الرئيسية / حوارات / (الديمقراطية) في مجتمعاتنا …… !! جادة نقاش بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب (الحلقة الرابعة)

(الديمقراطية) في مجتمعاتنا …… !! جادة نقاش بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب (الحلقة الرابعة)

المطلوب : اعادة النظر ام اعادة التفكير ؟
يقول الدكتور حبيب : ” إن تجارب الدول الغربية من جهة وتجارب دول جنوب شرق أسيا وأمريكا اللاتينية من جهة ثانية , إضافة إلى حالات الفشل والإحباط والارتداد التي تحيط بتجارب دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا , ومنها الدول العربية , تفرض على الباحثين والسياسيين والمؤرخين إعادة النظر بمسيرة دول المنطقة منذ بداية القرن العشرين , وبشكل خاص في أعقاب الحرب العالمية الثانية , حتى الوقت الحاضر لاستخلاص الدروس المناسبة منها لصالح عمليات التحول الديمقراطي للمجتمعات. وهذا يعني بأن علينا أن لا نولول بسبب غياب الديمقراطية , أو نلهث وراء موضوعات لا تجلب لمجتمعاتنا غير المزيد من الآلام والأحلام والأوهام , ولا أن نغرق في الادعاء بأن مجتمعاتنا عاجزة عن الدخول في العملية الديمقراطية لأسباب تاريخية ودينية واجتماعية … الخ , بل يفترض فينا بلورة استراتيجية النضال الوطني لكل بلد من هذه البلدان في المرحلة الراهنة بصورتها الشاملة والعلاقة بين أهداف المرحلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو خاص , والعلاقة العضوية أو الجدلية بين هذه الأهداف وبين التحول صوب المجتمع المدني ” .
انني اعتقد اعتقادا جازما بأن هذا ” التنظير ” مع احترامي له وهذه ” النصائح ” مع تقديري لها لا تجدي نفعا .. ان دعوة مثالية كهذه لا معنى لها فما اكثر قراءات المفكرين ودراسات المؤرخين واعادة النظر بالمسيرة .. المهم هي العقلية السائدة التي ازدادت تخلفا .. المهم التفكير السائد الذي ازاد تشظيا .. المهم عودة الوعي لكل الذين حملوا على مدى خمسين سنة ايديولوجياتهم فوق رؤوسهم من دون ان يتنازلوا عنها ولم يتنازلوا حتى يومنا هذا عنها .. هل اعترف احد باخطائه السياسية والفكرية ؟ هل ندد احدهم بتجارب الامس ؟ هل ندم من صفق لهذا العهد او ذاك ؟ هل اعاد اي من القوميين والبعثيين والشيوعيين والاسلاميين التفكير في ما كان عليه ليعلن فشله ويعترف باخطاء الامس ؟ كيف تريد من الجيل الجديد ان يزرع وعيا ديمقراطيا وهو مكبل ليس باغلال السلطات السياسية ، بل باغلال السلطات الاجتماعية ؟ لا يمكن للعملية الديمقراطية ان تنزل من الاعلى على الجماهير والناس لا تدرك ابسط المفاهيم المدنية ؟ كيف يمكنك يا عزيزي ان تسمي ما يجري في العراق اليوم مثلا ” عملية ديمقراطية ” وثمة اجندة مرجعية دينية وسلطوية حزبية وتيارات قوضوية تسود المجتمع ؟ مجتمعات مثل هذه عاجزة عن الدخول في اي عملية ديمقراطية اذا كان الواقع مهترئا والتخلف طاغيا والفوضى منتشرة !! كيف يمكننا ان نبارك اي عملية ديمقراطية تقوم بها احزاب طائفية او شوفينية لا علاقة لها بموازنات المجتمع المدني ؟ كيف يمكن لنا ان نتشدق بالديمقراطية ونحن نصفق لدستور يملتئ بالتناقضات ويبارك لمرجعية معينة على حساب مبادئ الشعب ؟ ان بلورة استراتيجية النضال الوطني لا يمكنها ان تنمو في مجتمع غير مؤهل للتفكير المدني وغير مؤهل للحريات ، فكيف به يؤهل للديمقراطية ؟

لا ديمقراطية في مجتمع غارق في التخلف !
انك لا يمكنك الرهان على تحول سريع لمجتمع غارق في التخلف .. انك لا يمكنك ان تمارس الشعارات وتصفق لها وباسمها تتحكم الاغلبية الدينية او الطائفية في مجتمع لا يعرف المؤسسات المدنية .. ان التغيير الاقتصادي وتغيير بنية المجتمع الاقتصادية لا ينفعان ابدا في خلق وعي اجتماعي وتنوير ديني .. المسألة ليست من البساطة بمكان .. ان المجتمعات الديمقراطية اليوم كانت قد مرّت بمخاضات عسيرة من التحولات ، وهي ليست بمجتمعات اسلامية ؟ ان المجتمعات الاسلامية اليوم يا عزيزي لا تعترف اصلا بالديمقراطية ولا تؤمن بها ، فكيف ستعمل بمبادئها ؟ واذا كانت بعض التجارب تزاوج بين الشورى والديمقراطية ولا تعد الديمقراطية الا مجرد صندوق انتخابي ومجالس شورى ، فهي دول تضحك على نفسها وعلى شعوبها .. فالمجتمع الديمقراطي لا يمكن ان يؤهل الا من خلال مؤسسات مدنية ودستور مدني صرف وتربويات مدنية واعلاميات مدنية لكي لا نضحك على ديننا وعلى مشايخنا وعلى مجتمعاتنا .. علينا ان نعلن لكل مجتمعاتنا بصراحة متناهية ان الدين لا يمكن توظيفه في الديمقراطية .. ولا يمكن للاحزاب الدينية ان تجّرب حظها في المسألة الديمقراطية ! وعلى الاعلام في الدولة الديمقراطية ان يكون مستقلا عن اي سلطة سياسية او دينية .. وعلى الانسان في المجتمع ان يكون حرا في خياراته كلها وافكاره ومبادئه .. فهل هناك ثمة دولة في العالم الاسلامي قاطبة لديها الشجاعة في ان تقول هذا للمجتمع ؟ اذا حدث ذلك وتقبله المجتمع عند ذاك استطيع القول ان مجتمعاتنا مؤهلة للديمقراطية من دون سفسطة او فسلفة وبلا لف ولا دوران ..

كيف نساعد بلادنا العراق في محنته اليوم ؟
1. ان الصراع الطائفي في العراق اليوم لا يتجّلى في الخطاب السياسي والاجتماعي والثقافي للقوى الطائفية ، بل في الممارسات ، انها ليست مشكلة خطاب فقط ، واعلاميات يمكن تصويبها ، بل انها ممارسات سياسية يومية ، واستطيع القول انها مثبتة في دستور البلاد .. ان مجرد تسمية الاحزاب الدينية في العراق يبدو لك مدى طائفيتها ، فكيف سيكون الحال في ممارسات مجلس النواب والحكومة والوزارات وكل الاعلاميات ؟ وبعد هذا وذاك : ما الحل ؟
2. نعم اصاب الرجل في تشخيص الدور الكبير غير العقلاني للمرجعيات الدينية والذي تمارسه المؤسسة الدينية لدى السنة والشيعة في زج نفسها بالسياسة . لقد كان ذلك كافيا لاشعال فتيل الصراع الطائفي ، علما بأن المؤسسة الدينية في ايران هي التي بدأت مؤسسة لدولة دينية يقف على رأسها رجل دين ويعصم نفسه من الاخطاء ، بل ويجعل نفسه وكيلا للامام المختفي بتوليه امر العباد . فأي وعي ديمقراطي هذا في ظل هذا المناخ الديني . واود القول ان العراق وايران وكل العالم الاسلامي لم يصل اي رجل دين للسلطة العليا ابدا .. لقد شهدنا وصول اول رجل دين للسلطة العليا في العام 1979 .
3. اما بالنسبة للعشائر وقواها الاجتماعية في العراق ، فهو تراجع مهول في التقدم الاجتماعي عندما تكون العشائر تتلاعب بالمصائر السياسية للبلاد ، بل وتغدو قوى سلطوية بديلا عن منظمات المجتمع المدني .. وبالقدر الذي يفتخر به العشائريون بالبنية الاجتماعية القبلية والعشائرية ، لكنني لا استطيع ان اقنع نفسي انها قوى يمكنها ان تكون ديمقراطية في يوم من الايام ! ان القوى العشائرية بني اجتماعية متخلفة بكل المقاييس وهي جميعها تسعى الى السلطة والامتيازات وتختفي عندها المواطنة او تكاد !

4. والمشكلة الاخرى لا تكمن في الدور المميز لقوى الشعوذة والسحر والتحايل في المجتمع ، بل المشكلة في اجزاء وقطاعات كبيرة من المجتمع لم تزل تؤمن بالشعوذات وزيارة الاضرحة والتمسح بالشبابيك وتفجير العواطف ..
5. ما معنى قول الدكتور حبيب : ” إن مجتمعنا يغوص حتى الآن أكثر فأكثر في عمق الثقافة الدينية الفلاحية الإقطاعية المتخلفة وغير المتنورة التي ستقيد حركة المجتمع وتعرقل وجهة تطوره الديمقراطية.” . اي عمق في الثقافة الدينية ؟ ولماذا مقترنة بالفلاحية الاقطاعية المتخلفة وغير المتنورة ؟ ان الحياة العراقية المعاصرة تقوم على ثقافات وتقاليد رخوة وعلى عادات وتقاليد تثير القرف . واي اقطاعية هذه ؟
6. انني مع الدكتور حبيب في نقد الاحزاب الكردية العلمانية في تحالفها مع الاحزاب الدينية بعيدا عن الاحزاب والقوى العلمانية ، اذ اوجد ذلك هوة شاسعة بين ما كان عليه الحال وما آل اليه مع الاسف .
7. وهناك المشكلة الدستورية ، ذلك ان “الأحزاب والقوى السياسية المنبثقة من مجتمع تسود فيه العلاقات الاجتماعية التي اشرنا إليها لا يمكن أن ينتج أحزاباً تختلف كثيراً عن واقعها الاجتماعي ” ـ على حد تعبير الاستاذ حبيب ـ . وعليه ، فاد دعوتي دوما الى مشروع الديمقراطية لابد ان يؤجل الى حين خلق البيئة المميزة والانسان الصالح ليحيا في مجتمع ديمقراطي !!
8. ولهذا يستوجب العمل للتحرر من ذلك لا من المظاهر والتجليات حسب, بل وبالأساس من التقاليد والافكار المتزمتة التي تنتج تلك المظاهر والتجليات وتعيد إنتاجها وتكرسها في المجتمع. انني لا ارفض الديمقراطية ابدا ، ولكن نحن بحاجة الى زمن للتأهيل على الحريات والفكر الحر وعلى تربية الاجيال الجديدة على مفاهيم جديدة هذا لا يعني تأجيل النضال من أجل إقامة المجتمع المدني والتمتع بالحرية والديمقراطية , بل هو من أجل فهم العلاقة الجدلية بينها أولاً , وسبل خوض الكفاح ثانياً , وافتراض تجليات هذا الفهم في صياغة شعارات المرحلة النضالية ومهماتها الأساسية وخطابها الفكري والسياسي ثالثاً.
واخيرا : وصلنا نهاية الشالرع
واخيرا .. اتمنى ان اكون قد وفقت في هذه الجادة من النقاش ، وقد ساهمت في اثراء هذه المسألة في تفكيرنا وحياتنا من اجل معالجة حاضرنا وبناء مستقبلنا .. فهل سنكون على الطريق الصحيح في يوم من الايام ويتغير الناس بغير الناس ويعيد الناس تفكيرهم ويفكروا في مصالحهم .. وان لا تخدعهم اية ايديولوجيات وشعارات وصحوات .. وان لا يعيشوا الدكتاتورية وطغيان حزب واحد واستبداد طاغية .. ان الحياة في منطقتنا لابد ان تتغير نحو الافضل من خلال الاسهام المنتج والمبدع في مجتمعاتنا وان يباشر العمل بالحريات ولكن في اطار القوانين ..
اختم هذه القراءة النقدية بواجب الشكر والتقدير للاخ الدكتور كاظم حبيب الذي اتاح لي المجال لهذا الرد الذي اعتبره غاية في النفع والاثارة ، وسواء اختلفنا ام اتفقنا ، فان الموضوع قابل للمزيد المزيد من الافكار والاراء ، وهو اهم موضوع حيوي يشغل بالنا وتفكيرنا من اجل معالجة حاضرنا وبناء مستقبلنا .

www.sayyaraljamil.com

الصباح الجديد ، العدد 985 في 27 اكتوبر 2007.


(الديمقراطية) في مجتمعاتنا …… !! جادة نقاش بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب (الحلقة الثالثة)
(الديمقراطية) في مجتمعاتنا …… !! (الحلقة الثانية) جادة نقاش بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب
(الديمقراطية) في مجتمعاتنا …… !! (الحلقة الأولى) جادة نقاش بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب

شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …