الرئيسية / مؤتمرات / الدكتور سيار الجميل مشاركا مائدة مستديرة

الدكتور سيار الجميل مشاركا مائدة مستديرة

المنعكسات الأمنية للتحولات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية،
مركز الدراسات الاستراتيجية، الجامعة الأردنية، 27 و28 آذار 2000.
ترأس الجلسات بالتناوب كل من الدكتور مصطفى الحمارنة من مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية والدكتور يزيد الصايغ من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.
المشاركون حسب الترتيب الأبجدي:
الدكتورة ابتسام الكتبي من جامعة الامارات، الامارات العربية المتحدة .
والأستاذ الحارث ادريس، كاتب سوداني مقيم في لندن .
والدكتور برهان غليون من جامعة السوربون الجديدة في فرنسا.
والدكتور بهجت قرني من الجامعة الأمريكية في القاهرة، جمهورية مصر العربية،.
والأستاذ خالد الحروب من جامعة كامبردج في بريطانيا.
والدكتور رياض طبارة من مركز الدراسات والمشاريع الإنمائية في لبنان .
والدكتور سيّار الجميل من جامعة آل البيت في الأردن.
والدكتور علي الجرباوي من جامعة بيرزيت .
والدكتور فواز جرجس من جامعة سارة لورانس في نيويورك .
والسفير الدكتور محمد شاكر من المجلس المصري للشؤون الخارجية.
واللواء معروف البخيت من وزارة الخارجية الأردنية ( رئيس الوزراء الاردني حاليا ) .
الأستاذ نصر طه مصطفى من مركز اليمن للدراسات الاستراتيجية.
الورقة التي القاها الاستاذ الدكتور سيار الجميل :

النظام الدولي الى النظام العالمي: أي مسألة شرقية تنتظرنا؟
مقدمة
كنت قد عالجت في ما مضى مشكلة المصطلحات واضراب المعاني في الثقافة العربية المعاصرة التي توارثناها في القرن العشرين، اذ لا بد ان نعرف اين يكمن الخلل؟ ومتى يزول هذا التداخل ليس عند عامة الناس فحسب، بل حتى عند كبار المثقفين والكتّاب والمؤلفين والاعلاميين.
ولا بد ان نقف مطولا عند موضوع لطالما يخطئ البعض في استخدام ليس مرادفاته فقط، بل يكرس من دون وعي تناقضاته في المضامين عندما نسمع منذ امد بعيد بـ”النظام الدولي”، ومنذ ان بدأنا نسمع في تسعينات القرن العشرين مصطلح “النظام العالمي”.

وبرغم المزيد من التحليلات والتآليف والادبيات السياسية في ثقافتنا العربية المعاصرة، الا ان المسألة بحاجة الى وقفة مطولة قليلا من اجل ان نحكم سيطرتنا المعرفية على ما هو رائج من البضاعة المهلهلة التي تعبر – ويا للاسف – عن تفكير انشائي تجميعي مشتت لا تجمعه معاني واضحة وليس لأصحابه دقة ولا تركيز ولا اي ضبط ولا ربط في مثل هذا الزمن الخطير من مواجهة الصراع الذي يندفع بكل حرائقه بين الشمال والجنوب…!!
لقد اخترت اليوم مسألة موضوعية هي المقارنة بين تعبيرين رائجين، ولكن دوما يتم الخلط بينهما عند العرب، فهم لا يميزون ابدا وان كانوا في مركز القيادات بين مفهومي “النظام الدولي” و”النظام العالمي”! وكثيرا ما يذهب العرب ضحية عدم معرفتهم بالمصطلحات او عدم قدرتهم في تفسيرها بدقة متناهية، فضلا عن ضياعهم في استخدام ما لا يريدونه اصلا، خصوصا على مستوى الخطابات الرسمية والقوانين وصوغ البيانات والمعاهدات والاتفاقات وحتى المقالات والكتب المهمة… وهذا ما يوقعهم في مشكلات ومعضلات لا حصر لها، كما حدث دوما في القرن العشرين.

انبثاق النظام الدولي

متى ولد اول نظام دولي في التاريخ؟ سألت طلبتي في الدراسات العليا منذ اكثر من سنتين هذا السؤال، فمنهم من قال: ولد عند الرومان ومنهم من قال: عند اليونان واجابت اخرى: عند العرب المسلمين… الخ وربط طلبة آخرون هذا المصطلح بـ”الدولة” التي تأسست لأول مرة في بلاد وادي الرافدين، من دون ان يدركوا ان السؤال يبحث له عن جواب بصدد “النظام” الذي تتفق عليه مجموعة من الدول سواء في حلف او محور ضمن اطار قانوني محدد، وان هذا النظام لم يجسد نفسه رسميا في التاريخ الا في القرن التاسع عشر عقب عهد نابوليون بونابرت واختراقاته في اوروبا ونهايته في واترلو .1815

القانون الدولي وليد النظام الدولي

نعم، لقد انبثق “النظام الدولي” في مؤتمر فيينا عام 1815 بعد الحروب النابوليونية، وهو نظام وقف على رأسه زعيم حديدي هو ذاك الذي قال بارجاع القديم الى قدمه، واسمه مترنيخ الذي دعا الى تأسيس نظام اوروبي مركزي للعالم. وتبنى خرائط جديدة لنظام ذلك العالم منذ تأسيس هذا المؤتمر؟ ولقد ارست اسس النظام الدولي خلال القرن التاسع عشر في اوروبا. ولكن من كان سيد النظام الدولي، وسيد العالم عصر ذاك؟ لقد كانت – بدون شك – بريطانيا بمستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس، وقد كانت صاحبة اقوى ارادة دولية في العالم وخصوصا في العهد الفيكتوري، اذ يكاد دور الولايات المتحدة اليوم يشبهها الى حد ما.

ونسأل: لكن متى كسر هذا النظام الدولي؟ لقد كسر جبروته في الحرب العالمية الاولى وكانت سمات ذلك النظام الدولي عسكرية وميدانية في كل شيء. انه صاحب هيمنة عسكرية (اي: كولونيالية) من خلال امتدادات الدول الاستعمارية التي انشأته في كل مكان، ابان السلم والحرب، في البر والبحر وبرعاية “النظام الدولي” الذي تبلور في تضاعيف القرن التاسع عشر، ولد القانون الدولي الذي لا بد ان يكون معلوما لدى الجميع، بأن الذي صاغه هم الاوروبيون من ضمن ما قاموا به من تأسيسات تاريخية كبرى في التاريخ والجغرافيا، وحتى ما اضيف على ذلك القانون، لم يشارك فيه الا الغربيون انفسهم من دون اي طرف آخر في العالم… ليكن معلوما للجميع أن العالم كله قد قبل ذلك القانون الدولي صاغرا او مستسلما او معجبا… اي بمعنى: قبول العالم للنظام الدولي. ولا بد ان نقول: القانون الدولي وليس “القوانين الدولية” – كما اخطأ زعيم عربي في آخر خطاباته – فمن الخطأ ان نقول قوانين في ظل وجود قانون دولي واحد!!

معنى الاحزمة الجغرافية

وكانت اكبر مشكلة ولدت في هذا النظام بعدما سقطت عروش عديدة وتغيرت مجالات استراتيجية في العالم القديم هي تلك المشكلة التي سميت “المسألة الشرقية”. فما هي المسألة الشرقية؟ انها مشكلة النظام الدولي القديم سواء مع الدولة العثمانية او مع غيرها من الدول القديمة التي تعارض وجودها وايديولوجياتها مصالح ذلك النظام الدولي. ولا ننسى ان النظام الدولي في القرن التاسع عشر كانت له مصالحه الحيوية الدولية. ولكن اين كانت؟ بالطبع دائما في الشرق!! ولكنها ليست في كل الشرق، اي لا في الشرق البعيد ولا في الشرق الاوسط ولكنها في الشرق الادنى. ومصطلح “الشرق الادنى” قد راج كثيرا بعد احداث “المسألة الشرقية” وتدخل دول ذلك النظام في اختراقاتها لشرق اوروبا. ولا بد لنا ان ندرك أن الشرق الادنى هو المحيط الجغرافي في شرق اوروبا وهو الادنى لغرب اوروبا. اما الشرق الاوسط فهو يمثل الحزمة الجغرافية في جنوب غرب آسيا، والتي تتوسط الشرق كله.

النظام الدولي الجديد في القرن العشرين

ولكن متى يموت نظام دولي وينبثق نظام دولي جديد؟ يحدث ذلك عندما يمر العالم بحرب كبرى وتنهار مصالح الدول التي تسير في ركاب ذلك النظام فيتولد نظام دولي جديد، كما حدث في القرن العشرين اي: بعد الحرب العالمية الاولى… وذلك في قصر فرساي عام ،1919 فقد اصبح النظام الدولي السابق نظاما رجعيا قديما اطلق عليه اسم “النظام الكولونيالي العسكري”. اما النظام الدولي الجديد فلقد رسم في فرساي خريطة العالم الحيوية وقسمها على هواه في اطار وليد من الجغرافيا السياسية، فظهرت دول جديدة وماتت دول قديمة. وحدثت تغييرات تاريخية من مشكلة نظام في شرق ادنى الى مشكلة من نوع آخر في شرق اوسط، وتحولت الاساليب والخطط الاستعمارية من كولونيالية عسكرية الى امبريالية سياسية.

وعليه، فان المسألة الشرقية التي عاشت طويلا في القرن التاسع عشر في شرق اوروبا قد حققت اغراضها بالقضاء على الدولة العثمانية التي تفككت وسقطت وقسّمت اسلابها بين الحلفاء، ولم تجد حتى من ينعيها، اذ دفعت ثمنا باهضا، ولم وُصفت بـ”الرجل المريض” لم يناصرها احد!
ان النظام الدولي الذي ولد عام 1919 استمر تحت قبضة قوتين اساسيتين في العالم، مثلتهما كل من بريطانيا وفرنسا، ولكن الفترة ما بين الحربين العالميتين وفترة الفراغ – كما سميت – إثر الحرب العالمية الثانية قد حسمتا لمصلحة تبلور قوتين جديدتين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. ومنذ ،1919 بدأ العالم تحولات كبرى على امتداد القرن العشرين، وكان القانون الدولي يختلف هو الآخر بتباين المصالح وطبيعة العلاقات مع هذا الطرف او ذاك. وعليه، فقد تخلت الدول الاستعمارية القديمة عن مستعمراتها اثر حركات التحرر الوطني التي نشأت في آسيا وافريقيا، وبدأت المستعمرات تستقل وتتحرر، فولدت دول وانظمة سياسية جديدة، وتكرس النظام الدولي في شكلياته على أيدي كل من منظمتي عصبة الأمم والأمم المتحدة، ولم يزل النظام الدولي موجوداً بوجود هيئة الأمم المتحدة، ولكن ثمة تغييرات ستحدث عند نهايات القرن العشرين ورهن الارادة الدولية لقوة عالمية واحدة هي الولايات المتحدة التي ستفرض على العالم هيمنة من نوع جديد.

ولادة ما سمّي بـ”النظام العالمي”

انهار الاتحاد السوفياتي عام 1992 وبدأ انفراد قوة كبرى وحيدة هي الولايات المتحدة تبشر بنظام عالمي جديد. وهذا “النظام” ليس كما يربطه البعض من كتابنا وسياسيينا العرب بـ”النظام الدولي”! فهو سعي اميركي من نوع لا سابق له لاحداث البديل وفرضه على العالم ليقبل به صاغراً او مستسلماً او معجباً في القرن الجديد! ولكن متى سيولد هذا النظام؟ ومتى ستحدد علاقاته الجديدة؟ هناك تكهنات وتنبؤات جديدة وعديدة، فحتى نهاية العقد الاول سيمر العالم بمخاض صعب جداً سيتخلى فيه عن نظام القرن العشرين ويدخل نظاماً عالمياً جديداً له سماته وخصائصه وتكويناته الجديدة، وعليه، فان دولاً عدة ستتلاشى، ونظم عدة ستنهار! وثمة خرائط سترسم بالقوة او بالسلم على الارض، وسوف تزداد قبضة القوى الكبرى على المصالح الحيوية في العالم في انتظار توازن جديد ومرعب للقوى الدولية والاقليمية وحتى المحلية. وستكتفي اكثر القوى في العالم بما سيصيبها. وستلعب كتلة الاتحاد الاوروبي دوراً أكبر ضمن سياقات تحالفية جديدة ومع دخول روسيا الاتحادية في الحلف الاطلسي، وسيتبلور دور الصين التي يبدو ان مصالحها الاقتصادية ستفرض عليها قبول النظام العالمي الجديد ضمن حسابات لا عهد للعالم بها من قبل.

استنتاجات

نستنتج من هذه المقارنة التاريخية ان ميزان علاقات العالم في القرن التاسع عشر كان اوروبياً وقد اخترق العالم كله عسكرياً وكولونيالياً. اما في القرن العشرين فقد كان الصراع سياسياً ايديولوجياً بين كتلتي: شرق – غرب ضمن ما سمي الامبريالية ازاء الشيوعية العالمية. اما في القرن الحادي والعشرين فسيكون التوازن والصراع اقتصادياً وعولمياً واعلامياً بين الشمال والجنوب، اي ان انقسام العالم سيكون “كابيتالياً” من الناحية الكونية، بمعنى ان التكتل العالمي الاقوى سيكون في الشمال والتفكك عالم الجنوب الذي يشمل العالم الاسلامي وافريقيا واميركا الجنوبية. واذا كان كل من القارتين الاخيرتين يحاول ان يجد موطئ قدم ضمن سياقات جديدة ترتهنها الولايات المتحدة اليوم، فان العالم الاسلامي له تعقيداته ومشكلاته وازماته الصعبة وهو يقف اليوم من دون أي غطاء حقيقي يحميه من اتون الصراع الذي سموه “صراع الحضارات”. ونخشى ان يدفع عالمنا الاسلامي كله ثمناً باهظاً في رسم ابعاد المستقبل، خصوصاً انه يمتلك مجالات حيوية جداً، وثروات هائلة جداً، ومناطق استراتيجية في قلب العالم.

وعلينا ان نفهم أن نظاماً عالمياً جديداً تقوم صياغته اليوم على اسس تاريخية جديدة سيحل محل ما تعارف عليه العالم كله من نظام دولي. وعلينا ان ننتبه ليس الى استخدام المصطلحات والمفاهيم والتعابير استخداماً صحيحاً فقط، بل لا بد ان ندرك ما تحتوي عليه من المضامين الخطيرة، ونفهم ما يحصل من متغيرات صعبة وتحولات مؤثرة! فهي ليست كما يصفها البعض من كتابنا ومفكرينا العرب “لعبة”، كما ورثوا ذلك من ادبيات القرن العشرين! وهي ليست “لعبة أمم سياسية، بل تأسيس نظام تاريخي عولمي جديد له آلياته وعناصره التي ستكون نتائجها مخيفة ومرعبة من خلال تطبيقات القوى الجديدة في عالم اليوم. فما دورها في تغيير خريطة العالم الجغرافية وخصوصاً في عوالمنا الآسيوية والافريقية. وما تأثير ذلك كله على عالمنا العربي والاسلامي؟ وهل ندرك ما ستقود اليه جملة تلك التغيرات على مصيرنا ومستقبلنا في هذا الوجود؟ وما هي المشكلة الشرقية التاريخية التي تنتظرنا في هذا القرن؟ هل ستكون في مكان ما من الشرق الاوسط ؟ هل سيتفاقم وضع العراق ليصبح مشكلة دولية ؟ وهل سيغدو العراق مسألة شرقية بالنسبة لامريكا ؟ وهل ستنبثق حتماً من ثنايا الصراع الذي يشيعونه منذ قرابة عشر سنين باسم “صراع الحضارات” بين الشمال والجنوب!

– نشرت في اوراق شرق اوسطية 30 مارس / آذار 2000 . واعيد نشرها في النهار البيروتية يوم الثلائاء 24 سبتمبر 2002

شاهد أيضاً

دعوة الى المثقفين العراقيين في كندا

دعوة الى المثقفين العراقيين في كندا يسرّنا جدا دعوتكم الى الحضور والمشاركة في الاجتماع التأسيسي …