البنية العشائرية في العراق (2)
سادسا : 14 تموز 1958 : الاخفاق في تحطيم البنية العشائرية
اذا كان الفلاحون في الجنوب قد تمردوا اثر 14 تموز / يوليو 1958 على شيوخهم ، فان فلاحي الفرات الاوسط وغرب الفرات وشرق دجلة والموصل لم تثر ولم تنقلب ابدا ! وعليه ثانية ، فليس من المعقول ان يصبغ تاريخ العراق الاقتصادي بالاقطاعية ووصفه باشنع الصفات وهو ليس كذلك ابدا .. ان العلاقات الانتاجية للارض الزراعية العراقية كانت اقوى بكثير قبل 14 تموز 1958 مما غدت عليه من بعدها .. الفلاح الذي كان يخاف فيعمل وينتج ، اصبح حرا طليقا لا يعمل ولا ينتج .. الانتاج الزراعي العراقي من قمح وشعير وشلب وتمر وفواكه .. كان فائضه يصدر من خلال نقله عن طريق النهر الى البصرة ليشحن الى خارج العراق ، بات العراق يستورد المواد الغذائية الاساسية لأن الارض لم تعد تزرع وبات الفلاح حرا لا يعمل .. وانسحق الانتاج الزراعي ابان الثمانينيات ايام الحرب العراقية الايرانية .. حتى بات يستورد اللحوم المجمدة لتأكل الناس .. ولما شهد العراق حصارا اقتصاديا قاسيا في التسعينيات من القرن العشرين ، بدأ يسترجع زراعاته ولكن من اجل الاكتفاء الذاتي ولم تكن كافية ابدا .. ان ضعف الانتاج الزراعي العراقي قاد الى انخفاض الثروة الحيوانية التي كان العراق يزخر بها .. وكان من المقرر ان تحدث ثورة اقتصادية وزراعية في العراق اثر تنفيذ مشاريع الري العملاقة لمجلس الاعمار العراقي الذي استبدل بمجلس التخطيط بعد 14 تموز/ يوليو 1958 ، ولكن الانقلابات العسكرية والسياسات الحزبية الثورية والحروب التي عاشها العراق على مدى خمسين سنة قد اضرت به ضررا بالغا . يكتب الدكتور عبد الجليل الطاهر قائلا بأن السلطات المنبثقة عن ثورة 14 تموز 1958 نظرت الى العشائر على انها مصدر ضعف في كيان الوطن وتؤدي الى تعريض أمن الوطن وسلامته الى الخطر وتحول دون تحقيق المواطنة الحقيقية لأنها تعمل على تجئة الوطن الى وحدات عشائرية غير منسجمة وتسود بينها شريعة الغاب ، لذلك فقد اقدمت هذه السلطات على الغاء قانون العشائر ، وتشريع قانون الاصلاح الزراعي ومارست ضغوطا واسعة ضد شيوخ العشائر والاقطاعيين ( عبد الجليل الطاهر ، العشائر والسياسة ، بغداد ، 1958 ، ص6 ) .
سابعا : ماذا نقول في اضطهاد الفلاحين ؟
لا يمكن لأي عراقي مهما طال الزمن او قصر ان ينكر ما فعله بعض شيوخ العشائر ببعض الفلاحين من ابناء عشيرتهم خصوصا عندما يغضب الشيخ غضبته ويستهتر بكل قيم العلاقة التي تجمعه بالفلاحين المنتمين اليه قرابة ونسبا .. لا يمكننا ان ننسى ما كان يفعله احد الشيوخ من حفر حفر عميقة يطمر فيها نصف جسم الفلاح !! ومن كان يفعل ذلك معروف لدى الاخرين من دون ذكر اسمه .. ولا يمكننا ان ننسى ما كان يفعله بعض الشيوخ بعبيدهم الذين يمتلكوهم .. وقصة ذلك الشيخ معروفة عندما دخل احد عبيده ، فوجد الشيخ يهتك عرض زوجته ، فقام بقتله وقتلها معا ! لا يمكن ان ننسى ما كان يفعله احد شيخين اخوين بحرق منازل الفلاحين القصبية ، ويسجن في سجنه الخاص ، وينفي بعضهم نفيا لا رجعة فيه .. لا ننسى ما كان يفعله اولئك الطغاة في الارض ، فهم بيدهم الارض والانسان والقوة والثروة .. كله اعترف به وادرك خطورته ، ولكن وأود هنا ـ ان يستكمل القارئ الكريم معي ـ ان الظلم كان منحصرا في لواء العمارة واجزاء من لوائي الناصرية والكوت .. وحتى اولئك الظلمة الذين نعرفهم واحدا واحدا لم يكن آباؤهم واجدادهم كذلك ، بل تحّولوا من آباء يمتلكون العطف والحنان وروح القرابة الى شيوخ قساة وغرباء وطغاة .. اما البقية الباقية من شيوخ العراق وملاكيه فلم يمارسوا اي طور من البشاعة الاجتماعية العراقية . ويتبدى الوضع واضحا اثر الانقلاب الجذري الذي حدث في 14 تموز / يوليو 1958 ، ذلك ان الشيوخ الاقطاعيين الذين آذوا فلاحيهم ، فان الفلاحين انقلبوا عليهم في العمارة وبعض مناطق الناصرية والكوت .. في حين لم يشهد المجتمع العراقي الفلاحي اي انقلاب عشائري من قبل الفلاحين على شيوخهم لا في الفرات الاوسط ، ولا في الفرات الاعلى ولا في ديالى وبساتين الشرق ولا في منطقة الجزيرة والموصل ولا في كردستان او الحويجة ولا في اي مكان آخر تحكمت فيه العلاقات الانتاجية الزراعية .
ثامنا : حول قانوني الاصلاح الزراعي
1/ هل دارت العجلة الى الوراء ؟
انني احترم رأي الاخ الدكتور كاظم حبيب ومن يرى رؤيته في موقفه السياسي من قانوني الاصلاح الزراعي الاول عام 1959 والثاني عام 1970 في العراق ، ولكنني اخالفه الرأي في ان القانونين قد كسرا شوكة الاقطاع وبدأ التحول التدريجي صوب الرأسمالية ، واخالفه الرأي ان سياسات النظم التي سادت في العراق منذ العام 1961 .. قد اعادت العجلة الى الوراء ويستدرك قائلا : ” وأعيدت الارض بصيغ مختلفة لشيوخ العشائر والاقطاعيين . لقد أعيد لهم ما اقتطع منهم قبل ذاك وفق القانون من أرض زراعية وعاد لهم وضعهم الاقتصادي والاجتماعي والسيطرة الفعلية على الفلاحين, وخاصة الفقراء والمعدمين وصغار المزارعين منهم. وفي مثل هذه الأجواء تنمو الطائفية بأبشع أشكالها المقيتة أيضاً. نحن بحاجة إلى كسر حلقة التخلف في المجتمع وفي وعي المجتمع .. ” .
2/ متى كان العراق بلدا رأسماليا ؟
مع خالص اعتزازي بمكانة الدكتور حبيب العلمية والسياسية ، لكنني اتمنى عليه ان يكون دقيقا في ما يصدره من احكام ، ذلك ان العراق لم يعرف ” الرأسمالية ” ولم يشهد اقتصاده حتى الخمسينيات الا بضع شركات صناعية صغرى وبضعة تجار قدماء ( ومحدثين برزوا بعد الحرب العالمية الثانية ) كانوا اعضاء في غرف تجارة قديمة وثمة ملاكين قدماء للارض والعقارات الصغرى وبضعة شيوخ عشائر لا اعتقد انهم يمتلكون رؤوس اموال كبرى .. فكيف يمكننا القول ان نظام العراق رأسمالي ؟ كانت هناك طبقة عليا في المجتمع من اعيان وشيوخ ونقباء وبيكات وتجار كبار ( = جلبية ) وهي طبقة صغرى ، وكان هناك طبقة وسطى اجتماعية نشأت منذ القرن التاسع عشر يؤلفها موظفون وعلماء وافندية وتجار صغار ورجال من علماء الدين تبلورت عنها فئة بورجوازية صناعية وتجارية في عقود الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات ثم هناك طبقة فقراء عريضة في المجتمع يؤلفها الزراع والعمال والمهنيين والحرفيين والكادحين والمحرومين والمعدمين .
ان من الخطأ القول ان العراق كان رأسماليا وميزانية الدولة العراقية لا تتعدى حصتها ابان الخمسينيات الخمسين مليون دينار عراقي ؟ ولم تسجّل في تاريخ العراق حتى عام 1963 اية اختلاسات كبرى ولا اي نهب منّظم ، ولا اي استلاب غير مشروع للمال العام .. ربما كانت هناك رشاوى ، ولكن بقي النظام الاقتصادي في العراق يحافظ على خصوصيته على ايدي ابنائه العراقيين .. ربما كان هناك نهب منظم لشركات نفطية ، ولكن هذا لا يدخل في صلب موضوعنا العراقي كتصنيف طبقي او صراع طبقي او رأسمالية دولة ومجتمع .. وعليه ، لا يمكن ان نقوم بنفخ العراق من اجل القول انه كان بلدا رأسماليا ، ونحن ندرك معنى الرأسمالية ومعنى المجتمعات الرأسمالية مذ تبلورت في الثورة الماركانتالية ابان القرن السابع عشر ونشوء البنوك وقوة الصيرفة والنفوذ المالي على العالم بتطور التجارة الدولية في مجتمعات معينة في العالم .
3/ هل كان العراق بحاجة الى اصلاحات ؟
نعم ، كان العراق بحاجة الى جملة هائلة من الاصلاحات ، ومنها الاصلاح الزراعي ، ولكن لا يمكن اصدار القانون وتنفيذه من دون اية ادوات تطوير ولا اية مكننة ولا اي تسويق ولا اي بذور ولا اية مواصلات متطورة .. اعطيت الارض للفلاح المعدم ، فكيف باستطاعته ان يحمي نفسه اولا من رئيس عشيرته الشيخ المتربص به وهو يرى ارضه قد ذهبت الى الفلاح الذي كان يرتبط به ؟ كيف باستطاعته وهو المعدم في الجنوب او الشمال ، في القرى البعيدة والضياع القصية ان يعتمد على نفسه في تهيئة مستلزمات الزراعة ؟ من اين سيحصل على ما يؤهله للانتاج ؟
انني مقتنع بأن الضربة التي تلقاها شيوخ العراق من الملاكين الكبار لم تكن بمستوى اي ضربة تلقاها غيرهم من الملاكين الصغار .. ولكنني مقتنع بأن الضربة القاضية كانت قد اصابت العلاقات الإنتاجية ( شبه الإقطاعية ) في كل المناطق الزراعية العراقية ، وان السلطة الجديدة لم تستوعب ذلك الخطر ، فليس التغيير يكتفي باصدار القوانين من دون معالجة مستلزمات تطبيقاتها على الارض في أعقاب التغيير السياسي عام 1958 والذي لم يصاحبه تغيير جذري بنيوي في تغيير العلاقات الانتاجية .. فبدأت تموت العلاقات الانتاجية القديمة مع انعدام لأي تأسيس بنيوي جديد .
4/ لماذا غدت تظاهرة استعراضية ؟
لقد كان صدور قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 والبدء بتوزيع الأراضي على فقراء وصغار الفلاحين مجرد تظاهرة استعراضية اضرت بواقع العلاقات الانتاجية القديمة بالرغم من كل ما حفلت به من سيئات ، اذ ظهر الفلاحون من الملاكين الصغار الجدد يفتقرون ايضا الى الرأسمال “النقود وادوات الانتاج”.وحسب احصاء 1957 كان لكل 6 عوائل فلاحية حصان واحد اي سدس حصان لكل منها.. وكان مابين 60%- 70% من مجموع العوائل الفلاحية لا يملك حصانا واحدا او بغلا او حتى حافرا!.. كان تملك الفلاح او عدم تملكه لحيوان حراثة قوي يمكن ان يتخذ مقياسا لتصنيفه من مرتبة فقراء الفلاحين او اغنيائهم او متوسطيهم الى جانب المقاييس الاخرى.. لقد استغلت في زراعة ما قبل 1958 (2712) ساحبة و(1056) حاصدة دارسة وآلاف الآلات الزراعية مما اسهم في تفكيك العلاقات الابوية ( عن : سلام كبه ، طريق الشعب ، 30/9/ 2007 ) ، فما نفع ان يتفجر الغضب ضد الشيوخ من الملاكين القدامى في حين لم يأت نظام الاصلاح الزراعي بأي اصلاحات اساسية تغير بنى العلاقات الانتاجية العراقية ولا تميتها ؟ .
5/ انها ليست مسألة نظم سياسية !
انها ليست مشكلة نظم سياسية يا اخي الدكتور حبيب .. انها مشكلة نظم اجتماعية وادارية واقتصادية . ولماذا حددت سنة 1961 نهاية للقانون الاول ؟ لقد اخفق القانون الاول للاسباب التي ذكرتها آنفا .. اما القانون الثاني الذي اصدره نظام البعث عام 1970 ، فكان نظاما تعيسا هو الاخر ليس بسبب مصادرته الارض من اصحابها واعطائها لمن يزرعها ـ كما كانوا يذيعون ذلك ليل نهار عبر الاذاعة العراقية ـ ، وكانت الدولة قد اخذت على عاتقها منح القروض الزراعية وتوزيع البذور ولكن اصبحت الجمعيات الفلاحية بمثابة كوميونات حزبية مشيخية لكل الشقاوات والطرداء من حزبيين وسلطويين .. جماعات اخذت تتحكم فيها العوامل الحزبية والعشائرية ابان السبعينيات ، ولما انتقل العراق نحو الثمانينيات لم تكن الحرب العراقية الايرانية سببا وحيدا في انحلال الاقتصاد الزراعي العراقي ، بل استجدت عوامل اخرى اشد بؤسا مما كان عليه الوضع قديما .
تاسعا : نوري السعيد : الارض سيتوارثها الابناء والاحفاد عن الاباء والاجداد
لا اناقشك في مقولة السيد نوري السعيد ـ رحمه الله ـ ( الذي ذهب قبل قرابة نصف قرن ، فهو ليس بحاجة لا الى تهكمنا ولا الى تقييمنا فقط ، اذ اجد ان ثمة اعادة تقييم لسياسته وحكمه وتبيان مدى قوة ارتباطه بالعراق او ارتباطه ببريطانيا من قبل كل الاجيال ، كما توضح بأن ليس هناك زعيم حكم العراق ما لم تكن له ارتباطات خفية او علنية بهذا الطرف او ذاك ) ومعتقده في قسمة الملكيات الزراعية من خلال التوريث ، ليس بسبب ايمانه لما حدث في بلاد زراعية اخرى ، ولكن بسبب علاقاته القوية برؤساء العشائر الذين يمتلكون الاف الدونمات ، واعتقد ان كل من يريد حكم العراق بقوة عليه صناعة تلك العلاقات ، فالمشكلة ليست في نوري باشا ، بل انها كانت منذ والي العراق مدحت باشا وصولا حتى يومنا هذا ، عندما عجزت امريكا نفسها من ادارة شؤون امن العراق ، فراحت تشتري قوة العشائر العراقية بالمال والسلاح !
في كتابه ” الاقطاع في العراق ” الصادر في 1957 يؤكد الاستاذ ابراهيم كبة (ص 17) بقوله : ” من الغريب ان يطمئن السيد نوري السعيد الرأي العام العراقي بقرب زوال النظام الاقطاعي العشائري عن طريق الارث وتقسيم الاقطاعيات الكبيرة على الابناء والاحفاد ، وقد تناسى فخامته ان قرونا سحيقة مضت على نظام الارث دون ان تنال من النظام المذكور وان الانظمة والتقاليد العشائرية تحتفظ بالملكيات الكبيرة للابناء الكبار فقط . ويعلم الرأي العام ان السبيل الوحيد للقضاء على هذا النظام الظالم هو تغيير العلاقات الاقطاعية نفسها بتمليك الارض لمنتجها والقضاء على الملكيات الاستغلالية الكبرى في الزراعة وتوزيع اراضي الدولة على الفلاحين واتباع نظام التعاونيات الزراعية… الخ. كل هذا مرتبط بالقضاء على الاستعمار وسحق الرجعية وانتصار الحركة الوطنية بمجموعها وتحقيق الاهداف الوطنية الكبرى .” .. انني اسأل كباحث ومؤرخ : لقد مضى اكثر من خمسين سنة على هذا النص في اعلاه ، فما الذي تحقق على ايدي مختلف الانظمة السياسية التي حكمت العراق ؟ فهل هي مشكلة النظام السياسي ام مشكلة النظام الاجتماعي ؟ وهل هي نفسها مشكلة نوري السعيد سواء قال بالتوريث ام لم يقل ؟
عاشرا : عبد الكريم قاسم : الاقطاعي اخو الفلاح
باستثناء حكم الزعيم عبد الكريم قاسم الذي لم يدرك اهمية هذا الجانب الذي يعد ركنا اساسيا من اركان حكم العراق .. وحتى قاسم ادرك صلابة البنية العشائرية ، فما كان منه الا ان اطلق قولته الشهيرة : ” الاقطاعي اخو الفلاح ” ! انني اعتقد ان عبد الكريم قاسم ـ رحمه الله ـ قد وعى بحجم المشكلة العراقية المستديمة ، وانها اكبر بكثير من ان يعالجها اي قانون عاجل للاصلاح الزراعي والذي اخفق في اغلب الاهداف التي قام من أجلها . لقد اقيمت آلاف الدعاوي القضائية من قبل الشيوخ الإقطاعيين على الفلاحين ومارست ضغوطاً كبيرة على عبد الكريم قاسم كان من نتائجه اقتطاع 5 % من حصة الفلاح من الحاصل الزراعي واضافتها إلى حصة الإقطاعيين ، مما حدا بالفلاحين تنظيم مظاهرة سلمية في العاصمة بغداد ، اذ تجمعوا فيها امام وزارة الدفاع مقر اقامة الزعيم عبد الكريم قاسم ، وقدّم وفد منهم مذكرة تتضمن مطاليبهم وهوس احدهم في هذا التجمع قائلا : ( راحت خمسة من الفلاح اسمع يكريم ) والمقصود هنا الـ 5 % وكان جواب قاسم على ذلك في احدى خطبه : ( ان الإقطاعي اخو الفلاح ) عندها انبرى له في حينه الشاعر الشعبي ( جواد ) من اهالي النعمانية والذي يعرف باسم ( جواد مطاعم ) لانه رئيس نقابة المطاعم آنذاك بقصيدة عنوانها ( شلون تكول الاقطاعي اخو الفلاح ) ومما قاله :
شلون تصير خوه نوخذه اوملاح ومحمد ربيعة ينفذ الأصلاح
المقصود هنا أمير ربيعة حيث يقع قصره وأملاكه في ناحية الأحرار- الكوت . ويستطرد صاحب الحكاية والنص بقوله : والتساؤل هنا عن كيفية تنفيذه لقانون الإصلاح الزراعي استمر الوضع يزداد سوءا فقد ألغيت المقاومة الشعبية واغلقت مقرات الشبيبة الديمقراطية ، وزورت بشكل فاضح انتخابات الجمعيات الفلاحية والنقابات العمالية ، وشنت حملة اعتقالات واسعة شملت الشيوعيين والتقدميين وابعادهم عن مؤسسات ودوائر الدولة المدنية والعسكرية ، وسرح المئات من العمال من اعمالهم . ويبقى النص يحكي لنا الحكاية عما كان يحدث من تفاصيل : ويمكن القول هنا ان ماجاء في المذكرة التي قدمها الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق إلى الزعيم قاسم عبرت اصدق تعبير عما ال اليه الوضع في البلاد خلال تلك الفترة ومما جاء فيها ( …. اننا نقولها لكم بصراحة ياسيادة الزعيم ، ان السوط الذي الهب ظهورنا في العهد البائد ، عاد ليلهب ظهورنا من جديد … ) وبدلاً من أن يعمل الحزب للدفاع عن مواقعه وقيادة الجماهير للحفاظ على المكتسبات التي تحققت في العام الاول للثورة أعتمد الحزب سياسة التراجع غير المنظم التي فرضها عليه هجوم السلطة ، وما توصل اليه الاجتماع الموسع للجنة المركزية في أواسط تموز 1959 والذي عزا فيه تراجع قاسم الى الاندفاعات الجماهيرية المتطرفة والاخطاء التكتيكية التي أنتهجها الحزب . مما أدى الى سلبها واحدة بعد الاخرى . في حين كان بالامكان قيادة الجماهير في نضالات يومية متواصلة للحفاظ على مكتسباتها أو لاسترجاع المكتسبات التي سلبت منها . كما حصل في معركة فلاحي ثلث الجزة في الحي ، حيث تمكن الفلاحون بفضل توفر قيادة واعية وجريئة من هزيمة الإقطاعي مهدي بلاسم الياسين الذي حاول بالتعاون مع السلطات المحلية فسخ عقود الفلاحين على الأراضي المتعاقدين عليها ( انتهى ) ( راجع : جليل حسون عاصي ، سيرة ذاتية 6 ، الفصل الثاني ، الطريق ) .
واخيرا : ماذا نقول ؟
انني لست مع هذه البنية العشائرية في العراق ، ولست مع بقائها كونها حجر عثرة في سبيل التقدم الحضاري ، ولكن علينا ان نعترف ان ” الثورة ” و ” الاحزاب الثورية ” لم تستطع ابدا ان تغّير من الواقع شيئا ، وهي التي تنادي بالتغيير ، فكيف يمكن للاصلاحيين ان يغيروا الواقع ؟ لقد مرت المجتمعات الزراعية القوية بثورات عديدة للفلاحين ، ولم تحدث في العراق اي ثورات اجتماعية بالرغم من كل الظلم الذي عانى منه بعض الفلاحين العراقيين .. ربما كانت هناك حالات تذمر ولم تكن انتفاضة عشائر الفرات الاوسط لاسباب اقتصادية ابان الثلاثينيات بقدر ما كانت لاسباب عدم الانخراط في الجيش اثر صدور قانون الخدمة الالزامية على عهد ياسين الهاشمي ! وحتى في فترات الخمسينيات لم نلحظ قيام اي ثورة او تمرد على سوء الاحوال الاقتصادية من قبل الفلاحين ! لماذا ؟ لأنه ظلم ذوي القربى ؟ لأن الفلاح العراقي محكم بنظام اجتماعي قبلي او عشائري سواء كان ذلك في الريف ام البادية .. ان الاسباب التي جعلت قانوني الاصلاح الزراعي يخفقان في العراق اعمق من وجود نظم سياسية .. وسواء كانت الانظمة السياسية ملكية ام جمهورية ، اقطاعية ام اشتراكية ، دكتاتورية ام دينية .. فان الحكام ورؤساء العشائر في العراق لا يمكنهما ان يبتعدا أحدهم عن الاخر الى حين ثبات مؤسسات دولة لا تعترف بالعشائرية وامراضها ، ولا تستلهم من الاحادية الحزبية هيمنتها ، ولا تتوسل بالمرجعية الدينية وسطوتها .. ان العراق وامثاله من مجتمعات الشرق الاوسط من ابعد ما يمكن عن وجود بروليتاريا ، حتى نتخيلها تحكم مجتمعاتنا . هنا ما المطلوب ؟
قبل ان اتابع انعكاسات السياسات الاجتماعية وتناقضاتها وما انتجته من ترسبات وخطايا كالذي ساعالجه في الحلقة السادسة .. ينبغي علينا ان نعيد التفكير في تاريخنا العراقي وعلينا ان نخرج من الشرانق التي ادخلونا فيها او حبسونا في دواخلها .. ولم يعد باستطاعتنا الخروج لرؤية الحقائق . ان تاريخنا العراقي الحديث من اصعب ما يمكن العمل فيه .. ولا يمكن لأي باحث عراقي او غيره ان يطلق احكامه من عندياته او كما سمع وتربى عليه ، فكل ما مضى من زمن تكاد الحقائق تكون فيه مغيبة ، ولم يعرف حتى الطلبة في المدارس والجامعات الا التشويه وترديد الشعارات وتقليد الخطابات .. ثمة مشكلة اخرى تتمثل بعدم الاعتراف بالحقائق والتخلي عن الاخطاء ، بل التخلي عن التصدي لمن يعريها ! ان الاحزاب والقوى الثورية قد ارتكبت اخطاء وجنايات فاضحة بحق ليس النظم السياسية ( اذ ان هذا من حقها ) ، بل حتى الاجتماعية والادارية .. الخ واذا كان زعماء العراق قد اقتص منهم الثوار باساليب دموية ووحشية .. فان الثوار لم يكونوا مثاليون في قيادة المجتمع العراقي على امتداد القرن العشرين . واخر ما يمكنني السؤال عنه : هل لأي قوة في الارض مهما نّظرت ومهما تحّزبت ومهما كتبت ونشرت وقامت بمؤتمرات وتنظيمات ووزعت منشورات .. مهما علت وطغت وتجبرت حتى يومنا هذا ان تقف لتلغي البنية العشائرية والقبلية في العراق ؟ وكلنا يعرف ممن تتكون هذه ” البنية الاجتماعية ” في نظامها المتوارث وخصوصا عند العرب والاكراد .. واذا كانت مثل هذه البنية راسخة حتى اليوم ، فكيف بنا بالنزعة الطائفية التي ليس من السهل ابدا محوها من الوجود .
نشرت في موقع الدكتور سيار الجميل
29 ديسمبر 2007
انتظروا الحلقة السابعة
الرئيسية / حوارات / جادة حوار عراقي.. مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب (الحلقة السادسة)
شاهد أيضاً
ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية
مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …