عندما انتقدت هذا «المشروع» قبل عام في مقال بعنوان (البرلمان العربي أضحوكة جديدة: خطاب مفتوح أمام العرب) 28 يناير 2005، وبعده بمقالات أخرى، طالبت عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية الإجابة عن تساؤلات ليست مبهمة صعبة.
بل هي في صلب ما يتطلبه التفكير والواقع العربيان، لكنه بدل أن يجيبني بكل شفافية وتواضع، راح مستشاره الأخ طلعت حامد ينشر رداً غير لائق على مقالتي مبتعداً عن تساؤلاتي المشروعة ومضمّنا إنشاء وتسطيحاً للأمور وإشباعاً للعواطف وترضية لمقام الأمين العام.. وسكتت الأمانة العامة من دون ان تعّلق على الرد الذي كتبته..
وبدل ان تحترم كل ما يطرحه المفكرون والمحللون العرب سلباً وإيجاباً، وهم يعبّرون عن إرادة مجتمعات عربية تعيش أسوأ أيامها وتمّر بمخاض عسير في تاريخها، تذهب لتطبق مشروعات رسمية من دون ان تقنع الرأي العام العربي بما تفعله، وكأننا نعيش في عصر الظلمات!
لقد مرّت هذه «المنظمة» بمراحل عدة لم تعش أسوأ مما تعيشه اليوم بسبب خلطها بين المسائل الفنية وبين الرؤية السياسية، بل وخلطها الأوراق متقصّدة ترويج بضاعات الماضي العقيم ومتبعة أسلوب الشعارات المؤدلجة والعواطف كي تسكت الحاجات الملحّة لمن يسعى نحو الإصلاح الحقيقي.
وكم صدر من مقترحات عملية على الساحة العربية منذ سنتين سواء في اجتماعات الإسكندرية أو غيرها.. ولكن الجامعة لم تزل تعيش هوس الماضي.. بل وإنها لم تسع لتلبية ما تحتاجه المصالح العليا، فما يصدر عنها من مواقف يعّبر بالضد إزاء طرف ضد طرف آخر.
لقد سمعنا مؤخرا عن انبثاق البرلمان العربي وأسمي بـ «الانتقالي»، وعالمنا العربي يعيش مخاضا صعبا من الأحداث والتغّيرات. ان العقلاء العرب يدركون، بل ويعتقدون ان أي مؤسسة تنبثق عن هذه الجامعة لا تزيد حياتنا إلا تعقيداً وإرباكاً وبعثرة للثروة بدل كل ما قيل من أحلام وشعارات واستعراض عضلات..
هذه المؤسسة ما هي إلا مجرد معضلة تضاف إلى مشكلاتنا التي لا تعد ولا تحصى.. ومن يؤيد هكذا مشروع فهو واهم على اشد الوهم لأن هكذا شعارات لم تصلح العرب منذ ستين سنة، فكيف بها تصلحهم اليوم، وهم في عصر متغيرات جديدة صعبة ؟
لقد دشن عمرو موسى يوم 27- 12- 2005 أعمال هذا البرلمان الانتقالي معتبراً إياه مؤسسة جديدة أضيفت إلى منظومة العمل العربي المشترك مستطردا بأن: «التطور الديمقراطي في العالم العربي ينطلق». وتتضمن اختصاصات البرلمان:
«البحث في سبل تعزيز العلاقات العربية العربية في إطار ميثاق الجامعة العربية وأنظمتها والمواثيق والاتفاقيات العربية السارية، وايلاء الاهتمام للتحديات التي تواجه الوطن العربي وعملية التنمية فيه.
وخاصة في المجالات الاقتصادية والبشرية والتكامل الاقتصادي، وكذا إقامة علاقات تعاون مع الاتحادات البرلمانية والبرلمانات الدولية والإقليمية والوطنية، بما يخدم مصالح الأمة العربية والأمن والسلم والاستقرار في المنطقة».
وهنا نسأل الأخ عمرو موسى: أليست هذه شعارات سمعناها منذ ستين سنة؟ أي تطور ديمقراطي هذا الذي ينطلق من مؤسسة مشلولة؟ أي تطور ديمقراطي نبّشر به العرب من خلالها؟ أي دور تجميلي محض سيلعبه هذا البرلمان؟ أي تسمية هذه نضحك بها على الناس الذين ينتظرون الإصلاح الحقيقي؟
أي برلمان يؤسس بلا سلطة تشريعية؟ أي برلمان هذا الذي يشترك فيه 4 أعضاء من كل دولة؟ من الذي يرشحهم؟ ما دورهم؟ ما تأثيرهم؟ ما فعلهم؟ ما تخصصاتهم؟ ما الذي سيفعلونه؟ لماذا كل هذا الاستهزاء بالإرادة العربية ؟ أي وسيلة هذه ولأي غاية؟
أي نخبة نيابية أو فئة نقابية أو حركة شعبية يمثلها هذا الوليد الكسيح؟ أي مقصد سام له وأي توسيع للمشاركة الشعبية في مناقشة المشكلات وبلورة السياسات في هذا العصر؟ ما نفع هكذا برلمان إزاء برامج عمل عربية مشتركة بعينها؟ وإذا ولد كسيحا ها هنا، فكيف به يكون عملاقا في هذا العالم الصعب؟
ما هذا الإصرار؟ وما هذه الأوهام التي تأبى الجامعة العربية إلا أن تبقى في بؤرتها؟ أي ذراع تشريعي تضيفه جامعة الدول العربية إلى ذراعها التنفيذي؟ هل لديك يا أخ عمرو دولة ومؤسسات أم لديك منظمة إقليمية؟ أي سلطة تنفيذية تتمتع بها حتى تضيف إليك سلطة تشريعية؟ ولمن تشّرع؟ وبأي دستور؟
وبأي قاعدة؟ وبأي قانون؟ وإذا كنت تؤسس برلمانا انتقاليا على أمل تأسيس برلمان دائم.. فبأي صلاحيات يمكن ان يستمدها البرلمان وأنت لست صاحب سلطة، فأنت أمين عام لمنظمة حدد الميثاق صلاحياتك. فإذا انبثق البرلمان عن الجامعة، فمن هو الأكبر البرلمان أم المنظمة؟
من قال لك ان آمال وتطلعات الشعوب العربية لا تحتمل التأجيل والإرجاء وكأن العرب كلهم لم ينتظروا إلا البرلمان العربي؟ لقد مضى زمن الهوس والشعارات والتهويل لجيل لم يعد يسمعه أحد! ! إننا في زمن ثورة إعلامية ومعلوماتية واقتصادية وبرامجية.. وهل مجرد مشاركة لنواب برلمانيين معينين سيحسمون قضايا الأمة؟
هل سيقوم كل شعب عربي بانتخاب أربعة يمثلونه في قضايا الأمة وهو لم ينجح إلى حد اليوم في من يمثلّه في برلمان بلده؟ وهل يلبي كل ذلك تطلعات شعوبنا نحو مزيد من الديمقراطية؟ أي ديمقراطيات هذه التي يتحدث عنها العرب؟ وسواء كانت دمشق أم غيرها مركزا لهذا البرلمان..
فما الذي يفعله الأعضاء الـ 88 عندما يجتمعون في السنة مرتين والأحداث العربية تتضخم بكل أثقالها يوما بعد آخر؟ أتساءل وليفكر معي كل أذكياء الأمة: ما فائدة هكذا مؤسسة كسيحة سيصرف عليها الملايين إزاء برنامج تلفزيوني إعلامي واحد ناجح يستقطب الملايين وهم في بيوتهم عن فضائية تنشدّ إليها الناس؟
وأخيرا أقول: أي نظام أساسي هذا الذي اعد للبرلمان الانتقالي؟ أي سبعة اختصاصات هذه التي من أبرزها: «مناقشة الموضوعات المتعلقة بتعزيز العمل العربي المشترك وإصدار آراء وتوصيات بشأنها وايلاء الاهتمام إلى التحديات وعملية التنمية في العالم العربي». كما تتضمن اختصاصاته «مناقشة مشاريع الاتفاقيات الجماعية العربية»؟
وإذا كان الأخ عمرو موسى قد وصفه بسلطة تشريعية فما معنى ما نصّ على: «لا يحق له إلا إصدار توصيات وليست له أي صلاحيات تشريعية وهو أمر يتفق مع طبيعة التطور الديمقراطي في الدول الأعضاء التي لا تمتلك جميعها برلمانات تقوم بدور تشريعي»؟؟. إلى متى يحرق العرب زمنهم؟ متى تصبح أقوالهم أفعالاً؟ وهل سيكتب النجاح لهكذا تجربة عبثية؟ دعونا ننتظر ونر.
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …