الرئيسية / حوارات / حوار بين المفكرين : جوديث كيبر وسّيار الجميل ومنصف المرزوقي وجيوفري كوان ومصطفى العاني… العالم العربي أصوات مسموعة في الخارج وعقول مكبوتة في الداخل

حوار بين المفكرين : جوديث كيبر وسّيار الجميل ومنصف المرزوقي وجيوفري كوان ومصطفى العاني… العالم العربي أصوات مسموعة في الخارج وعقول مكبوتة في الداخل

تقرير أعدّته : غادة سليم
صحيفة الاتحاد ، الاحد 19 فبراير 2006
هل من حقنا أن نتساءل : لمصلحة من تهميش العلماء والمثقفين العرب ؟
فلسفة صانع القرار العربي : من لا يفكر مثلي لا يحق له ان يفكر معي ..!
تشخيص الحالة المرضية لصناعة القرار العربي .. قيادات سياسية مترهلة وطاقات فكرية متعطلة !
الغربيون وصلة الوصل ــــــــــــــ د. مصطفى العاني
المحافظون الجدد وليو شتراوس ـــــــــ د. جوديث كيبر
الافكار والشعارات ــــــــــــــــ د. سّيار الجميل
أهل الحكمة المطلقة ـــــــــــــــ د. منصف المرزوقي
المثالب والاصلاح ــــــــــــــــ د. جيوفري كوان


عندما نتأمل علاقة المفكرين والأكاديميين العرب بصناعة القرار السياسي في أوطانهم تتجلى لنا أسباب الصورة البائسة للوضع العربي الراهن· فهناك الآلاف من الذين تعلموا في أفضل الجامعات واكتسبوا أعمق الخبرات، ولديهم وعي بأوضاع العالم ودراية بمجريات الأمور في أوطانهم، ومقدرة على صنع القرار، لكن ليس لهم من الحظ سوى قدر موفور من التهميش أو التهديد·! فلا يزال صانع القرار في العديد من أرجاء العالم العربي يحكم بما لديه من سلطة قانونية وأدوات مادية تغريه بالانفراد بآلية صنع القرار، حتى بات دور مراكز الأبحاث والدراسات الوطنية محصورا في تفصيل البحث العلمي على مقاس القرار السياسي·

فماذا يقول المفكرون عن مساهمتهم في تشكيل توجهات صناع القرار السياسي في أوطانهم ؟
وهل لأساتذة العلاقات الدولية في الجامعات العربية دور في تشكيل فكر قادة المستقبل من الشباب العربي؟
وما مدى فاعلية مراكز الدراسات والبحوث في العالم العربي في صياغة السياسات المستقبلية ؟
وكيف يرى المفكرون الغربيون آلية صناعة القرار في العالم العربي؟
تساؤلات عديدة نبحث لها عن إجابات صريحة لدى عدد من المفكرين والأكاديميين العرب والأجانب حول إشكالية صناعة القرار في العالم العربي وتشكيل فكر قادة المستقبل· قبل أن نستعرضها لابد أن ننوه إلى اعتذار العديد من المفكرين العرب عن الإدلاء بشهادتهم !
لتحقيق فهم أعمق وأدق لعملية صناعة القرار في العالم العربي كان لا بد لنا أن نتوقف برهة لنتأمل
آليات اتخاذ القرار في الدول المتقدمة، والتي يرى :
د · مصطفى العاني
المستشار الأول في مركز الخليج للأبحاث:
أنها تختلف بشكل جذري عن إجراءات صناعة القرار في عالمنا العربي· ويقول: هناك مؤسستان تساهمان في عملية بلورة القرار في الغرب، الأولى ظاهرة للعيان وهي القيادة السياسية للدولة والتي تتولى السلطة الدستورية وتتمتع بشرعية اتخاذ القرارات ويطلق عليها ”مؤسسة اتخاذ القرار”، وعلى خط التوازي منها توجد مؤسسة أخرى تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية عن المؤسسة الأولى – وغالبا لا يمكن تحديد معالمها بدقة- تساهم بشكل فعال وجذري في عملية بلورة القرار وتتمثل في مؤسسات البحوث والتفكير في الدولة، والتي يدعمها المجتمع الأكاديمي في المؤسسات الثقافية بجانب مساهمات مؤسسات المجتمع المدني· ويطلق على هذا الشق من هيكلية صناعة القرار ”مؤسسة صناعة القرار”· ويضيف د · مصطفى العاني قائلا: تتصف عملية صناعة القرار في الغرب بالطابع العلمي المؤسساتي، وتقوم على ثوابت ومقومات أساسية تحاول تحقيق هدف اتخاذ القرار الصائب والصحيح الذي يخدم مصلحة الدولة والمجتمع على المدى الآني والبعيد· فمؤسسات التفكير والعاملون فيها من باحثين ومفكرين يتعاملون مع نفس القضايا التي تتعامل معها القيادات السياسية ولكن بأسلوب مختلف وبأدوات مختلفة· تتمثل مساهمات المفكرين والباحثين في صياغة وطرح أفكار وحلول قد لا تستطيع القيادة السياسية إدراكها· واقتراح أساليب محددة وخلاقة للتعامل مع القضايا التي تواجه الدولة· وهذه الأفكار في طبيعتها غير ملزمة لمتخذي القرار ولكنها تساهم في إثراء أفقهم المعلوماتي وتجعل عملية اتخاذ القرار تقوم على حسابات دقيقة لواقع القضايا·

آلية صناعة القرار

أما جوديث كيبر
الخبيرة الأمريكية في شؤون الشرق الأوسط ورئيسة برنامج الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية :
فقد وصفت آلية صناعة القرار في العالم العربي بسلسلة من الحلقات غير الموصولة، فيها حلقة القرار السياسي منفصلة عن حلقة المؤسسات الفكرية وهي بدورها منفصلة عن القاعدة الجماهيرية· وأضافت السيدة كيبر: في الولايات المتحدة الأمريكية كل مواطن أمريكي هو صانع قرار وليس المفكرون والأكاديميون فحسب·· فالنظام الأمريكي لا يسمح لصانع القرار بالانفراد بالسلطة، وإن حدث وأن انفردت إدارة ما بصنع القرار فهناك انتخابات رئاسية كل أربع سنوات وأخرى نيابية وهناك حراك سياسي وحرية تعبير وجو عام لا يقبل بالتسلط·
كما أن آلية صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية تتطور بطريقة خلاقة· ونحن مطمئنون للمستقبل لأنه يحمل لنا المزيد من العقول المستنيرة·· ففي كل عام تصدر الجامعات الأمريكية دفعات متلاحقة من الشباب القادرين على تولي المناصب وصناعة القرار الحر المستنير المدعوم بآراء المتخصصين في كل المجالات·

دور مراكز الفكر

وردا على سؤال حول ما إذا كانت مراكز الدراسات والبحوث في العالم العربي تساهم في صياغة السياسات المستقبلية، أجاب:
المؤرخ والمفكّر العراقي د· سّيار الجميل:
لا أعتقد أبدا بأن مراكز الدراسات والبحوث في العالم العربي تساهم في صياغة السياسات المستقبلية·· أبدا !· فهناك العشرات من هذه المراكز في العالم العربي بعضها رسمي تابع لسيطرة الدولة وأغلبها مراكز معلومات تقّدم تقاريرها للمسؤولين·· وتقديم المعلومات شيء وتقديم الاستشارات شيء آخر!· ويبقى السؤال هو: هل يأخذ المسؤولون العرب بما تقدّمه لهم مثل هذه ”المراكز” الاستخباراتية التي يسمونها بمراكز بحوث ودراسات··؟؟ إنني أشك في ذلك· وقسم من هذه المراكز البحثية علني وقسم منها سري· أما المراكز الخاصة غير الرسمية فأغلبها ممّول من هذا الطرف أو ذاك·· وتعقد اجتماعات وندوات ومؤتمرات وتنشر كتب ودراسات·· ولكن أعتقد أن ما تنتجه لا يشكّل أبدا جزءا من صياغة أي سياسات مستقبلية في كل البلدان العربية· إنها تمّول للترويج إعلاميا·· أو أن لها أجندة أيديولوجية معينة كأن تكون دينية او قومية أو ماركسية·· الخ·

أما د· منصف المرزوقي -المفكر والطبيب التونسي المقيم في فرنسا –
فتحدث عن دور مراكز الدراسات والبحوث في العالم العربي قائلا:
حسب رأيي فإن مثل هذه المراكز لا تلعب دورا إلا في المجتمعات الديمقراطية· وحتى داخل هذه المجتمعات هي مجرّد ”لوبي” من بين اللوبيهات وليست بالضرورة أقواها· أما في ظلّ الأنظمة الاستبدادية فإن دورها في صياغة القرار شبه معدوم· ربما تكمن أهميتها الوحيدة في توفير مواد علمية لمؤرخي المستقبل تعينهم على فهم تخبط الأمة وإخفاقاتها ونجاحاتها في بلورة مجتمع ونظام سياسي جديدين·

ويتفق د· العاني مع السيدة جوديث كيبر
في وجود أزمة تاريخية مستديمة في العالم العربي وصفها بأنها مأساة مؤلمة تواجه آلية صناعة القرار العربي· وقال: إن دور المفكرين لا يزال محدودا أو ربما معدوما تماما في إجراءات صناعة القرار، ومراكز الأبحاث والتفكير المستقلة عن الدولة أو عن السلطة الحاكمة، وعلى الامتداد الواسع للوطن العربي، لا وجود لها إلا في النزر القليل، ومن تواجد منها يتهم من قبل الدول بكونها مؤسسات لا تخدم المصلحة العامة· فلازال هناك انعدام شبة شامل وتحريم لثقافة التفكير خارج الإطار الرسمي، ولازال الاختلاف في الآراء أو الرؤى يفهم بكونه خلافا، وعدم توافق الرأي عند المفكر أو مؤسسات التفكير مع صانع القرار يعد معارضة سياسية، وفي بعض الدول يعد جريمة تطالها قوانين السلامة والأمن الوطني· وان وجدت آلية معينة للاستنارة بآراء المفكرين أو الباحثين فهذا يستوجب توفر عنصر التبعية والولاء المطلق لصانع القرار ضمن قاعدة أن ”من لا يفكر مثلي لا يحق له أن يفكر معي” وذلك قبل أن يكون للمفكر حظ في الإدلاء بدلوه·

قرارات مصيرية نعم·· جماعية·· لا

وكنموذج لصناعة القرار العربي،
استشهد د· منصف المرزوقي
بثلاثة قرارات لعبت دورا رئيسيا في تشكيل الوضع العربي الراهن وهي: قرار السادات بزيارة القدس في نهاية السبعينيات، وقرار غزو صدام للكويت في بداية التسعينيات وقرار القذافي بالتوجه لإفريقيا وإدارة الظهر للعالم العربي في منتصف الثمانينيات· وقال: إنها قرارات لعبت دورا حاسما في مستقبل الشعوب المعنية بالقرار وفي مستقبل الأمة ككل· !! فالسادات قال في مذكراته إن الفكرة العبقرية لزيارة القدس نبعت في دماغه وهو في الطائرة وأنه أخذ قراره في التو واللحظة· كذلك نعلم أن قرار غزو الكويت لم تتخذه هيئات سياسية تعتمد على دراسات استراتجية معمقة وإنما كان قرارا شخصيا اتخذه الدكتاتور العراقي، وقد يكون مزاج اللحظة من بين أهم الدوافع للقرار المشئوم·أما قرار القذافي بفك الارتباط مع العالم العربي والتوجه لإفريقيا فقد كان هو أيضا مسألة مزاج فقد يئس الرجل فجأة من محاولاته المتعددة لبناء وحدة توسع مجال نفوذه· وهكذا قرّر بين عشية وضحاها تغيير اتجاه المشروع الوحدوي نحو أفريقيا، الأمر الذي سبّب لليبيا مشاكل إضافية بهجرة إفريقية، أضيفت إلى تبعات قرارات القائد بدعم الإرهاب الدولي وتحمل حصار طويل ثم العمل في ركاب الغرب كحليف استراتيجي في الحرب ضدّ الإرهاب·!

أين هو المفكر العربي؟

قادنا تعليق جوديث كيبر السابق عن ضعف المستوى العلمي للشباب العربي إلى التساؤل·· هل لدينا مفكرون عرب صناع قرار؟·
يجيب المفكر والطبيب التونسي د· منصف المرزوقي:
إذا أخذنا المفكر العربي ببعده الثقافي البعيد المدى أمثال الكواكبي وسيد قطب وطه حسين وساطع الحصري فإنه من المؤكّد أن المفكّر العربي سيكون شأنه في هذا شأن المفكّر في أي مجتمع، لعب ولا زال يلعب دورا هاما في توجيه القرار السياسي وصياغته في الأعماق، لكن إذا اعتبرنا المفكّر العربي هو المختص الأكاديمي الملتصق بالمشاكل اليومية والذي يحاول فتح أفاق خيار أصوب للسلطان، فإن دور مثل هذا المفكر شبه معدوم· ويضيف: من أين للمفكرين لعب أي دور في مثل هذا النظام باستثناء دور المعارضين المهمشين أو الملاحقين· فالنظام العربي لا يسمح إلا بهذين الدورين لأن الدور الثالث أي دور الناصح والمراقب والمقيم والمساهم في صنع القرار السياسي غير وارد لغياب الدعامات الفكرية والمؤسسات التي تسمح بأمر كهذا· ربما يقول البعض إن هذا التحليل صالح على دكتاتوريات ديناصورية ذهبت إلى غير رجعة وأن الأمور ستتحسّن بتغلغل الديمقراطية التي ستسمح للمفكرين العرب بلعب الدور الثالث أكثر فأكثر· أخشى أن تفاؤلا كهذا في غير محلّه·

واتفق معه المؤرخ والمفكّر العراقي د· سّيار الجميل
بالاعتراض على صيغة ”صناع الأفكار العرب”·
وقال: إن المفكرين العرب لا يصنعون أفكارا، لكنهم يكتبون آراء ووجهات نظر، يتطّفل أحدهم على الآخر في تقديم الأفكار واجترارها· وإذا تتبعنا أصل تلك ”الأفكار” فلن نجد مرجعيتها عربية، بل ترجمت وبدأت تلوكها الألسن في محيطنا بعد أن يكون العالم المعاصر قد تجاوزها إلى تفكير من نوع آخر!· وقال: ما ينتجه بعضهم يمكن أن يشكّل قوة دافعة لا قوة ضاغطة باتجاه صناعة القرار السياسي·· فأغلبهم يتمتعون بقدرة فائقة في كتابة انشائيات وخطابات ووجهات نظر ولكن يندر من يستخدم المعلومة ويحللها ويستخلص منها أي استنتاج او رأي محدد !
والمفكّرون العرب أغلبهم غير حياديين، بل ينطلقون من مرجعيات سياسية محددة ، كما أنهم لا يتمتعون بأي واقعية في معالجة قضاياهم· ثم أضاف مخففا سوداوية الصورة التي رسمها للمفكر العربي فقال: ربما كان هناك بعض المفكرين – من أصول عربية- قد عملوا مستشارين لزعماء أو قيادات أو هيئات معينة، ولكن نخبة المفكرين العرب لم تجد نفسها بعد في مثل هذا السياق!· وثمة ثلة صغيرة من المفكرين العرب الجادين والممتازين الذين يمكنهم أن يصوّبوا الأفكار ويحللوا النظريات وينتقدوا الآخر·· ولكن هؤلاء لا يجدون فرصتهم في التقدم لا من الناحية الإعلامية ولا من الناحية الفكرية ولا السياسية·· لا من السلطات في الدولة فقط ولا من سلطات المجتمع··! إن الأزمة ليست أزمة صناعة قادة، بل الأزمة تكمن في واقع مليء بالمخاوف والتناقضات والأضداد·· وما يمكنني ملاحظته أن بعضا من المفكرين العرب في الغرب له كلمته المسموعة وأن أفكاره تدّرس وأن مقالاته تترجم وأن محاضراته تسمع·· فأين نحن العرب من هذا العالم ؟

الأشكال·· والمضامين

لكن على من يقع اللوم؟·· يجيب د· مصطفى العاني
على هذا السؤال قائلاً: لا يمثل ما ذكرناه إلا نصف الحقيقة· فاللوم لا يمكن أن ينصب بشكل منفرد وحكري على القيادات السياسية في قضية عدم السعي لتطوير آلية صناعة القرار في العالم العربي مما يضمن مساهمة فعالة مباشرة، أو غير مباشرة، لطبقة المفكرين في هذه العملية ذات الأهمية القصوى لمستقبل الدولة والمجتمع· فهناك فارق جذري بين المفكر المقتدر من جهة والشخص المتعلم أو من يحمل مجرد شهادة أكاديمية عليا من الجهة الأخرى، وهناك فارق كبير بين مؤسسات التفكير والبحوث القادرة على إنتاج أفكار وآراء ذات قيمة ومفعول عملي يمكن أخذها على محمل الجد من جهة، ومراكز البحوث التي لا تعرف معنى البحث الداعم لآلية صناعة القرار ولا تمتلك القدرة على إنتاج أفكار أو آراء تستحق العناية والاهتمام من قبل القيادات السياسية من الجهة الأخرى·

وعلق د· جيوفري كوان – عميد الأكاديمية الأمريكية للإعلام –
على هذه القضية قائلا: إذا كان هناك لوم فسينصب على قنوات كثيرة أهمها النظام التعليمي والفكري، فلا يمكن لأحد أن يتصور ما لأساتذة الاقتصاد والعلاقات الدولية والعلوم السياسية والإعلام من تأثير على طلبتهم وتشكيل أفكارهم وقضاياهم المصيرية· فهؤلاء الطلبة هم قادة المستقبل وصناع القرار في الفترة القادمة من الخريطة السياسية للعالم العربي· وقال إن ثمة نقائص تتعلّق بما للمنظومة العربية من مواطن خلل مزمنة منذ أن تأسس ذلك النظام وما لحقه من مثالب سياسية وقيود فكرية وعقوبات سلطوية·· وإنه لا يوجد حتى الآن أساليب للإصلاح والتحديث·· ومن أبرز مواطن الخلل هو العناية بالأشكال لا المضامين وبالكم لا بالنوع فضلا عن انتفاء الحريات الفكرية لا المناهج النقدية أبدا··

قدرة المفكر العربي على خلق جيل جديد !

وقام د· سيار الجميل
بالتشكيك في قدرة المفكر العربي على خلق جيل جديد يشارك في صناعة القرار متسائلا: ·· وهل يصلح الأساتذة العرب اليوم لهذه المهمّة الصعبة؟ وما هي تجاربهم في صناعة القرار؟ ·· إن الأساتذة العرب في أعمهم الأغلب عاجزون عن الإلمام بأبسط أدوات المعرفة الحديثة· وعجزهم ليس بسبب ضعف قدراتهم بل إن ظروفهم الصعبة والقيود التي تكبّلهم وضعف تكوينات بعضهم يجعلهم من أبعد الناس قدرة عن تكوين جيل ليس من القادة حسب، بل حتى من المختصين العاديين·· فكيف تريدون منهم صناعة قادة ·؟! لو أحصينا كم من الأساتذة العرب الممتازين والمبدعين تمّ إقصاؤهم أو تهميشهم أو تهجيرهم·· لقلنا إن الحياة العربية من أسوأ بيئات العالم في صنع مستقبلها· ولو فحصنا من يعّشش في أروقة الجامعات والمعاهد العربية من أناس خاملين متكلسين لا يفقهون من المعرفة المعاصرة أي شيء لبكي هذا العالم على حالنا!

وتتفق معه جوديث كيبر
في أن العالم العربي بحاجة إلى تعليم من نوع خاص· وقالت: إن الجيل الجديد من خريجي الجامعات العربية لا يعول عليه الكثير في صناعة القرار المستقبلي· فهؤلاء الطلبة لم يتعلموا ثقافة النقاش بحرية، ولم يشاركوا في أي تجارب ديمقراطية في بلادهم· فكيف يمكن أن يجلس طلبة كليات العلوم السياسية في الجامعات العربية وعقولهم منشغلة بتساؤلات عديدة عن أسباب غزو العراق بينما درس اليوم يتحدث عن أمر لا علاقة له بالواقع·!!· وقالت: ربما أستثني منهم طلبة الجامعات الأمريكية في العواصم العربية وأخص منها بيروت تحديدا التي رأينا نتاجها من الطلبة العرب المدربين على آلية اتخاذ القرار الديمقراطي·

مستقبل القرار العربي··

كما لم يقدم د· سيار الجميل
صورة متفائلة لمستقبل صناعة القرار العربي فهو يرى أن الإعلام يلعب دورا متعاظما في تشكيل فكر قادة المستقبل من خلال بلورة الرأي العام العربي الذي يضغط بدوره على مراكز القرار· وقال: في مثل هذا الوضع لا أعتقد أنه يمكن للأساتذة والأكاديميين لعب أي دور باستثناء الوصف والتعليق على المباريات المنتهية وإبداء آراء لا يلتفت إليها أحد حول الطريقة المثلى في إدارة المباريات· وأضاف: قد يبدو هذا التصور محبطا وملغيا لأي دور للمثقف والمفكّر الذي يستشرف المستقبل ويرسم ملامح الطريق· هذا المثقف حسب رأيي موجود بالضرورة ويمارس التأثير العميق البعيد المدى على طريقة الاستشعار عن بعد، ولن يقدر أهمية دوره إلا أطفالنا وأحفادنا·

أما د· جيوفري كوان
فيرى فيقول: إنه عندما يتولى أساتذة الجامعات زمام القيادة الفكرية المستقبلية للشباب العربي، وعندما يصبح الباحثون والمفكرون هم البطانة المحيطة بالقيادات السياسية العربية والصوت المؤثر في صناعة القرار السياسي وقتها سينظر العالم إلى القرارات العربية نظرة لا يستهان بها· وسيصبح القرار حربا كان أم سلما·· تسامحا كان أم تعصبا قرارا مبنيا على تفكير علمي منظم وليس رأيا فرديا انفعاليا كما هو معهود لعقود· وقال: فإن لم يحدث ذلك فسيظل القرار العربي غير منسجم مع التحالفات الدولية ولا المصالح المحلية·

وعلى العكس من ذلك استطاعت جوديث كيبر
أن تبث التفاؤل في مستقبل صناعة القرار العربي فقالت: بالرغم من أن القرار العربي لا زالت تصنعه إرادة فردية إلا أن الصورة في سبيلها إلى التغيير· فهناك أحداث في الشرق الأوسط جعلتنا نرى صناع القرار الجالسين لعقود في أبراجهم العاجية تصلهم لأول مرة أصوات المفكرين من خلال الفضائيات العربية· وهي ظاهرة صحية·· وما يتصوره البعض أن أنظمة الستينات والسبعينات سيظل لها استمرارية إلى ما لا نهاية يجافي الواقع· وتضيف كيبر: لا تزال الصورة في العالم العربي مختلطة· بين دول لا تزال تتبع الأسلوب التقليدي في اتخاذ القرار وأخرى سمحت بقدر من مشاركة المؤسسات السياسية في بعض القرارات· ولا تزال صناعة القرار العربي حكرا على الرجال دون النساء بالرغم من وجود وجوه نسائية عربية في الصفوف الثالثة والرابعة تبشر بالخير إذا أتيحت لها فرصة صناعة القرار·

شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …