Home / الشأن العراقي / متى يتوّحد العراقيون على مشروع محّبة !؟

متى يتوّحد العراقيون على مشروع محّبة !؟

من قسّم العراقيين الى شيع واحزاب وجماعات وهيئات وبيوتات وفرق وكتل وطوائف وملل ونحل .. ؟؟ العراقيون يذبحون بالمئات كل يوم وآخرون يقابلون هذا الاستعراض مع الخديعة بانقسام العراق مقابل الاصرار على البقاء .. ان بعضا يشطب على تاريخ العراق المعاصر بجملته ويحرق كل اوراقه وصفحاته وكأن لم يكن هناك تاريخ وطني في العراق !؟ وكأن لم يكن هناك شارع وطني في العراق ! ؟ وكأن لم تكن هناك احزاب وطنية في العراق !؟ وكأن لم تكن هناك حركات وطنية في العراق !؟ ان الاحتلال قد فجّر الارض وزلزل المجتمع الذي ربما لم يكن مثاليا ، ولكنه ـ كما يبدو ـ كان يختزن كل تعصبّاته وأهوائه ونزوعاته في كوامن الاعماق .

ان ابرز الاسباب التي اشعلت الفتنة في العراق هذه الاستهانة بالاخر والاستهتار بالكل على حساب الجزء .. هذه هي الاستهانة بالتاريخ .. وهذا هو الاستهتار بالعراق .. انني واثق ان هؤلاء الذين يريدون قتل العراق وتمزيق حياة العراقيين والقبض على انفاسه لا يدركون بديهيات العراق العامة ، فكيف بمشكلاته الخاصة وتعقيداته الصعبة ، وانني متأكد ان محاججتهم امام الناس علنا ستجعلهم يهربون من الحقائق يولون الادبار ، فهم لا يعرفون أي معلومات عادية عن مجتمع العراق ولا عن تاريخ العراق ولا عن اوضاع العراق !! فهل يمكننا ان نتخّيل ما ستنتجه هذه المأساة من تداعيات ونتائج على مستقبل جيل كامل يعيش الموت يوميا وبابشع الاحداث ؟؟ ام هل سيولد جيل جديد في العراق يلغي كل هذه الاستعراضات المفجعة من تفكيره ويوحّد الكلمة ويرتق الجرح ويحفظ الارض والمال والدم ؟ واذا كان البعض يستوعب هذه السايكلوجية بتفكير نظيف ، فكيف سيغدو تأثير ذلك على عوام الناس وهي تعيش المأساة ؟

وما كنت اتخّيل يوما ان الحال البشع سيصل الى هذا المستوى الطائفي المقيت الذي يثير القرف ، فكيف لا يثير الصراع داخل منظومات مجتمع تتعصّب مفاصله الى الدرجة التي بات فيها الجار لا يسلم على جاره بتأثير طائفي ؟ وصديق عتيق تربى مع صديقه يتجاهله عمدا وعن سبق اصرار لاختلاف مذهبه عنه !! واخوال تشّد اعصابها وهي تلتقي باعمام مكفهرة الانفس بتأثير طائفي ؟ وبعد ، هل هناك من عاقل يعتقد ان هذا الماراثون الذي تشمئز منه العقلاء هو من صنع حكومات العراق الملكية او الجمهورية في القرن العشرين ؟ ان مهمّة كل انسان سوّي في هذا العصر ان يدين كل التعصّبات والاهواء والانقسامات ليس فب العراق وحده ، بل في كل مجتمعاتنا التي لم تزل تختزن مثل هذا البلاء الذي سوف لن يبقي ولن يذر ان وجد له ارضية صالحة للنمو وعوامل مساعدة للانتشار!

انظروا وتأملوا ان شطوط الدم تغرق العراق وأولوا الامر يستعجلون صنع القرارات الكبيرة التي تفوق احجامهم .. انهم يريدون جعل العراق اقاليم من دون أي شعور بمخاطر التقاسيم .. انهم يسرعون جدا ولا يدركون ان تجارب الشعوب الفيدرالية لم تغذيها نزعات طائفية ولا ترعاها انقسامات وطنية !

ان البلاد في طور ازمات لا تعد ولا تحصى ونسوا ان فوران الدم العراقي يحتاج الى لمّ الشمل لمعالجة حالات التخلخل قبل كل هذه العملية .. كانوا وما زالوا يعوّلون على كل عملية انتخابية وعلى الدستور في القضاء على الارهاب .. ومشروع القتل يأخذ له مديات بشعة .. اليوم يقولون بالتقسيم وكأن هذا سيحمي المجتمع من الدمار .. انهم لا يدركون النتائج المأساوية التي ستطبق على العراق بعد تقسيمه !

وكيف نتعامل مع المحتل ؟

سؤال طالما لم يعرف اجوبته صنّاع القرار والساسة من المتحزبين .. انهم يثيرون الاستغراب ويثيرون التساؤلات معا ؟ ما الغرض من كل هذا التداخل ؟ أليس العراق بحاجة الى وظائف وعلاجات حقيقية ؟ اليس العراق بحاجة الى ان يفاوض المحتل على اجندة المستقبل ؟! لقد ناضل الاوائل من اجل الاستقلال عن الانكليز ولم يمت الملك فيصل الاول ـ رحمه الله ـ الا بعد ان وقّع معاهدة سنة 1930 التي نال بها العراق استقلاله وكان أول عضو عربي في عصبة الامم ؟ ومهما اتهم ذلك ” الاستقلال كونه ” شكليا ” ، فانا اتحدى ان يحقق العراقيون الجدد ما حققّه العراقيون القدامى الذين كانوا وراء تأسيس العراق المعاصر وتطوير مجتمعه وصناعة كل مبدعيه وقادة جيشه وابرز قضاته وعلمائه ومديريه ومتصرفيه ووزرائه الذين تربوا في مدرسة عراقية وطنية .

وهنا أسأل : من يوافقني في الذي اقوله ؟ طبعا هناك من لا يعجبه هذا الكلام كونه ينطلق من زاوية محددة .. ولقد اصبح العراق مجموعة من البؤر المتوترة والزوايا المضادة ، وان هذه الاشكالية تنطوي على معظم تاريخ الصراع بين الفرقاء ، ولا ضير ان كانت التباينات وحتى الصراعات سياسية او فكرية ، بل غدت طائفية متخلفة وعصابية كريهة وانقسامية مقيتة .. وهنا أسأل : هل من مشروعات لا تتناسب وحجم الفجيعة ؟

نعم ، لابد لكل عراقي ان يفتح صفحة حب جديدة مع بني وطنه .. صفحة نقاء وطهر ووفاء .. صفحة سماحة وود وتعايش .. صفحة عناق وعشق وصفاء .. صفحة ينبذوا فيها كل الاحقاد والكراهية وينفضوا عنهم كل العداوة والبغضاء .. صفحة خالية من السباب والشتائم المقذعة .. صفحة خالية من التعصبات والفتن المتصدعة .. صفحة خالية من الفتن والقداسات المقنعّة صفحة خالية من الغلو والمفاسد والاحكام المتسرعة .. صفحة تمتلئ بكّل الحنين والدفء وطيب الكلام .. صفحة من الرضى والقناعة ومكارم الاخلاق .. فهل ستنفع دعوتي هذه في اتون مجتمع يلتهب بالنيران ويفور بالدم وتسوده الفوضى بكل ابعادها ؟ هل سيدرك ابناء العراق انهم سيبقون عرضة للاختراقات اذا ظل احدهم يأكل الاخر ؟

وماذا بعد ؟

ان العراق في مصيدة لا يتحملها .. والكل منقّض عليه وينهش من دمه ولحمه ، ولكن المشكلة ليست في من اخترق العراق حسب ، بل في اولئك الذين كانوا وما زالوا يطعنونه ويحتقرونه ويريدون تقطيعه اوصالا لاسباب مفضوحة تعلنها خلفيات قاحلة يحملها متعصبون وانقساميون لهم جموحهم وجنونهم كأي نوع من الحقد المسموم على اسس طائفية او تقسيمية .. لقد احتكرت ارادة الشعب العراقي بأيدي جماعة معينة لا تؤمن ابدا بوحدة العراق ، بل ولا تجد غير التعّصب والكراهية اسلوبا لها .. فكيف يمكنها بناء أي مستقبل ليس للعراق والعراقيين ، بل لنفسها هي ذاتها ؟؟ لقد وصلت الحالة الى اخطر مدياتها ، واستقطبتها بدائل لها مخاطرها .. بل واستدعت الطائفية نهجا مقيتا من الانقسام ، اذ اصبح لكل طرف من اطراف الصراع مسميات تاريخية كريهة فهذا الطرف يسمونه بالرفضة الصفويين وذاك الطرف يسمونه بالنواصب التكفيريين .. انني ادين تعّصب الطرفين ادانة لا حدود لها وانني اعتقد اعتقادا راسخا ان كلا الطرفين متى ما رفع يده عن العراق ، فسيعتدل العراق ، اذ سيرجع متوحدا من اجل وطن سيبذل الحقيقيون من اهله الغالي والرخيص لزرع المحبة بين ابنائه ، ولاستعادة حريته واستقلاليته وحضارته ومكانته في التاريخ .. وما ذاك على العراقيين ببعيد ! فهل سيسمع اهلي من العراقيين جميعا مثل هذا الكلام ؟ ام سيبقى العراق سفينة قابلة للغرق في زمن منظور ـ لا سمح الله ـ وهذا ما لايقبله أي انسان يدرك قيمة العراق في الماضي والحاضر والآتي .



www.sayyaraljamil.com



الصباح البغدادية ، 12 تشرين الاول / اكتوبر 2006

Check Also

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …