كلما يمتد بنا الزمن نحن العرب ، كلما تتثاقل حياتنا ، وتكثر تحدياتنا ، وتزداد مشكلاتنا وتتفاقم المخاطر من حولنا .. كلما يجد العالم حلولا لكل ما يصادفه من مشكلات ، او انه يوجب العلاجات لما يتوقعه من ازمات ، كلما كان نصيب منطقتنا التراجع والعجز والدوران في حلقات مفرغات ! وعادة ما تكون اجتماعات القمم الرئاسية في كل هذه الدنيا هي التي يبرع روادها بصناعة القرارات بلا اي تعقيدات .. وثمة مؤسسات في دول عدة تترجم تلك ” القرارات ” الى آليات ومجالات عمل .. حبذا لو تعلمنا كيف ندير الازمات ببراعة متناهية .. هكذا ، ففي وسط امواج عاتية من المشاكل والمعضلات التي تضرب منطقتنا ، يجتمع في العاصمة الرياض الزعماء العرب في محاولة لايجاد حلول ممكنة لها .
نحن على موعد اذن مع قمة الرياض عند نهاية هذا الشهر ، ونتمنى ان تكون استثنائية وحيوية وواقعية في صناعة قرارات مشتركة لمشكلات جد صعبة ، بل واعتبرها بمثابة تحديات ينبغي على المنظومة العربية الاستجابة لها للتعبير عن طموحات سياسية وتطلعات اجتماعية ومشروعات اقتصادية . ان المملكة العربية السعودية لها القدرة على ان تقّدم اشياء جديدة ، خصوصا وان لها تجاربها التاريخية مع اغلب الازمات التي عجّت بها المنطقة منذ زمن طويل ، كما وكان لها دورها السياسي في حل عدة معضلات في القرن العشرين . ان قمة الرياض ستنطلق من العاصمة التي كانت ولم تزل صاحبة الدور التقليدي المؤثر ليس في تقديم حلول ومعالجات فقط ، بل في بلورة مفاهيم وقرارات .. واستطيع القول ، ان هناك دورا فاعلا لا يمكن ان يلعبه الا اللاعبون المهرة ، وعلى اللاعبين الجدد الذين تكثر المشكلات وتتعاظم الويلات في بلدانهم ان يستمعوا لمن كانت له تجاربه وممارساته على امتداد القرن العشرين .
سيجتمع الملوك والامراء والرؤساء في الرياض التي ستضيّفهم حسب تقاليدها العريقة .. ولكن لا اعتقد انهم سيحّلون كل مشكلات المنطقة ، ولكن اتمنى عليهم ان يذللوا الصعاب التي تواجه كل المنطقة ، كما يستوجب ان ترّتب الاولويات في جدول الاعمال حسب اهميتها وخطورتها كي يواجهها المؤتمرون باستجاباتهم الموّحدة وان يكون المؤتمر وحده هو المرجعية التي تعتمد في الشراكة العربية لايجاد الحلول الناجعة التي لابد ان تترجم على الورق بدل ان تبقى تائهة وضائعة ومتشظية .. فأخطر ما تواجهه المنظومة العربية اليوم اختراقات الاخرون لها من خلال هذا وذاك ، وكلنا يدرك ما الذي صنعته الاحتلالات الخارجية والتدخلات والاقليمية ليس في دواخل دولنا فقط ، بل في نسيج أوطاننا ومجتمعاتنا ..
ان المؤتمر لابد ان يخرج نهائيا عن طور القاء الخطب المنبرية والمواعظ التقليدية والكلمات التعبوية والشعارات العاطفية ليدخل طور العقلية الواقعية والسياسات الضرورية ومستوى العمل الجدي والاستجابات الصعبة والخطط الذكية في مواجهة التحديات ، خصوصا اذا علمنا انها تحديات مترابطة العلاقة بين محلياتها الى اقليميتها الى تأثيراتها الدولية ، واتمنى على السادة الزعماء المؤتمرين ان يكونوا اكثر انسجاما وصبرا في اطلاق استراتيجية جديدة وشاملة وبعيدة المدى تحسم العديد من المشكلات السياسية والامنية في منطقتنا ، وتحدد طبيعة العلاقات الاقليمية .
انني اعتقد بأن هذه ” القمة ” ربما تكون استثنائية في مواجهتها اخطر القضايا العربية المتنوعة والمتشابكة والمعّقدة مما يستوجب البدء بتفكيكها من الداخل والاتفاق على خطاب عقلاني نستطيع ان نوجهه موّحدا الى الخارج ، وكما قلت في مناسبات قمم سابقة : ان المسؤولية لا يمكن القاؤها فقط على الحكومات والقادة والزعماء ، بل انها مسئولية شعوب وقوى واحزاب وجماعات ونخب سياسية واعلامية واجتماعية .. والمطلوب منها ان تتحرك جميعها والانتقال من موقع الخطابات والشعارات واليافطات الساخطة الى مواقع مؤثرة لتقديم حلول ناجعة ، وخطاب عقلاني ، وتعبير متمدن ، وفكر مستنير .. على الجماهير مهمة اتقاء الفتن السارية من مكان لآخر كالنار في الهشيم بعد تاريخ طويل من التعايش والتماسكات ! على زعماء البيت العربي منح الفرص المتكافئة لكل القوى الواعية والمستنيرة التي يمكنها ان تفّوت الفرصة على دعاة التخلف والارهابيين والطائفيين ومروجي الفتن وعصابات الانقسام .. على القمة العربية ان تجد ما يؤهلها من اساليب لدرء الاختراقات الاقليمية لدول الجوار في شؤون بعضنا بعضا .. على رواد القمة ان يعتمدوا تجسير الفجوة بينهم وبين كل المثقفين وذوي الرأي واصحاب العقول ، فالامر لم يعد يهدد الدول والانظمة السياسية ، بقدر ما غدا التهديد يطال نسيج المجتمعات ..
ان التحديات لا يمكنها ان تقتصر على الصراع العربي الصهيوني ولا على تعقيدات القضية العراقية ولا على تفاقم المشكلات اللبنانية ولا الازمة السورية ولا النزاعات الفلسطينية ولا التمزقات السودانية ، ولا على مخاطر مفاعلات ايران النووية .. الخ ، فشبح التحديات الامنية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والامنية هي اخطر بكثير مما نتخيله ، اذ اخشى ان تأكلنا الموجات الارهابية اكلا بامتدادها من مكان لآخر من دون اي عوارض ولا اي موانع او كوابح من قبل المجتمعات نفسها ومن دون اي اصلاحات للتربية وتنمية للتفكير. كما نخشى على مجتمعاتنا من اوبئة الطائفية والتعصبات والصراعات الداخلية والاعلاميات المرئية المضللة .. انني اناشد مؤتمر الرياض ان يشكّل بهواجسه استراتيجية مدنية ذات مسارات متنوعة وبكل الاتجاهات ، وكلها تصّب في بلورة جملة تغيرات حقيقية في الاساليب السياسية والتعامل مع الاقليم بعقل ناضج وتحييد ايران خصوصا ، والمساهمة في انقاذ العراق من الارهاب وتحديد الموقف من الاحتلال والابقاء على الوئام الفلسطيني .. والبدء بتفكيك جملة ملفات للازمات العاصفة الكبرى .. والعمل على بلورة رؤية استراتيجية عربية للمستقبل المنظور .. باستحداث مفاهيم جديدة بديلة عما ساد طوال خمسين سنة مضت !
www.sayyaraljamil.com
البيان 21 مارس / آذار 2007
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …