Home / مقالات / الكراهية والاقصاء قبل متاريس الشوارع

الكراهية والاقصاء قبل متاريس الشوارع

من يبحث منكم اليوم عن كل اسباب مسلسل العنف سيجد الطائفية عند الفرقاء ، تختبئ وراء الجدران الواهية هي التي تحرك وتتحرك هنا وهناك . ان مشروعا طائفيا مقيتا بدا يغزو عالمنا سياسيا منذ سنوات وهو يحمل هوية انقسامية فئوية عنيفة هدفه الفرقة لا الشراكة والاحادية لا الانسجام والعنف لا السلام .. انه مشروع لا يكتفي بتخوين ابناء الحاضر ، بل يريد نقل التخوين الى كل من الاباء والاجداد في الماضي والاستمرار باداة التخوين لابنائنا واحفادنا في المستقبل .. انه لا يريد المواطنة اساسا للتعامل ويمقت حتى ذكر العروبة هوية وانتماء .. بل يكتفي بالتخندق المذهبي وتوزيع الاتهامات ، فالكل في نظره خونة ومتآمرين وظلمة وجبابرة وهو الوحيد الامين والمثالي والمخلص ..
ماذا يريدون من لبنان ؟ هل يريدونه ان يصبح مهشما على طريق العراق ؟ هل يريدونه مشروعا آخرا للتقسيم والفدرلة ؟ الا يجدوا في نموذج العراق مثلا دامغا في التشرذم ؟ لماذا لا يفكروا في ان الفرز الفئوي لن يقود الا الى التهلكة في مجتمعات متداخلة ؟ لماذا نقلوا المعركة من الخارج والاطراف الى المركز والدواخل ؟ لماذا ازدواجية المعايير في طبيعة العلاقات مع الخارج ؟ من بقي حتى اليوم يرتبط بوطنه وارضه ارتباطا حقيقيا بعيدا عن اي طرف خارجي ؟ من بدأ يكّلم الاخرين بمنطق القوة والعنجهية ووصف كل المخالفين بالرأي خونة وعملاء ؟ لماذا لم يتنازل الفرقاء في لبنان عن مطاليبهم قليلا كي لا يجعلوا لبنان مشروعا عبثيا ثانيا كالعراق ؟
اذا كانوا يريدون الصراع من دون السلطة ، فهل يتم اختطاف الدولة ؟ وهل يريدون فدرلة لبنان ؟ وعلى اي اساس جعل لبنان مجموعة كوميونات مشرذمة تتحكم بها كميونة كبرى ترسم سياساتها في الخارج ؟ لماذا تأجيج كل الازمة بالحديث عن الفرقة المذهبية والطائفية ؟ الا تعتقدون بأن هذا سيجرّ لبنان الى التهلكة ـ لا سمح الله ـ ، وسيجعل لبنان بيئة صالحة للتنظيمات الارهابية كالذي حدث في العراق ! اذا كنتم تتحدثون عن الوحدة الوطنية ، فما الذي يجعل الفرقاء كلّ في طريق من دون الاتفاق على مبدأ الحوار نفسه ؟ واذا كان هناك اي حوار ، فهل ستكون الثقة مغروسة في الاعماق ؟ وهل ستكون الاجندة لبنانية حقيقية ام انهم يتحاورون بالنيابة عن اطراف اخرى ؟ على كل اللبنانيين ان يفكروا قليلا ويتأملوا ويسألوا انفسهم : من الذي حمل مشروع المقاومة ووقف بالضد من اسرائيل وكل مشروعاتها ضد لبنان ؟ الم تقف كل الاطراف وراء المقاومين اللبنانيين بمعزل عن هويتهم وانتماءاتهم وطوائفهم ؟ ولكن بنفس الوقت ينبغي ان يسأل كل لبناني نفسه : من الذي اعاد بناء لبنان من جديد منذ عشرين سنة ؟ من الذي اصلح قيمة الليرة اللبنانية ورفعها من الحضيض ؟ من الذي شجع السياحة ؟ من الذي اعاد الامن والاستقرار وازدهار السوق ؟ من الذي انفق الملايين من الدولارات على استعادة البنية التحتية ؟ من الذي ابقى على تقاليد الديمقراطية اللبنانية حية ترزق على امتداد مسلسل الحرب الاهلية وما بعدها ؟ من الذي بقي ساكتا دون ان يجهر متشدقا بطائفيته وانتماءاته من شماله وجنوبه .. ومن بقي لبنانيا حتى العظم ؟ من الذي تعّصب لعقدته الطائفية او الفئوية واستسلم لمشكلته المذهبية ولم يتعلم شيئا من سنوات الحرب الاهلية العجاف ؟ من الذي شارك في مسلسل الرعب بقتل ابرز الشخصيات اللبنانية على امتداد اكثر من ثلاث سنوات مضت ؟ من الذي خلق الاحتدام الطائفي الجديد بين الملل ؟ وكأن اللبنانيين لن يكلوا ولم يمّلوا من الانقسامات الطائفية التي عاشوها منذ اربعة قرون ؟ وكما هو حال العراق ، ثمة صراع طائفي متداول في كل مكان ويريدون التغطية والتعمية عليه لاسباب مبهمة .. انهم يتنازعون باسم الطوائف ، ولكنهم يريدون التعتيم اعلاميا من اجل ايهام انفسهم والعالم بأن الصراع يحتدم على مشروعات سياسية لا اكثر ولا اقل ؟ وكما هو الحال في العراق ، يتشدقون بالوحدة الوطنية في حين ان التهتك الطائفي والعرقي يأكل المجتمع العراقي .. ماذا ينتابك كانسان لا تعنيه الطائفية ابدا ؟ انك ستجد حربا اهلية خفية تستخدم فيها كل الوسائل المهينة والمناورات اللااخلاقية لتحقيق اهداف معينة تعمل كلها من اجل اهداف استراتيجية ربما لا علاقة لا لاهل لبنان ولا لاهل العراق بها ! ستكتشف اننا نعيش حربا اهلية في دواخل النفوس والمشاعر وليس على اطراف الازقة والشوارع اليوم .. ويا ويل مجتمعاتنا في الشرق الاوسط وخصوصا في العراق ولبنان وغيرهما ان تحوّلت حرب النفوس والمشاعر والافكار والاعلام الساخن الى حرب دواخل وشوارع ومدن وارياف وتخوم .. يا ويلنا ان تحولت الخطوط الفاصلة الطائفية والمذهبية في مجتمعاتنا وبلداننا الى انتصاب خطوط تماس حمراء بين الفئات لا يقطعها الا رش الدماء ! وعند ذاك نسأل : من يكون المستفيد يا ترى ؟ من سيلعب لعبته يا ترى ؟ من سيجني ثماره يا ترى ؟ ان على كل انسان يعيش في منطقتنا وعالمنا ان يصرخ لا للطائفية ولا للتشرذم ولا للانقسام ولا لحرب الكراهية ولا لصراع النفوس والدواخل .

www.sayyaraljamil.com

البيان الاماراتية ، 14 مايو 2008

Check Also

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …