الرئيسية / الشأن العراقي / هل ثمة غرفة عمليات أمنية لدى الحكومة الجديدة ؟

هل ثمة غرفة عمليات أمنية لدى الحكومة الجديدة ؟

مقدمة
ليدرك كل العراقيين انه من دون ” العراق ” كبعد مكاني واستراتيجي واقليمي وعربي بطوله وعرضه ، من غير الممكن ابدا ان تحيا المنطقة التي يقع العراق في قلبها .. فالعراق يمّثل بمركزيته الشرق اوسطية وجغرافيته التاريخية العربية عمقا حضاريا واساسيا لنمط التطورات والتفاعلات القادمة كبوابة قارية آسيوية او كجبهة حقيقية للعالم العربي . وان خسرانه مفككا او منقسما مجزءا او مهلهلا او محتلا او منحورا .. سيؤثر تأثيرا بالغا على سيرورة الاحداث في كل العالم كونه احد مصادر الطاقة باحتياطياته الضخمة وقوة موقعه الاقليمي .
ان الحاجة والضرورة تقضي بترتيب العلاقات العراقية دوليا مع الولايات المتحدة الامريكية اولا وترتيب العلاقات مع الاقليم واقصد بالذات كل من قام باختراق حدوده في ظل غياب مؤسساته واحتلاله وفتح حدوده .. ثم ترتيب العلاقة ليس مع عروبته التي لا يمكن النقاش حولها كتحصيل حاصل ، بل حول طبيعة علاقته بالدول العربية ، ومدى قدرته في ان يكون عضوا فّعالا في المنظومة العربية اولا ، وكيانا خليجيا رائعا في الاسرة الخليجية مستقبلا . وذلك لا يتم كله ما لم يتم ترتيب علاقته بينه وبين نفسه ، فلا يمكن ان تبقى اساليب المحاصصة والافتراقات الطائفية والمذهبية والدينية تفعل فعلها في مجتمعه وهناك من يغذيها من قوى غير وطنية تساندها ميليشيات اوليغارية تعمل على تفسيخ احاديته وتمزيق مجتمعه تنفيذا لارادات غير وطنية ! واقصد بالميليشيات كل القوى المسلحة الخارجة عن النظام الرسمي العراقي وسواء في عهد النظام السابق ام العهد الحالي واغلبها من المرتزقة .
مطلوب أسس استراتيجية
لنتوجه بخطابنا وتساؤلنا الاخر تلو الاخر منادين : اين نحن من توّغل عوامل تمزقنا وجعلنا فريسة لمصالح الاخرين الكبرى ؟ متى نقف مع العراق في محنته القاسية والتاريخية التي لا نعلم حتى الان طبيعة ما ستقود اليه في ظل متغيراته وسلسلة تحولاته الكبرى ؟ هل يمكن للارهاب ان ينتشر ويمتد على كل ارض الرافدين ليقتل الاخضر واليابس ؟ الا يستدعي ما يحدث في العراق الى المناداة بكبار القوم الذين لا احزاب ولا قوى ولا ميليشيات لهم ان يقوموا برأب الصدع الذي يحدث في بنية المجتمع العراقي التي تتنوع فيها القوى الاجتماعية والسكانية بشكل عجيب ؟ الم يستدعي منا كل ما حدث دراسة كل الرؤى المستقبلية التي يمكن ان تفتح لنا الابواب نحو عالم جديد ستعيشه اجيالنا القادمة ونحاول تخليصها من كل ما سيضر بكياننا السياسي وبنيوياتنا الاجتماعية ومواردنا الاقتصادية واساليبنا الثقافية ؟ الا يستدعي الامر التفكير بمصير العراق وما سيقود اليه من آثار ونتائج على كل مستقبلنا ؟
كيف يمكننا فهم المستقبل ؟
لابد من معالجة الاهمية الجيوستراتيجية للعراق الذي يحتّل مركزية منطقة الشرق الاوسط .. ولابد من طي صفحات الماضي والتطلع الى المستقبل . ان الحاجة باتت ماسة لمن يضئ اضاءات ساطعة لمستقبل العراق الصعب من خلال رؤية منظور تاريخي يربط بين ما كان عليه العراق والمنطقة في القرن العشرين ، وما سيألو اليه في القرن الواحد والعشرين .. ويفتح البحث ابواب الافكار لعدد كبير من المفكرين والمتخصصين العراقيين المنتشرين في شتات العالم ، والانتباه لمخاطر وتحديات لا قبل لنا بها ابدا ، كي يتغّير التاريخ تغييرا جذريا يتلاءم ومتطلبات العصر. وهنا لابد ان يكثف كل المتخصصين العراقيين دراسة طبيعة التحولات التاريخية في العراق وتطور اوضاع العراق وتكويناته وظروفه في العقدين الاخيرين من القرن العشرين التي رافقتها تحولات تاريخ العالم .. ومعالجة التحديات والمخاطر التي سيتعّرض لها العراق في السنوات الاربع القادمة وحتى العام 2009 .. فهناك توقعات مستقبلية لا تبّشر بخير ، وعلى كل العراقيين الذين يزرعون الامل يوما بعد آخر في نفوسهم ان يجدوا ضالتهم في الاستجابة الحقيقية لما يصادفونه من تحديات وهم الذين الفوا كل الصعاب والمحن والمصائب منذ قرابة خمسين سنة .. انني لا اريد ان أدّق ناقوس خطر ، كالذي طرقته منذ اكثر من عشر سنوات مضت اذ قلت بسيناريو التفكيك واعادة التركيب ، وخصوصا بعد الذي حّل بمصيرنا بيد القطب الواحد وبقي العراق يراوح مكانه وهو ينتقل من حرب الى اخرى ويدفع شعب العراق كله ثمن اجندات اقليمية ودولية لا قبل له بها !
ما العلاج ؟ ما الدواء ؟
اننا امام مهمة اساسية تبحث عن الاجابة على تساؤل يفترضه من بيده صنع مستقبل العراق : هل هو الدكتاتورية ام الديمقراطية ام التقسيم ام مرحلة طوارئ ؟ وهنا اناشد كل المهتمين والمحللين والاعلاميين العراقيين ان لا ينجرفوا وراء ما يشاع من ” المعلومات البليدة ” التي يتكالب العديد من الكتاب والساسة الجدد سواء كانوا من العراقيين ام من غير العراقيين بترويجها من دون أي توثيقات ولا أي مستندات ، وكانت ان راجت تلك ” المعلومات ” ، فغدت كلها وراء ما يحدث من الانقسامات ، وانها كانت ولم تزل وراء الخراب الحاصل في العراق ، اذ كانت كلها معلومات مسمومة تؤجج المشاعر وتجرح النفوس ، وكلها أثارت الناس وهيجتهم ، وهي معلومات مفبركة لا اساس لها من الصحة ، او انها ما كان لها ان تطرح بطرق استفزازية ومؤذية .
أمام الوضع الراهن ، ما الذي يمكن عمله ازاء الفوضى وعمليات القتل والتفجير وسكوت العالم امام ما يحدث ؟ بل هل يمكن للعالم ان يدرك الاهداف التي تريد كل الاطراف تحقيقها ؟ فالسؤال المطروح بإلحاح هو: الى متى يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في وقوفها متفرجة على هذا الماراثون العراقي الصعب ؟ وهل ستستمر باعتمادها هذه السياسات ؟. خاصة وأنها تزيد من كراهية الشعوب لها ولكل أصدقائها.
انني واثق تمام الثقة ان مفاتيح العراق كلها بيد الولايات المتحدة الامريكية ، ولابد لها ان تعالج كل الاخطاء التي حصلت منذ اللحظة ولماذا استعجلت جدا في ترتيب الاوضاع بالصورة المشوهة من دون معالجة جروح العراق وقروحه وضبط اوضاعه وحدوده واجهزته وكل ارضه ومدنه وحواضره وريفه وبواديه ؟؟ انني اعتقد بأن أي حكومة عراقية ستبقى صورية لا تمارس صلاحياتها الرسمية ليس لأنها واقعة تحت المطرقة الامريكية حسب ، بل لأن اغلب اعضاءها لهم مرجعياتهم الحزبية التي يعتبر بعضها نفسه مقدسا !!
يمكننا ان نسأل الولايات المتحدة ايضا : لماذا اعتمدت في بناء العراق الجديد على جماعات وقوى سياسية معينة مع ميليشيات مسلحة لها انتماءات دينية او غير دينية متعددة ، وسمحت من طرف آخر ان تسرح وتمرح ميليشيات مقنعة تعمل تحت الارض ؟ وهي تدرك مدى امكاناتهم وضعف او قوة قدراتهم وتعدد هوياتهم وابتعادهم عن أي جماهيرية للشعب العراقي ؟ لماذا اهملت العديد من الشخصيات المستقلة والقوى العراقية المتخصصة والبراغماتية والتكنوقراط في بناء المرحلة الاولى من العراق الجديد ؟
لماذا لم تحاول الولايات المتحدة اتخاذ الاجراءات الامنية لتأمين فترة نقاهة يستعيد خلالها العراقيون ادوارهم لما بعد الحرب القاسية وتمنحهم الثقة باعادة بناء المؤسسات وتكوين الدولة وحماية مصالحها الى طبيعتها ، وتزرع عند كل العراقيين الامل بالخروج من العراق ضمن آلية زمنية .. ولماذا اعتمدت اسلوب المحاصصات الطائفية والعرقية في بلاد صعبة جدا .. ؟؟ من العلاجات ان تتحول العملية السياسية الى غرفة عمليات أمنية لا تقل حياتها عن اربع سنوات وان تتوقف العلاقات مع كل الاطراف الخارجية ، وان لا تتحول الوزارات والمؤسسات والاجهزة ملكيات مشاعة لاحزاب وتكتلات وميليشيات تحاصصية ..
واخيرا اقول بأن معالجة الاوضاع الصعبة ليس من السهولة بمكان ، ولكن لابد من قهر الاسباب ثم معالجة النتائج .. وليعتز كل عراقي بالعراق مهما بلغت الاثمان .
( نشرت مختصرة في جريدة الصباح البغدادية ، 18 مايو 2006 ) .
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …