الرئيسية / سيرة وصور / مجتزءات من الحوار الشامل الذي اجرته الجمعية الدولية للمترجمين العرب والذي اجاب فيه عن اسئلة في سيرته الشخصية وحياته وتكوينه والذي نشر في نوفمبر 2005

مجتزءات من الحوار الشامل الذي اجرته الجمعية الدولية للمترجمين العرب والذي اجاب فيه عن اسئلة في سيرته الشخصية وحياته وتكوينه والذي نشر في نوفمبر 2005

( انظر ايقونة حوارات )
– هل لك أن تحدثنا عن حياتك ودراستك ؟
بدأت حياتي في بيت كبير من بيوتات الموصل القديمة ، وكان يمتلىء بالكتب القديمة والجديدة ومنذ طفولتي في الخمسينيات من القرن الماضي وأنا اسمع كلاما رائعا في الادب والشعر والثقافة والفن .. كنت ارسم خطوطا على صفحات المجلات الاسبوعية والشهرية التي يزدحم بها الدار .. كنت أتعّلم في بيئة عائلة مثقفة ثقافة عليا .. اسمع لما تورده الاذاعات المختلفة ، واختلس الاوقات الثمينة لادخل مجلس اسبوعي يقيمه والدي – رحمه الله – وكان من ابرز رجال القانون في العراق ، والتقي بعشرات من الشخصيات العراقية والعربية وقد ورثنا الثقافة العربية عن جدّي لأبي الذي توفي في العام 1928 وكان شاعرا واديبا نهضويا معروفا ومثقفا بارعا واحد مؤسسي المنتدى الادبي في الاستانة في العام 1909 رفقة نخبة من الاحرار العرب ومنهم عبد الكريم الخليل واحمد عزت الاعظمي وزكي الخطيب وغيرهم وساهم في الحركة العربية في مطلع القرن العشرين .

وتأثرت بالوان ثقافية متنوعة منذ صبوتي .. وتعلمّت في مدارس خاصة واهمها ( مدرسة ام المعونة للراهبات النموذجية ) في منطقة الدواسة بالموصل وبدأت قراءاتي منذ صغري ، ويقال انني طفقت اكتب وانا ابن الخامسة من العمر .. واذكر ان اعمال محمد احمد برانق كان لها تأثير في تكوين اسلوبي في بداياته ، وبدأت احفظ على ظهر قلب سورا من القرآن الكريم ، وما زلت احفظ سورا مثل : طه والجمعة وتبارك ويوسف ومريم والاسراء .. وكانت الرسوم والكتابات تنمو شيئا فشيئا في ظل شجرة عائلية وارفة لها ثقافتها المعاصرة .. وساعدتني التنقلات بعد ذلك في سفر دائم من بيئة الى أخرى اكسبتني جملة هائلة من المعرفة وافتقدت والدي وكان احد رجال القانون العراقيين وكان مثقفا ثقافة عريضة ، اذ توفي وانا في الخامسة عشرة من العمر .. كنت في مراهقتي قد بدأت مع المنفلوطي في نظراته وعبراته ، ثم كنت اتصفح ( نهج البلاغة ) فأشار علي أبي ( رحمه الله ) ان يكون مشروع قراءتي له مؤجلا لصغر سني ، مما جعلني ادخل عالم سلامه موسى فقرأت كل كتبه وقد بدأت افكر في يكتبه هذا الاخير ، ثم كنت اقضي اوقاتا طوال في قسم المجلات بمكتبة العائلة وهي غنية جدا فاستهوتني مجلة ( العصور ) و ( الدهور ) و( الهلال ) في مجلدات قديمة كتلك التي صدرت في العشرينيات من القرن العشرين ، وكنت افتح ذهني على ترجمات في الفكر والحياة وشغفت بقراءة روايات عالمية واعدت قراءة ( الجريمة والعقاب ) و( احدب نوتردام ) و ( مرتفعات وذرنج ) و ( الحرب والسلام ) وغيرها من الروايات العالمية .. كان قاموس المنجد يلازمني طوال الوقت ، ولعل اهم ثلاث أشياء لم تكن تفارقني البتة ، هي : المنجد الصغير ومن ثم الكبير ، ثم القاموس العصري لألياس انطوان الياس ، ثم اقتنيت (المورد) بعد صدوره ، ثم لازمني قاموس اكسفورد .. والشيىء الثالث هو ( اطلس العالم ) الذي كنت اتعمّد أن اشفي فضولي دوما لمعرفة المكان اي مكان من هذا العالم . هذه الاشياء الثلاثة لم تزل تلازمني حتى اليوم واجددها كل عام بل ولدي من الاطالس والمعاجم والانسكلوبيديات ما يعد ثروة حقيقية .. ومؤخرا ، كل ما احتاجه مخزّن عندي في جهاز ( اللاب توب ) ولكن يبقى الانسان بحاجة الى جملة من المراجع المعرفية والمساعدة للتأكد من المعلومات والحقائق .

اكملت دراساتي الاولى وكنت قد تمّيزت في الفيزياء ( عند استاذي رمو فتوحي ) والتاريخ ( عند استاذي هاشم سليم ) وكل المعارف التي تثير التفكير وتسلمت بعض الجوائز المدرسية في الالقاء والخطابة ( عند استاذي عبد النافع الحكيم ) وبعض الابداعات في الرسم واكتشاف بعض الاشياء التي اخترعتها ( عند استاذي عبد الله القليه جي ) ، أما عالم الجغرافية فلقد ازددت له عشقا ( عند استاذي محي الدين العشائري ) والانكليزية عند ( الاستاذ سالم عمر ) .. كنت أهوى الفلك وافكر في الكون ولم أحدد هدفا محددا في ما ساغدو عليه ، كنت أهوى الطيران المدني واعشق رؤية الطائرات في السماء ، ولكن فكّرت بأن المهنة سوف تلبي رغبتي في التحليق نحو السماء ولكن سوف اقتل هواياتي ، بل كنت اهوى الشعر والكتابة واصدرت وأنا في الثانوية بمعية صديق مبدع لي كان يعشق كتابة القصة والرواية اسمه عبود عبد الله بكر ( استشهد في الحرب العراقية الايرانية رحمه الله ) في اصدار جريدة اسميتها ( الاصداء ) في العامين 1967 – 1968 وكانت اسبوعية اكتب بقلمي افتتاحيتها ونحن في الثانوية الشرقية بالموصل العراق وسببت لنا مشكلات سياسية وفكرية منها الاعتراض على نشرنا قصيدة لنزار قباني بعد هزيمة 1967 .

كان والدي –رحمه الله – قد ازمع ان يرسلني الى الجامعة الامريكية ببيروت لدراسة القانون الدولي وكنت قد شغفت بدراسته ، ولكنه رحل مبكرا ، ولما كنت اكبر أخوتي مما اضطرني ان ابقى في العراق وانخرط لدراسة الاداب والتاريخ فدخلت عالما جديدا لم اكن في البداية راغبا في ان يحدد مستقبلي ، ولكن مع الايام جعلني التاريخ اشغف به شغفا كبيرا وتأسرني فلسفته التي اثارت عندي جملة هائلة من الاسئلة التي رحت ابحث لها عن أجوبة حقيقية .. ومنذ ان قدّمت بحثا اولويا تلقيت ملاحظات احد اساتذتي بتفكير منهجي عميق وكان ان منحني درجة امتياز ، في السنة الثانية كلفني استاذ آخر شكّل لي تحدّيا من نوع آخر في المنهج وكان عن الاستشراق ، فرحت ادخل عالما جديدا لاتعّرف عليه في الزمان والمكان ، وكانت الحصيلة بحث قال عنه اساتذتي انه يقابل رسالة ماجستير ونلت الامتياز عليه .. لم اكتف بالبحث ، بل رحت اقرأ في الذي كتبه المستشرقون عن ظاهرتهم وتعلمت كيف اكون حياديا منصفا في قراءتي وكتابتي ..

ولقد أثرت مشكلات ثقافية في الكلية منذ ان كنت في الصف الاول ، اذ نشرت نقدا صارخا في مجلة ( الجامعة ) ضد كتاب نشره أحد الاساتذة في الكلية ، فخاصمني الرجل عهدا طويلا ، ثم غدا احد اصدقائي عندما اصبحت زميلا له ، ولم تزل الناس تذكر تلك المشكلة .. تخرجّت في جامعة الموصل وكنت من الاوائل على الجامعة في العام 1974 ، ثم انخرطت معيدا ( او كما يسمى بمساعد باحث ) فيها وبقيت سنة واحدة وكانت صعبة جدا بحكم تبعيث الجامعات وغلو السياسة الحزبية ، وفي مطلع 1976 سافرت الى بريطانيا بحجة السياحة ولكنني كنت قد استحصلت على اكثر من قبول لاكمال دراستي العليا على حسابي الخاص وارسلت باستقالتي الى العراق .. وكانت مرحلة صعبة جدا على امتداد ست سنوات حققت فيها طموحي بشهادة الدكتوراه في فلسفة التاريخ 1982 ، وهي مرحلة انجزت فيها اطروحة اشتغلت عليها ليل نهار وانجزتها بثلاث مجلدات لم تطبع بعد ، وبحثت فيها التاريخ الحديث للشرق الاوسط من خلال منهج التحقيق النقدي لنصوص تاريخية قديمة وقد تعاملت مع مخطوطات ووثائق تاريخية نادرة وصعبة وفي مكتبات اوربية كبرى مثل : المتحف البريطاني والمكتبة الوطنية بباريس والمكتبة الوطنية بفيّنا ومكتبة استات بيبلوتك ببرلين ومكتبة بترسبورغ في روسيا والاسكوريال في اسبانيا ومكتبة طبو قابي باستانبول .. وقد تعلمّت كيف اتعامل مع مكتبات العالم الكبرى.
وخلال دراستي العليا في بريطانيا تعلمّت من اساتذة ومستشرقين ممتازين مثل : ديفيد جاكسون والبرت حوراني وسارجنت وغالوي وجون بيرتون وماتوك وبوزورث .. اذ تعلمت جملة من المناهج العلمية .. وتعلمت من سفرات عدة وادهشني المتحف البريطاني ومتحف اللوفر وغيرهما .

مرحلة اخرى في حياتي العلمية انني عملت مطبقا لغويا بين العربية والانكليزية في كل من جامعة سانت اندروس وجامعة اكسفورد ، ولم ارجع الى العراق بسبب الحرب العراقية الايرانية التي كانت تحصد كل اصدقائي وزملائي .. وقد آثرت العمل في جامعات عربية ، فعملت في جامعات : وهران بالجزائر والحسن الثاني بالدار البيضاء وكلية آداب منوبة بتونس وعملت استاذا زائرا في جامعة كيل بالمانيا الغربية وزرت جامعة واشنطن في سياتل بالولايات المتحدة وفي الموصل بالعراق واليرموك وآل البيت بالاردن ثم في الامارات العربية المتحدة .. ومنذ العام 1989 حتى اليوم نشرت اكثر من واحد وعشرين كتابا وعشرات البحوث بالعربية والانكليزية ومئات المقالات .. والمساهمة في عشرات المؤتمرات العلمية والدولية في دول عدة .. ولعل اهم منشوراتي في مجال الترجمة : رحلة جوستن بيركنس كأول رحالة امريكي الى العراق في العام 1847 ، ونشرت الترجمة في دورية ( المورد ) العراقية في العام 1989 .

– ما هي مواهبك و هل من هوايات لا زلت تمارسها حتى الآن؟

لا استطيع ان احدد ما في نفسي من ( مواهب ) ولكن الاخرين هم الذين يرونها ان وجدت .. ولكنني ادرك ادراكا حقيقيا بأن لي اسلوبا في الكتابة متميز وجذاب ويعشقه الاخرون ، ولي القدرة على فحص الكتابات وتمييز الكتب والاشياء والرسوم وحتى البشر .. اعرف ايضا ان لي قدرة على ان اجلس الساعات الطوال اقرأ او اكتب من دون كلل او تعب .. اعرف ان لي صداقات قديمة وجديدة لا يمكنها ان تنفصم ابدا وبقدر ما عندي من كل هذا وذاك ، فانني ادرك بأن لي خصوم كثر انني اعرف لماذا يخاصمونني ولكنهم مساكين لا يدركون لماذا الخصام .. قسم منهم قال لي : خاصمناك من دون ان نعرفك ! وقسم آخر خاصمني لأسباب فكرية وسياسية بالدرجة الاولى .. وآخرون كان لهم موقفهم بالضد مني بسبب اصداري كتاب ( تفكيك هيكل ) وهو يبحث في نقد الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل !

اعرف انني ماهر في نقد الاشياء والنصوص ولي مهارتي في تحليل النصوص والخطاب وتفكيك مقول القول .. اعشق الموسيقى واميّز بين الالحان ولي ثقافة معتبرة في الكلاسيكيات العالمية واشغف بابداعات الموسيقار غوستاف مالر .. احب الاغاني العربية التي تطرب وكل الكلاسيكيات العربية ، واعزف بعض الالحان وأميّز المقامات الموسيقية والاصوات الغنائية .. كانت لي موهبة الرسم في صباي ورسمت لوحات رائعة ، ولكنني لم أكن على استعداد لتنمية تلك الرغبة .. اعشق الترحال والسفر والطيران وقد زرت بلدانا كثيرة واعرف التعامل مع اللهجات والعاميات العربية بحيث استخدم العربية العادية .. كنت ارسم منذ صغري واجمع الطوابع والصور الفوتوغرافية ..ولكنني تخليت عنها بسبب ما اخزّنه في الكومبيوتر اليوم .

– ما هي أنواع الكتب التي تجذبك وتطالعها غالباً؟

لقد كبر حجم النشر في العالم في العشرين سنة الاخيرة ، وهو عالم يتطور بشكل مذهل بحيث لا يستطيع الانسان ان يلم ويطالع كل ما ينتج عالميا .. وعليه ، انصح باختيار انواع محددة من الكتب . انني بداية اهتم بكتب المعرفة العامة اذ لابد من التواصل مع دوائر المعارف المختلفة وما يستجد من القواميس والمعاجم .. اهتم ايضا بكتب الفكر الاجتماعي والسياسي .. اما الكتب التخصصية في التاريخ الحديث والفكر المعاصر فلي معها متابعة شهرية لمعرفة ما يصدر من جديد فيها اذ لابد ان اقتني ما له علاقة بتخصصي مهما كان ثمن ذلك ، وتسعفني في الكثير من الاحيان العروض والتحليلات التي اتعّرف من خلالها على طبيعة محتويات كل اصدار واقرر ما يفيدني مما لا يخصني .. اهتم ايضا بكتب المذكرات اذ تمنحني متعة وزيادة في معرفة تجارب الاخرين من بيئات وبلدان وثقافات متنوعة ومتعددة .. لي ايضا اشتراكات محددة لبعض ابرز المجلات والدوريات التي من خلالها استطيع الاطلالة على عالم النشر والكتب في كل عام .

– ما هي أهم الدوريات التي نشرت فيها؟

كثيرة هي المجلات التي نشرت فيها ، وهي : المجلة الدولية لدراسات التاريخ ، ومجلة فلسفة التاريخ ، ومجلة دراسات الشرق الاوسط ، ومجلة التاريخ ، والمجلة العربية للدراسات العثمانية ، والمورد ، والمجلة التاريخية المغربية ، والمستقبل العربي ، والفكر العربي ، والمجلة العربية للدراسات الانسانية ومجلة ليوا ومجلة حوار العرب وغيرها كثير .

– لكل عالمٍ ومفكر وأديب مصادر أسهمت في تكوين خلفيته الثقافية العامة من جهة، وتنمية وتطور ملكاته في مجال تخصصه. فماهي مصادر ومناهل المعرفة التي كان لها أكبر الأثر في تكوين خلفيتك الثقافية العامة وأيضاً خلفيتك العلمية في مجال تخصصك الأكاديمي؟!

– لا يمكن ان أحصر عدد مصادر ومناهل المعرفة التي نجحت من خلالها في تكوين ثقافتي العامة أو ثقافتي التخصصية ، ولكن أحاول ان اتذّكر ان من بين مناهل ثقافتي العربية كان البيان والتبيين للجاحظ واحصاء العلوم للفارابي والمقدمة لابن خلدون وادب الدين والدنيا للحسن البصري الماوردي والمثل السائر في ادب الكاتب والشاعر لابن الاثير وشرح المعلقات للزوزني والوساطة للجرجاني والموازنة للامدي وتهافت التهافت لابن رشد وكتابات لا تحصى لابن طفيل والطبري ومسكويه والمعّري واعجبت بابي حيان التوحيدي وكتاب الشاهنامه وفصل المقال واتعاطف جدا مع مأساة ابن المقفع وقرأت كل اعماله .. اعشق قراءة الشعر العربي وقرأت العديد من الاعمال الشعرية القديمة والحديثة ، قرأت طه حسين واحمد امين وزكي مبارك وعبد الرازق والرصافي وصولا الى رواد الجيل الحديث وغيرها اما ثقافتي غير العربية فكان من بواكير ما اعدت قراءته : مسرحيات شكسبير وخصوصا تاجر البندقية وهاملت ، ثم قرأت تولستوي واعجبت باسلوب شارلوت برونتي وهمنغواي.. قرأت اعمال كولن ولسن وارنولد توينبي وكارل ماركس وجاك بيرك واعدت قراءة مكدوغل وفرويد واخذت قسطا من أدبيات جارلس ديكنز .. اما التخصص ، فكانت مناهل معرفتي فيه كثيرة جدا ، ربما اقول انني احفظ على ظهر قلب مضامين واسعة من اعمال لونكريك والبرت حوراني ( الذي تأثّرت جدا باعماله من خلال حضوري محاضراته في العام 1977 ) وتأثرت جدا بمناهج وفلسفات : روبرت منتران وماكس فيبر وميشيل فوكو والتوسير وجاك دريدا وادبيات جان جينيه وغيرهم كثير .

– من هم أبرز الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم وتفتخر بهم ولماذا؟

من ابرز الاساتذة الذين طلبت العلم منهم وافتخر بهم ، هم على التوالي :

1/ البروفيسور الدكتور ديفيد جاكسون ، المستشرق البريطاني الذي علمني منهج تحقيق النصوص والتاريخ المقارن وعلمني كيفية التعامل مع اللغات القديمة وخصوصا في مصطلحات ومفاهيم اللاتينية والعربية القديمة .. علمّني كيف يكون الصبر في نشر المخطوطات وكيفية فك الغاز الكتابات القديمة ومقارنة الحروف واساليب النسخ وكيفية بناء شجرة النسخ .

2/ البروفيسور الدكتور جون بيرتون المستشرق الاسكتلندي الذي علمني كيف يمكن لطالب البحث ان يكون صبورا وكيف يميز بين المصادر وكيف يتعامل مع المراجع وكيف التعّرف على المفاهيم وكيف تستخلص النتائج التاريخية والاستنتاجات البحثية وما هو الفرق بين الاثنين .

3/ البروفيسور الدكتور البرت حوراني المستشرق البريطاني ( عربي الاصل ) الذي علمني ما هو الشرق الاوسط وما اهميته وما تأثير أرثه التاريخي على تكويناته المعاصرة .. علمني كيف يمكننا ان نتعلم الكثير من التاريخ الاجتماعي .. علمني كيف يمكنني قراءة اعمال المستشرقين وهم يكتبون عن تاريخنا وثقافتنا العربية الاسلامية .. علمني كيف يمكننا كتابة تاريخ الشرق الاوسط بجملة تكويناته .. وآخر ما تعلمته منه في آخر لقاء لي معه : كيف يمكنني بناء التوقعات في مستقبل منطقتنا على ضوء العلاقات الدولية .

4/ البروفيسور الدكتور سارجنت المستشرق البريطاني الذي تعلمت منه في لقاءات غير صفّية وبعد تقاعده اهمية تراث العرب في ما انتجوه من ثقافة ومعرفة كلامية وعلمني كيفية التعامل مع المخطوطات العربية التي لها اجناسها واصنافها وبيئاتها .

5/ الاستاذ الدكتور احمد الحسو ( المؤرخ العراقي ) وهو استاذ وصديق وزميل مهنة ، تعلمت منه اهمية تاريخ مصر في العهود الايوبية والمملوكية ، وتعلمت منه هدوء الطبع في التعامل مع الافكار المتوحشة وتعلمت منه كيف يكون الانغمار لساعات طوال في العمل من اجل تحقيق اشياء مبدعة .

6/ الدكتور ج. م. ولفنسون ، الفيلسوف الذي كنت اعشق الذهاب لسماع محاضراته ، وقد تزّوج باحدى زميلاتنا وهي بولندية كتبت مؤخرا كتابا عنه ، وهو اول من فتح دماغي على الفلسفات الحديثة وخصوصا الانثربولوجية والبنيوية والتفكيكية والسلالية ..

– من هم أبرز الأساتذة الذين تتلمذوا على يديك و تفتخر بهم ولماذا؟

انني اعتز ببعض من تخرجوا على يدي من حملة الماجستير والدكتوراه ، وهم : الدكتور عبد الفتاح يحي عميد كلية الاداب في جامعة دهوك والدكتور عصمت برهان الدين رئيس قسم التاريخ بجامعة الموصل والدكتور يونس الطائي مدير مركز تراث الموصل والدكتور زهير النحاس والدكتور غانم وحيد والدكتورة زهية رولان الباحثة في المعهد الدولي بواشنطن ، والدكتورة م. بلقاسم المؤرخة الجزائرية والدكتور خالد ابو ربيع الباحث الاردني ، والدكتورة سمر ماضي رئيسة قسم الدراسات الاجتماعية في كلية فرانكفورت الجامعة ، والدكتور ستيفن رايت المحاضر في تاريخ التعليم بالشرق الاوسط وغيرهم كثير .. انني افتخر باغلبهم لأنهم تعلّموا اشياء كثيرة مني ، وهم يذكرون استاذهم بطيب الذكر .

– ما هي أبرز الإنجازات التي حققتها؟

لقد حققت على المستوى العلمي مشروع ( تكوين العرب الحديث ) باربعة مجلدات واعمل على انجاز المجلد الخامس .. انجزت مشروع نظرية في التحقيب التاريخي تقوم على اساس الوحدتين الجزئية والكلية .. انجزت تحرير عدة مقالات علمية في الانسكلوبيديات العالمية .. ولقد حقّقت المشاركة في منجزات على المستوى الفكري والسياسي .

– ما هي المشاريع التي تحلم بإنجازها وما هي الطموحات التي تسعى لتحقيقها؟

– احلم بتحقيق مشروع علمي بتأسيس مركز في تورنتو بكندا لبحوث تواصل الثقافات في العالم .. واحلم بأن تتحقق المشروعات التي قدمتها لأكثر من جهة عربية من اجل دعم تأسيس انسكلوبيديا عربية باللغة الانكليزية .. واسعى لتأسيس مدرسة عربية او جامعة عربية تعتني بتنمية التفكير العربي لدى الاجيال الجديدة . كما اسعى اليوم لافتتاح المنظمة العراقية لتنمية المجتمع المدني ( يودكس ) التي سيعبر عنها موقع الكتروني وقد اكملت انجازها رفقة بعض الشخصيات العراقية المرموقة .. اسعى – ايضا – لتطوير نظريتي في التحقيب التاريخي كي اطبقها ( بالانكليزية ) على تاريخ البشرية بعد ان طبقتها على تاريخ العرب والثقافة الاسلامية .. اطمح ايضا بالمشاركة في تأسيس ميثاق عمل فكري وتجمع دولي لليبراليين العرب وشركائهم في العيش والمصير وهذا ما انادي به اليوم .

– ما هي الطموحات التي تسعى إلى تحقيقها في مجال الترجمة؟

– اتمنى ان يتشّكل فريق عمل عربي عالي المستوى لترجمة اشهر الانسكلوبيديات العالمية ، وخصوصا ( البريتانيكا ) و ( اميركانا ) .. كما اطمح بمحاولة اثارة الجامعات والمراكز البحثية العربية على ترجمة اهم ما انجزته الثقافة العالمية الى العربية .. لقد ذهلت عندما علمت ان في تايلاند ( 60 مليونا من البشر ) ومنذ زمن ليس بالقصير تقدم في ثقافتها ومن بين مترجماتها عن الانكليزية خصوصا مجلة النيوزويك اسبوعيا ومجلة الانترناشنال جيوغرافي الشهرية الى اللغة التايلاندية .. فأين نحن العرب اليوم ( قرابة 300 مليونا من البشر ) من تايلاند ؟

– يلاحظ المرء أنك رجل تتمتع بطاقة ذهنية هائلة -ما شاء الله- فما سر ذلك؟

– توليد الافكار من اصعب ما يتميز به البعض من الناس ، ولكن الاصعب هو كيفية ترجمتها واساليب التعبير عنها .. انها قدرة لا يتوفر عليها الجميع ، ولكن بالامكان تربية نخبة عربية معينة على اساليب محددة ممن يمتلكون مواهب اولية .. ان الطاقة الذهنية الهائلة التي حبا الله بها بعض الناس لا يمكن التخّلي عنها ، بل لابد من صقلها وان تجدد نفسها يوما بعد آخر ، لانتاج المزيد من الافكار . المشكلة ان سلطاتنا ومجتمعاتنا تقتل الطاقات وتجّمد الاذهان منذ مراحل تاريخية مضت .. ثمة اسرار شخصية لا يمكن البوح بها في كيفية شحذ التفكير والتخلص من الذهنية المركبة .. اذ ان الانسان في كل عالمنا ومحيطنا بحاجة ماسة الى ان يفّكر كثيرا ، وان يحاول تغيير اسلوب تفكيره ويتجرد من المطلقات الى الفلسفة النسبية ، وان لا يتسرّع في ابداء الرأي ، وان يدقّق في الاشياء ثم يطلق احكامه ، وان يكون مرّكزا في كلامه ، فخير الكلام ما قلّ ودل بدل السرد والانشائيات والكلام الفضفاض الذي لا ينتهي الى شيىء ..

شاهد أيضاً

اعلان من الدكتور سيّار الجميل.. الى كافة المثقفين العراقيين في العالم

ايها الاخوة .. ايتها الاخوات أعلن لكم جميعا انسحابي من المجلس العراقي للثقافة في عمّان …