الرئيسية / حوارات / المفكّر العراقي الدكتور سّيار الجميل في حوار جديد حول الوضع في العراق والمنطقة العربية

المفكّر العراقي الدكتور سّيار الجميل في حوار جديد حول الوضع في العراق والمنطقة العربية

اجرى الحوار : حيدر وسام
رئيس تحرير ” مرافئ ” لسان حال مجلس السلم والتضامن ببغداد
” ان مشكلة العراق اجتماعية قبل ان تكون سياسية ، وعلينا ان نفصح عنها ولا نخفي الرؤوس في التراب وتعرض الاجسام عارية مفضوحة ! العراقيون عاشوا حياتهم كلها على شعارات واوهام .. بل وهم يعيشون اليوم على خرافات واساطير .. انهم يتوهمون الخيالات حقائق .. حالهم حال غيرهم من شعوب المنطقة ، ولكنهم اكثر ايغالا في الخيال !! انهم يخدعون بالشعارات وقد اعتقدوا على مدى مائة سنة ان الشعارات الوهمية يمكن تحقيقها بانقلاب عسكري او تغيير ثوري او حزب قومي او شعار راديكالي او ائتلاف ديني فينتقل المسحوق في ظنهم الى عملاق ويتحول العراق من التخلف الى قوة عالمية .. وتنتقل البلاد من حالة التأخر الى التقدم !! وكل ذلك سيحصل فجأة بعد اي انقلاب ! بل وانهم يتوهمون اليوم بأن الانتماءات الطائفية والاقليمية والدينية ستجعل العراق بمصاف الدول المتمدنة ” .
د. سيّار الجميل

مقدمة
وسط التحولات السياسية الجارية على الساحة العراقية وما يجري من عمليات إرهابية طاولت ما تستطيعه من محرمات وحصدت ما تمكنت منه من أرواح بريئة , يجد العراقيون أنفسهم بأشد الحاجة الى من يأخذ بيدهم ليوصلهم الى شاطئ الأمان , ولكن كثرت الأيادي وإنعدمت الشواطئ , ولذا فإن العراقيين اليوم بدأو بالرجوع الى أسسهم وأخذوا بالإعتماد على قدراتهم , ولذا توجه موقع (مرافئ) الإخباري ( www.marafea.org ) التابع للمجلس العراقي للسلم والتضامن بأسئلته هذه والتي تمثل أهم ما يشغل بال العراقيين حالياً للكاتب والمفكر العراقي الاستاذ الدكتور “سيار الجميل” , كونه أحد الدعائم القوية للمسيرة الديمقراطية العراقية ولأنه يمثل في آن واحد الفكر التقدمي والوطني العراقي الغني عن التعريف … أدناه نص الحوار :
س1 يرى كثر أن الوضع العراقي محزن، مبك، مقلق أو على شفير الهاوية. ترى كيف تنظر الى هذا الوضع ، ولك في معالجة هذا الأمر مساهمات عملية ونظرية تجاوزت حتى حدود العراق؟ هل ترى الصورة مرعبة مثلاً؟ أم لك تصور آخر ؟
– لم يمر العراق على امتداد تاريخه الطويل بمثل هكذا محنة تاريخية قاسية ، فهي محنة محزنة ومبكية اخذت ولم تزل تأخذ من حياة العراقيين وزمنهم وقلقهم واعصابهم السنوات الطوال .. اضافة الى انها غير مقتصرة على ان تكون سياسية او اقتصادية او عسكرية .. فهي محنة شاملة لكل دقائق الحياة بدءا بالانهيار الامني وانتهاء بالتفكك الاجتماعي والانسحاق النفسي .. انها ليست محنة نظام سياسي لا يتحرك الا في دائرة مغلقة ، بل محنة مجتمع كبير وعريق باسره لم يكن يتخّيل يوما انه سيصل الى هذا ” المستوى ” من الحياة وكل هذا الانهيار .. ناهيكم ان المأساة لم تبق منحصرة لدى ابناء العراق ، بل انها تدولّت بكل ما فيها من مشكلات ودخلت عليها اطراف لا تعد ولا تحصى .. والمصيبة ان العراقيين قد انقسموا بين مؤيد للمتغيرات التاريخية التي حصلت وبين رافضين لها وان رهانات اولئك تختلف اختلافا جذريا عن رهانات هؤلاء .. ان رهانات الجميع على السلطة والقوة والنفوذ .. وتلاعب كل القوى باوراق غير نظيفة وبحركة اموال عائلة تنفق على قتل العراق .. من دون العمل على الحفاظ على مصالح العراق العليا ، وكلها قد اوصلتنا الى هذا الطريق المسدود .. ان التشرذم السياسي الذي خلقته الظروف السريعة قد جعل انتماءات العراقيين تتشظى ، وتبلورت ولاءات سقيمة ما كان لها ان تكون .. الساسة العراقيون ينقسمون اليوم بين موال للامريكيين خشية فقدان السلطة والمكاسب والاقليم ، وبين موال للايرانيين ويعتبرونهم صمام امان جغرافي وعقائدي .. وبين موال لهذا الطرف العربي او ذاك باسم الهوية العربية الاسلامية .. وبين موال للجمهورية التركية باعتبارها حامية ومحامية !!
ان المأزق الذي صنعه الامريكيون للعراقيين كان بمشيئة العراقيين انفسهم الذين لم يعرفوا كيف يقودون بلادهم الى بر الامان في احرج الظروف .. لقد جاءؤوا الى السلطة من فراغ طويل في معرفة ما حدث في العراق من متغيرات بعد ثلاثين سنة من وجود نظام حكم حديدي كان قد خلق جيلا لا يعرف على الساحة غيره ابدا .. فالعراقيون على امتداد 35 سنة عاشوا في علب مقفلة لا يعرفون ابدا متغيرات العالم الحقيقية وخصوصا بعد اندلاع الحرب مع ايران .. وفجأة يجد العراقيون انفسهم في داخل متاهة فارغة وتنصيب حكام جدد كان النظام السابق يصفهم باشنع الصفات .. اي ان العراقيين قد تربوا سياسيا واعلاميا على كراهية المعارضة وخصوصا الجيل الذي تربى في احضان النظام السابق .. وهو جيل لم يزل يخفي تعاطفه مع النظام الراحل ، فكان ان حدث السقوط العسكري والسلطوي ولكن الانساق السياسية والذهنية الحزبية قد بقيت موجودة حتى في اللاوعي ! ولما لم يحدث اي تلاق حقيقي بين العقليتين فكان لابد من التصادم الذي اخذ له اشكالا مختلفة ووجد له مبررات وسياقات بدءا بايام النهب والسلب وانتقالا الى الاخطاء السياسية وتفكيك المؤسسات باستثناء المؤسسة النفطية وانتقالا الى حرب الفلوجة وامتدادا الى كل الظواهر الجديدة التي اصابت الواقع الجديد الذي كان من السهولة معالجته قبل اربع سنوات .. وقد نادينا وطرحنا العديد من الحلول والاراء ولكن لم يلتفت اليها أحد ! نعم ، الصورة مرعبة واعتقد ان الامور قد تعقّدت كثيرا وسيواجه العراقيون اياما مرعبة قادمة ان بقيت عوامل الصراع تفرض نفسها على الميدان !

س2 بالنسبة للوضع العراقي الحالي أريد ان اصل معك الى جواب حول سؤال أساسي: كيف وصلنا الى هذه الحال؟ وما الذي أوصلنا الى هذا الواقع ؟ وأقصد به التطرف الموجود على الساحة حالياً سواء أكان تطرف أصولي أم تطرف حزبي وقومي ؟.
– لكي اكون صريحا اكثر برغم العوامل المعقدة والمتشابكة ، فان التطرف عادة ما يخلق في بيئة متخلفة تكثر فيها التورمات السياسية والكراهية الاجتماعية المتنوعة بين ابنائها .. ولكن كيف تبلور التعصّب والتطرف ؟ هناك اسباب لا اول لها ولا آخر دفعت بالحال من سيئ الى أسوأ ، واخشى القول ان وضعنا اليوم سيكون افضل بكثير مما سيولد في المستقبل . ان الولايات المتحدة الامريكية مسؤولة اليوم على العراق منذ ان اشعلت الحرب ودخلت الى اراضيه وبقيت هي الوحيدة صانعة لكل القرارات المصيرية .. ولا ننسى انها قد سحقت كل البنى العراقية التحتية منذ تحريرها للكويت في حرب 1991 وجعلت العراق يعود الى ما قبل الثورة الصناعية .. وعندما اسقطت نظام الحكم السابق ، كان عليها الا ترتكب اخطاء جسيمة بحق ليس مصير مؤسسات الدولة حسب ، بل كان عليها الا تتلاعب بمصير العراق الوطني .. انني افهم لماذا قضت على كل ما يتعلق بدولة منهزمة في الحرب ، وهذا هو منطق التاريخ العالمي فالدولة المنتصرة تسحق كل مؤسسات الدولة المهزومة .. ولكن الولايات المتحدة الامريكية لم تنجح في تأسيس البديل الطبيعي للعراق .. انها أساءت لمتغيرات العراق منذ اللحظة التاريخية الاولى بصناعة الانفلات .. انها ارتكبت اكبر الاخطاء بالاعتماد على اجندة لا تصلح للعراق ابدا .. انها سحقت العراق من دون ان تعّوض الشعب العراقي عما خسره من دمائه وارواح ابنائه وممتلكاته وكل ذخائرة وارشيفه .. الخ لقد غرر صاموئيل هانتغتون مراكز صنع القرار الامريكي بان العراق سيكون منسحقا مثل المانيا النازية .. ولقد اخطأ في ذلك خطأ جسيما ، وتحملت الولايات المتحدة عبئه ، اذ لم يكن العراق ابدا مثل المانيا او اليابان اثر الحرب العالمية الثانية كي تعتمد اساليب غير صالحة فيه .. ارتكاب اخطاء واستعجال خلق ظواهر سريعة في مجتمع كان مغيبا عن العالم وعن ميديا العالم وعن متغيرات العالم جعله ينتج كل هذا الشقاء .. ومن الفواجع ان يأتي حاكما مدنيا امريكيا للعراق كي يحكمه من دون ان يعرف شيئا عن العراق ابدا !! لقد كانت امريكا وراء سحق العراق بعد كل انسحاقاته السابقة من دون ان ترحمه ، بل واسرعت في صناعة الفوضى الخلاقة ـ كما وصفتها ـ وجعله ميدانا للارهاب العالمي ، ةخلقت فيه انقسامات لم تكن موجودة ابدا في السابق !! واعتقد ان العراقيين قد وعوا ذلك كله ، ولكن تاهت عليهم الطرق التي توصلهم الى شاطئ النجاة !
منذ سقوط النظام السابق وانا انادي بمبادئ اساسية مقترحا ان يلتزمها العراقيون في مرحلة سميتها ” فترة نقاهة تاريخية ” .. التي اعتقد بأنها من ضروريات العراق ، ولكن لا حياة لمن تنادي .. كان على العراقيين ان يؤسسوا لهم مؤتمرا وطنيا من قوى سياسية وجمعية حكماء .. ينتخب المؤتمرون من بين اعضائه هيئة وطنية عليا تتحدث باسم مبادئ عراقية ستة ويحددون اهدافهم لاربع او خمس سنوات تحت اشراف الامم المتحدة ، ثم من بعد ذلك تبدأ العملية السياسية واقرار دستور للبلاد على مهل وبعد استعادة المؤسسات حياتها ، وبعد ان يتشكل جيش جديد وبعد ان يحدد العراقيون طبيعة العلاقة بينهم وبين الامريكيين .. كان يستوجب للعراق ان يمر بها ، وكان يمكنه خلالها ان يحدد علاقاته بالولايات المتحدة والتحالف الدولي بمفاوضات بمعاونة الامم المتحدة ، ويطالب بالحاح على تغيير العملة والعلم .. ويتقبل التعويضات عن جنايات حرب قاسية ومدمرة .. كان على العراقيين ان يستبدلوا كل اجندتهم السياسية والشعاراتية في ايام المعارضة ليكونوا عراقيين من نوع آخر .. كان عليهم ان يغيروا كل انظمة احزابهم الداخلية .. كان عليهم ان لا يكونوا ضعفاء خائرين منذ اللحظة الاولى .. ولكن هذا لم يحصل ! والمشكلة هو بدء حالات التشظي بهروب كل عراقي الى انتماء وهمي له من دون العراق الذي اعتبره منتهيا .. وستبقى هذه ” الحالة ” لسنوات طوال ان بقيت الاوضاع على ما هي عليه .

س3 أود لو تقول لي من أين تنبع مشكلة عدم التوافق بين الأطراف العراقية ؟ , وفق ما ترونه من تحليلات فكرية وهل لهذه المشكلة في نظركم جذور تاريخية ؟ .
– انعدام التماسك الاجتماعي وانحلال التوحد الوطني والتراخي عن المبادئ الوطنية والهرولة الى انتماءات مذهبية وعشائرية وجهوية واثنية وطائفية خلق انقسامات لا اول لها ولا آخر .. ان مشكلة العراق اجتماعية قبل ان تكون سياسية ، وعلينا ان نفصح عنها ولا نخفي الرؤوس في التراب وتعرض الاجسام عارية مفضوحة ! العراقيون عاشوا حياتهم كلها على شعارات واوهام .. بل وهم يعيشون اليوم على خرافات واساطير .. انهم يتوهمون الخيالات حقائق .. حالهم حال غيرهم من شعوب المنطقة ، ولكنهم اكثر ايغالا في الخيال !! انهم يخدعون بالشعارات وقد اعتقدوا على مدى مائة سنة ان الشعارات الوهمية يمكن تحقيقها بانقلاب عسكري او تغيير ثوري او حزب قومي او شعار راديكالي او ائتلاف ديني فينتقل المسحوق في ظنهم الى عملاق ويتحول العراق من التخلف الى قوة عالمية .. وتنتقل البلاد من حالة التأخر الى التقدم !! وكل ذلك سيحصل فجأة بعد اي انقلاب ! بل وانهم يتوهمون اليوم بأن الانتماءات الطائفية والاقليمية والدينية ستجعل العراق بمصاف الدول المتمدنة .واسمعهم مرات ومرات يقارنون بين العراق ودول اخرى مثل سويسرا وكندا .. مشكلة عدم التوافق بين الاطراف العراقية ليست وليدة اليوم ، بل هي موجودة منذ ان بحثوا لهم عن ملك عراقي قبل ثمانين سنة ! وموجودة منذ ان كتب فيصل الاول مذكرته الشهيرة قبل ان يموت .. وهي موجودة في الاربعينيات والخمسينيات لتغدو سياسية محضة وتتبلور عن صراع دموي لاحزاب وقوى في الستينيات وصولا الى انقسامات طائفية وسياسية مكبوتة في الثمانينيات والتسعينيات لتتفجر بعد العام 2003 . ربما تترجم مشكلة عدم التوافق بين الاطراف العراقية سياسيا ، ولكن اسبابها اجتماعية في الاصل وقد وضحتها في محاضرتي عن بنية المجتمع العراقي وتفكيك اشكالياتها قبل سنتين .. الانقسام : حضري ريفي بدوي .. الانقسام اثني وعرقي قومي .. الانقسام جهوي محلي ثقافي الانقسام ديني مذهبي طائفي .. الانقسام طبقي معيشي اقتصادي .. الخ ربما كانت مجتمعات اخرى لها نفس الانقسامات ولكنها لم تكن بعنفوان العراق الذي ترجمت انقساماته سياسيا في صراعات خفية مكبوتة ثم غدت علنية مفضوحة ! وكل العلاجات سوف لن تنفع ابدا ما دام الوعي بالمواطنة وخلقها بديلا ، اي جعل القيم الوطنية بديلا حقيقيا عن كل الانتماءات الاخرى .. وهنا ستصادفنا او بالحقيقة تواجهنا مشكلة القومية الكردية التي تعتبر من اخطر المشاكل في العراق ، وهي بحاجة الى حلول عملية تعالج فيها الحقوق الكردية جنبا الى جنب المستلزمات والضرورات الوطنية . اما كل المشكلات الدينية والمذهبية والطائفية فان حلولها تكمن بفصلها عن الدولة تماما ، وابقاء الدين وطقوسه والتقاليد الطائفية عند العراقيين بعيدة تماما عن مؤسسات الدولة تماما ..

س4 العنف الأعمى الذي يضرب بالمدنين العراقيين يومياً وعلى مدار الساعة من المسؤول عنه ؟ وهل المسؤول عنه طرف أوجهة أو توجه أو فكر ؟ , وكيف يمكن التعامل معه ؟ للتخلص من الواقع الدموي الحالي .
– لو لم يجد الارهاب بكل ممارسات العنف الاعمي له بؤرا وحاضنات ومرتكزات وبيوتا تأويه لما بقي معششا ضاربا بكل اطنابه في اعماق المجتمع .. ابحث عن المستفيد من بقاء الارهاب ستقف على يزرعه ! ابحث عن من له مصالح مهما كانت طبيعتها في العراق ستجده يقف من ورائه .. ابحث عن كل الذين عاشوا على افكار ونصوص وشعارات خاطئة ستجدهم يحتضنون الارهاب .. ابحث عن كل من يحمل الكراهية العمياء وثقافة الحقد الاسود بين العراقيين ستجده من القتلة الذين يقتلون باعصاب باردة ! ان المسؤول عن كل صنوف العنف الموجه الى الابرياء عدة اطراف مشتركة ام منفردة .. وكلها تنطلق من افكار متعفّنة ومن توجهات فارغة ومن قيم دموية او من معتقدات وهمية .. انها تنطلق من توجهات خطيرة وتخطط بذكاء لقتل هذا وذاك .. وهي مستعدة لافناء كل العراقيين المدنيين من اجل اهداف ربما تكون سقيمة وربما تكون سياسية بحتة وربما تكون تنفيذية لارادة طرف او اطراف !! اما كيف يمكن التعامل معه ؟ فهذا سؤال كنت انتظر ان تترجم اجاباتي عنه عمليا منذ اربع سنوات عجاف.. كم سمعت من عمليات القاء قبض على مجرمين وقتلة بحق الابرياء واعترافات منهم بحق المخطوفين والمذبوحين والمقتولين .. ولكن هل سمعنا انهم حوكموا واعدموا علنا !! ؟؟ هل سمعنا باحكام قاسية في محاكم مدنية وعسكرية ؟ لماذا لا تعلن الحكومة عن اسباب احجامها عن ذلك ؟ ما الذي يقف من وراء ابقاء المجرمين يكررون القتل بحق الابرياء من دون ان ينالهم القصاص العادل ؟ ارجو توجيه السؤال للحكومة العراقية وان اجابت بأن امرها ليس بيدها .. فما المطلوب عمله في هذه الحالة ؟ اليس من واجبها ان تجد لمشكلتها حل ، ام ان بقاءها سيمضي على حساب شلال دم العراقيين ؟

س5 كيف وصلت إلينا أنظمة الاستبداد؟ أتكلم هنا على أنظمة الاستبداد العسكرية تحديداً… الخلل فينا نحن أم في بنيتنا الاجتماعية أو أتانا من الخارج؟ ثم حين نقول “نحن” مَن نعني؟ الشعب؟ المثقفين؟ .
– هذا سؤال الواعي بنفسه اليوم .. وما كان العراقيون ليسألونه ابدا لو لم يمروا باخطر الاحداث التاريخية .. لقد اختزلت الاحداث المريرة دراستهم الواعية للمجتمع العراقي الذي يصّنف على انه من المجتمعات المركبة والمعقدة معا .. ولكن لم يسمح لأحد ابدا على مدى خمسين سنة مضت ان يتحدث عن مجتمعه العراقي بصراحة متناهية .. فخفيت امور ، وبقي العراقيون يتعاملون مع بعضهم الاخر بعدة اوجه وليس بوجه واحد .. منذ خمسين سنة والعراقي يخشى العراقي الاخر .. منذ خمسين سنة والعراقيون يحيلون كل آثامهم الاجتماعية على السياسة .. واصبحت الاحزاب السياسية تترجم صراعاتهم الداخلية ، بل وعدت متنفسا لتراكماتهم من التعقيدات النفسية .. واصبحت السلطة بالنسبة لهم ترجمة حية لنفوذ عشائري بين عشيرة على اخرى او لنفوذ اجتماعي لهيمنة المسحوقين على القوى المتنفذة والعوائل العريقة .. واصبحت السلطة لا مجال لها للبقاء ان لم تستخدم الاستبداد وسيلة قهرية لها ضد المؤامرات وضد حياكة المعارضة وضد خطط الانقلابات .. الخ اصبحت السلطة هي النفوذ والجاه والقوة والمال .. فلم يتورع العديد من العراقيين المستبدين الاعتماد على اجانب وتفضيلهم حتى في الحفاظ على اسرارهم من العراقيين انفسهم .. لقد تهرئت بنيتنا الاجتماعية كثيرا في اقسى حكم استبدادي عرفه العراقيون على عهد صدام حسين ، فكان العراقيون ان لم يجمعهم الولاء الشكلي للحزب والثورة ، فان ما يفرقهم هو الحقيقة المرة .. وكلنا يتذكر كيف يحسب اي عراقي حسابا عسيرا وهو يلتقي بعراقي آخر ، فكل عراقي اصبح يخشى العراقي الاخر .. بل وان اغلب العراقيين كانوا يفضلون التعامل مع اي اناس من بلدان اخرى دون التعامل مع العراقيين ! حتى وصل الشك بين الاخ واخيه وبين الزوج والزوجة .. فالخلل فينا وفي بنيتنا الاجتماعية ، ولا يمكنني البتة ان اسقطه على الاخرين ! واننا عندما نقول ( نحن ) اقصد بها كل العراقيين بلا استثناء ابدا .. فالقادة والزعماء من هذا الشعب ولم يأتوا الينا من فضاء آخر .. وان المثقفين ايضا بكل نخبهم وفئاتهم واصنافهم من هذا الشعب ولم يأتوا من اوساط اخرى .

س6 كيف تنظر إلى تحولات المثقف في الوطن العربي؟ وبالأخص بعد العام 2003 .
– انها تحولات صاعقة من تاريخ الى تاريخ جديد .. ومن ظاهرة الى عدة ظواهر .. ولكن المشكلة ان التحولات تجري من دون اية بدائل وآليات تستوعب تلك التحولات نحو المستقبل .. عندما كانت تحدث تحولات في القرن العشرين بين جيل وجيل لاسباب تاريخية خطيرة ايضا كانت ثمة بدائل تستوعب تحولات المثقف خصوصا .. ولكن المثقف العربي اليوم احس انه في ضياع ، بل وانني اجده يجد فرصة التحول حاضرة ومتوفرة ولكنه لا يستطيع التحرك ، ويشعر انه مقيد بالاغلال .. لقد كان سابقا يخشى السلطات السياسية ورقابة الدولة واجهزة الامن والطابور الخامس .. الخ واليوم انضافت الى كل سلطات الدولة سلطات جديدة اقوى واشرس واخطر وامر هي سلطات المجتمع !! انه يخشى القوى الاصولية والتكفيرية التي تقف اليوم وقوفا حديا ازاء تقدم المجتمعات وازاء خصب الثقافة الحقيقية .. وتقف ازاء الحريات بمختلف صورها واشكالها ومضامينها . ان النخب المثقفة في مجتمعاتنا اليوم تعاني ليس من اجهزة الدول والسلطات ، بل انها تعاني من اضطهادات الكهان الجدد ورجال التابو من الاصوليين الذين لهم اساليبهم في القهر والارهاب الفكري .. واعتقد ان تأثير هذا المد سيبقى الى فترة ليست بالقصيرة ، واعتقد ان الثقافة العربية دخلت طورا جديدا في تاريخها وهي التي تموجت على الهزائم منذ هزيمة العام 1967 ، ولكنها كانت توّدع الفكر القومي والصراع مع الفكرة الاممية ايديولوجيا عند نهاية السبعينات من القرن العشرين ، ليتلبسها المد الاصولي فيبدأ صراع من نوع جديد بين الاصولية والعلمانية .. ولكن مع هجمة 11 سبتمبر 2001 وغزو افغانستان عام 2002 واحتلال العراق عام 2003 ، دخلت الثقافة والمثقف مرحلة جديدة تتمثّل بالصراع من اجل الحرية والانتقال من سطوة الدولة البوليسية الى سطوة المجتمع وتقاليده ! ان المثقف اليوم في طور حاسم من التحولات ليس السياسية بالضبط ، فلم يزل بينه وبين المتغيرات السياسية زمنا طويلا ، ولكن التحولات الاعلامية ، اذ دخل الاعلام المرئي بانواعه الى كل البيوت والحارات والغرف .. ولما كان الاعلام العربي هزيلا في برامجه وانشطته ، فان المثقف قد هزل كثيرا عن مثقف الجيل الماضي ، والعيب ليس فيه بقدر ما يكمن في آليات التحول وطبيعة المتغيرات .

س 7 بعد هزيمة العام 1967 لماذا لم يتغير الفكر العربي … كما تغير تحت نفس الظروف الفكر الأوربي بعد الحرب العالمية الثانية ؟ .
– لا يمكننا ان نشّبه الفكر العربي الحديث ( ان وجد لدينا فكر نحن العرب ) بالفكر الاوربي الحديث ، ذلك ان ثمة اختلافات جوهرية بين الاثنين . ان الفكر الاوربي انطلق بجملة ابداعاته وحداثاته وفعالياته بسبب الخميرة الفكرية التي ترّكب عليها ، فهو نتاج تاريخ رائع من الفلسفات والايديولوجيات والظواهر الفكرية الكبرى .. انه نتاج مناهج الفلسفات الواقعية والتنويرية والوضعية والتجريبية الامبريقية .. كي تنطلق البنيوية والشكلانية والحداثة النقدية والظاهراتية والوجودية .. الخ فهل كان لدينا نحن العرب فلسفات وافكار قبل العام 1967 ؟ في اوروبا تاريخ مثقل من الظواهر التاريخية الكبرى معمّرة يتصل وجودها بالقرن الخامس عشر مذ انطلق التاريخ الحديث بدءا بالاستكشافات الجغرافية للعالم في القرن الخامس عشر وانتقالا الى ثورة الاصلاح الديني والنهضة الاوربية في القرن السادس عشر وانتقالا الى الثورة الماركانتالية وتأسيس جمهوريات المدن المالية والتجارية بايطاليا ثم بزوغ فجر الدساتير في احداث كرومويل بانكلترا في القرن السابع عشر .. ثم انتقالا الى عصر الانوار وفكرة الحرية وروح القوانين والثورة الفرنسية التي قضت على الحكم المطلق والكنيسة والاقطاع في القرن الثامن عشر .. وانتقالا الى الفلسفة الوضعية والافكار الطوباوية الاشتراكية والادبيات الرومانسية وانبثاق الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر .. وانتقالا الى الثورة الاشتراكية والثورة التكنولوجية والعلمية وفكرة التطور وفكرة النسبية وفكرة اللاوعي واستكشاف الفضاء .. ابان القرن العشرين .. وكلها انتجت ثورة الاتصالات والانترنيت والمعرفة وظاهرة العولمة وثورة الديجتال الرقمية .. الخ في القرن الواحد والعشرين .. وعليه ، فثقافتنا العربية لا يمكن مقارنتها بتاريخ الثقافة الاوربية .

س8 كيف تنظر إلى الأوضاع في المنطقة العربية وبالأخص في العراق من موقعك ككاتب ومفكر؟ .
– انظر اليها كأوضاع متردية لا يمكن اصلاحها ابدا .. اذ ان المطلوب البدء بالتحديث بديلا عن الاصلاح . وهذا ما اوضحت تفاصيله في كتابي ( العرب والاتراك : الانبعاث والتحديث من العثمنة الى العلمنة ) المنشورة طبعته الاولى في العام 1997 . فالفرق كبير بين اصلاح الشيئ وبين تحديث ( أي : تغيير ) ذلك الشيئ . لقد دعوت مرارا وتكرارا كم هي الحاجة ملحة الى تغيير كل القوانين بما يتفق وحياة العصر .. وطالبت ايضا بتحديث كل النظم والمناهج التربوية والتعليمية .. وطالبت بتحديث الذهنية من خلال تنمية التفكير منذ صغر الاطفال كي نخلق اجيالا جديدة تختلف في تفكيرها وممارساتها عن الاجيال الحالية . ان العراق قد اضرته عوامل عديدة داخلية وخارجية في ان يكون مثلا يحتذى ، علما بأنه يمكن ان يكون مؤهلا كنموذج في التغيير ، ولكن اوضاعه تحت الاحتلال وضياع فرصه التاريخية وانقساماته اليوم ستؤخر تطوره من دون شك !

س 9 هل ترى ثمة بارقات أمل بتغييرات ممكنة على صعيد حرية الفكر والتعبير في العراق ، تنطلق من الواقع ومن الرغبات الإصلاحية التي تطل برأسها ولو ببعض الخجل ؟ .
– انني اعتقد ان العراقيين قد تجاوزوا نطاق الحريات الى خلق عالم فوضوي ما كان يستوجب ان يكون .. ولكن العراقيين الذين كانوا محاصرين على مدى سنوات طويلة ومكبوتين يكتمون اسرارهم ومخاوفهم .. انطلقوا اليوم ولكن من دون اي منهاج ومن دون اي ضوابط .. ان حرية الفكر والتعبير في العراق كان لابد ان تمارس بصور واشكال افضل لولا الهجمة الارهابية وانظمة القمع التي تكبس على كل الاحرار من قبل سلطات اجتماعية متطرفة وتيارات اصولية متشددة وجماعات فرضت ارادتها على الناس وفرضت القمع على الرجال والنساء وحتى الاطفال . ان الامور لا تستقيم ابدا ان بقيت الرغبات الاصلاحية تطل خجولة ومن دون ان يكون لها أي تفعيل ونشاط .. ومن دون اتخاذ قرارات حاسمة والعمل بها لتطبيقها كاملة . وما دام هناك هجمة لا معنى لها من قبل المتسلطين باسم الدين على النخب المتحررة والمتعلمنة .. فان الامور ستبقى في رعاية التهلكة ، وان المجتمع لن ولم تقم له قائمة ابدا !

س 10 رأيكم بمنظمات المجتمع المدني الموجودة حالياً على الساحة العراقية ؟ , علماً إن المجتمع المدني اليوم بكل مؤسساته ومنظماته , يسعى الى تبديل المجتمع نحو الأصلح , أليست في تحرك المجتمع المدني، وسلاحه الأساس الإعلام ومصلحة الناس، إمكانية لتغيير حقيقي ؟ وهل يمكن لجهود هذه المؤسسات المدنية أن تحرك تردد العراقيين وتشجعهم على أخذ زمام المبادرة في إختيار مستقبلهم دون ضغوط أياً كان توجهها ؟ .
– هذا صحيح اتفق معه جملة وتفصيلا . ان ظاهرة وجود عدد كبير من منظمات المجتمع المدني في العراق يعكس حالة الوعي بالتمدن وضرورة تغيير المجتمع وتحديث التربويات . انني اتابع بعض انشطة منظمات المجتمع المدني في العراق اليوم ، واناشد الحكومة العراقية ان تمدها بالمساعدة والعون .. لتأخذ دورها الحقيقي في اجراء التبدلات .. لقد كانت هناك فورة حقيقية في تأسيس الجمعيات من اجل بلورة مجتمع مدني ، ولكن الصراعات الطائفية وموجات الارهاب قد اكتسحت كل المحاولات واستأسدت على الشارع ولوثت كل المناخات ! ان الانشطة والاستعراضات والدعاية لمجهودات هذه المجتمع المدني هي التي تخلق التحرك لدى العراقيين وتشجعهم على اخذ زمام المبادرة لبناء طريق المستقبل . ان العراق وغير العراق لا يمكنه ان يعيش بعد اليوم من دون مؤسسات او منظمات المجتمع المدني .. واعتقد ان اي دولة متمدنة لا يمكنها ان تحيا من دون تلك ” المؤسسات ” .. وهنا اقول بأن العراق بأمس الحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني للحد من نفوذ سلطات رجال دين من ملالي لا يفقهون دور منظمات المجتمع المدني . لقد كان على العراق ان يخطو خطوات نحو حياة مدنية ، ولكنه اتخذ الطريق المعاكس لتغدو كل حياته السياسية والاعلامية طائفية متخلفة مما انتج اساليب انقسامية تشرذم المجتمع على اثرها . ان معالجة ما حدث لا يمكن اكماله بسرعة ، بل هو بحاجة الى جيل جديد مختلف تماما في ذهنيته وممارساته عن كل ما يجري من خطايا شنيعة بحق الحياة العراقية التي لا يمكنها ان تحيا في انساق طائفية او عرقية ، فما للمجتمع للمجتمع وما للدولة للمجتمع وما لكل من الدولة والمجتمع هو للعراق .. الوطن ! اذا اخذ بهذا الشعار ، فسيعتدل امر العراقيين لما فيه مصلحتهم كلهم من دون استثناء ، وان بقي الحال متشظيا ويعوّل على اصلاح ذات البيت من طرف وفتق ذات البين من طرف آخر ، فسوف لن يعرف العراق طريقه نحو المستقبل.

س 11 هـناك ثورة كبيرة تحصل على صعيد العالم كله … ثورة تقودها الفنون والانترنت والإعلام… ما رأيك في هذا؟ وهل يمكن أن نعطي لشباب اليوم فرصة أكبر دون توجيه قد يروه من وجهة نظرهم فات أوانه ولا يصلح للتطبيق حالياً ؟ .
– مع كل الاسف ، فان الثورة الاعلامية والاتصالات والانترنيت وثورة الديجتال الرقمية تستخدم اليوم ليس في العراق وحده ، بل في كل اصقاع العالم الاسلامي بغير طرقها الحقيقية .. بل وتستغل جميعا من قبل قوى تراجعية ومتخلفة بل وحتى ارهابية للتخطيط في قتل الابرياء ومشروعات في الضد من حياة الانسان .. ان الثورة الكبرى التي يشهدها العالم هي جزء من ظاهرة العولمة التي لم يزل يحاربها من يدرك طبيعتها وكينونتها . ان ثورة الاتصالات هي ثورة علمية بالتأكيد وهي جزء من المنتجات التي افرزها العالم الحر المتمدن .. ومن المؤسف اقول ان الوعي العربي والاسلامي عموما قد غاب في مدركاته لاهمية هذه الثورة .. ولا يمكنني ان اتخّيل عالمينا العربي والاسلامي يستغّل وسائل هذه الثورة لاغراضه واهدافه من دون ان يؤمن بالظاهرة الحضارية المعاصرة وببقية منتجات هذه الظاهرة التي انجبها القرن العشرون . انني مؤمن بأن جيل اليوم لابد ان يعطى الفرص الكبرى لاستيعاب المعرفة من دون ان تقنن عقله وذهنه في معلبات الماضي .. او ان تخلق عنده تفكيرا مزدوجا ، اي ان تخلق منه عقلية بدائية قاحلة ليس فيها الا ترديد نصوص اثبت العلم عدم مصداقيتها .. وبنفس الوقت تضعه امام ثورة المعرفة الرقمية وثورة الاتصالات المدهشة .. على الاجيال الجديدة ان تتخلص من ثنائياتها ومزدوجاتها كي تندثر تناقضاتها نهائيا . ان الانسان في مجتمعاتنا يحتوي على ركام هائل من التناقضات التي تحكم فكره وعقله وحتى عواطفه واحاسيسه . ان جعل الجيل ينطلق بفكره ويخلق له فلسفاته من دون اية محددات ومحرمات ومقفلات وممنوعات الا ما يتصّل بالانفلات والاباحية التي تعتبر خطوط حمراء .. والا فان الشعور بالحرية مهما كان نوعها سيطلق الانسان عندنا من الاقفاص القديمة المهترئة ويجعلنا امام بشر متوازن وسوي يمكن ان نخرج به على العالم كونه يدرك ما هو هذا العالم !

س 12 ما الذي تفعله أنت ككاتب ومثقف عراقي في ظل ما يجري اليوم ؟ وما مساهماتك كمثقف مسؤول؟ .
– افعل ما استطيع فعله وبما يتيحه لي وقتي وصحتي وامكاناتي .. احاول ان افعل ما لم يفعله غيري .. اشعر بأنني حر في ما اكتبه اليوم .. وخصوصا بعد ان عدت اقيم في الغرب .. ولكن ليس الحرية التي اتمناها او احلم بها ! اشعر ااني لم ازل مقيدا بعدد كبير من التقييدات عندما افكر واكتب في العربية ، وربما لم اشعر بذلك ابدا عندما اعمل او اكتب بغير العربية . صدقت في وصفك فانني اشعر انني بمثقف مسؤول وليس بمثقف ملتزم ، والفرق كبير بين الاثنين ، فالالتزام يمكن ان يكون لقضية واحدة او لحزب واحد او لايديولوجية واحدة .. اما المسؤولية ، فانا حر في اختياراتي ومسؤول من تاريخ وحاضر ومستقبل .. مسؤول من مرحلة زمنية ومن وطن ، لست بملتزم فكرة معينة او تيار معين او حزب معين اذ لا يمكنني ابدا ان اكون ممثلا لطرف او جهة او حزب او تيار او كتلة .. الخ ان مسؤوليتي وطنية ، وهي التي اتمثلها امام المجتمع ، وهو الذي ينتظر مني الكثير وينتظر من غيري الاكثر .. ودوما ما كنت ولم ازل اقول بأنني اتمنى ان يتسع الزمن بشكل اكبر لاستطيع ان اشتغل اكثر واساهم بشكل اكبر .. هناك مشروعات علمية ومعرفية وتاريخية بدأت فيها وقطعت شوطا كبيرا فيها ولكنني لم اكملها ، لأنني منشغل بهموم الوطن .. فهناك موضوعات يومية تعيش معي واعالجها سياسيا او تحليليا .. وهناك قضايا كبيرة بحاجة الى تحليلات ومقارنات لابد من تقديمها في اوقات مناسبة .. وهناك مسائل فكرية وفلسفية يمكن ان تطول اكثر وربما لسنوات .. اما الدراسات والبحوث التاريخية والاجتماعية والتأليف والاشراف الاكاديمي ، فهي بحاجة الى زمن مضاف الى اجندة عملي .. وستجد النور حتما ان بقيت على قيد الحياة بحول الله لسنوات قادمة !

س13 المجلس العراقي للسلم والتضامن يرعى اليوم حملة لمنظمات المجتمع المدني العراقي حملت إسم ( معاً من أجل العراق ) , تدعوا الى نبذ العنف والتواصل مع الآخر ومناقشة رأيه بشكل ديمقراطي وحضاري , للوقوف على نقاط الضعف التي تعرقل مسيرة البلد نحو التحرر الفكري والسياسي .. علماً إن هذه الحملة قد إمتدت إلى أكثر من محافظة عراقية .. كيف تنظر من موقعك ككاتب ومفكر الى مثل هذه التحركات في هذه اللحظة السياسية المتحركة من تاريخ العراق الحديث ؟
– اراها خطوات عملية وميدانية على الطريق .. فهي تحقق لاول مرة فرص حوار مع ابناء الشعب كافة ، وهي تحتوي كل مشاعر الغضب وتمتص كل منتجات التعصب والتطرف .. انها تفسح المجال لاول مرة في توفير فرص الحوار بين مختلف الاطراف .. انها تقّرب الناس من الوطن وتبعدهم عن اية انتماءات وتشظيات وتعصّبات .. انها تمنح الناس بعد الفراغ السياسي وبعد نهايات الحكم الشمولي فرصا للمكاشفة والتربية على الشفافية والوعي بالاشياء والمأثورات والاستكشافات والابداعات .. انني اعتقد بأنها حملات تفتح الابواب على مصاريعها امام المجتمع لكي يفهم طبيعة العلاقة بينه وبين الدولة .. ويبني علاقة احترام بينه وبينها .. وليشعر لأول مرة بفرص الحياة المدنية بعيدا عن الالوان العسكرية والزيتونية وبعيدا عن العمامات واللحى .. ليشعر ان الدولة قد خلقت من اجل ان تقدم الخدمات اليه ، وليس الشعور المعاكس الذي خلق على مدى خمسين سنة بانه خلق ليخدم الدولة ، بل ليجعل روحه ودمه في سبيل السلطة والنظام ورأس النظام .. انني اتمنى ان تتطور هذه التحركات اليوم وغدا من اجل مستقبل رائع وحضاري وجميل في العراق .

س 14 إذا كان هناك ثمة طرف أو توجه أو حتى أسلوب , يستطيع إرجاع العراق الى الطريق الصحيح في مسيرته نحو الديمقراطية , فمن برأيكم يستطيع هذا ؟ .
– نعم ، ان ارجاع العراق الى الطريق الصحيح في مسيرته نحو الديمقراطية يتمّثل بالحلول التالية التي دوما ما انادي بها شفاها وتحريرا ، وهي :
1) ولادة دستور مدني حقيقي لا يحتوي اي نص او تعبير او كلمة مضاد للحياة المدنية ، دستور لا يفسح المجال لأي من رجال الدين ممارسة سلطتهم الروحية على الحياة العراقية ، لأن في ذلك تبلور صراع خفي بين المذاهب والطوائف والملل والنحل كافة .
2) على الاحزاب الدينية بعد ان فشلت في ادارة الحكومات وقيادة الدول والانظمة تجديد نفسها من خلال تغيير نظمها الداخلية ، فاما ان تؤمن بالديمقراطية حقيقة او تؤمن بالشورى حقيقة .. اي تعلن عن تمسكها بالحياة المدنية او تمسكها بالحياة الدينية وعند ذاك لا يحق لها استغلال الاليات المدنية ولا الانتخابات الديمقراطية في تأسيس حكم ديني ، فالحكم الديني له آلياته ومصادره التي يدركها اهل الحل والعقد .
3) الغاء كل المشروعات التي قامت على اسس غير وطنية بدءا بالاجندة الطائفية وانتهاء بالاجندة الاثنية والعشائرية والقبلية والجهوية .. الخ اي بمعنى الغاء مفهوم المحاصصات التي مزقت شمل المجتمع .
4) تتم الانتخابات على اسس سياسية مدنية ولا يحق لرجال الدين التدخل فيها ابدا ، مع احترامي لهم ، كما لا يحق لهم الترشيح والحديث عنها ، فهم من ابعد الناس عن الانتخابات ، فامكنتهم الجوامع والحسينيات لوعظ الناس وارشادهم اخلاقيا وتعبديا وفقهيا واصلاحيا.
5) يتم تنفيذ الاليات الانتخابية على اساس الوحدات المناطقية وليس اعتبار البلد كله منطقة واحدة ، ويتم الترشيح على اساس الدوائر الانتخابية ليعرف الناس من ينتخبون وليس على اساس الاحزاب والتكتلات والتيارات الطائفية والدينية .
6) يتم تأليف البرلمان من الناس الفائزين بجدارة ومن دون اي مناورات ولا اي تدخل لمرجعيات .. وهنا اطالب ايضا بأن تتم الانتخابات التشريعية باشراف الامم المتحدة اشرافا مشاركا ، وكنت قد طرحت في الانتخابات السابقة فكرة بالامكان تنفيذها ، وهي تتخلص بان يكون هناك صندوقان انتخابيان الاول تشرف عليه هيئة قضائية عراقية والثاني تشرف عليه الامم المتحدة ، ويلزم الناخب بأن ينتخب من يريد في ورقتين اولاها يضعها في صندوق العراق وثانيتها يضعها في صندوق الامم المتحدة .. لمعرفة حجم التزويرات والمخالفات ان وجدت .

س 15 بما ان المطروح حالياً بإلحاح في العالم العربي مسألة علاقتنا بالآخر، ما المسافة الآن بيننا وبين هذا الآخر الذي يمثله الغرب عموماً , وكيف يمكن أن تكون المواجهة الحضارية بيين الطرفين ؟ .
– المسافة الزمنية والموضوعية كبيرة جدا والمسافة الفكرية والابداعية اكبر بكثير مما نتخيل ! لقد انتقدت باكثر من مقال مشروع حوار الحضارات الذي نضحك فيه على انفسنا ان اعتقدنا بأن الامم المتمدنة باستطاعتها ان تحاورنا ! وعلى ماذا تحاورنا ؟ ليس بيننا وبينها لغة مشتركة ابدا ! ليس بيننا وبينها اية مشروعات مشتركة نظرا للفوارق الكبرى الفاصلة بين العالمين . اننا نتوهم كثيرا عندما نجعل من انفسنا عالما حضاريا قائما بذاته .. فلقد فشل مشروع ما اسمي بالنهضة العربية الحديثة فشلا ذريعا .. في حين تفوقت مجتمعات وامم اخرى تفوقا باهرا علينا .. ان المسافة بيننا وبين الاخر المتمدن كبيرة ليس في البنى التحتية حسب ، بل في البني الفوقية وفي العقليات وفي الذهنيات وفي الحريات وفي منظومة القيم وآليات التعامل والثقافات وفي التنظيم وفي القوانين وفي حقوق الانسان وفي الضمان الاجتماعي وفي التربية والتعليم وفي آليات التفكير وفي آليات المعرفة وفي العلاقات العامة .. الخ انها ليست بلاد الثورة التكنولوجية التي يمكن ان نستوردها لنصبح مجتمعات متمدنة ، بل انه تاريخ طويل ومعقد من التطور الاجتماعي والاقتصادي بحيث وصل الانسان الى ان تسوده المؤسسات وتحركه الانشطة والمشروعات وتنظمه القوانين والتعليمات .. ان المواجهة الحضارية ليست سهلة ابدا ، بل انها من اصعب المهام الملقاة على عاتق مجتمعاتنا لكي تستلهم التجارب وتتعلم من النظم وتبدع في الافكار .. انني اعتقد ان النسخ والتقليد لا ينفعان ابدا في عالم بات يبحث عن ان يقّدم الجميع ابداعاتهم في سوق تنافسية .. اقصد ان اي مجتمع من المجتمعات لا يسعى بنفسه الى ان يقّدم شيئا ضروريا ومبدعا للعالم كله ، فسوف لا يلتفت العالم اليه اليوم .. علينا ان ندرك ادراكا حقيقيا ومنطقيا وبعيدا عن المصالح السياسية السؤال التالي : من بحاجة لمن ؟ هل العالم المتمدن بحاجة الينا نحن العالم المضطرب المتخلف .. ام نحن بحاجة الى كل العالم المتمدن في الشرق كان ام الغرب ؟ اعتقد بأننا نحن الذين نحتاج العالم .. فليس من مهمتنا المواجهة من دون بضاعة ! ليس من حسن التقدير ان نذهب لنواجه العالم حضاريا ونحن مفلسين ليس لدينا الا بضاعة الكلام ! ليس من العقل ابدا ان نذهب الى العالم لنقول له بأن ليس لدينا ان نعطيك الا النفط !! او ليس ما نردده على مسامعك الا الاشعار والمواعظ !!

س 16 بالنظر لإنتشار ظاهرة المجتمع المدني بين صفوف العراقيين ووعيهم التدريجي بحقوقهم وواجباتهم , هل ترى ضرورة التحالف الخلاّق والواعي بين المثقف العراقي والمجتمع المدني؟ .
– كيف لا ارى ضرورة يا عزيزي ؟ خصوصا وانني اعتقد ان ليس هناك من مثقف عراقي حقيقي ما لم يكن له اهتمامه بالعراق ودور المجتمع المدني فيه .. ولكن اسأل نفسي عن مثقف عراقي يهرب من واقعه لتغدو له انتماءات اخرى .. ان من يرتبط عضويا بمجتمعه لا يمكن ان يعمل خارج نطاق اي مؤسسات مدنية .. ولا يمكن لأي مثقف عراقي مبدع ان يغرد خارج اسراب العراق الحضارية .. فان بدأ يسبح بحمد المتخلفين فقد خرج عن قيم حضارات العراق .. ولا يمكن لأي مثقف عراقي يتحسس المسؤولية وهو لا يقبل مؤسسات المجتمع المدني .. وحتى اولئك الذين يتخندقون حزبيا او ايديولوجيا من قوميين او يساريين راديكاليين او بعثيين وناصريين وحركيين .. فيستوجب ان يدركوا ان الزمن قد تغير ، وان البروليتاريا لم تعد لها القدرة على ان تسيطر وتحكم كونها انتهت .. او ان الشمولية في الحكم ستعود من جديد الى الحكم لئن لم يعد هناك اية انغلاقات سياسية وايديولوجية .. وان الاهداف التي حملوها لم يحققوها ، فهل من السهولة ان تتحقق على ايادي غيرهم ؟ اما الاسلاميين ، فهم اصلا لا يؤمنون بمؤسسات ومفاهيم المجتمع المدني .. انه يريدونه مجتمعا دينيا مثاليا سلفيا فاضلا سواء كان بوسيلة الولاية الفقهية ام وسيلة الامامة الشيعية ام بوسيلة الخلافة الراشدة السنية ام بوسيلة الامارة الدينية الاصولية !!! لا ادري كيف يحققونه في عالم تتداخل فيه الثقافات ومنجزات العصر التي تتصادم مع تفكيرهم ومعتقداتهم السياسية !!

س 17 أي دور يمكن للفكر ان يلعبه على الساحة العراقية اليوم ؟ في الجامعات؟ في الإعلام؟ من خلال المناصب السياسية؟ من خلال منظمات المجتمع المدني … او حتى من خلال الشارع؟ .
– انا مؤمن بأن للفكر الليبرالي دوره في ان يكون مؤثرا على الساحة العراقية بديلا عن اي فكر آخر والعراق يمر بمرحلة صعبة من صراع القوى .. واعتقد ان لهذا الفكر خصومه الاشداء اليوم ، فكل الذين يؤمنون بالفكر الاصولي ولا اقول الاسلامي انما هم اعداء اشداء للفكر الحر .. ولم يقتصر الامر على الاصوليين محاربة الفكر الحر ، بل غدا الطائفيون ايضا من اشد اعداء المفكرين الاحرار .. وانني اعتقد بأن قطاعات واسعة من العراقيين وخصوصا نخب المثقفين وفئات كبيرة من السكان تؤمن اليوم بالحريات اكثر من اي يوم مضى .. وهنا لابد من التوجه الى الزعماء والقادة لانتقاد اجراءاتهم التي تصطدم بأي فكر حر والتنبيه الى ممارساتهم الخاطئة .. وحثهم على اصدار ما يمكن ان يساعد على ايجاد حلول للازمات في الواقع .. ثم التوجه الى النخب والفئات الثقافية والاعلامية والنقابية .. لاقناعها بما هو صحيح وبما هو خطأ .. واخيرا التوجه الى الجماهير عموما . صحيح ان قرارات حاسمة يطلقها اصحاب القرار يمكن ان تجري في كل المرافق الاجتماعية بتوقيع واحد او كما يقال بجرة قلم .. بسرعة اكبر وبكثير جدا من مؤثرات فكر .. ولكن المجتمع ان تراخى الناس فيه واخذ المجتمع لا يستمع الى مفكريه ومصلحيه ورواد تقدمه وحداثته ، فان مصيره سيكون على كف عفريت !!

س 18 ماهي إنعكاسات إغتيال العقول والكفاءات وقادة الرأي في عراق اليوم على الوضع العام للشارع , وماهي توقعاتكم لعراق خال من هكذا نخب فكرية ؟ .
– انه الجحيم بذاته ! انها مؤامرة خبيثة جدا في اغتيال العقل العراقي بتصفية اصحاب العقول واصحاب الكفاءات وقادة الرأي .. ولكن لنراقب من له المصلحة الحقيقية في هكذا اعمال خطيرة في العراق .. علينا ان ندرك بأن هناك من يريد انهاء العراق جغرافيا وتمزيقه وطنيا .. ويريد افراغه من كل مقوماته الحقيقية .. وبعد انسحاق بنيته التحتية لم يبق فيه الا بعض ابناء بنيته الفوقية التي نالتها التصفيات بمختلف التخصصات . ان الخوف على العراق الطبيعي لا يمكن ان يقتصر على تجزأة جغرافية بمسميات مختلفة ، بل ايضا يشمل الخوف على ما تبقى من بنية فوقية !

س 19 بالنسبة للقوانين المقترحة بشأن قانون الإستثمار الإجنبي وقانون النفط والغاز المطروح على البرلمان العراقي حالياً , نشرتم حضراتكم أكثر من دراسة بهذا الشأن , كيف تقيمون أداء الحكومة في هذا المجال ؟ .
– الحكومة لا شغل لها الا ان تستمع من دون ان تجيب على التساؤلات التي يفرضها عليها منتقدوها ! المشكلة ليست في الحكومة فقط ، المشكلة في كل الطبقة الحاكمة اليوم ، فهي متواطئة كلها على تنفيذ اجندة غير مقبولة ابدا ، وهذه الطبقة الحاكمة تشتغل باسم العراقيين والعراقيون لا يدركون ما الذي يحصل .. الحكومة متواطئة مع البرلمان في حين كان المطلوب من البرلمان ان يكون هو العين الرقابية على السلطة التنفيذية .. اصبح البرلمان هو نفسه غارق في الاثام .. كل الحكومات تهتم بما يصدره المعارضون لها الا حكومة العراق ، فهي لا تهتم بما يقوله هذا وذاك ولا تجيب على ما يوجه اليها من اسئلة .. انها تبقى ساكتة وسكوتها ليس دليل على علامة رضا ، بل لأنها لا تريد ان تعرض نفسها مسؤولة عما يجري ، بل تحمله لادارة الاحتلال .. ولكنها تمرر ما تريده رغما عن اعتراضات الشعب ! انها منشغلة بامور بعيدة جدا عن مصالح العراقيين اليومية .. بعيدة عن مطالب مثبتة حول تعديلات الدستور .. بعيدة عن الاداء الوظيفي فشلت في خططها الامنية .. وفشلت في مشروعها للمصالحة الوطنية ولا ادري مع من تريد المصالحة .. كما انها فشلت في القضاء على الميليشيات والارهاب .. اما قانون النفط والغاز فهي باقية على اسلوبها في ايهام الناس ولا يعرف احد هل سيمرر القانون ؟ هل سيصلح القانون ؟ هل سيلغى القانون ؟ حتى هذه اللحظة !!

س 20 في نهاية لقاءنا البناء معكم هناك سؤال يطرح كل دقيقة تقريباً في العراق ومن الجميع على إختلاف مستوياتهم الثقافية ومشاربهم الفكرية , وهو : كيف سيكون المستقبل في العراق ؟ , من وجهة نظركم كشخصية وطنية تنظر الى بلدها بعين تقدمية وقد عاصرت وتعايشت مع التطور الإجتماعي في البلدان المتقدمة ديمقراطياً؟ .
– دعني عزيزي حيدر اقول حقيقة ما اراه وما اعيشه من هواجس ليل نهار حول مستقبل العراق .. اذ لا اريد ان اضفي اي مسحة تشاؤمية على النفوس ، ولا اريد ان ازيد من نكد العراقيين وبؤسهم .. ولكن عليهم ان يدركوا حقائق الامور عسى ولعل نجد جميعا الضوء الخافت في اخر النفق .. التفق طويل جدا هذا الذي دخل فيه العراقيون والتاريخ لا يتغير بسرعة .. انه لا يتغير بقرار سياسي او بارادة خارجية .. التاريخ يتحول عبر سنين ومراحل طويلة .. المستقبل ليس قريبا .. والعراق بصورته المستقرة التي عرف عليها قبل خمسين سنة سوف لن يرجع الى الوراء بالرغم من كل الذكريات الخصبة التي لم يزل يمتلكها جيلنا عن تلك الايام الرائعة برغم كل العواصف السياسية .. انني احاول ان اقول الحق ، ان العراق اليوم بحاجة ماسة الى ثوابت من نوع جديد .. بحاجة الى اناس مخلصين متفانين وطنيين لا شائبة في تاريخهم .. العراق بحاجة الى اهله كي يتفانوا في خدمته .. العراق بحاجة الى تعايش اجتماعي جديد وان يترك الماضي وراء الزمن .. العراق بحاجة ماسة الى افكار جديدة ومشروعات جديدة تنطلق من ارادة وطنية لا يمكن البتة ان تتدخل فيها اية جهات دينية ولا تعبث بها اية مشروعات شوفينية .. ولا تروج حولها اية شعارات انقسامية .. العراق بحاجة الى قيادات ذكية وتخصصية تفني نفسها في بناء وتطوير البنية التحتية .. هذا كله لا يتحقق بيوم وليلة ولا يمكن ان يتحقق في ظل واقع كالذي نعيشه اليوم . وفي حاضر الف جملة تقاليد متداخلة والعراقيون اصبحوا يعيشون تناقضات هائلة وخلط بين السياسة والدين وبين الديني والمدني وبين المرجعية واللا مرجعية وبين الدين والطائفة وبين الاكثرية والافلية وبين الوطن والاقليم وبين الاقليم والاقليم وبين الاقليم والمحافظة وبين المركز والاطراف .. وغدت التجاذبات بين العرب وغير العرب وبين العلاقة مع تركيا والعلاقة مع ايران وبين الاحتلال والاستقلال وبين يوم السقوط ويوم التحرير .. وبين السلطة والدولة وبين المقاومة والارهاب وبين الشيعة والسنة وبين الروافض والنواصب وبين الصفويين والانكشاريين وبين الاكراد والتركمان وبين اهل الداخل واهل الخارج وبين الجوامع والحسينيات وبين المصالحة والاجتثاث .. الخ هذه التناقضات القاسية التي بين النقيض ونقيضه 180 درجة لا يمكن ان يخلق اي مستقبل للعراق والعراقيين .. بطبيعة الحال هناك من العراقيين من يرقص على هكذا حال من اجل اهداف يحيا ويموت عليها .. ولكن المشكلة ان كل عراقي يحمل تناقضاته الهائلة ولا يمكن ان يجدها تتوافق حتى في لا وعيه الحاضر ووعيه المغيب .. فكيف لا تحدث التصادمات عند اهل العراق وهم في حالة من الهياج والبؤس والاستياء . ان من يشعل هذه التصادمات بعد غرس كل هذه التناقضات يجب ايقافه حالا عن العمل مهما كانت الطرق والوسائل . ان اي مشروع وطني يبدأ العمل به يجب ان ينهي كل اللغة الاعلامية الاجرامية التي اودت بحياة المجتمع العراقي وتركته ينازع هذا المصير . ولابد من اعادة النظر بحقوق الانسان من جانب ولكن ليس على حساب كل هذا الذي تصنعه الدهماء من الناس . ان العراق الذي خرج من محنة تاريخية لحكم شمولي عات ودخل الفراغ السياسي ليحل به هذا المصير على ايدي غوغاء وسلابة ونهابين ومجرمين وقتلة واوباش يلبسون لباس الكهنوت او يتعممون بعمامات اهل الدين لابد ان يصادر منهم خطابهم وتجمد مواقفهم ويبعدوا عن السياسة باي ثمن .. ان العراق ينبغي ان يكون بايدي الصلحاء والحكماء ولا يمكن ان تحكمه الدهماء ليحل به هذا المصير ، وان تكون الدهماء برعاية العقلاء . دعوا العراق يحكمه الاذكياء والحكماء والعلماء والنشطاء والخبراء برعاية من المنصفين الاقوياء .

س 21 رأيكم بالتوجه الخاص بموقع (مرافئ) الألكتروني التابع للمجلس العراقي للسلم والتضامن من الناحية الوطنية والديمقراطية وحرية الفكر والتعبير ؟ وهل لكم ملاحظات عن ما ينشر فيه من قضايا وآراء وأخبار متنوعة ؟
– اشكر لكم هذا الحوار وقد اطلعت على موقعكم المتميز وهو موقع رائع بكل ما يبّثه الى العالم .. وقد احسن الاختيار بالتركيز على عمالقة العراق الذين يجب ان يكونوا قدوة لكل العراقيين في التفاني والتواضع والابداع ونكران الذات وصفحات النضال السياسي .. انني ابارك لكم ايضا حسن اختياراتكم من المقالات التي تعبر عن حرية الفكر والاداء والصراحة في التعبير . ان القضايا التي يثيرها موقعكم لها اهمية خاصة بالنسبة لنخب المثقفين ، بل واريد ان يستفيد منها العديد ممن يجد نفسه في السلطة اليوم .. كما اتوجه الى القادة العراقيين وكل المسؤولين ان يلتفتوا قليلا الى مسألة السلم والتضامن .. ولقد عالجتها منذ العام 2003 ، وطالبت باقرار السلم في الداخل والسلم في الخارج واذا تحقق التضامن بين ابناء الشعب العراقي ، فسوف يستقر العراق استقرارا حقيقيا .. اذ لا يمكن ان يبقى الصراع يجر العراق الى صراع من نوع آخر .. ولا يمكن لمشكلات محلية ان تتورم لتغدو قابلة للانفجار وتدخل دول الجوار والاقليم فيغدو الصراع اقليميا .. ولا يمكن ابدا ان تستعصى مشكلات العراق الى الدرجة التي تتدّول فيه القضية العراقية ويصبح العراق ميدانا لصراع دولي لا يبقى ولا يذر .. كما حدث والعراق يعيش نتائج مريرة جدا من اشتعال الصراعات الثلاثة فيه منذ اكثر من ثلاثين سنة .. ان موقعكم الزاهر مرآة حقيقية عاكسة لهموم العراقيين اتمنى لكم كل النجاح والتوفيق في مهامكم .. تحياتي اليكم .. شكرا عزيزي حيدر راجيا تبليغ تحياتي ومودتي الى كل الاصدقاء في مجلس السلم والتضامن مع اسمى التقدير واتمنى ان تتحقق امانينا المشتركة بعراق حضاري حر ومستقر ونظيف ومستقل ومسالم ومتضامن ..
– شكرا جزيلا
– والشكر وكل التقدير لكم ولكل الاصدقاء في بغداد ولكل العراقيين الاحرار في كل مكان

نشر في ( مرافئ ) المجلس العراقي للسلم والتضامن / بغداد 12 ابريل 2007

شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …