كثيراً ما نتذكر كلاماً للكاتب التركي الشهير جلالة نوري قاله مصوراً حالة حكومته يومئذٍ ومعالجتها أموراً قد تكون ليست من الأهمية بمكان، يقول ذلك الكاتب – أن الوزير ليتصور في ليلة وهو على سريره المنصوب أمام نافذة غرفته المطلة على البسفور حيث يكون القمر قد أضاء الفضاء وعكس تموجاته على ذلك البحر الجميل كيف يستفيد من ذلك القمر ومن أنواره، حتى إذا ما انتهى الليل وجاء النهار عمد إلى سن نظامات زاعماً أنها تكفل له أسباب الاستفادة فيخلق وزارة أو مديرية ينيط إدارتها به، ولم يمض يوم أو بعض يوم إلا ونسمع تذمره وشكواه من ضيق دقته لكثرة أشغاله فيطلب إلى الحكومة مساعدته بتعيين معاونين أو مستشارين ومميزين أملاً بالفوز بتلك الغاية. قد تكون حالتنا الحاضرة قريبة الشبه بذلك فهذا مجلسنا النيابي قد أكمل دورته الأولى التي استغرقت ستة أشهر على حساب ميزانية الأمة العراقية، ولابد أنه قريب الانفضاض إذا لم تباغته ضرورة الدوام على الاجتماع مرة أخرى، ولم يلح لأحد من النواب أن يسأل يوماً من معالي وزير العدلية عن درجة جهود وزارته الخطيرة، في سبيل إصلاح وإعداد القوانين والأنظمة التي هي وليدة مقتضيات الظروف الاحتلالية والتي مازالت حتى الآن على حالتها من دون تعديل أو إصلاح.
نعم قد لا يمكننا أن ننازع بأن ظروف الاحتلال والحوادث التي أعقبت الاحتلال كانت تقضي بلزوم إبقائها على حالتها ولكن ذهب الاحتلال وذهبت معه تلك الظروف العصيبة والقوانين هي كما كانت عليه وحاملة أفراد الأمة اليوم لا يجوز كمعاملتهم بالأمس فلماذا القوانين الاحتلالية باقية تنفذ في رؤوسها وعلى من تعود تلك التبعة؟ أعلى الحكومة وحدها وهي المكلفة بأن تشعر بما تحتاجه الأمة؟ أما على نوابنا وهم الذين لا يخفى عليهم ما تحتاجه تلك القوانين من الإصلاحات؟ لقد كانت وزارة العدلية أكملت لائحة قانون أصول المرافعات الجزائية قبل بضعة أشهر ووزعت منها صوراً مطبوعة على رؤساء المحاكم لإبداء مطالعتهم وبيان ملاحظاتهم عليها بالسرعة الممكنة كي تقدم إلى المجلس التشريعي فما زلنا منتظرين بفارغ الصبر تقديمها إلى المجلس فلم نسمع بذلك حتى علمنا أن ليس في النية تقديمها الآن. فإلى متى الانتظار؟ والمحاكم تحسم كل يوم مئات من الدعاوى الجزائية سائرة على تلك القوانين التي هي من بقايا آثار الاحتلال.
إن اشتغال الحكومة بالكماليات أو بما هو فوق الكماليات وإعارتها مزيد الأهمية وإحلالها ممحل الاعتبار والالتفات الزائد لا يقبل التوفيق مع إدعائنا بالديمقراطية فقد كان يمكن للحكومة تأخير تقديم لائحة قانون الأوسمة وصرف الوقت بتدقيق لائحة قانون العقوبات أو لائحة قانون أصول محاكمات العقوبات أنفع للأمة وما ينفع الأمة ينفع الحكومة لا مرية في ذلك ولا جدال.
إنا نود من نوابنا الكرام أن يعطفوا أنظارهم نحو ذلك وعلى الأقل أن يكشفوا السر الباعث لتأخير تقديم تلك اللائحة لنعلم هل هناك أسباب جوهرية تدعو إلى التأخير؟ وهل أن تلك اللائحة ليست من الضروريات لأننا نعتقد إن إصلاح جميع القوانين التي وضعتها الحكومة الاحتلالية من أهم الضروريات.
صدى الجمهور
العدد 19
الخميس 28 نيسان 1927
26 شوال 1345