الرئيسية / كتابات عن / ملفات الحداثة الدينية

ملفات الحداثة الدينية

ماهي المهمات المطلوب إنجازها أو تحديثها في ثقافتنا الدينية ؟
مشكلة الفهم، تلك هي المعضلة التي تحتاج إلى تحديث، وتحديثها يحتاج إلى أشكلتها، أي أننا أمام مشكلة فهم، نحتاج في حلها إلى صياغتها صياغة إشكالية، والصياغة الإشكالية تحتاج إلى أسئلة معرفية تبرز المشكلة، وتعين على تحديد منظور جديد لها. واسمحوا لي هنا أن أوضح الفرق بين المشكلة والإشكالية.
يعدَُّ المؤرخ العراقي الدكتور سيار الجميل، أول من اكتشف واستخدم مصطلح (الإشكالية) في ثقافتنا العربية المعاصرة، وقد ميَّز بينها وبين مصطلح المشكلة.
المشكلة هي ما يواجه الباحث والإنسان والمجتمع من معضلات وأزمات لا دخل له في صنعها، أما الإشكالية، فهي ما يثيره الباحث في موضوعه من تساؤلات غير مكتشفة ولا معلنة تثير الذهن وتشغل التفكير من أجل إيجاد حلول ومعالجات.
لدينا مثلاً مشاكل متعددة مثل: الفقر والتطرف والتعصب والإرهاب. ولدينا باحثون يصوغون إشكالياتهم، أي أسئلتهم وفرضياتهم لمحاولة فهم هذه المشكلات وحلها. وبناء على هذا التفريق المعرفي الهام، يمكننا أن نميز بين نوعين من الخطاب، خطاب يصنع مشكلات وخطاب يثير إشكاليات.
واسمحوا لي أن أقول بشيء من القسوة أن خطابنا الديني، خطاب يصنع مشكلات أكثر مما يثير إشكاليات فعالة قادرة على حل ما يواجهنا من مشكلات معاصرة. ولأني اعتبرته خطاب مشكلة، فلا بدَّ لي أن أصوغ خطابي صياغة إشكالية، لأحاول أن أعالج مشكلة هذا الخطاب.
أرى أن إشكالية الفهم هي معضلة هذا الخطاب أو هي الفرضية التي يمكن من خلالها محاولة حل مشكلته.
ويمكننا أن نصوغ هذه الفرضية في الأسئلة الإشكالية التالية:

1/ما الفهم؟

2/ هل يملك خطابنا الديني نظريات ابستمولوجية (معرفية)في الفهم؟

3/هل استثمر هذا الخطاب ما تنتجه العلوم الإنسانية الحديثة، من نظريات في التفسير والتأويل والفهم والقراءة؟

4/ إلى أي حد يضع هذا الخطاب في اعتباره تباين السياقات التاريخية والثقافية واختلاف القبليات (المسبقات) القرائية والأدوات العلمية واستراتيجيات التأويل في تفسير الاختلاف تفسيراً معرفياً؟
5/ متى يفقد الاختلاف شرعيته؟ وهل الشرعية تاريخية؟ وهل هي بمنأى عن الاختلاف؟


الإجابة على هذه الأسئلة، هي إحدى مهمات الحداثة الدينية، وهي مهمة تحتاج إلى اشتغال معرفي رصين وحديث، أي اشتغال بعيد عن ضجيج الأيديولوجيا ومهماتها التبريرية والتجيشية والدفاعية، وفي الوقت نفسه قريب من العلوم الإنسانية الحديثة وإنجازاتها من الدراسات النظرية والتطبيقية.
لقد تعمدت أن أترك أسئلتي حول الفهم هكذا عارية من أي تحديد، يقيدها بالنصوص، وذلك لأن مشكلة الفهم لا تنحصر في فهم النصوص، بل إن فهم النصوص ما هو إلا تجل من تجليات الفهم، وأفهامنا أساساً تفهم النصوص في ظل فهمها للعالم والحياة والتاريخ والإنسان واللغة، وهنا يمكننا أن نستعين بـ(هانز جيورج جادامر) الذي أصبح له حضور لافت في الدوريات الإسلامية المعنية بقضايا التفسير والفهم والهرمونيطيقا. وهو يدرس مشكلة الفهم من خلال ما يسميه بـ(أفق الفهم التاريخي) ويتشكل هذا الأفق من خلال وضعية الإنسان التاريخية بمستوييها :

1 /مستوى ما يمكن التفكير فيه للمتكلم وهو متعلق بتمكن المتكلم من اللغة التي يستعملها، وبالإمكانيات الخاصة بكل لغة من اللغات البشرية التي اختارها المتكلم. كما أنه متعلق أيضاً بما يسمح به الفكر والتصورات والعقائد والنظم الخاصة بالجماعة التي ينتمي إليها أو يخاطبها المتكلم وبالفترة التاريخية من فترات تطور تلك الجماعة. ثم إنه يتعلق كذلك بما تسمح به السلطة القائمة في المجتمع أو الأمة اللذين يتضامن معها المتكلم .

2 /مستوى ما لا يمكن التفكير فيه بسبب مانع يعود إلى محدودية العقل ذاته أو انغلاقه في طور معين من أطر المعرفة. وما لا يمكن التفكير فيه يعود أيضا إلى ما تمنعه السلطة السياسية أو الرأي العام ، إذا ما أجمع على عقائد وقيم قدسها وجعلها أساساً مُؤسِّساً لكينونته ومصيره وأصالته.
(محمد أركون ، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل ، دار الساقي ،ط1، 1999، ص 10)
إن لكل عصر أفق فهمه التاريخي الذي يفهم من خلاله العالم واللغة والذات والنصوص المقدسة والنصوص الدنيوية، والإنسان يتشكل من خلال هذا الأفق، سواء كان فقهياً أو مثقفاً أو فيلسوفاً أو عارفاً أو عالماً.
من خلال مفهوم الأفق التاريخي، يمكننا أن نقرأ خطاب الحوزة العلمي قراءة تاريخية، ومن غير هذه القراءة لا يمكننا أن نحدّث خطابنا الديني، ولعل الجهود الهامشية (بالنسبة لما ينتج في الحوزات) التي تبذلها الدوريات الإسلامية (قضايا إسلامية معاصرة على سبيل المثال) يمكن أن تفتح أفقاً جديداً للتحديث.

سأعود فيما بعد لتوسعة بعض ما أجملته هنا، وذلك بعد أن أتحدث عن ملفات التحديث التي ينبغي أن ننجزها على مستوى الخطاب الديني الاجتماعي الذي يتغلغل في الأوساط الشبابية والشعبية.

ملتقى البحرين

شاهد أيضاً

مسامير.. عتاب إلى الحكومة العراقية شديد الخصوصية شديد العمومية !

قرأتُ الخبر التالي وأسعدني : ( ناشنال بوست ، تورنتو ، يو بي اف ، …