” سور المدينة مصنوع بيد الرجال لا الأحجار ”
أفلاطون
مقدمة :
لا أريد أن ارسم بانوراما خيالية عن واقع بائس نعاني منه جميعا .. ولا أريد أن انقل الى قرائي الأعزاء صورة سوداوية للمنطقة أكثر تشاؤما مما هي عليه اليوم .. ولا اريد ان اكون منظّرا لافكار ومشروعات ، بل أريد ان انشر تحليلا لمعلومات قرأتها هذا الصباح وبعض توقعّات اعتقد انها قريبة الحدوث .. انني اريد ان انبّه الى مخاطر ما يجري في المنطقة اليوم في ضوء الاحداث الخطيرة التي لا تحدث من فراغ ابدا ، ان لم يكن من ورائها برامج ومخططات ، خصوصا وان العراق قد غدا اخطر منطقة في العالم اليوم ، وهو يتوسط قلب الشرق الاوسط ، وان تغييره نحو الافضل اصبح حلما بعيد المنال ، ولكن اخشى عليه ان يغدو ميدان او ساحة حرب اقليمية دموية قاسية بين مختلف الاطراف والقوى . ان تحليلنا لتقارير معينة لها خطورتها ، ليس معنى ذلك ايماننا بما تتضمنه من خطط وافكار ومعلومات ، بقدر ما نكشف من خلالها عن مخاطر نخشى ان يتعرض لها العراق ـ لا سمح الله ـ . واتمنى على كل العراقيين الالتفات اليها سواء من لم يؤيد كتاباتي او ممن يؤيدها من ساسة وقادة ومثقفين واعلاميين ومهتمين في داخل العراق وخارجه .
هل سيغدو العراق ساحة تصفية عمليات لكل الفرقاء ؟
ان احتدام المواقف الدولية والاقليمية في المنطقة واختلاط الاوراق بهذا الشكل المريع السريع ستكون له نتائجه الكارثية التي لابد ان ينتبه الجميع اليها ، اذ لا يمكن ان تبقى قضية المفاعلات النووية الايرانية تحكم هذا الظرف العصيب بين ايران والمجتمع الدولي ، وهي اخطر بكثير من قضية اسلحة الدمار الشامل بين العراق والولايات المتحدة الامريكية والتي لم تحظ بتأييد دولي كهذه اليوم . ان وجود الاحتلال في العراق لا يمكن ان يبقى هكذا في ظل ما يحدث من فوضى داخلية في العراق والذي غدا مؤهلا كي يكون ساحة لعمليات كل الفرقاء على الارض وخصوصا بعد هذه الحرب الطائفية المقيتة التي تنتشر في العراق بمعزل عن أي محاولة صادقة لاسكاتها من قبل كبار القوم بعد ان خلقت عوامل تفجيرها .. فهي بداية لرحلة خطيرة في كل بقعة عراقية وخصوصا في العاصمة بغداد التي تجترح كل الصراع الطائفي الداخلي باخطر صفحاته .. ومن دون أي حلول عملية لا من قبل الامريكان ولا من قبل ايران ولا من قبل المنظومة العربية ولا من قبل العراقيين انفسهم ..
وتتحدث تقارير عن اوضاع البصرة التي تعد ابوابها مشّرعة للاختراقات الاقليمية .. وتتناول تقارير اخرى كل من الموصل وكركوك ومصيرهما بكل مكوناتهما ازاء مستقبلهما خصوصا وان تركيا تلّوح بين حين وآخر بمشكلة ولاية الموصل ( كانت ولاية الموصل تضم سناجق أي الوية : الموصل واربيل وكركوك والسليمانية ) وان تدخلات تركية سافرة بعد ان تبلور للوجود قبل يومين : تكوين كردستاني سياسي معلن ، براية كردستانية تمّثل رمز اقليم كردستان العراق وبوجود علم العراق الجمهوري ( العلم الذي يمّثل رمز ولادة الجمهورية العراقية على عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ) وغياب علم العراق الحالي .. ولكن كان التكوين الحكومي الكردي ببرنامجه نتيجة منطقية لصراع الدواخل الطائفية والمذهبية العراقية ، ولكن نخشى ان لا يكون الشرارة الحمراء التي ستحرك كل من تركيا وايران باتجاهه ..
وبالرغم من اختلاف الاجندة الدولية بين تركيا وايران الا ان مصالحهما الاقليمية تقتضي تحركّا مشتركا ازاء أي تكوين سياسي في كردستان سيؤجج كل الاكراد في كل من تركيا وايران وسوريا .. وكأن الولايات المتحدة الامريكية تريد مباركة خفية لذلك التكوين حتى تسبب في اشعال حرب اقليمية تجعل العراق وقودها مع اصرارها على وحدة العراق السياسية .. خصوصا ونحن نعلم ان تركيا تراقب حجم التدخلات الايرانية السافرة في العراق وبمباركة بعض العراقيين .. والكل يعلم بأن هناك ارادة شعبية جامحة للاخوة الاكراد من اجل الانفصال عن العراق ولكن القادة الاكراد اعرف بالنتائج من عموم الناس العاديين ، اذ انهم يريدون الاحتفاظ بعراقيتهم بالرغم من كل جموح شعب كردستان العراق للانفصال .
التقارير البريطانية
تقول تصريحات وتقارير ومنها التي نشرها حميد غريافي في صحيفة السياسة ( ليوم 8 ماي 2006 ) فضلا عن تقارير اخرى لصحيفة جمهوريت التركية ( ليوم 6 ماي 2006 ) والصنداي تايمز ( ليوم 7 ماي 2006 ) : ان مسؤولا دفاعيا بريطانيا في لندن قد كشف النقاب عن ان السلاح الذي استخدمته عناصر عراقية من ” جيش المهدي ” بقيادة السيد مقتدى الصدر لاسقاط الهليكوبتر البريطانية في البصرة, مدربة تدريباً جيدا في ايران او على ايدي مدربين ايرانيين في العراق, قد يكون واحداً من نوعين من الصواريخ او القذائف الصاروخية هما صاروخ” ستنغر ” الاميركي المضاد للطائرات والمحمول على الكتف الذي يقابله في الترسانة السوفياتية صاروخ ” سام 7 ” والذي زودت به الاستخبارات الاميركية المجاهدين الافغان بكثافة خلال حربهم القديمة ضد السوفيات, ثم اشترت ايران الالاف منه بعد انتهاء الحرب الافغانية, او قاذفة ” آر بي جي -7″ المستخدمة عادة في المنظمات والفصائل الجهادية الاسلامية في الشرق الاوسط ضد الآليات والدبابات والمدرعات, والتي بامكانها اسقاط مروحيات هليكوبتر اذا كانت تحلق على ارتفاع منخفض يقل عن 250 متراً.
ونتابع مع المسؤول العسكري البريطاني قوله : ان الهليكوبتر البريطانية التي اسقطت بأحد هذين السلاحين فوق منزلين في مدينة البصرة هي من طرز ” لينكس إم ك 7 ” التابعة لسلاح البحرية الملكية من الفرقة 847 ومقر قيادتها في قاعدة ” يوفيلتون” بمقاطعة ” سامرست” البريطانية كانت تحلق على علو منخفض جداً فوق المدينة في مهمة خاصة يضطلع بها ثلاثة ضباط بريطانيين بالاضافة الى طيارها الذي يبدو انه اقفل جهاز الدفاع فيها الذي يحميها من الصواريخ والقذائف الموجهة اليها لاسباب فنية معروفة لدى وزارة الدفاع البريطانية.
واكد المسؤول الدفاعي ” ان تقارير استخباراتنا العسكرية في جنوب العراق اوردت اكثر من مرة خلال الاشهر الخمسة الاخيرة, معلومات وصوراً ومحاضر استجوابات لبعض المقاتلين الشيعة من جماعة مقتدى الصدر او فصائل شيعية مسلحة صغيرة تابعة مباشرة لـ ” للحرس الثوري” او للاستخبارات الايرانية, تكشف قيام الايرانيين بارسال مئات الاطنان من الاسلحة الى ” جيش المهدي ” ، وتلك الفصائل عبر الحدود العراقية, بينها كميات كبيرة من صواريخ ارض- جو وارض -ارض والغام ضد الآليات هي الاكثر تطوراً في الترسانة العسكرية الايرانية استعداداً لفتح معركة واسعة مع قواتنا ” البريطانية” في البصرة والمدن والمناطق الجنوبية الاخرى بسبب موقف الحكومة البريطانية المساند للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من المسألة النووية الايرانية المتأزمة الآن” . ان ايران تدفع بكل ثقلها لاشعال الموقف ضد البريطانيين ، وقد نشرت قبل يومين وبعد حادثة السقوط منشورات من قبل بعض الاهالي تنذر البريطانيين بالويل والثبور وعظائم الامور . بعد قراءتنا لمثل هذه المعلومات ، الا يحق لنا ان نسأل المسؤولين العراقيين عن دورهم في مجمل هذه التطورات الخطيرة . ثم الا يحق لنا ان نسأل الولايات المتحدة ان تجّنب العراق أي حرب مهما كانت صفتها بعد اليوم ! ونحن نعرف انها تسعى من اجل استقرار العراق كابرز مستلزماتها الداخلية .
دور ايران في تلك التقارير :
ونقل المسؤول الدفاعي البريطاني عن تلك التقارير تأكيدها : ” ان بعض المعتقلين المهمين من كوادر مقتدى الصدر والخلايا التابعة لطهران اعترف خلال التحقيقات معه ان الايرانيين يركزون منذ بداية العام 2006 على تزويد حلفائهم الشيعة في العراق بجسور برية كثيفة من الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات ومن صواريخ ارض- ارض قصيرة المدى حتى الان, تماماً كما ركزوا خلال عام 2005 على تزويد (حزب الله) في لبنان بأنواع متطورة من صواريخ ارض- جو اضافة الى صواريخ ارض – ارض متوسطة وبعيدة المدى, وبألغام شديدة التفجير في محاولة منهم لاستهداف طائرات او مروحيات اسرائيلية تخرق باستمرار اجواء لبنان ” ( انتهى النص ) .
هنا نسأل عن مدى صحة هذه ” المعلومات ” وحجم تأثير هكذا مضامين اذا صدقت التقارير البريطانية عن الدور الذي يمكن ان يلعبه جيش المهدي في شمال العراق وجيش حزب الله في جنوب لبنان ؟؟
هل من تطورات دراماتيكية في الايام القادمة ؟
اعتقد ان صدقت هذه التقارير فان ” الاسابيع القليلة المقبلة, وابتداء من هذه اللحظة, قد تشهد تطورات عسكرية دراماتيكية في العراق, وخصوصاً في جنوبه الشيعي بعدما بلغ التدخل الايراني العسكري والاستخباري فيه حدا من الخطورة يمكن وصفه باستعداد لحرب بين جيشين, لا بين قواتنا النظامية والقوات الاميركية من جهة مقابل ميليشيات مسلحة تخوض معنا حرب شوارع على اساس ” اضرب واهرب .
ونستطرد مع التقارير التي تقول : ” بل اننا قد نواجه قريباً جيشاً شيعياً مكوناً من اكثر من 100 الف مقاتل اقوى من الجيش العراقي الراهن ومزوداً بأحدث انواع الاسلحة لطردنا من مناطقهم الشيعية ” .. وتؤكد التقارير ايضا ان ما سيحدث يعدّ ” تمهيداً لاعلان الاقليمين الشيعيين ” الدولة الشيعية” في الجنوب وبغداد اللذين يعمل الايرانيون كخلايا النحل فيهما من اجل تحقيق هذا الهدف” . !! ويستطرد التقرير قائلا : ” ان البريطانيين قد يجدوا انفسهم خلال الأشهر المقبلة مضطرين مع حلفائهم في التحالف الدولي الى شن حرب اخرى بكل معنى الكلمة ضد هذا الجيش الشيعي تشبه الحرب التي اسقطت صدام ونظامه, والا فان المخطط الايراني في تقسيم العراق سينجح ويتحقق قيام ” الدولة الشيعية الايرانية الجديدة ” على حدود الكويت والسعودية, اي في قلب مصالح الغرب النفطية” ( انتهى النص ) .
وماذا عن جيش المهدي ؟
تعلمنا تلك التقارير ايضا بأن “جيش المهدي” يتسلل الى الشمال لكسر جبهة أميركية – كردية ضد إيران .. لقد كشفت المخابرات العسكرية التركية من جانبها ايضا بان مقاتلي ” جيش المهدي” التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر بدأت تتدفق على شمال العراق لكسر جبهة تخطط القوات الاميركية بفتحها ضد ايران بالتعاون مع حلفائها الاكراد فيما سقط مئات القتلى والجرحى في سلسلة اعتداءات دامية واعدامات ميدانية ذات طابع مذهبي في البلاد . وبقدر ما تتوغل ايران في اعماق العراق لتحقيق اهدافها ، فان تركيا بدأت تكثّف جهودها باتجاه حدود شمال العراق .. ” . وهنا ، لابد من تساؤلات مهمة لأي محلل لمثل هكذا اخبار تمثّل البدايات الحقيقية لأي انفجار كبير !! انني اريد من كل عراقي ان يتجّرد عن عواطفه وانتماءاته ليسأل نفسه : الى اين يسير العراق ان صحّت هذه المعلومات !
ونقلت صحيفة »جمهوريت«التركية واسعة الانتشار عن مصادر في المخابرات التركية ان تحركات ” جيش المهدي” الميدانية في مناطق شمال العراق وانتشار عناصره المسلحة في مدينة كركوك تثير قلق الجيش الاميركي وحلفائه الاكراد. ( انتهى خبر الصحيفة ) . ان اللعبة باتت مكشوفة امام العالم فالصراع الطائفي في العراق تقف الولايات المتحدة امامه من دون أي حلول عملية له .. وتلاعب الاطراف بمقدرات المنطقة وبمقدرات العراق ، وبضرب طرف ضد الطرف الاخر .. وهي تعلن على الملأ انها لا تريد تقسيم العراق .. فهي في تضاد في اجندتها مع ايران التي من اكبر اهدافها تأسيس كيان تابع لها في العراق الوسيط والجنوبي .. وهي لا تريد ان تؤسس أي كيان سياسي للاكراد في كردستان العراق على حساب توسّعه لصالح كردستان الكبرى في سوريا وتركيا وايران وارمينيا .. اذن فلنا ان نسأل الولايات المتحدة عن مسؤوليتها في حالة اشعال حرب اقليمية ! ؟
واين هي الادلة ؟
لقد كان لتوغل القوات الايرانية في الاراضي العراقية باقليم كردستان وتحّشد القوات التركية على طول الحدود العراقية ـ التركية معان تدّعم حالة التوتر الاقليمي وجعل المنطقة على حافة حرب اقليمية .. وبحسب ما نقلته الصحيفة التركية عن مصادرها فان” جيش المهدي ” يخطط لاعاقة تشكيل جبهة اميركيةـ كردية ضد ايران مشيرة الى ان الحشود ” الشيعية ” المسلحة في كركوك هي جزء من اجراءات احترازية تتخذها طهران استباقا لاي حملة اميركية عسكرية عليها لانهاء برنامجها النووي ” ! وهنا نسأل الاخوة في اقليم كردستان : هل ثمة مصداقية لمثل هذه المعلومات ؟ وان صحّت ، فلماذا يتم التعتيم عليها ؟ ان أي جزء من العراق يتعرّض لما لا يحمد عقباه سيؤثر مباشرة على كل اجزاء العراق الاخرى ، واعتقد ان العراقيين غير مستعدين لأن يخسروا أي شبر من ترابهم الوطني لحساب هذا الطرف او ذاك مهما كانت الاثمان .. وبعد كل هذا التاريخ المرير الذي سجلوه بدمهم واجسادهم ومواردهم وكل وجودهم .
من جانب آخر ، ان اكتشاف المئات من الجثث مقطوعة الرؤوس وموثوقي الاطراف لعراقيين اعدموا باطلاق الرصاص على رؤوسهم بعد تعذيبهم والذين يعثر على جثثهم في مناطق متفرقة من العاصمة العراقية ومحيطها ، هي حملة مسعورة لتحقيق هذا الهدف . . بينما تقف الحكومة الصورية مكتوفة الايدي في الكشف عن مسببي هذه الجرائم ، ولم تعلن الشرطة هويات وانتماءات الضحايا الطائفية .. اذ تتهم اجهزة رسمية ومتعاونة معها بارتكاب هذه الجرائم البشعة .. لقد باتت الاوضاع الامنية مهترئة عراقيا ولم تذع وكالات الاخبار الا ما يفيد بانهم ضحايا اعمال تصفية عرقية ومذهبية ، والتي باتت امرا شبه معتاد في بغداد .
واخيرا : نداء الى كل العراقيين
سواء صدقت تلك ” التقارير ” ام لا ، فان الاوضاع السياسية والامنية الحالية لا تبّشر بخير ابدا ، وانني اناشد كل العراقيين ان يلتفتوا الى شأنهم الموحد على مبادئ عراقية والحرص على بيتهم العراقي بمعزل عن أي ترتيبات خارجية اقليمية او دولية .. انني اناشد الاخوة الاكراد الاعزاء في اقليم كردستان العراق بعد ان ابارك لهم خطواتهم ، ولكن ليكونوا اذكياء في الالتصاق بالعراق فهو ظهيرهم وحاضنتهم ، وبكل العراقيين فهم سندهم ونصيرهم قبل فوات الاوان .. واناشد كل العراقيين الشيعة من العرب الاقحاح ان يجعلوا من كل العراقيين لهم سندا ومرتجى بعيدا عن أي اوراق تلعبها ايران في العراق ، فلا يمكن ابدا اخفاء كل المظاهر التي تريد ايران تمريرها من خلال العراقيين وعلى جثثهم ضد كل من الامريكان والبريطانيين .. واهيب بالعراقيين السّنة ان يجعلوا من كل ابناء العراق دمهم ولحمهم بعيدا عن كل الجماعات الارهابية التي تتحدث باسمهم ، وان يقفوا صفا واحدا باسم العراق لا باسم أي تنظيم او حزب او طرف معين .. واهيب بكل تكوينات العراق الجميلة صبرها واعتزازها بترابها وحواضرها وكل وجودها ..
ان مشروع القتل لابد ان يتوقف مهما كانت الاثمان .. وليعرف كل العراقيين كيف يوازنوا بين الخصوم ، وان لا يجعلوا ارضهم وترابهم مستباحا لقوى وجيوش وجماعات ومخابرات .. تقود جميعها الى كوارث حرب اهلية مفجعة او اتون حرب اقليمية فاجرة . لقد اصبح الرهان اليوم بعد ان نضجت الاوضاع المأساوية قابلة للانفجار في حرب اقليمية بعد ان فشل الرهان على تفسيخ العراق من خلال حرب اهلية لا تبقي ولا تذر !!
اهيب بالعراقيين كل العراقيين ان يعيدوا التفكير بمصيرهم ، ويضعوا كل الاحتمالات نصب اعينهم بعد مرور الماراثون الصعب لثلاث سنوات عجاف .. لا اقول بنسيان الماضي الصعب ، ولكن عليهم ان يتوحدوا من اجل بشاعة قابل الايام .. وليفسروا كلامي بمعنى واحد لا بمعان ملتوية من اجل ايجاد تبريرات ومسوغات لا قيمة لها امام هجمة التحديات .. فالهم العراقي لابد ان يحمله الجميع ولا اعتقد انني على خطأ في الذي انادي به .. وعلينا ان نؤجل كل الاستحقاقات المحلية والجهوية والمذهبية ، ولنلتفت الى حاضنتنا بغداد كي تتنظف من كل الاشقياء وان نقدّم الاهم على المهم ، وليكن من العراق رجالات لهم قدراتهم ونظافتهم بعيدا عن أي انتماءات وتخندقات اوصلتنا الى ما نحن فيه .
انني اطلب الى كل الاخوة من المعنيين والمهتمين والكتاب والاعلاميين العراقيين الكف والتوقف عن الكتابة في صغائر الامور وتوافه الاشياء ، وليلتفتوا الى معالجة الامور الكبيرة بجرأة وشجاعة ومعرفة كيفية مواجهة التحديات .. وليعلم الجميع ان الوحدة الوطنية ليس قولا او دعابة او شعارا ، بقدر ما هي فعل حقيقي تمارس فيه كل التطبيقات العملية ليس لحماية العراق وحده ، بل لحماية كل جزء فيه .. ان البقاء اسرى الاطر التي قيدتم انفسكم بها في هذه العملية السياسية سوف لن تمنحكم الفرصة الحقيقية لبناء استراتيجية وطنية عراقية موحدة ان لم يسع كل عراقي للمطالبة بتطوير الحياة السياسية العراقية بدءا بالدستور وتصويب مبادئه ومرورا بتطبيقات سياسية متوازنة ووصولا الى تفكيك كل مؤسسات الاحزاب الحالية بكل اجندتها القديمة والبدء بحياة سياسية جديدة في العراق تعتني بالامن الوطني فيه قبل أي مستلزمات اخرى ..
ولكن السؤال : هل يستجيب القادة العراقيون الى مثل هذه المطالبات ؟ وهل يمكنهم ان يقتنعوا بكل الاطروحات التي كنا ولم نزل نطالبهم بها من اجل ايقاف الخراب ؟ اعتقد انهم صم بكم عمي وهم لا يفقهون أي استجابة ؟ والمصيبة انهم ازاء تحديات لا قدرة لهم على مواجهتها فهل يمكنهم ان يتوقفوا في روابطهم مع الاخرين ؟ وهل يمكنهم تجميد احزابهم للبدء بمرحلة طوارئ تحتاجها كل البلاد حتى انقشاع المخاطر ؟ هل يدري هؤلاء بحجم المخاطر التي تهدد العراق ؟ واعتقد ان اجماعا شعبيا عراقيا اليوم مقتنع اليوم قناعة راسخة بأن من يقودهم اليوم غير مؤهل لمسؤولية قيادة العراق في اخطر مرحلة وصل اليها .. وسواء قبل مني خصومي ما اقول او رفضوا ، فالايام القادمة ستبين حجم الكارثة التي تنتظرنا ـ لا سمح الله ـ ، وعندئذ لا ينفع الندم . ويسرني ان اختتم ندائي ببيتين من شعر معروف الرصافي :
لا تعجبوا فالأسى في النفس ملتهب والعزم متقّد والهّم محتــــــدم
استبرد النار من حّرت عزائمـه واستصغر الخطب من في نفسه عظم
أتمنى من الله ان يحفظ العراق وان يرعى كل العراقيين بعنايته ، وان يخرجه واياهم جميعا بكل اطيافهم والوانهم وتنوعاتهم واعراقهم من هذه المحنة القاسية ، فالعراق لا يستحق كل هذا الاحتراق ، والعراقيون لا يستحقون كل هذه الفجائع والكوارث ..
www.sayyaraljamil.com
ايلاف ، 9 مايو 2006
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …