(اخي سيار: على التوالي اقرا الايقاعات القوية، التي تستضمر كتاباتك، تلك الضاربة في حيرة، تشابه حيرة ابطال الملاحم، وان باطلالة اكاديمية، اكثر تروي من جنون الحكمة، اراك مهموما بعالم، ربما اناقتك التفكيرية لا ترى خرابه الاكبر، قوة الامل، حواس الفرضيات المقابلة للنقد، فيما يبقى ما نفترضه ليس واقعا، انه فقط ما تعلمناه على جبهات النقد، تخوننا احيانا فرضية ان تسمع السندان دندنة القيثار، انه افتراض قاس، يدخل ارستقراطية السماع، ولكن يا ويلتنا من علم لا يجد ملامح صلاحه في خراب، ولا يجد ملامح خرابه في صلاح! الويل لعالم موبّر، ملبد بالنصوص التي تخفي حقيقته، الويل لنا حين نخفي الحقيقة بمقولة الحق ونخفي الصمت بالصوت.. هكذا تعتمل نصوصنا، في المراثي الصلبة، شعريتها بعد ان وجدنا في عالم لا يجد واقعه الكريم الا بقوة تخيل، تمنحه قدرا من الرضا بواقع لا يعمل الا على مهانته وسلبه انسانيته وكرامته، لذا كان الشعر اكبر طريقة للتخفي من وقائع الغياب لكل ما هو انساني طيب، وامم الشعر لا تنجب غير المزيد من صانعي المرارة والاذى والقهر، كما لو ان نخلق الطب قبل ولادة المرض، وحيثما نخلقه نخلق المرض. لا تعقيب عندي هنا على تفاصيل ما كتبت، لا اعرف ما الخطب من كثرة ما اصابني الجزع والمرارة والخيبة، ولكي ارى ثقبا للشمس بين ركام الضباب، علي ان اجد مخرزا من الحرائق، يثقب جلد المياه المتبخرة، وهل نحن حقا نكتب دستورا؟ وهل لنا ارث في المدونات تدعمه الافعال والوقائع؟ هل نؤمن بما نكتب؟ واذا امنا هل نمتثل ان ننفعل؟ لا ادري ان كنت احلم! لا عندي ما اقول غير مضاعفة الزهو بالجنون، الغواية بالحماقات المسمومة، التجنيح اكثر نحو الاسراف بالحزن، حتى لتبدو معرفة الحقيقة نوعا من ممارسة المازوشية، والسوية نوعا من ممارسة الباطل، وهنا نختار بين السوية والانحراف، أي بين نعيم الباطل وجحيم الحقائق. للاسف ما يحدث في العراق يفتح الشهية للاعتقاد بالجبرية القدرية، كمخرج للشعوب الكسولة، التي لا تقدر تحمل اعباء الحرية امام خمول العبودية وسهولة مضغها بلذة، كما يعمل النظام الشعوري والعاطفي لدى تلك الشعوب القدرية. هل نستورد شعوبا لنظرياتنا ام نستورد نظريات لشعوبنا؟ كلاهما غير صالح. ربما سؤال الغايات والماهيات في اساسه غير صحيح، بحيث نتصرف مع ارث مكتسب للماهية، ونسخر ما نعرف لغايات مكتسبة ربما تنطوي على هلاكنا وهدر مجهودنا. الحقيقة / الفضيلة / الكرم / الايثار / الوحدة والفرقة / الدين الله اتلدولة النظام الوطن.. كل الماهيات مكتسب لا يجب تركه بلا شك، لانه سيقودنا من خيانة الذات الى خرابها كل مرة، وكل ما نعرف لا يشبه ما يقع، ربما البرجوازية تخلق الاقطاع وليس العكس، وربما الليبرالية تاتي بدولة القرون الوسطى، وربما الصراع الطبقي بين البداوة والمدينة، وربما نظرية الارتقاء الدارويني تصبح نظرية الاستدناء، ولعل التطور نحو القرون الوسطى الاوربية يحتاج منا الى ان نقف في الالفية الثالثة بتلك الازمنة والقرون، وهكذا نكون تطورنا ولكن الى اين وفي اين؟ لا يمكننا التماهي في جهود الاخر لنتصور ان القرون الوسطى قد مرت، كما لو اننا روما او فرنسا، انها امامنا دائما.. كثيرة هي الربما.
معظم الجرائم ترتكب باسم الحب والصلاح والتقويم والتظلم والحق والعدل والعهد الجديد والتحرير والثورة… الخ. اذن كيف نتحقق من خطاب الكراهية ونحن لا نملك جريمة واحدة تدعو للكراهية، كل الالهات يحمون اذلالهم للبشر بضرورة رجم الشيطان وتعليمهم اول درسا في العنف المقدس، فتكر مسبحة الاخلاق الحميدة!!. لا املك ما اقول لذا انوي تدوين الصمت بكل هذه الثرثرة، كي انافق جسدي وامنحه رشوة الحياة ككل الكائنات البليدة.. كم احسد من يجد مصدرا لمدوناته عبر : الوطنية / المؤامرة / العدالة / الخير والشر / الحب المراة، الطفل، مسرة سنبلة، اعتكاف جبل يلف حول راسه عمامة الغيم.. الجسد ياكل حركته فتنقرض بعض الحيوات، بعد ان ارختها الجراح والرصاص والشظايا بندوب، قابلة للاستثمار في اسواق المناضلين وكسبة مكاتب الشهداء، ارستقراطيو التحرير والطبقات الجديدة، لم يبق غير اصبع ويد واحدة تكتب بقايا الخيبة، والاصابع حين لا تجيد لمس بشرة امراة، ستصاب بعنة لغوية. اذن تعال معي لخطاب القحل والمحل، وهو يمتد على مساحة اليباب الطويلة )
***
قبيل فترة انتهيت الى عائلة فكرية جديدة تضاف للاسر المهشمة من عوائل التفكير الاضطراري في عالمنا، لقد احصيت مخابئ الاحزان التي رافقت مقالكم، وما انطوت خيباته من نزاهة معذبة، ربما تتعذب بسبب العادة الاولى لقيم المسؤولية الوطنية، التي نكتسبها ولا نعيد التعرف عليها كل مرة، انها صدمة الطفل حين يعرف ما الذي حدث بين ابيه وامه كي يولد، وتلك ابتئاسة تربوية، اعدها الابوان انفسهم لينقضوا حقيقة لا يجب ان تثير كل هذا الخجل من الذات، لكن الابوين يلغيان انفسهم بانفسهم حين يعلموا الابناء كيف يخجلون من الحب، ما يجعل الابناء قد اكتسبوا النظام التحقيري المقزز لانبل علاقة بين البشر، وهذا يتراكم الى حد الانتشار في ادق القيم الاجتماعية والسياسية ونصبح، نحن الاحرار، عرضة لعدوى الرغبة بالعبودية ونفي الذات وشتى تحضيرات حسن النوايا المغفلة، وقد جهزتنا التربية بكل الشحنات اللازمة للاخصاء الادبي والعنة العاطفية، أي الجبن على مواجهة الحقائق. هذا كلام عام غير مخصص. اعود لافكاري الجديدة التي ادرجتها انماط مؤجلاتي الكثيرة، بل اصبحت كائنا مؤجلا الى ما لا نهاية، وهي سلسلة من الكتابات لم انشرها، تحت عنوان : [ نحن الاوغاد : نعتذر للغزاة ونعتذر للطغاة ]! ستلاحظ الاسباب الايلة الى هذا المآل الخطر من التفكير، لاننا خربنا حتى نظام السوء والاستلاب في سياقاته المنطقية، وصار علينا البحث عن منطقية الخطيئة، كما اصبح حلما ان نجد من ننتقده بمنطق محدد وواضح، اصبح نادرا ان نجد الجريمة في عقل احترافها ومنطقها، هكذا يبدو نظام الادمغة والافكار قد اصيب بتلف كبير، حيث لم تعد قرائن الاتصال البشري، لغة وعاطفة وعقلا وهمسا وصمتا وائيماءا.. ألأخ، بمكان صالح غير مشكوك بخدماته ووظائفه، وهكذا اصبح شكنا مشكوك في فعله ونتائجه، واصبح اليقين هو اخر معرض لنفس الاحتراز والحذر.
ربما صار علينا ان نحمي الوقت من المضي هدرا امام جبهات معرفية وفكرية، كما يفترض، وهي تتحرك في عالم قلق زئبقي لا يمنحك ثقة العهد والميثاق ولا العقد والاتفاق، وصار علينا ان نبحث في القواعد المضمّرة التي تبطن وتمركز تلك المعطيات، وهي قواعد، بلا شك، مخيبة ومخيفة ان نحن جارينا ما تدعيه كقاعدة عقدية، سواء اكانت سيئة ام صالحة، اذ ستكون مجاراتنا وفحوصاتنا ونقدنا ضربا من الوهم، هذا اذا لم تجر فحصا للقواعد التي ارتكزت عليها تلك المعطيات. الدستور / القانون / المعاهدات / العقود..!! ثم ماذا؟ هل هي حقا،كما يفترض، ناجز انساني متساوق مع زمالاته البشرية؟ هل هي حقا اليات تطبعت في تكوين بشر اعتاد التصرف بشرف العهد والميثاق والعقد العملي؟ هل كل ما اوجده البشر هو مجرد كلام تنفيذي، ذا وظيفة حنجرية وينتهي الامر، ام ان هناك تغطية عملية وفعلية وواقعية لهذا الكلام؟ كلماتنا ومواثيقنا اشبه بعملة محلية لا تعادل سعر الورق، لانها غير مغطاة بمادة ثمينة كالذهب وما شابه، انها مجرد مزاج صناعي لا دليل على مقابله المادي، هكذا جرى تصور كل شيء بمعزل عن الالزامات الواقعية الحادة، وبضمنها المنظومة الاخلاقية التي جرى تصويرها كانها فضلة لا فضيلة ( كماليات )، مكانا للتبجح والكلاميات البلاغية، فهي اشبه بهواية افراد ابتلوا بهوايات شاذة كحب الحمام وجمع الطوابع او حتى القتل، ولم تكن الزاما ميدانيا وعمليا، يحمي العهود من المناورات والحيلة والدهاء، الذي سينجح حتى في عالم الجنة ونظام الله، وسينجح في اكبر الدساتير اتقانا، بل يحتمل الظلم دستورا للحرية في عالم لا يتورع من تاويل الوجوه المتعددة لسلوك مسبق، قائم على تقديس العنف والاغتصاب، واخلاقيات الغدر والغزو. لا شيء في نظم العالم بل أرقاها محصن من دهاء الخراب والاستغفال والاذى.. لا شيء كفالة ذاته مهما بلغ القانون من ذكاء وخبرة، ثمة نظام اخلاقي يحمي اسوء تشكيلات البشر، حتى العصابات والقتلة، يستمرون بسبب هذه الطاقة الاخلاقية، حيث هنا فقط ينفصل البشر عن اخوتهم الحيوانات، كما يتمكنون، عبر تقنيات البشر ذاتها ان يكونوا اسوء من الحيوانات نفسها. هنا العلة وهنا المعلول، لا اعتب على النصوص ولا على المسودات والمبيضات، لا على الفيدرالية او المحاصصة، كل شيء محكوم بنظام اخلاقي، ما ان يفقده حتى يصبح الوجود جحيما نخرا وتصبح الفعلية تجويفا خياليا وتصبح الكلمات هواية صوتية لا دليل عهد وشرف، وتصبح الجنة اسوء من اطلال خرائب عفنة. هناك امثال كثيرة في العالم تؤيد حجتنا على ما يدور، كل شيء لا يخيفنا، مهما كان، حتى التقسيم، ما يخيفنا هو نوع العقد الانساني، أي البشر الذين سيحققون ذلك؟ هل تعتقد ان مجرد دبابة اسقطت نظام ستتمكن من اختصار التاريخ واعادة صياغة العلاقات الانسانية كما صاغها اباء الحضارة الغربية؟ هل الدبابة تخلق احزان فولتير وتركمات جان دوي، ام سيبقى خلفاء الذاكرة بسياطهم وعمائمهم يطورون نظام القمع نحو التحديث؟ وهل كانت الديكتاتورية غرابة طارئة على مجتمع حكمه ابشع طغاة الارض، فيما عملت البلاغة والمقدس على تمويت مشاعر الاحرار والكرامة، قتل الانسان ليجري تمجيد الجريمة كبطولة وفضيلة مقدسة محصنة بالاعماء الحسي. كل شيء ينبئ الى ضرورة معرفة البشر كمنتج تاريخي وذهني وحضاري، وتاليا اكتشاف السبل الايلة الى اعادة تاهيلهم نحو الانسانية المغيبة، على الاقل انقاذهم من الخجل والتحقير والشعور الادنوي في الذات، ثم نقلع نحو الافكار التي امامنا، كيف يمكنني التعرف على راي الاعمى باللون الازرق؟ كيف اثق بوجود فرق لدى الاطرش بين سقوط المطر وسقوط القذائف؟ ثمة عالم محاط بشتى انواع التهجير والتغريب عن انسانيته، ثمة مجمعات للقراصنة، لا يجب البحث معهم فكرة التبشير بدين بل بسرقة اخرى، ثمة مجتمع تواطأ على عقل الحيلة والدهاء والكذب / الاخصاء المطلق لحصانته الوجدانية، انهيار كامل لمنظوماته الموصلة للاخر، وهذا لا يشكل الا ضرورة التعرف على منهج يتفحص طبغرافيا القصد من أي شيء : الاسلام / الفيدرالية / الحقوق الطوائف الوطنية، بل نتعرف على وظيفة الكلمة في الادمغة والحواس، كيف يدار العقل اسوة بالوقائع وكيف يتصل هذا الفرد بعقله.. الخ من نمطيات بعث ما بعد البعث او البعث النادم على الطريقة الاسلامية، ليختار بعثا اكثر حنكة في القمع والردع.
من دولة الخوف الى مجتمع الخوف، من حكومة الرعب الى الرعب الشعبي / من عبودية الخارج الى العبودية الذاتية، من اضطهاد الزنزانة الى اختيار الزنزانة، من اغتيال اجهزة المخابرات الى اغتيال المليشيات، وهنا فقدنا القدرة على مركزة التحريض ضد فئة معلومة، لاننا امام فئات مجهولة. في هكذا عالم ومجتمع لا نستطع اخذ النصوص باعتبارها امتثال لذاتها، ولا نعتقد ان طاقتنا للتصديق والثقة بكافية كي تجعلنا نتجه نحو نقد حسن النوايا، لاننا امام نظام انساني خرب، مدمر، فقد بوصلاته كلها، ومعها لا يجب تصديق ما يدعيه او يفكر به، وهذا محكوم لاعتبارات عدة، انجزت علاقاته بالافكار واللغة والاقوال والنصوص، وكلها غير سوية وغير ممنطقة بالسليقة المعروفة لدى باقي العلاقات الانسانية، وهذا ما جعل شارون يطلق كلمته الشهيرة،بـ ” ان توقيع العرب على معاهدة لا يعادل سعر الورق الذي وقعوا عليه “. هل هذا يسحبنا الى ارث ثقافي طويل انتج كل هذه الشفاهية غير المسؤولة، المشابهة لمجتمعات الطواطم والسحر والخرافات الظنيّة؟ لقد اسس البيان اللامدون كل الثقافة اليومية، بحيث لم تشكل الكلمات والمدونات في ارقى قدسيتها سوى تمثيلا وامتثالا ممسرحا لا صدقا ولا ايمانا ولا ثقة فيه، وتلك الية العلاقة بين المدون والبشر ها هنا، انه مجرد اوراق لا تغطية نقدية لها، وهذا يجعل سعرها كورق اكثر من سعرها كعملة! اذن لا نتمكن من تصديق المدون، فهو مصادر اختلاف وانشطارات ودهائية بلاغية تبحث عن خطا نحوي في مصائر ايلة للخطر والموت والرعب، لقد اهتم الساسة في التعريف اللغوي لقادة المفخخات والاغتيالات الدموية ولم يجعلوا جل العناية بدرء تلك الاخطار المميتة، كما لو ان التوضيع اللغوي اهم من التوضيع الامني، وهكذا حتى الان تبقى قاف المقاومة اخطر من خاء التفخيخ!! هذه اللغوية البارعة في خيال الازمة والمازوم، لا تنتج وقائع كريمة مهما كانت مدوناتها، ولا تنتج ادعاءاتها غير ادعية سحرية في مزار تتوخى فيه شفاعة ميت لا اتفاقات احياء / شيعي سني كردي! حسنا هل هذا التوصيف هو لمصلحة التاريخ ام المستقبل في حال قبوله؟ هل سنية الضاري وشيعية الحكيم هما مستقبلية ام خلفائية في زمن البعير والناقة والخيمة؟ اذا كان هذا الواقع اقوى من احلامنا حقا، لنبحث اذن جغرافيا الزمن المعاش الان. وهنا فقط سنكون امام معضلة كبيرة هي : هل نقبل من التاريخ ان يستحدم السيارات المفخخة والطائرات، كتقنية مستقبلية لا يمارسها السلف الصالح، ام يعود هؤلاء للسيوف والخناجر كي يثبتوا لنا صدقية الاصول والسلف، ام تراهم يمارسون تقنيات العصر الليبرالي لمصالح التاريخ والسلف؟ اعتقد ان الملابس الداخلية لنساء قادة الفقه صنعها الكفار، كما هي عماماتهم وعباءاتهم ودشاديش الزرقاوي، وجبة الظواهري.. وكي نصدقهم سوف لا نقبل غير صور عارية كالحيوانات، تخيط لانفسها ازياء يدوية باهظة الوقت والكلفة. هل السني والشيعي هو ابن ازمنة ابو حنيفة وجعفر الصادق ام ازمنة فوكوياما وريددا والامنترنيت؟ هل يستخدم الموبيل والكمبيوتر؟ اذن انه ليس في التاريخ، وهذا يتطلب توائما زمنيا بين العقد والمعقود، كما تفعل الكنيسة والكنيس والمعبد البوذي. المشكلة هنا ليس في ما يطرح بل فيما هو خطاب خيال لا تدعمه الوقائع. حين عدت للعراق وشاهدت كل تلك القبور، لاول مرة في النجف، شعرت بغربة عن اخوتي واهلي، وعدت ابحث عن وطن في المنفى، أي مكان بلا ذاكرة للموت، وهنا لا يخيفني مكان القبر وساكنيه بل الاحياء الذين صنعوا كل هذا المجد للموتى. وهذا جعلني اسجل ابدية منفاي وذريتي، تلك نزوة وليست افكارا، شخصنة وليست جمعنة. قيل لي مؤخرا انت شيعي ( بعد حصيلتي من المعلم الاول هنري برغسون وكازنتزاكي ولوتريامون والمسيح وبوذا ونيتشة، اصبح هذا العزاء الفلسفي، القهري محاطا بلوم بيولوجي، وكراهية جينية )، حسنا هذا خيار انتخابي، جرى تحضيره في صندوق الاقتراع وليس في معبد للصلاة، مع ان هذا التوصيف هو عبادي، مع ذلك شعرت بعدم الانتماء لوطنيات ليست من جلدي الوطني وان كانت في طور العبادة المورثة، ولانها جاءت في طبغرافيا سياسية، تحدد ولاء الانسان، فسوف اقبل البعد الوطني فيها وابحث عنه كتماهي دهائي وحيلة سياسية في منظومة عبادية، لم اتفق حتى على كوني صالحا للتعبد ( فانا اخشى على المعبد من صلاتي )، ولكن لنقبل الامر ونذهب مع قادة الخداع، هذا ان اردت المشاركة بهذه اللعبة. لكني لم اجده بل وجدت حروب العائلة الوطنية الواحدة تحدد مصائر امم وشعوب، لذا لا يروق لي توصيف ذاتي من هذا الجانب الولائي، وربما لا اقبل التوصيف العبادي ايضا، لانه مجبل بفخاخ الوطنيات البرانية، وان كنت اعترفت بالامر الواقع، كمن يعترف بغزاة قدماء، الا انني عراقي في بلاد لا تحمل أي ملمح من ملامح العراق، في دائرته الانثروبولوجية والثقافية، وهذا يجعل الانتماء للغربة هو الانتماء لوطن مهجر وغائب ومؤجل، في خطاب مستوطنيه وغزاته الابرار، ممن خلق تعشيرة بين المعبد والعبادة من جهة، وبين الغزو والوطنية الخارجية من جهة اخرى، الى حد اصبحت الصلاة طقسا لعبادة الغزاة الاوائل! ولا نريد خوض ذلك الان. تاسيس فكرة المعبد التبشيري بحلل الغزاة الابرار، لا يزال مبرما ومستمرا، وهو ينقل الامبراطوريات المقنعة من مكان لاخر، بحيث تمكن الفقه ان يخلق توليفة بين مرجعية سياسية وبين مرجعية عبادية، وهنا جرى خطف امما وشعوبا باكملها، لم تكن المذاهب والطوائف الا دول وكالات خارجية ومجتمعات عميلة لمراجع سياسية خارجية، وهذا بحكم تسييس العبادة والمعبد ناهيك عن ان الدين الذي عمل كل ذلك هو دين اخر مقنع بالدين الاصلي، أي امامنا نصوصا عدة، لديانات في رمزية دين واحد. والا لماذا نشعر ان الكاثوليكي عميلا للفاتيكان ولا الارثوذوكسي لروسيا ولا البرتساتنتي عميلا لبريطانيا وكانتربيري ولا اليهودي الاميركي او الفرنسي عميلا لاسرائيل، ما خلا الاسلام لانه ما زال في التاريخ، يمارس عصرنة الولاءات الامبراطورية وليس الروحية. وحين لا اجد موجودات فاتيكانية لا تقيد ولائي العبادي بالسياسة، لم اجد معبدي الا وكرا لحرب لا خلوة للسلام والامل والرجاء والله ككل معبد، لذا لا اجد نفسي مفيدا لخدمة العلم من جديد، ولكن أي علم واي خدمة؟ ثمة جبهات عدة بحاجة لفك ارتباط وفض اشتباك، اثر خلطات وتلبسات وتحالفات استعادت بريقها المؤجل في هذه الازمنة. ببساطة نحن في دولة المعبد ام في دولة السياسة؟ اذا كان المعبد قد استأثر تحيد السياسة، وهنا عقدة العقد، اذن ائتوني بالرئيس الاول الذي جعله المعبد حاكما على البشر، واذا لم يتيسر فان الاف السنين تكفي لاثبات فشل خلفائه على الارض، واذا جرى الاعتراف بفساد الخلفاء في الارض، اذن نحن في مجتمع الفساد لا البررة، وهذا يتطلب اعترافا بعدم وجود ابرار، اذن دعوا المعبد يمارس خيال الابرار ودعونا نقلل من فساد خلفاء الله على الارض والوقائع.
تلك السجالات المراهقة، الحماسية تحتاج الى نظريات خداع جديدة، في مواجهة خداع ارث البررة والملائكة وحكم الله، التي كلها تنفي وتنقض نفسها بنفسها، فحين يكون الله في الارض.. ترى من سيكون في السماء؟ واذا كان في الدنيا لماذا الاخرة؟ الفقه لا يجيد الا البلاغة التلفيقية والتعبوية كاي حزب عجوز مسن، يبقى من المغامرة ان يتخلى الانسان عن كل جزئيات التاريخ ليكون في جزء وطني منه، بحيث تستوطن ولاءاته ارث غزاة خلقوا تراكما قهريا لتراثهم، واذا ما قبل هذا الارث سيكون من الصعب جعل جزئيته كل البلاد والولاء. ومن هنا سيكون الدخول بالفقرات التفصيلية ضربا من الوقوع بالفخ، وهذا يستحق التوصيف الواقعي جملة استدراكات كبيرة، لا يمكن اعتبارها شبها للحالة الغربية، في وقائعها الطائفية كالصراعات بين المذاهب المسيحية مثلا، في الامر تخصيص ومسوقات مختلفة، بين عالم متلقي وعالم منتج، على مستوى الديانة وعلى مستوى التقنيات والحضارة، وما جرى تحديده في العراق كي يبرز كقوميات مذهبية او وطنيات دينية هو ليس من صنع عراقي، بل اثر تراكما ثقافيا خلال الحروب الامبراطورية بين الصفويين والعثمانيين، بحيث اصبح التعبير المذهبي محكوما بعقلية وكلاء الخارج وظلالهم الوطنية. الامر قطع شوطا طويلا، كيف التخلص منه؟ لا نملك اجوبة واقعية في الوقت الحاضر، ولكن تبدو التجربة اللبنانية مصدر دوران اجباري، هو ايضا يتميز بالمديات المتطورة للوعي الحضاري ومفهوم الحضور الانساني عما عليه الحال في العراق لدى الافراد والفردية، وهذا اكبر منجز حضاري في لبنان، أي الفردية المتطورة. هناك تفاوت كبير لجهة تطور الحالة المدينية والمجتمعية لدى الفرد اللبناني، بحيث تكيفه الطائفي الاضطراري اقل كلفة من تطور الفرد العراقي، الذي يغلب عليه الطابع الريفي والقروي، فهزيمة مدنه وعقله المدني. ثمة اشواط كبيرة سيقطعها العراقي كي يصل الى الحالة اللبنانية، بما فيها من استلاب جبري، فرضه زعماء الحروب والتسويات الحصصية الطائفية، وكي نصل الى المعلول لبنانيا نحتاج لقوة حضور مديني ومدني وقوة مؤسسات مستقلة ومجتمع اقوى من السياسة والطائفة، ومع ذلك نبقى في العلة فكيف الصلاح؟ العرقيون هم موجودات فعلية وليس خيالية ولا فكرية ولا هي منتج الاحلام والامال، وعليه فان تطوير الوقائع في حدود استنباط الفضائل الممكنة لهو انجاز كبير، أي لغة النمو والرفاه والعمل والسوق والبناء، والا فلغة الكلمات ستبقى غطاءا للعابرين بدهائهم نحو النعم الجديدة، كي يتطور المجتمع نحو الاسوأ والاكثر قهرا وردعا. اعتقد ان العراق متحضر للاستدراج الاصولي اكثر من المدني، اذ لا اجد في الدستور غير دهاء مخابراتي اسلامي امكنه خلق ولاية فقيه مقنعة، تمتلك الشرعة القانونية لتعيد أي حرية شخصية الى السقف والرضا الاسلامي، وهنا نقطة مهمة، هي ايجابية المستقبل ومريرة الحاضر، بحيث ستنشب معركة الحريات والقهريات، وتصبح عملية الاشباع ممكنة في الفرد العراقي كلما ازدادت ضراوة التكفير الدستوري. نعم احضر العزاء لكني العن الميت.
ايلاف 29 اغسطس 2005
شاهد أيضاً
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …