يتخيلون انهم من الزعماء الحقيقيين وانهم يدركون كل شيئ !! يتصّورون انفسهم انهم يملكون الحقيقة وغيرهم لا يعرف شيئا ! يعتبرون انفسهم فعلا رؤساء دول وقادة احزاب ورموز ثقافة .. بل ويعتقدون بأن لهم ” دولا ” لها مؤسسات حقيقية !! او ان لهم احزابا سياسية لا تتلاعب بها الاهواء ؟؟ يؤمنون حقا بأن عندهم ” ديمقراطية حقيقية ” وان الشعب قد اختارهم .. وهم لا يدركون بأن اشكالهم وهيئتهم لا تنبؤ بأي حال من الاحوال عن كونهم شخصيات رسمية في دولة معتبرة .. بل تعلمنا صورهم وحركاتهم كأنهم باعة خردة في ورشات متسخّة !! ويبدو ان الاقدار المفجعة قد اتت ببعض من المراهقين السياسيين كي يكونوا قادة كيانات او زعماء دول مضحكة واحزاب عصابية وغريبة جدا على هذا العصر .. ! ويبدو ان من النادر في منطقتنا وعالمنا ان يصل زعماء لهم سحرهم وحكمتهم ولهم ريادتهم ولهم معرفتهم بقدر انفسهم الى السدة العليا لبداننا العربية والاسلامية .
زعماء صنعتهم فرص القدر السيئة
ان من السهولة وصول شخص معين الى سدة الحكم ، ولكن من الصعوبة ان يتعامل كما يتعامل العقلاء والحكماء والقادة .. والفرق كبير في المجتمع بين اولئك الذين يعلمون وبين الذين لا يعلمون ، ولكن كيف الامر ؟ ان اسوأ انواع الحاكمين هم اولئك الذين يعدون انفسهم كالالهة او كالمبعوثين في دينهم وكأن السماء قد اختارتهم للزعامة .. ثم اولئك الذين لم يصدّقوا ابدا انهم زعماء قط في دنياهم التافهة او الساخرة التي رفعتهم الى مصاف الزعماء فاصبح زعيما مراهقا وغدا ندا للزعماء العقلاء .. وهو بعيد كل البعد عن الحلم والمقدرة والفهم والحكمة والكياسة والفراسة وعن بعد النظر وتقدير الامور ورؤية المستقبل !
وسواء كان الزعيم ينبعث عن عوامل دين او تخلقه ظروف دنيا ، فكلّ منهما يضر بمصالح عليا ليس لدولهم واحزابهم حسب ، بل لكل المنطقة والعالم . وعليه ، هل تصدق المقولة : ” كيفما تكونوا يوّلى عليكم ” !؟؟ ان الامر مختلف بين اليوم وبين ما كان عليه العالم قبل عشرات او مئات السنين .. وسواء صفّق الناس لانقلابات عسكرية ، او قدّسوا جماعة سمّت نفسها بضباط احرار خانوا الامانة ، او خرجت الناس تؤلّه طغاتها ، وسواء استخدم الناس صندوق الانتخابات الذي يتشدقون بمشروعيته وهو مزيّف الاخر كونه اعتمد على من تلاعبت بعقولهم العواطف الشخصية او النزوعات الدينية او البلادة الطائفية او المصالح المالية وشراء الضمائر .. ان الشعوب اذا ما تبلّدت عقولها وتغّيب وعيها وماتت وطنيتها ، فاننا سنرى زعماء مضحكين فيها لا يودون ببلادهم الا الى الخراب والنكبات والتهلكة والظلام ، وستجدهم وقد اصبحوا يمارسون الدكتاتورية والشمولية او تضادها من انفلات وضياع ، فيصنعون الكوارث والويلات .
ان تجارب عدة قد مرت على بلداننا العربية والمجاورة وشهدنا انواعا عدة من الزعماء في القرن العشرين ، فمنهم من امتلك شرعية تاريخية من خلال مواريث ملكية او اميرية او مشيخية ، ومنهم من افرزته مؤسسة امنية او ثكنة عسكرية لكي يبقى زعيما ابديا ، ومنهم من جاء من خلال حزب فرض نفسه على الحياة وفرض نفسه زعيما او دكتاتورا وجلادا .. ومنهم من امتلك شرعية سياسية من خلال صندوق انتخابات ولكن مورست على هذا الصندوق سلطات متعددة يدركها الجميع في المجتمع .. ان ما يهمنا حقا الوعي بمفهوم الزعامة ومن يحق له ان يكون زعيما حقيقيا بامتلاكه مشروعية من نوع ما .
مراهقون سياسيون
وبطبيعة الحال فان مثل هؤلاء يقترفون ذنوبا ويرتكبون اخطاء ويتصدرون مواقف سلبية تودي الى المهالك .. فالعالم كله لا يعرف الناس والشعوب الا من خلال زعمائهم فهم الذين ينبغي ان يمثلوا شعوبهم ومجتمعاتهم اصدق تمثيل . ان المراهقين السياسيين ان استحوذوا على سدة الحكم فتلك مصيبة والمصيبة اعظم ان تحّول هؤلاء الى طغاة وآلهة لا يستطيع الشعب محاسبتهم ابدا .. ولنا ان نتخيّل ان لم تكن هناك ارادة دولية لتغيير المنطقة ، فهل سيحدث كل ما نراه من احداث ؟؟ ابدا ، والمشكلة في مثل هؤلاء الحكام ان العالم كله يراهم في حالة وهم ينظرون الى انفسهم والعالم في حالة اخرى .. انهم لا يعترفون باخطائهم ابدا ، ولم يتعلموا من تجارب غيرهم ابدا ، وهم مجلبة للمهالك والمصائب القاتلة ..
ان تجربة صدام حسين مثالا حيا وجديدا في تاريخنا المعاصر .. افلا يتعظ زعماء دول واحزاب منها ؟ لماذا كل هذا التنطع والهيجان والعزّة بالاثم واذكاء روح التمرد في زمن تحتاج فيه المنطقة الى علاجات والى هدوء حتى تمر العاصفة من دون اي تدخلات دولية .. متى يتم استنباط الوسائل التي تعيد بعض الزعماء والحكام الى رشدهم والى الصراط المستقيم ؟ اي تعيدهم الى شعوبهم وتعيد لهم قوتهم وثقتهم بانفسهم بعد ان تكشّفت حقائقهم وتعّرت اوضاعهم وانفضحت مؤامراتهم وجرائمهم ؟؟ متى يتخلصّون من عقدة ” الانا ” ؟ متى يتمكن بعضهم الاخر من عقلنة انفسهم قبل ان يطالبوا بقهر شعوبهم ؟ متى يتوقفوا عن التدخّل في شؤون جيرانهم ؟ متى يعلموا بأن القضية المركزية لم تعد قميص عثمان يلبسونه متى شاؤوا وينزعونه متى ارادوا ؟ متى يكونوا بشرا سويا يساعدون شعوبهم ويبعدون عنهم الكوارث والمآسي ؟؟ متى يكونون اداة حقيقية للاخاء والاستقرار بعيدا الارهاب واثارة القلاقل مترجمين تناقضاتهم في هذه المرحلة المصيرية على اراضي غيرهم ؟ متى يؤمنون بأن طريق المستقبل سوف لن يكون لهم وهم يكرسون الهمجية وخلط الاوراق ؟ متى يتخلصون من ازدواجيتهم اذ لابد ان يكونوا في خط واحد لا ان يلعبوا على الحبال ؟
وأخيرا : ماذا اقول ؟
واخيرا ، اقول بأن الزعماء المراهقين السياسيين يعلمون علم اليقين بحجومهم ، وهم يدركون مستوياتهم الضحلة وهم يعرفون انهم في مواقعهم جناية على بلدانهم ، وعندما تحدث الكوارث بسببهم لا يعرفون ماذا يفعلون ! ومن الانفع لهم اّلا يبقوا في السلطة ساعة واحدة ، اذ ينبغي احترام ارادة شعوبهم فيغادروا مواقعهم لمن يكون مؤهلا للزعامة .. وعليهم ان يؤمنوا بالديمقراطية الحقيقية لا باسمها المزّيف كي ينتخب الشعب زعيمه ضمن آلية دساتير مدنية فقط .. انه نداء صريح من اجل ان يكونوا اصحاب كلمة حق وان يتوقفوا عن اجندتهم الدموية وهم يفرشون الطريق الى الكوارث المدمرة والى المزيد من النكبات المؤلمة . فهل سيتحقق حلم العقلاء بوصول زعماء عقلاء الى السلطة العليا ؟؟ هذا ما سيكشفه المستقبل عاجلا ام آجلا .
الصباح البغدادية 14 يناير 2006
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …