الرئيسية / مقالات / لبنان : هواجس عراقية

لبنان : هواجس عراقية

نشرت في 31 /1/2007 مقالا في جريدة البيان الاماراتية بعنوان “متى يخرج لبنان من عنق الزجاجة ” اختتمته بالنص التالي: ” ان المنح المالية ستساعد لبنان حتما ، ولكن بعد أن يخرج بنفسه من عنق الزجاجة، وان مثل هذه ” العملية ” بالرغم من ضرورتها الأساسية ، فهي لا يمكنها أن ترضي كل اللبنانيين الذين باتوا على تماس مع النار الداخلية ، وان المشكلة اللبنانية بالرغم من كونها اقل خطورة من المشكلة العراقية ، إلا أنها ليست دولية وعربية بأدوات محلية ، ان اللعب بدأ إقليميا في تحريك أحجار الشطرنج هنا وهناك ! فهل يمكن للأخوة اللبنانيين من فهم المعادلة الجديدة ؟ إن المعادلة القديمة التي تشّظت بانفجار الحرب الأهلية لم يعد لها وجود ، إذ استجدت معادلة جديدة ستقود إلى الانفجار ـ لا سمح الله ـ .. وعند ذاك سنبكي على لبنان وهو يسقط في قعر الزجاجة ! فهل هناك من يشاركني هذا الهاجس خوفا على مصير لبنان ” ( انتهى النص ) ..
ثمة من شاركني هواجسي ازاء لبنان منذ سنتين، وثمة من لم يزل يناور بهذه الدرجة او تلك كي يبقى لبنان ينزف دما.. ويبقى اولئك الذين كانوا وما زالوا يمسكون العصا من الوسط ، كونهم لا يعرفون ما الذي يجري على ترابهم الوطني، ومن هو الذي يحّرك كل الاحداث في لبنان بهذا الاتجاه او ذاك.. وهناك من يعيش على امل ان ترجع زهرة الماضي التي باتت بعيدة المنال جدا.. نعم ، ان لبنان هو الاخطر حالا في المنطقة بعد العراق بالرغم من اتساع خطر اللعبة ، وباتت مكشوفة لا تحتاج الى اي اقنعة كالتي لبسوها وخرجوا على العالم كي يقدموا ذرائعهم التي كان اغلب الناس يدرك معانيها ، ولكن ان تستغل لاهداف خطيرة تخص وحدة لبنان الوطنية وتخص ارادته وتخص اعرافه التشريعية والدستورية ، بل وتعلن عن قطع الايادي اللبنانية وابقاء مسلسل العنف ضد اللبنانيين انفسهم .. فهذا تجاوز خطير يأتي ضمن عملية تحريك احجار الشطرنج سواء هنا في لبنان او هناك بأي مكان او بيئة صالحة لاشعال الفتنة.. ونحن ندرك حجم الفتنة المذهبية اذا اندلعت ـ لا سمح الله ـ بين السنة والشيعة مثلا !؟
السؤال : هل سقط لبنان في قعر الزجاجة ام لم يزل يتصدى للتحديات ؟
دعونا نتأمل قليلا ونجيب : اذا كانت اسرائيل تمّثل تحديا تاريخيا بالنسبة له وهو باستطاعته ادراك ذلك ، فان التحدي الذي يخفي نفسه اجتماعيا ، انما يتمثّل بايران التي كانت قد خرقت لبنان منذ قرابة ثلاثين سنة سياسيا ودعائيا اعلاميا وميليشياويا اوليغاريا .. واستطاعت بعد كل هذه السنين ان تؤسس اهدافها العلنية بواسطة حزب الله الذي استطاع ان يفرض ارادته على الدولة والمجتمع اللبنانيين معا يوما بعد آخر.. وهو لا يلعب السياسة على الملعب الا من خلال اجندة ايرانية علنية على رؤوس الاشهاد، فايران لا يمكنها ان تزوده بكل ما لديه من اسلحة ومال الا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية التي لم تخفها عن الملأ أبدا ، فهي متحالفة مع حزب الله تحالفا مصيريا .. ولقد استطاعت من خلاله ان تلعب الكرة على هواها في عموم الشرق الاوسط ..
انني اخشى على لبنان ان يصبح حاله كالعراق ان بقي ينتقل من سيئ الى اسوأ .. ان الشعور بالطغيان والعظمة والقوة لم تنفع كل الذين مارسوها في لبنان نفسه من زعامات عسكريتارية ، ومن رياسات اوليغارية ، ومن مشيخات طائفية على امتداد اربعة قرون مضت قبل تأسيس الكيان المعاصر! هذا لبنان المعاصر ، الذي ناضل طويلا باهله عبر القرون كي يبقى مستقلا بارادته الصلبة ..
ان لبنان لا يمكن ان يطير لبنان بجناح واحد ، ولا يمكن ان يحتكر ارادته اي طرف من الاطراف ، .. فكيف اذا كان هذا الطرف يرتبط بمن يموّله ويسلحّه ارتباطا مصيريا وعضويا ومذهبيا .. ؟؟ هل بامكانه ان يكون مستقل الارادة ليشخص بنفسه بلا اي مليشيات ولا اي اسلحة ثقيلة او خفيفة ليكون في اي حوار او مشاركة من دون اي ارادة خارجية سواء كانت قريبة او بعيدة ؟! من يريد فرض ارادته وقوته وسطوته كونه امتلك هوية المقاومة الوطنية.. فان غيره لم يبخل على لبنان بكل ما استحدثه واعاد اعماره وارجع عملته الى عافيتها .. ولم يبخل الاخرون في ما قدموه الى وطنهم كل من موقعه .. ان كل لبناني مناضل في موقعه ازاء وطنه وشعبه الذي لا يمكن ان يتفتت ابدا بعد ان دفع انهارا من الدماء القانية على امتداد قرون من الازمنة الصعبة .
انني اعتقد ان الاخ السيد حسن نصر الله لم يستطع ان يقنعني هذه المرة ابدا بما قام به وخصوصا بعد خطابه القوي الذي تجّنى فيه كثيرا على خصومه وهم من اهله وبني تربته .. وقد قلت لاصدقائي بأن الرجل قد اتخذ من حدث تافه سببا ليفتح من خلاله باب جهنم على لبنان .. واذا كان غيري لم يصدق ان حزب الله سيمتد في العمق ليسيطر على بيروت الغربية في ساعات قلائل ، فانني قد توقعت ان يفعل ذلك ، بل وانه سوف لن يبقى ساكتا الان بعد ان وجد خصومه خواء من القوة ، وخواء من المجابهة ، وخواء من الميليشيات ، وخواء من الاسلحة الثقيلة .. وقد تراجعوا امامه حقنا للدماء .. سيجد ان الوقت مناسب جدا لتمرير ما تريده ايران في مثل هذا الوقت خصوصا فالولايات المتحدة منشغلة بالانتخابات ، واوربا منشغلة بترتيب شؤونها ، ومجموعة الدول العربية ليس بمقدورها الرد على كل تصريحاته ضدها .. بل والانكى من ذلك كله انه في مأزق بين ارادة ايرانية نافذة ، وبين خصوم سياسيين داخليين ما زالوا يناضلون ضد توجهاته ، وبين عدو اسرائيلي اختار ان ينام ليدع المعركة الحامية تستعر في دواخل لبنان ..
انني اعتقد بأن حزب الله وسيده حسن نصر الله قد خسرا جولتهما هذه المرة داخليا على المستوى الشعبي اللبناني ، وخسر سمعته التي وصلت الى عنان السماء عربيا قبل عامين ، وها هو اليوم يسقطها بنفسه باختياره هذا الطريق ليكون ضد اهله وبني عزوته ..
ان صنعه هذه المواجهة التي لا معنى لها ستجد امتدادات لها على الارض .. فاذا كان قد اصبح السيد حسن نصر الله ماردا حقيقيا في لبنان ـ كما يتصّور الان ـ بعد ان كان سيدا على حزب الله ، فان ذلك سينقله مباشرة الى مرحلة اخرى من الصراع وتنفيذ المشروع الذي يحمله .. ولكنها الفتنة الدامية والكارثة الحقيقية التي ستكلف لبنان واللبنانيين غاليا بقضهم وقضيضهم ، بسنتّهم وشيعتهم وبقية الطوائف والملل الاخرى .. انني اناشد كل صاحب ضمير حي ان يقف في لبنان وخارج لبنان من اجل لبنان .. ليدعو الى السلام والحوار والمشاركة الوطنية الحقيقية بعيدا عن اية اجندة سياسية مبيتة وعن اية مشروعات احادية من اجل ان لا يغدو لبنان صورة مصغرة من العراق .. وعند ذاك لاينفع الندم ! انني اناشد الاخ السيد حسن نصر الله وكل الفرقاء اللبنانيين ان يتنازل كل فريق قليلا للاخر .. فليس باستطاعة اي واحد منكم ان يستأصل الاخر .. وليس باستطاعة اي فريق منكم احتكار ارادة اللبنانيين قاطبة .. ان خصوصية لبنان في اطيافه والوانه .. وان جمالية لبنان في ديمقراطيته وحريات اهله .. وان الاجمل هي ارادته الوطنية التي ليس باستطاعة احد ان يثلمها .. وان روعة لبنان في انفتاحه ، وابداع ابنائه ، وخصب ارضه ، واخضرار جباله ،وفيروز بحره وشطآنه .. فهل سأحيا حتى اراه وقد عادت اليه كل نسماته وحيواته وامكاناته .. مع تحياتي الى كل الاصدقاء من كل الاطياف اللبنانية الجميلة .

النهار البيروتية ، 14 مايو 2008

www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …