الرئيسية / افكار / هل من صناعة للأفكار وتكوين لصنّاع القرار ؟؟

هل من صناعة للأفكار وتكوين لصنّاع القرار ؟؟

باتت ضرورة مجتمعاتنا إلى توليد الأفكار الجديدة بعد ان ذبل الإبداع الذي تميزت به النخب في الماضي ، كما ان من مستلزمات دولنا وكياناتنا تكوين صناع قرار لامعين يتمتعون بقدر هائل من الذكاء والخصال . ولكن لم تزل السياسات التربوية والتعليمية في بلداننا عقيمة باعتمادها على أساتذة لا ينفعون أبدا لهذه المهام الصعبة ؟ بل وان الاستعانة بالأجانب بديلا لا ينفع أبدا ، فلكل مجتمع ضروراته ومستلزماته ومواريثه التي لا يفهمها إلا أهله .
ان اغلب الأساتذة والمربين اليوم أناس فاشلون عن أداء ابسط أدوات المعرفة ، فكيف تريدون منهم صناعة قادة يتميزون بدورهم الحيوي ؟ لو أحصينا كم من الأساتذة العرب الممتازين والمبدعين تمّ إقصاءهم او تهميشهم او تهجيرهم .. لقلنا بأن الحياة العربية من أسوأ بيئات العالم في صنع مستقبلها . ولو فحصنا كم هناك من أناس خاملين متكلسين لا يفقهون أي شيء لبكي العالم على حالنا ! وسوف لن ينفع استيرادنا أساتذة من أمريكا او غيرها . ان ثمة نقائص يعاني منها النظام التعليمي والفكري العربي ، وما لحقه من مثالب سياسية وقيود سلطوية .. وانه لم يجد حتى يومنا هذا أي أساليب للإصلاح والتحديث. ومن مشكلاته فضلا عن انتفاء الحريات الفكرية والمناهج النقدية :
أولا : فشل المخرجات التربوية في صناعة مؤهلين لتلقي العلم والمعرفة في المعاهد والجامعات العربية ، فالمدارس فاشلة ، وعلينا ان نفحص عدة كتب مقررة في مدارسنا العربية قاطبة لتجدون هول ما يدرسه الأبناء الذين سيتولون صناعة المستقبل ، وهم يؤهلون بعيدا عن المعرفة والاختصاص والتفكير والمنهج ! إنهم يتربون على تناقضات لا حصر لها .. أخذت بغلق عقلياتهم وتحجيم أدوارهم وتشتّت أفكارهم وتضييع أزمانهم .
ثانيا : ان جامعاتنا مترهلة بأساتذة ومحاضرين تخرّجوا من دون اي فهم او إدراك لطبيعة الحياة الأكاديمية ومستلزماتها وصناعة تكوين المستقبل ، وهم لا يجيدون التعامل أبدا مع مستحدثات العلوم والمعرفة في العالم . وان سلسلة ساذجة من الترقيات والدرجات ( العلمية ) قد منحت لهم من خلال ( بحوث ) غير علمية ابدا .. هؤلاء يتحملون اليوم وزر تخريج الآلاف المؤلفة من طلبة العلم العرب وصناعة قادة فاشلين مستقبلا .. وان العلاج لا يكمن باستيراد أجانب مكانهم ، اذ سيّضيع الطلبة هذه المرة الخيط والعصفور معا !
ثالثا : إن إصلاح السياسات التعليمية بحاجة ماسة الى علاجات جذرية بالاعتماد على قدرات نخب المبدعين وتحرير طاقاتهم ، ولا يمكن ان يتم أي إصلاح بمعزل عن تطوير المجتمع والدولة معا ، إذ أن ما يربط الجزء بالكل أساسي في عملية التقييم .
السؤال: هل للمفكرين العرب دور فاعل لدى صّناع القرار ؟
لا اعتقد أبدا أن لهم أي دور فاعل في تشكيل أي توجهات لصنّاع القرار العرب ، واعتقد اعتقادا جازما إن نخب المفكرين ـ كما يطلقون على أنفسهم ـ اذ إنني أؤكد على دور المختصين الحقيقيين ، ولكن ما ينتجه بعضهم يشكّل قوة دافعة لا قوة ضاغطة باتجاه صناعة القرار .. فاغلب ( المفكرين ) يتمتعون بقدرة فائقة في كتابة انشائيات وخطابات ووجهات نظر ولكن يندر من يستخدم المعلومة ويحللها ويستخلص منها أي استنتاج أو رأي محدد ! وهم في غالبيتهم غير حياديين ولا موضوعيين ، بل ينطلقون من مرجعيات سياسية محددة ، كما أنهم لا يتمتعون بأي واقعية في معالجة قضاياهم ، بل أنهم طوباويون يعتقدون الأوهام حقائق ويجعلونها مرتكزات يعولون عليها في معالجة أوضاع اليوم الصعبة ، بل ولا يفكّرون بالمصير الذي سيحيق بأوطاننا في قابل الأيام .
إن صناعة الأفكار وتكوين صّناع القرار في الأوطان العربية بشكل عام لا يتمتع بأي مرجعية فكرية مدنية تمّكن القائد الاطمئنان لرأي مفكّر معّين او عدد من المفكرين .. باستثناء تجربة واحدة او تجربتين عربيتين لهما عنايتهما بتشكيل القوى البشرية والبنية الفوقية ، وهذا يندر حصوله في بيئات عربية أخرى لا يطمئن فيها صانع القرار إلى صنّاع الفكر . هذا من جانب ، أما من جانب آخر ، فليس هناك أي برامج ولا أي خطط لدراسة مستقبليات المشكلات العربية المعقّدة ، ولا يوجد أي إنفاقات بحثية وعلمية مقارنة ببرامج وخطط ينتجها مختصون ومفكرون وعلماء في بلدان العالم الأخرى .

وأخيرا ، أقول : إن المفكرين العرب لم يصنعوا أفكارا ، إنهم يكتبون أراء ووجهات نظر واغلبهم يتطّفل هذا على الآخر في تقديم الأفكار واجترارها ! ثمة مفكرين عرب ممتازين يمكنهم ان يصوّبوا الأفكار ، ويحللوا النظريات ، وينتقدوا الآخر .. ولكن هؤلاء لا يجدون فرصتهم في التقدم، بل يحاصرون إعلاميا وفكريا وسياسيا واجتماعيا ، بل ويصل الأمر إلى تسفيه أفكارهم وتحريم رؤاهم .. إن الإعلام العربي يشارك في ترسيخ الأزمة، إذ تسيطّر على اغلب أدواته جماعات معينة، وتسّيره سياسات معينة لا تفسح المجال أبدا لتوليد أفكار وصناعة أصحاب قرار . إن المجتمع العربي كله في رعاية تقاليد محددة لا تفسح المجال لأي تقدم ، وهو تمتلكه سلطات قوية جدا لا تمكّن أي مفكّر عربي من التعبير الحر .. وقول ما يريده بشكل حيادي وموضوعي ! إن الأزمة ليست أزمة صناعة قادة فقط ، بل تكمن الأزمة في واقع مليء بالمخاوف والتناقضات والأضداد .. وآخر ما يمكنني ملاحظته أن بعضا من المفكرين العرب في الغرب له كلمته المسموعة وان أفكاره تدّرس وان مقالاته تترجم وان محاضراته تسمع .. فأين نحن العرب من هذا العالم ؟

www.sayyaraljamil.com

البيان ، 19 ابريل 2006




شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …