الرئيسية / قراءات اخترتها لكم / إعلاميون لا يميزون بين الظاء والضاد… بروفسور د. عبدالإله الصائغ

إعلاميون لا يميزون بين الظاء والضاد… بروفسور د. عبدالإله الصائغ

مخطيءٌ من يظن الإعلام محصورا بقدرة المرسِل في التأثير على المستقبِل ! فلو كان التأثير في المتلقِّي غاية بنفسه لأمكن للمؤسسات من الحصول على المتلقي بأي ثمن وبأية وسيلة ! لكن الاعلام شيء غير هذا بالتأكيد ! فقد يقاربه هذا ولكنه لن يشاكله !! ومن سخط الزمان على المكان ان الاعلام بات مخلوقا اسطوريا باستطاعته مضغ شعب كامل في اسابيع ! مخلوقا خبيثا يستطيع دخول باحة المحكمة ليضع القاضي مكان المتهم في قفص الاتهام والمتهم بمكان المدعي العام ! والمدعي العام بمثابة المتهم ! يستطيع ان يعاقب المحسن على إحسانه ويثيب المسيء على اساءته ! ونحن ساهون لاهون كأن الأمر لايعنينا ! وكأن ما يعنينا لاعلاتقة له البتة بالأمر ! قبل عام ونيف طلبت احدى المؤسسات الإعلامية عددا من الإعلاميين العراقيين ! وخصص احد الأيام ميقاتاً لامتحان المتقدمين كما خصصت جامعة مشيغن مكانا للإمتحان ! ويجدر بي ان اقول ان الممتحنين كانوا من اساطين اساتذة الإعلام في الجامعة ! فماذا حصل ؟؟ الجواب حصل الكثير المثير المرير ! فقد تقدم للإمتحان عناصر لاتجيد القراءة والكتابة ! لاتتقن لغتها العربية كما انها لاتعرف شيئا عن اللغة الانجليزية ! سمعت احد الاساتذة يسأل احنا قائلا :
– هل انت اعلامي ؟
– نعم انا اعلامي
-اين اشتغلت قبلها ؟
-كنت نائب عريف في الجيش العراقي .
-هل عملت في الاعلام العسكري ؟
-لا والله لم اعمل في الاعلام العسكري ؟
-هل نشرت مقالة او اعددت برنامجا ؟
-لا لم انشر مقالة ولم اعدد برنامجا
-اتفضل اخرج وبعد ذلك سوف نخبرك بنتيجة الامتحان ! فخرج وهو مطمئن انه ناجح في الامتحان بتقدير ممتاز !!

هذه صورة واقعية لتصور اكثرنا للإعلام ! فقد اصدر جريدة من يجهل كل شيء عن الصحافة ! واطلق اذاعة من لايعرف مثلا الفرق بين الصورة السمعية عن الصورة البصرية ! وعمل في التلفاز قوم بعضهم مازال مؤمنا بأن التلفاز شيء من السحر !
هذه رسالة من العلامة المفكر البروفسور الدكتور سيار الجميل اليَّ يشكو فيها عقم العقل الإعلامي عند بعضنا :

((.. سيدي ما الذي جرى لبعض من العراقيين اذ انهم يتوحشون يوما بعد آخر .. والفاجعة انهم لا يميزون بين البشر ويخلطون هذا بسعر ذاك لقد طالت السنتهم حتى على العلماء منهم وكأن القيم قد ضاعت والخصال قد غربت .. انهم لا يتقبلون النصيحة وهم لا يتعلمون من الخطأ .. لم اعد احتمل هذه المواقع الالكترونية التي غدت كبؤر الخراب .. لقد نسى العراقيون خصومهم وبدأ يأكل بعضهم بعضهم ! لا ادري لماذا كل هذه الاحقاد ؟ لا ادري لماذا كل هذا الغلو ؟ لا ادري لماذا كل هذه الكراهية ؟ لا ادري لماذا كل هذه النفخة الكاذبة ؟ وانت ترقبهم وقد تطفلوا على كل ميدان وهم لا يدركون اس الثقافة ولا يميزون بين الظاء والضاد !! بل وليس باستطاعتهم تركيب جملة مفيدة !! فهل سنتطهر نحن العراقيين يوما ازاء بعضنا بعضا منذ ايام الامام الولي علي حتى اليوم .. ليت كل العراقيين يتعلمون شيئا بسيطا من اخلاقه الرائعة .. دمت لي ونهارك سعيد

اخوك سيار الجميل .


الإعلام مؤسسة علمية متكاملة لها مقدماتها وأصولها ومختبراتها وتطبيقاتها ، وليس إنشاء برّاق الجمل خلاّب المعاني مدهشَ الطرح ! ولم يكن الإعلام في اي زمن وسيلة ثانوية ! أسواق هجر وعكاظ وعدن أبين وذي المجاز ومن بعدها المربد وسواها مؤسسات إعلامية مؤثرة !!
الشعراء القبسلاميون كانوا مؤسسات إعلامية ! ملحمة الإلياذة لهوميروس عمل إعلامي حاذق ! السيرة الشعبية إعلام !! ماذا بعد ؟ ثمة دائما إعلامان : قديم وحديث ، وهما دائما إثنان : صادق وكاذب ، ذكي وساذج !
ويمكن القول إن الإعلام الجديد علم متجدد بسرعة فائقة ! ففي كل سنة تتشكل اضافات وخبرات وتقنيات ! إن لم أقل في كل شهر !! وقد وضع الإعلام الحديث يده على كثير من العلوم من نحو التاريخ والجغرافية والإجتماع والنفس والسياسة والإقتصاد والفيزياء والرياضيات …الخ وقد بات العديد من الدول الكبرى والصغرى يهييء ميزانية مالية للإعلام موازية لميزانية الدفاع !
أليس الإعلام سلاحا فاتكا ؟؟ نظام البعث المقبور قام على الإعلام محاولا استغلال منجزات التنويم المغناطيسي وغسيل الأدمغة وبدد ثروات البلد على أصحاب الدكاكين الإعلامية !!
فالصحف مؤممة والإذاعتان المرئية والمسموعة كذلك والفنون مسخرة وتم تعيين بعض ذوي الخبرة في السفارات العراقية في بيروت والقاهرة وتونس والأردن والخليج وباريس ولندن وألمانيا وأمريكا وكندا وروسيا …….. مهمة هؤلاء شراء ذمم وسائل الإعلام وبعض المعوقين من الأدباء والفنانين والسياسيين والمحسوبين على اليسار والمحسوبين على اليمين وحقق أولئك الخبراء انجازات مذهلة ونجاحات مدهشة وأنفقوا أرقاما خيالية من الدولارات من قوت الشعب !!

ولي أصدقاء (!! ) قاموا بهذه المهمات القذرة حتى إذا شمّوا رائحة سقوط النظام تحولوا بسرعة البرق إلى صفوف معارضي مؤسسة صدام ! لا بأس أهلا بهم وسهلا وزايدوا في الوطنية لا بأس فالوطن للجميع ! ولكن عليهم صناعة كتب لكشف الوسائل البعثية في شراء الذمم وقد شاهدنا المظاهرات في جل ارجاء العالم وهي تطالبنا بالصبر على مطحنة النظام وتطالب الضمير العالمي (كذا ) بإنقاذ نظام البعث من السقوط !!
عليهم كشف وسائل النظام في شراء الذمم والضحك على الذقون ! ولا يكفي أن اعلاميي صدام القدامى الذين أصبحوا إعلاميي المعارضة الجدد متخندقون هم (وحبايبهم ) في دول الغرب وقد هرّبوا المبالغ الطائلة وفتحوا بها متاجر ومؤسسات إعلامية وووو ونحن في دول الغرب نجوع ونعرى ونكتب !

نريد منهم صحوة ضمير لهتك وسائل البعث حتى تقييم وتدرس ونتعلم منها كيف أن الكفر يدوم والظلم لا يدوم فالظلم إن دام دمّر كما قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه . أنت يا صديقي السفير السابق والمقرب الى صدام وكنت معلما فقيرا وسحبت الملايين التي بيدك معك ! بالله حدثنا عن الفضائع التي طبخت في السفارة عهد ذاك ! أنت يامن كان كل مجدك أنك صديق عدي وصدام وأنت معنا الآن حدثنا عن الوسائل الإعلامية الدنيئة التي أرغمك النظام عليها ! ولماذا لم تسلّم ما بحوزتك من النقود الحرام الى المؤسسات العراقية ؟ أنت أيها الروائي من اصل ماركسي كيف أصبحت ملحقا ثقافيا في سرعة البرق ! ومن أولئك الذين اشتريتهم والمبالغ المدفوعة لهم ؟ لقد زرتك مرة ووجدتك تصدر بيانات ضد أشقائنا الكورد وقلت لك ان النظام زائل لا محالة فلا تربط سمعتك وأنت المبدع به!
هذه المقترحات المخلصة :

1/ الهدف المركزي هو الإقناع وليس الإسكات ! ولنا أن نوفر للمتلقي المادة الخبرية الموثقة .
2 / الإبهار فعل إعلامي سرعان ما يتلاشى ! وكان بعض الشطار يتحذلق قائلا أن المتلقي لا يهمه أن كلبا عض رجلا ! وإنما يهمه أن رجلا عض كلبا !

3/ ليس من السهولة غسل الموقع الإعلامي العراقي من قذارة أربعين سنة ! ولنحترز من إلصاق مفردات الشتم والهتك والتشهير بالخصم كائنا من يكون ، فلغة الحوار والوثيقة والهدوء والثقة أدخل في أخلاقنا .

4/ ولنحترز أيضا من الصاق مفردات التفخيم والتبجيل والعظمة بمن يتخندقون معنا ويمتلكون سيماء الهيبة والقيادة ! إن تمجيد أي قائد مهما بلغ مقامه في نفوسنا مخالفة يحاسب عليها القانون ووسيلة صدامية مقبورة .

5/ الإعراض عن نظرية المؤامرة في التحليلات الخبرية ومحاولة التقصي العلمي للاسباب بروح منفتحة تعتمد على مقولة دعه يضحك فالمهم هو من يضحك في الأخير .

6 / التخفف قدر المستطاع من سلطة ( أنا محور النحن ) و( نحن محور الكون ) فعند الحديث إنس نفسك واكبح رغباتك واكظم غيظك ، وتذكرّ نظرية موت المؤلف وقائلها رولان بارت والمهم في الإعلام النص وليس المؤلف ، الحديث عن الظاهرة وليس عن صاحبها .
7/ اتباع مبدأ المائدة المستديرة : ثمة رئيس ومرؤوس وينبغي احترام الحدود ولكن قبل ذلك وبعده ثمة العراق ( فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) وعند الطرح والنقد والتقويم والمقترح يتساوى جميع الإعلاميين العاملين في أي اجتماع .
8 / الزمن عملة صعبة وهدرها تحت أي مسوغ فعل قبيح لا يجدر بالكادر الإعلامي العراقي المثابر ! وكان المقتول الجنرال سهيل نجم الأنباري مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون يجمع العاملين في الأسبوع مرة واحدة أو مرتين من الساعة الثامنة صباحا الى الساعة العاشرة ليلا ويكلف العاملين في الكافتريا بملازمة مواقعهم لتزويد المجتمعين بالطعام والمشروبات الغازية والسجاير وربما الأسبرين!! ولا يكل ولا يمل وقد يستبقي البعض للتداول معهم الى ساعات السحور !! ولا تسلني عما يدور في الاجتماع من هذر وثرثرة وكذب وادعاء وتجريح ومقالب وكان عبد الرزاق رشيد الناصري وهو شخصية ظريفة يلخص كل اجتماع بكلمة أوجملة ومرة سمى أحد هذه الاجتماعات ( نحباني للو ) !! فضلا عن ترك العاملين لأعمالهم ! ما يقال في ساعة يمكن أن يختزل الى نصف ساعة وما يقال في نصف ساعة يمكن أن يختزل في عشر دقايق والمتلقي لا يحب من يجلده حتى لو كان اعلاميا .
9 / واستنادا الى العلامة الثامنة نقترح إلغاء دفاتر التواقيع للمشتغلين في الإعلام ! وروح الوظيفة متلفة وليكن جدول يومي أو اسبوعي بتوزيع المهمات والحساب على المنجز الكمي والنوعي للإعلامي وليس عدد ساعات الدوام ! .
10 / تطوير الكادر من خلال الدورات والبعثات والمحفزات وحث الإعلامي على تطوير وسائله الإعلامية وتبادل الخبرات بين العاملين في الداخل وبينهم وبين نظرائهم في الخارج .
11 / احترام الإختصاص (قدر الإمكان ) وينبغي ترك ( التشبيخ بين الإختصاصات ) فخبرة التلفزيون وإن بدت مجاورة لخبرة الإذاعة بيد أنها مختلفة كثيرا فبعض البرامج التلفزيونية حقه الإذاعة والعكس يصح أحيانا ! وقد شوهد احد الشطار في حانة مقابلة لجريدة الثورة ومعه حزمات من الورق الأبيض وهو يشرب ويكتب وحين سكر قال للنادل : لعلك لا تعرف من أنا ؟ اذن خذ مثلا : كتبت في حانتك للصحف والمجلات والاذاعة والتلفزيزن والمسرح والنقد والدراما والأطفال !! وسوف أحصل بما كتبته في حانتك على ما سوف تحصل عليه في شهر !! .

12 / التعامل مع المتلقي على انه مخلوق ذكي ومشاكس أحيانا ولا يقبل الأشياء على علاتها وهو كذلك ملول ولا وقت لديه ليضيعه دون مقابل والى الجحيم مشروع غسيل الأدمغة من خلال التكرار والمكر والكذب وتكبير الصغير وتصغير الكبير وتشريف السفلة والتشهير بالناس .

13 / لست وحدك يا سيدي الإعلامي العراقى وليس المتلقي وحده !! تذكر الإعلام المنافس والمغري والأنترنيت والسلرفون والفديو فون ووووو إذن أعد حساباتك وراقب وسائل الآخرين فما راق لك منه فافد علمك به وما لم يرق لك فالفظه كما تلفظ النواة .
14 / الترفيه البريء والمتعة البريئة قضيتان مهمتان جدا جدا جدا !! من خلالهما تصنع شفافية البرامج والريبورتاجات وتقيم صداقة مع المتلقي فيشتاق إليك وتشتاق إليه وتوصل رسائلك الإعلامية الى المستهلكين وأنت مطمئن الى أدائك . 15 / كثيرة هي المقترحات واعلم أن مقالتي مع بعض المختصين الأفاضل تجعلني حامل تمر الى سوق هجر ! وليكن قبل مسك الختام التركيز على الطابع التعددي للإعلام العراقي والعراق بعد زوال كابوس الكذب عاد الى وهلته الأولى التي فطر عليها : تعددية دينية ومذهبية وقومية وفكرية وحزبية وجغرافية وحين تكتب عن أي طيف فلا تكتب وكأنك المتفضل والأب ! مهما كانت نواياك ! الحساسية تخلق بسرعة ولكنها لن تغيب بسرعة .

16 / زمن صدام وحاشيته إنتهى ولن يستطيع أحد استنساخه بهيئة أخرى والمطلوب هو أن لا نمنح السانحة لزمنه بأن يعيش بين ظهرانينا !! لا مسوغ لذكره أو شتمه أو تعداد جرائمه ! فهذا حلم كل طاغية هو أن يكون في الأذهان حتى بعد رحيله والمثل الآشوري القديم يقول : بدلا من أن تشتم الأعداء حصّن أسوار مدينتك .

البروفسور عبد الاله الصائغ صيف 2005

شاهد أيضاً

حمّى رفع الشعارات: السياسي والأصولي والمثقف وصاحب المال

أطنب القدامى في الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة في مختلف العصور وكشفوا النقاب عن الإكراهات …