لو كنت عراقياً (لخابَرت.. هاتفت) السيد / الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق، واقترحت عليه اختيار الدكتور سيار الجميل رئيساً للعراق الذي يحاول الخروج من أزمنة الدم إلى المستقبل.
أفترضُ أن السيد / الإبراهيمي سوف يستمع لي بصبر سياسي محنك في حل الأزمات الكبرى وأنه سوف يسألني لماذا الدكتور سيار الجميل ؟
وها أنا أوضح أسبابي:
1 ـ الرجل مؤرخ ويعرف كيف يتفادى ببلده مكر التاريخ الذي قد يجر العراق إلى فصل مكرر من الدم.
2 ـ والرجل مفكر وهي صفة قلما تتوفر في زعماء وخاصة في زعماء العالم العربي الذي ضلله غياب التفكير العميق في المصائب التي واجهها ويواجهها ومن شأن رئيس مفكر أن يمنح الوضع الراهن تحليله العميق وصولاً إلى طريق ينفتح على الضوء حتى وإن كانت هذه الطريق طويلة وصعبة.
3 ـ والرجل ناقد ومن موقعه هذا.. يمكن أن يفرَّق بين الأبيض والأسود واختلاط الألوان الذي طالما أصابنا بالعمى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
4 ـ ثم إن الرجل يفهم صراع السياسات بوصفها رمالا متحركة وهائلة قد تبتلع مصالح الشعوب ولا تضعها في مقايضات تاريخية على المصالح.. ولطالما فكرت كإنسان مصري بسيط ماذا لو كان جمال عبد الناصر قد أدار صراعه مع الولايات المتحدة على قاعدة المصالح المتبادلة.
5 ـ والدكتور سيار الجميل رجل يفهم العروبة كإطار وإن كان قائما في الثقافة واللغة والتاريخ إلا أنه لا يجب أن يطمس شعباً في مصير جماعي لا يقول فيه أحد بصدق ما هي مصالح العراق وما هي مصالح المغرب مثلا في هذا إطار العروبة هذا ؟
6 ـ ثم إن الرجل يفهم الشعب العراقي ولا يرفعه إلى مصاف الآلهة، وإنما ينظر إليه بما هو عليه بكل حسناته وسيئاته.. ومن شأن نظرة كهذه أن تلغي لعبة تبادل الأدوار المميتة بين رجل كصدام حسين كان (يقدس) الشعب العراقي ويرفعه هذا الشعب رعباً أو تقية (إلى القداسة)، وكان صدام بالطبع هو المستفيد كونه كان كاذباً كبيراً وإلا كيف نطابق منطقياً بين ما كان يقوله صدام عن شعبه وبين ما فعله بهذا الشعب ؟
7 ـ ثم إن الدكتور سيار الجميل.. على حد علمي.. رجل غير مصطف في حزب أو جماعة أو حوزة أو هيئة، ولكنه يرى المنتمين في وطنيتهم كونهم أطياف نسيج سياسي وديني واجتماعي يمكن له أن يثري إن كان الهدف هو العراق كوطن وكشعب.
8 ـ والدكتور سيار الجميل أيضا رجل يفهم ماذا تعني العولمة ويمكنه من موقع الفهم هذا أن يدفع سفينة بلده إلى المشاركة والاستفادة بدون الاصطدام بجبال الثلج المختفية تحت شعارات الرفض المطلق أو القبول المطلق للعولمة.
9 ـ ثم إن الدكتور سيار الجميل ليس.. أكاديمياً بارداً.. وما أكثرهم في بلادنا.. وإنما يعرف كأكاديمي أن للقلب وللمشاعر دور كبير يرفع الأكاديمي إلى لمس هموم شعبه والمشاركة بدون.. تعالي أو غضاضة.. في الحوارات الدائرة في الجرائد والمجلات ومواقع الإنترنت.
10ـ وكذلك فإن الدكتور سيار الجميل لا يستعجل الزمن في العراق كي يرى بلده محرراً (صباح غد) من القوات الأمريكية.. حتى ولو كان ذلك بمقتلة عظيمة كالتي يدعو إليها البعض.. وإنما يدرك أن (الاحتلال ضرورة تاريخية) وأن زوال الاحتلال يعتمد على قدرة العراقيين على نفي الاحتلال وتقليصه ومن ثم إخراجه بالبناء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والحقوقي.
11ـ ويمكن أن أضيف أن الدكتور سيار الجميل بسنوات عمره الاثنتين والخمسين.. أطال الله عمره.. رجل ناضج ومثقف كبير لا يُحلل فقط على عادة محللينا ومثقفينا، وإنما يعمل بنضجه المعرفي والثقافي والإنساني على بيان طرق الخروج من المصائب.
12ـ أضيف أيضاً أن الرجل.. مُعلـِّم.. والمعلم دائما ما يعمل ويحلم بنجاح تلاميذه.. فماذا لو كان هذا المعلم الصادق في فكره وفي ضميره رئيسا لشعب يعاني من انكسار ساقه في حروب وأهوال.
قد يقول قائل إنني رفعت الدكتور سيار الجميل إلى مصاف الكمال.. الأمر ليس هكذا.. وإنما الرجل يستحق أولاً أن نمدحه بصفاته.. وأن ندرك (كعرب) أننا طالما رفعنا أحذية الضباط وأشباههم إلى مصاف الآلهة.. فلماذا لا نمدح عالماً ونطلب منه أن يستلم البيت وغرفه ومفاتيحه ربما كان قادراً على ترتيب البيت وإعادة بنائه بنور وهواء وحدائق.
ولكن.. ثمة مشكلة افتراضية.. أن يسألني السيد / الأخضر الإبراهيمي قائلاً : ماذا لو لم يقبل الدكتور سيار الجميل أن يكون رئيساً للعراق ؟
وحينها سأقول له.. لقد اقترحت عليك شخصية أرى أنها قادرة على أخذ بلدها إلى بر الأمان.. وحتى إن لم يقبل الدكتور سيار الجميل أن يكون رئيساً للعراق.. فإنني أتوجه لأبناء الشعب العراقي أن يفكروا جيداً حينما تأتي لهم فرصة أن يختاروا رئيساً أو مجلساً نيابياً، أن يضعوا أمام وعيهم وعيونهم : رجالاً ونساءً بصفات الدكتور سيار الجميل.. ولن أقترح عليه بالطبع رئاسة مصر فهذا بلد مسدود الأفق بتحولاته البطيئة وبتاريخه الثقيل والله وحده يعلم متى وكيف سيخرج من انسدادِ أفقه.
غير أن العراق يبدو الآن مفتوح الأفق رغم الدم الذي سال غزيراً، ولعل مستقبل العراق يكون غزيراً بضوئه واصطفافه في الحضارة مجددا وفي الحداثة.
شاعر وصحفي
ibrahimaaziz@hotmail.com
ايلاف ، 22 ابريل 2004
شاهد أيضاً
مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !
قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …