Home / الشأن العراقي / من ينقذ البصرة : فينيسيا الشرق القديم ؟؟

من ينقذ البصرة : فينيسيا الشرق القديم ؟؟

لقد اسموها فينيسيا الشرق تيمنا بفينيسيا ايطاليا قبل خمسة قرون .. تلك هي البصرة التي تأسست على عهد الخليفة العظيم عمر بن الخطاب .. وكان للبصرة دورها الحضاري على مر العصور ومنها انطلق السندباد البحري نحو كل العالم ، وكان لموقعها الجيو ستراتيجي اثر بالغ في مكانتها العالمية ، وبرغم وقوفها على رأس الخليج العربي ، فقد جمعت البر والنهر والبحر والهور معا ، فاسميت بثغر العراق الباسم .. وبقدر حالات ازدهارها عبر التاريخ ، لكنها عانت من اشرس الكوارث والفجائع وصولا الى مأساة الحرب العراقية الايرانية ، وما تلا ذلك من ازمنة مرعبة بسبب وقوعها في منطقة النار الحدودية مع ايران والكويت والسعودية ..
ان البصرة اشهر من نار على علم ، ويبدو ان لا منقذ لها اليوم بعد خرابها ، او انها تعيد خرابها حسب المثل العربي الشهير.. ولقد خرّبت البصرة الفيحاء اليوم بالفعل ، كما هو حال شقيقتها الموصل الحدباء في الشمال .. لقد اتصل بي احد اصدقائي القدماء من البصرة ليناشدني الكتابة عنها ، وقال بأنها الان تحترق ، والرعب ينتشر في كل احيائها ، بل ويمتد الى كل اطرافها من العشّار الى التنّومة الى ابي الخصيب الى الزبير الى هور العمّية الى كل المناطق الساحرة الجميلة مع اهلها الطيبين المتنوعين الذين لا يستحقون ابدا كل هذه العذابات الدموية . والمشكلة ، ان لا احد يسأل عن كل هذا التعتيم الاعلامي الذي يغطّي مدن العراق اليوم ؟؟
نعم ، ان ما نسمعه يوميا عمّا يحدث في البصرة وكل اطرافها يدمي القلوب ويفجع النفوس ، وما يجري في هذه المدينة العربية الاصيلة من احداث مأساوية ، تكاد لا تصدق ، مما يجعلنا نسعى لفعل أي شئ من اجل انقاذها ، بل وننادي باعلى صوتنا : انقذوا البصرة قبل فوات الاوان أيها الغيارى .. لا اقول بأن ما يحدث في عموم العراق افضل حالا ، ولكن اذا كنا نسمع بعض ما يحدث في بغداد العاصمة من مآس وكوارث ، فان التعتيم المقصود على ما يجري من فجائع في كل من الموصل والبصرة بالذات ، أي في اكبر مدينتين عراقيتين بعد العاصمة بغداد انما يثير التساؤلات وعلامات الاستفهام . واذا كان السيد محافظ البصرة قد نادى قبل ايام بما هي عليه المدينة من مآس وهو ادرى من غيره بشؤونها ، فان نار الجحيم قد فتحت عليه كي يسكتوه ويخفوا كل الموبقات التي تعيشها هذه المدينة العريقة .
لقد تجمعّت في البصرة كل عوامل الصراع المحلي والاقليمي والدولي في ظل حالة الفراغ الذي عاشته منذ ثلاث سنوات ، ولم نجد أي اعلام عربي ودولي قد سلّط عليها لمعرفة كل الاخطار التي توغلت فيها .. ولا نعرف حتى الان او لم نقف ابدا على مجريات الكارثة الصعبة ، اذ لا يمكننا ان نقف على حقيقة الوضع من الحكومة المركزية ببغداد التي لم تستطع ان تخرج حتى اليوم من دوامة المحاصصة السياسية والطائفية والعرقية .. واذا كنّأ لم نستطع ان نتعّرف منها على وضع بغداد الحقيقي في ظل هذا الصراع الذي تختلط فيه جملة من القوى ، فكيف باستطاعتها ان تحيطنا علما بما يجري في كل الموصل والبصرة وكل اجزاء العراق الحيوية .. اما القوى الحزبية والدينية والطائفية ، فليس من مصلحتها كشف الاوراق التي تتلاعب بها لمصالح اجندة لا نعرفها حتى الان ..
اما موقف كل من البريطانيين والامريكان فلا يمكننا التعّرف على ما يريدون نتيجة دورهم الهلامي ، وان الاحداث تزداد توترا وسخونة واضطرابا نتيجة اسباب داخلية واقليمية خارجية وخصوصا العصف الطائفي والاختراق الايراني وارتباطات الاحزاب الدينية وحالة فوضى الانقسامات الاجتماعية .. ويبدو ان كل محاولات الحكومة المركزية لتهدئة الاوضاع في البصرة قد باءت بالفشل نتيجة ضعف المركز على حساب نفوذ القوى السياسية المدعومة من الخارج .
تعد البصرة منفذ العراق الحقيقي على العالم ، وهي التي يتم من خلالها تصدير اكبر كمية من نفط العراق ، بل وانها تمتلك اهم حقول نفط العراق واهم احتياطيات نفط العراق . وعليه ، فان عودة الحياة الطبيعية والسيادة المركزية للبصرة ضرورة اساسية بالنسبة لحياة العراق ومستقبله .. ولا يمكن للعراقيين ان ينتظروا غيرهم كي يطفئ لهم هذا الجحيم ، اذا لم يسعوا هم انفسهم لايجاد حلول وطنية بعيدا عن هذا التراخي واللامبالاة ازاء ما يحدث ، وان يضعوا حدا لكل التدخلات الخارجية في البصرة وانحائها .. وايجاد حلول للانقسامات في ادارة المحافظة والاحزاب التي اصبحت تعلن بكل وقاحة عن محاصصات نفطية .
انني اناشد كل صاحب ضمير حي ان يعمل لانقاذ البصرة وان تحدد القوات البريطانية طبيعة مهمتها وجدولتها ولكن بعد ان تكون القوات المسلحة العراقية قد فرضت هيمنتها على البصرة .. وان لا تترك البصرة تواجه مصيرها لوحدها ، واقولها صراحة ان الامور سوف لن تستقيم الا بعد حل الميليشيات الحزبية التي ترتبط بهذا الطرف او ذاك .. كما اناشد كل القادة العراقيين الجدد ان ينتبهوا الى قضاياهم الوطنية بدل هذا الماراثون السياسي الذي يدورون على حلبته .. فمصير أي شبر من ارض عراقنا الحبيب امانة في اعناقهم ، وان أي قطرة دم زكية تهرق هم مسؤولون عنها .. ناهيكم عن دورهم في ايقاف التدخلات والهجمة الطائفية وعمليات التهجير القسري الذي تقوم به جماعات متشددة ضد سكان البصرة وضواحيها وانحائها .. فهل هناك من يستجيب لهذا النداء ؟ انني اتمنى ذلك من صميم القلب .

البيان 31 مايو 2006

Check Also

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …