازات خاصة للبرلمانيين بصيغة سرقة مؤدبة واضحة في عز النهار .. سرقة من المال العام بشكل قانوني حتى تأخذ صفة الشرعية ! سرقة السحت الحرام عمدا وتشهيرا من مال اليتامى والفقراء والمساكين والارامل والعجائز والاطفال وكل المسحوقين العراقيين الذين يعانون الامرين .. سرقة لا رجولة فيها ولا شجاعة ولا انفة ولا اي كرامة لها .. وسوف تصاغ باسلوب غير نظيف في سيرة كل برلماني عراقي جاء على رأس السلطة التشريعية لينهب ويتلذذ ليس بالنهب فقط ، بل بسماع كل السباب والشتائم التي ستلاحقه الى الابد .. وليعذرني اصدقائي من بعض البرلمانيين العراقيين اليوم ، فهم قد استووا مع غيرهم من الذين خانوا الامانة وانفصلوا عن اي ضمير حي ونقاء وطني ما لم يعلنوا عن تراجعهم عن هذا ” المشروع ” وبالسرعة الممكنة !!
الانحلال بشكل قانوني : اللعب كله على العرموط !!
لم نشهد عند رجالات العهد الملكي ولا عند رجالات العهد الجمهوري العسكري اي صفاقة او قلة ادب او وساخة علنية كالذي نجده اليوم عند اناس يسمون انفسهم بعراقيين وهم مجرد لصوص وأفاقين وحرامية ومبتزّين ونشالين ولوتية ونهابين .. يريدون ان يصنعوا من انفسهم شيئا كونهم من فاقدي المعرفة وفاقدي كل الاشياء وفاقدي الضمير .. كيف بمقدور رئيس البرلمان ان يعطي لنفسه الحق في ان يكون بمقام رئيس دولة كي يتمتع بنفس امتيازاته ؟ وكيف باستطاعة نائبيه ان يكونوا بمنزلة نائبي رئيس دولة ليتمتعوا بامتيازاتهما ؟ وكيف يريد كل عضو في البرلمان ان يتمتع بامتيازات وحقوق رئيس وزراء ( او كما سمعت قبل قليل من احدى النائبات بامتيازات وحقوق وزير ) ؟ اذا كان جل هذا المجلس لا يضم الا ناقات الله وسقياها .. فلم هذي الامتيازات ؟ هل سمعنا في اي نظام سياسي في كل هذا الوجود منذ ان خلقت الانظمة البرلمانية حتى اليوم ان صدر هكذا ” مشروع ” يضم هكذا امتيازات فوضوية لا اخلاقية وتأتي زاحفة مفاجئة الجميع باسلوب ” الطلبة ” ( بضم الطاء وتسكين اللام ) الذي عرفته انظمة المماليك بمصر ابان القرن السابع عشر ، اي باسلوب السرقة المشروعة !! .. و” اللعب كله على العرموط ” ـ كما يقول المثل العراقي ـ ، اي ان النيابة اليوم في العراق ليست من اجل خدمة العراق والعراقيين ، بل من اجل تحقيق امتيازات فئوية وطبقية وشخصية .. الخ . واقول : ان السرقة المشروعة ليست بحق العراق ، فالعراق مباح لكل العالم اليوم ، بل بحق العراقيين الذين يعانون كل لحظة تاريخية تمر عليهم من كل المصاعب والتحديات المريرة التي لم تمر ابدا على اي شعب من الشعوب !!
أي مكافئات هذه من اجل خدمة العراق والعراقيين ؟
ماذا فعلتم بحق السماء من اجل العراق ومن اجل العراقيين ؟ ماذا قدمتم للعراق والعراقيين حتى تطالبوا برواتب وجرايات تسري على امتداد حياتكم ، ثم يتمتع بها ورثتكم من بعدكم ؟ ما الذي قدمتموه حتى تطالبوا بمساكن لسنوات وسنوات مضافة حتى تستملكونها ؟ ما هذا الذي ضحيتم من اجله حتى تطالبوا بحمايات تحرسكم لسنين وسنين ؟ اخرجوا منها فقد انحرفتم عن طريق العراق .. ان لم تكونوا من المنحرفين ؟ اخرجوا منها واعلنوا براءاتكم من هذا ” المشروع ” الاسن ؟ اخرجوا منها وقولوا للشعب نحن ابرياء من كل هذه التصرفات ؟ ارفضوا مرة واحدة ما حصلتم حتى اليوم على امتيازات لم تستحقونها ابدا ! ان من ينوب عن شعبه لتمثيله لا يطالب بالثمن ! ان من يقدم خدماته الى الناس لا ينتظر راتبا ولا امتيازات ولا اجورا ولا فضلا ولا جزاءا ولا شكورا ! ان من ينتظر اجرا هو العميل في اي سوق كالذي اعتاد ان يبيع خدماته للاخر بثمن .. ويظهر ان الامور قد اختلطت على النواب العراقيين بحيث لا فرق في تقديم الخدمة سواء للشعب وسواء لاعداء الشعب !!
يبدو لي أن هذا القانون هو بمثابة مسودة فعلية وضعتها لجنة من البرلمانيين العراقيين من اجل الحصول على امتيازات اضافية وحقوق تأخذ لها صفة الشرعية .. وربما اخالف من يقول بأن البرلمانيين في العالم كله لهم امتيازاتهم ، ولكن لا يمكن ان تقارن امتيازات اي برلماني في العالم بامتيازات يريد تشريعها البرلمان العراقي لنوابه الذي لم تستقم حتى اليوم اجتماعاته ولم يقدّم حتى اليوم تشريعاته الحيوية ولم يدخل حتى اليوم التاريخ من اوسع ابوابه .. واذا كان البرلمانيون في العالم المتمدن قد وصلوا الى سدة النيابة بعد ان كان هذا المنصب قد كلفهم كثيرا من جهد ومال ودعاية وعلاقات .. فان نواب العراق ، كما هو حال الطبقة الحاكمة ، وجدوا انفسهم فجأة على رأس السلطة في بلاد صعبة لا يعرفون اساليب الحكم فيها ، ولا ارادة لهم في ادارتها ، وفي احوال استثنائية ، وهم اعجز من العاجزين على ادارة الازمات وتملك فن الادارة والحكم والبيروقراطية لا المركزية ولا التمثيلية ولا المحلية .. وهم اعجز من ان يملؤا الفراغ السياسي الكبير الذي خلقه الاحتلال الامريكي للعراق .. وليس عندي اي تفسير لتصرف نواب العراق بهذه الطريقة ، الا التفسير السايكلوجي لأي عراقي لم يعرف كيف يتصرف وقد وجد نفسه في مكان غير مكانه الطبيعي ، او انه ومنذ طفولته لم يشبع لا في بيته ولا عند اهله او عشيرته ، فيبدو وكأنه لا يتورع في ان يملأ نفسه ولم يشبع ابدا .. او كأنهم ” نواب ” يريدون اقتناص الفرصة السانحة للاثراء اولا ولجعل ذواتهم ذات قيمة في المجتمع والمجتمع منهوك القوى لا يقوى حتى على التظاهر واعلان الغضب !
لم الاستثناء في النموذج العراقي الجديد ؟
انني اخالف كل من يدافع عن هكذا ” مشروع ” حتى وان قال بـ ” الاستثناء في النموذج العراقي الجديد؟ ” خصوصا وان العراق والعراقيين بحاجة الى نوابهم يعملون في صالتهم ليل نهار ـ كما كنت قد طالبت بذلك منذ زمن طويل ـ ، نعم انهم بحاجة الى ان يبقى مجلس النواب مشّرعا ليل نهار لتدارس احتياجات العراق والعراقيين وما اكثرها .. ولكن ذلك لم يحصل ! فلا جلسة واحدة انعقدت وكل نواب الشعب قد حضروا ، ولا اي جلسة انعقدت ان لم تعالج قضايا تافهة يتشاتم فيها المتحزبون والطائفيون في ما بينهم ليخرجوا وسط زعيق رئيس المجلس .. ولم تنعقد اي جلسة من جلسات المجلس ان لم يخيّم علىالمجلس النكد والكراهية والانقسام من خلال الاحتشاء الطائفي الذي لا يمكن لأي عراقي ان يجادلني بعدم وجوده ! نعم انه البرلمان الاستثناء الذي ان بقي على حاله ، فهو ليس المعّبر عن ضمير العراقيين ، بل الحلبة التي تتصارع فيها الديكة حتى تتورم وهي تنز دما من هنا وهناك !! اتريدون مخصصّات ومكافئات على ماذا ؟ هل يمنحكم العراقيون مكافئات على ما قدمتموه من خدمات اعجازية ؟ هل خدمتم العراق والعراقيين في حياتهم واسواقهم وبيوتهم ومجاري مياههم وكهربائهم وتصريف مياههم الاسنة وتعبيد طرقهم ومساعدة فلاحيهم وتقويم مصانعهم .. ؟؟
هل قدمتم الخدمات بالدفاع عن ما يعتور السلطة التنفيذية والوزارات من الخلل والمهازل والاحتشاءات الطائفية والفساد ؟ هل حاربتم الجهل والامية والارتشاء ؟ انكم تأخذون رواتب مجزية .. فما الذي يجعلكم تطالبون بامتيازات لا معنى لها ؟ ان من لم يجد نفسه شجاعا ليملأ منصبه فليغادر ، قبل ان يطالب بجيش من الحراس والحمايات .. وحتى ان آمنا ان العراق بلد شاذ ـ كما تقولون ـ واستثنائي ـ كما يقولون ـ ، فان الحالة هي من صنعكم ، كونكم لا تعرفوا ابدا ان تقولوا كلمة ( لا ) ، فقد تعلمتم ان تقولوا كلمة ( نعم ) .. انكم لا تمتلكون ارادتكم ، فارادتكم رهينة احزابكم وقواكم السياسية وتكتلاتكم الطائفية وتحالفاتكم السياسية ..
من يعترض منكم ؟ من يمتلك الضمير الحي ؟
وعليه ، فهل من نائب عراقي صاحب ضمير حي يقف ليقول لي : انا الوحيد الحر صاحب الارادة الحديدية الذي اعتاد ان يقول ( لا ) .. وانني اعرف ما اقول . انني اعترض على هذا ” المشروع ” اعتراضا حقيقيا لا مزيفا .. ليقول : انني لست في سلة هذا الاحتشاء او ذاك التحالف !! وساوافق واصفق لهذا النائب او ذاك وانني اعرف مثل هذا او ذاك في وسطكم ايها النواب .. ولكن ما دوره وما فعله في وسط 275 نائبا ينتظرون على القارعة ما سيجود عليهم القانون الجديد الذي حلموا به مذ جيئ بهم نوابا في مجلس للنواب العراقي ! واذا كان غيري من الكتاب والساسة المنتقدين قد انتقد بعضكم كونه من ذوي العلاقات مع الارهابيين ، فانني انتقدكم جميعا بلا استثناء ، فقد قبل كل واحد منكم باجندة حزبه او طيفه او تحالفه او كتلته او توافقه او تياره او طائفته او دينه او عشيرته او مدينته .. ولم تقبلوا باجندة العراق .. بل وجالستم جميعا كل من سميتموه بعثيا او تكفيريا او ارهابيا او خائنا او عميلا او قادم على الدبابة الامريكية .. الخ .. فلا مزايدة وطنية لأحد على أحد ، ولا اخلاقيات لفئة من دون فئة .. ولا ضمير صاح لكتلة على حساب تحالف آخر ! وهل منكم من ناء عن اطياف المحاصصة الطائفية والعرقية والجهوية التي نقلت العراق من العناية المركزة الى غرفة الانعاش الى المقبرة التاريخية وهو ينتظر مصيره منذ اربع سنوات عجاف !
اية انجازات تاريخية يا مجلس النواب ؟
نعم ، أسألكم عن اية انجازات تاريخية قدمها مجلس النواب منذ اعتلائه السلطة التشريعية ؟ انكم يا اخوتي ويا اخواتي من النائبات والنواب تبالغون في امتيازاتكم .. انكم تبالغون في قوة تأثيركم .. انكم تبالغون في قيمتكم .. انكم تبالغون في اعمالكم .. انني اراقب ما يفعله العديد من النواب والنائبات العراقيين والعراقيات ، فاجد بعضهم يتكسع في عواصم العالم .. واخرون يقتلون زمنهم في محادثاتهم على ماسنجرات الانترنيت .. وآخرون ليس لهم الا الولائم واتلاف الزمن بالقيل والقال .. هناك من لم يحضر جلسات البرلمان وهو يقضي وقته في دول عربية واجنبية .. بل ان هناك من تصرف له ولحراسه مرتبات وهو يقضي وقته في المنتجعات ؟ فهل من الضمير ان يتقاضي نواب العراق كل هذه الامتيازات ؟ اتقوا الله يا نواب العراق .. فكروا في سمعتكم وما تسجلونه في سير تواريخكم الشخصية . اذكر ان بعض نواب العهد الملكي كان يصرف الغالي والنفيس من اجل ان يكون نائبا بلا حقوق وهو اقطاعي ابن اوادم او شيخ عشيرة متخلف .. ولكن اليوم يجلب النائب من هنا والنائبة من هناك ليمنح حقوقا ولتمنح منزلة لا يستحقانها برغم تخلفها علما بأن الغالي منهم قد ضاع بسعر الرخيص !
نحن امام عملية غير نظيفة ولا مبررة ابدا ، وان كانت مقبولة ومصفق لها من قبل بعض الاطراف لتمشية مصالحهم او دغدغة عواطفهم ، فانني واثق من ان الجماهير العراقية كلها سترفض العملية بقضها وقضيضها ، اذ لا يمكن تمرير اي قانون يعكس مصالح فئوية او طائفية او سياسية في ظل اوضاع شاذة واستثنائية اعتقد الشعب بأن مجلس النواب سيعالجها !! لقد وصل الامر الى المخصصات الاضافية ، فاذا كان البعض مقتنع بمخاطر مهنة النيابة ، فمن يعطي مخصصات مخاطر اضافية للاساتذة الجامعيين وكذا الاطباء والقضاة والقادة العسكريين والضباط وكل من ينتمي الى مؤسسات الدولة ؟ وهنا أقول : ان من يقتحم المسؤولية عليه ان يتحملها ، فمن لم يستطع فعليه ان يتخلى عنها . وقد كنت مقتنعا قبل تشكيل مجلس للنواب العراقيين ان من يتحمّل مسؤوليته وينتخبه شعبه سيختار المسؤولية طواعية بلا اجر ولا شكر ولا ثواب من اجل العراق وخدمة العراقيين .. ولكنني كنت متوهما جدا في مجتمع لم يعد يؤمن بالعراق ولم يعد يحافظ على مال العراق ولم يعد يخدم اهل العراق او يضحي من اجل مستقبل العراق .. اكتشفت ان كل شيئ يباع في العراق حتى الوطن ولا اقول اي شيئ اخر .. وقد علمتني التجارب في العشرات من البلدان التي عشت فيها ان مواقف الوطن لا تباع ابدا في اسواق نخاسة باسم الوطن !
لا تجعلوا منكم طبقة متميزة يا أعضاء مجلس الامة !!
تمنيت ان يقوم من قبره في بغداد الشاعر معروف الرصافي ليصف لنا منتقدا بواحدة من قصائده مجلس الامة الحالي في العراق .. وان يسمع بما يطالب به النواب الحاليون ! ولا ادري بأي حق يطالب النواب منحهم وعوائلهم جوازات سفر دبلوماسية من الدرجة الاولى ؟ ما هذا الطلب التافه ؟ ما هذا التمييز المقيت ؟ لماذا تريدون كل هذه الخصائص ؟ ماذا تحملون من امكانات ومؤهلات ؟ اريد احدكم ان ينازل اي مثقف عراقي لامع على شاشة تلفزيون ؟ والمثقفون العراقيون من اللامعين ما اكثرهم وما اروعهم ؟ واذا بحثتم عن اوضاع اي مثقف عراقي لامع ستجدونه يعاني الامرين في حياته وعيشه في داخل العراق وخارجه ؟ فبماذا انتم تتميزون ؟ بعضكم لا يعرف كيف يستخدم فرشة اسنان! وبعضكم الاخر لا يعرف يركّب جملة مفيدة في جلسة مقهى ! وبعضكم الاخر يتصّرف في البرلمان وكأنه في مزرعة ! وبعضكم لا يعرف من حياته الا الحقد الطائفي كما تربى على ذلك مذ كان صغيرا !
ان ما تطالبون به لانفسكم من ضمانات صحية ورواتب تقاعدية ومخصصات مالية .. ينبغي ان تطالبوا بها لكل العراقيين الذين قدموا خدماتهم للعراق والعراقيين بدل ان تخصصوها لانفسكم .. ثم اسألكم والسؤال مخجل : اليس من العيب ان تطالبوا بحقوق تورثونها لابنائكم واحفادكم ؟ لقد خدم كل زعماء العراق القدماء العراق ولم يستحق ورثتهم فلسا واحدا من الدولة ، ولم تكن لهم الا رواتبهم بدءا بفيصل الاول ومرورا بنوري السعيد وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد الرحمن البزاز وطاهر يحي وعبد الرحمن عارف .. فما مبرراتكم انتم ولم تقضوا في مجلسكم العتيد الا اشهرا ؟؟ اعرف احدى السيدات العراقيات الفاضلات توفيت بعد سنوات طوال من رحيل زوجها النائب البرلماني المخضرم في العهد الملكي وعاشت سنوات الحصار بفاقة وعوز حتى ماتت وهي مشلولة ولم تتقاض من الدولة فلسا واحدا ومع كل ذلك فقد بقيت تعتز بذكرى زوجها الذي وزعت صوره على جدران بيتها وتفتخر بدوره في خدمة العراقيين !!!
اليس من المخجل يا نواب الامة الجدد ان تقارنوا مناصبكم بمناصب سيادية او تنفيذية وانتم ممثلوا الشعب في سلطة تشريعية ؟ انكم لا تعرفون قيمة مراكزكم التشريعية لأنكم لم تعرفوا معنى السلطة التشريعية ؟ ويطالب احد اصدقائي من الكّتاب الاكاديميين بقوله : ” من واجبنا أن ندرس كل مشروع قانون تريد الحكومة أو مجلس النواب طرحه ومناقشته وإقراره, ويفترض أن يتميز حوارنا ونقاشنا لتلك القوانين بالهدوء والموضوعية وبعيداً عن الانفعال والاتهام وشن الحملات القاسية “.
وهنا اختلف معه ، ذلك ان المشروعات للتشريعات لو كانت معقولة ومنطقية لناقشناها على مهل ومن دون اي قوة وازعاج ، ولكنها مشروعات غير معقولة ابدا .. فضلا عن كون هؤلاء النواب في اغلبيتهم لا يفهمون اللغة الديمقراطية ولا يدركون وزن ما يتمتعون به من سلطات ! وأسأل : متى اصبح وضع النقاط على الحروف بمثابة انفعال وشن حملات قاسية ؟ وانت بنفسك ترى ” بأن هناك خطأ فادحاً يرتكبه مجلس النواب إن أقر مشروع القانون بالصيغة التي نشرت في وسائل الإعلام, ولا بد من أخذ رأي الناس بنظر الاعتبار, ولا بد من إعادة النظر به بعيداً عن التقسيم الطائفي والمحاصصة حتى في الحقوق والامتيازات والمنافع, إذ أنها ستجرنا إلى وضع المجتمع كله ضد السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ” .
ان بلادنا فقيرة اليوم ، والشعب يعاني الامرين والاولاد ينتشرون في الشوارع .. والامراض تملأ العراق ، وخط الفقر يزحف بلا رحمة على الاغلبية من الناس والامية مستشرية لدى الاغلبية ، والفساد بكل انواعه متغلغل في كل المرافق الاجتماعية والسياسية والادارية والتربوية والاقتصادية .. والبلاد كلها غير آمنة ولا مستقرة وهي بحاجة الى ابرع ابنائها وبناتها ليصلحوها بالعمل ليل نهار في مكاتبهم وفي اي مكان .. وانتم ايها النواب الكرام ليس لكم الا تلبية رغباتكم ومصالحكم والتفكير بترفكم وما يجعلكم متنعمين من دون ان اجد واحدا منكم يعلن للملأ وللعالم كله عن استنكاره هكذا مشروع منذ ان وصلني قبل ثمان واربعين ساعة ؟؟
واخيرا : المطالبة بالاعلان عن ايقاف المشروع !
واخيرا ، اطالب الشعب العراقي كله باعلان استنكاره لمثل هكذا اعمال لا تستقيم والخلق العراقي الاصيل ، واعلن مطالبتي الاخ السيد رئيس مجلس النواب العراقي بالاعلان عن سحب هكذا مشروع ذميم لا علاقة له بالمصلحة الوطنية العليا .. واعلن لكل من تقّدم به من اعضاء مجلس النواب افرادا او لجان بالاعتذار علنا امام الناس ، كي يكسبوا محبة الناس ورضى الناس بعيدا عن اي مراكز قوى او احزاب او تكتلات او تحالفات عرف الشعب مقدار اعتزازها الوطني وعرف الناس مدى ارتباطها بمصالحهم ومستقبل بلادهم .. اتمنى من كل النواب والمسؤولين العراقيين ان يرتقوا الى مصاف العقلاء وان يربطوا مصيرهم بمصير شعبهم .. بلا تمايزات ولا خلق طبقة فاسدة في المجتمع اذ يكفي هذا المجتمع ما اعتوره من طبقات فاسدة على مدى تاريخه الطويل .
www.sayyaraljamil.com
ايلاف 7 ابريل 2007
Check Also
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …