ثالثا : الاحرار العرب : مستنيرون لا خونة !
1/ اخطاء تاريخية وتحريف للتاريخ
ويستكمل منذر سليمان النص قائلا : ” مركزة السلطة مبعثها تصورهم لدواعي الامن القومي وليس طورانية معادية للعرب ، علما بأن د. سيار يعترف بنظرة الاحترام للعرب من قبل الاتراك كنظراء لهم داخل الدولة . وتجدر الاشارة هنا الى ان العديد من العرب تبوأوا مراكز هامة في السلطة ، منهم ” صدور عظمى ” بمن فيهم آخرهم ، وربما أسوأهم ، ابو الهدى الصيادي ” ( ص 373 ) .
قلت ان العرب كانت لهم في المنظور العثماني مكانة خاصة لاسباب تتعلق بالاسلام ومكانة الرسول وآل البيت والحج .. وخصوصا في عهد عبد الحميد الثاني الذي اعتمد عددا من المشائخ العرب المتصوفة .. ولكن هذا المنظور لم يعد له وجود بعد الانقلاب العثماني عام 1908 .. لم اقل ان العرب كانوا نظراء للاتراك في الدولة .. فما هذا التزييف والتشويه ؟ ولما اراد صاحبنا ان يكحلها فقد اعماها بقوله ان العديد من العرب تبوأوا مراكز هامة في السلطة ، منهم صدور عظمي بمن فيهم آخرهم وربما اسوأهم ابو الهدى الصيادي ! ( كذا ) هذا كله لا اساس له من الصحة ابدا ، وهو تحريف للتاريخ ، فمن هم العديد من العرب الذين تبوأوا مراكز هامة في السلطة ؟ واتحداك يا منذر سليمان ان تأتي باسم عربي واحد وصل الى منصب الصدر الاعظم او الوزير الاعظم ، وجمعها ( صدور عظام ) وليس صدور عظمى ! ومتى كان ابو الهدى الصيادي صدرا اعظم ؟ فاعلم ان هذا الاخير كان شيخ مشايخ الدولة العثمانية عندما وثق به السلطان عبد الحميد الثاني كونه صاحب طريقة صوفية ووقف ضد الفكر الاصلاحي الذي حمله السيد جمال الدين الافغاني . دعونا نتوقف قليلا عند شخصية ابي الهدى الصيادي
هو محمد بن حسن وادي بن علي بن خزام الصيادي الرفاعي الحسيني، وكني بأبي الهدى. ولد عام 1849م ( 1328هـ ) وتوفي عام 1909 م ( 1266 هـ ) . كان عالما شهيرا ، ولد في خان شيخون (من أعمال المعرة) وتعلم بمدينة حلب وولى نقابة الأشراف فيها، ثم انتقل الى العاصمة الآستانة ، فسكنها ، واتصل بالسلطان عبد الحميد الثاني العثماني، فقلده مشيخة المشايخ، وحظى عنده متصوفا وشيخ طريقة ، فكان من كبار ثقاته، واستمر في خدمته زهاء ثلاثين سنة ، وكان داعية ذكيا لسياسة عبد الحميد ولما خلع عبد الحميد، نفي أبو الهدى إلى جزيرة الأمراء في (رينكيبو) فمات فيها.
كان له إلمام بالعلوم الإسلامية ، وصاحب مجلس وعلاقات واسعة ، ومعرفة بالأدب، وظرف وتصوف، وصنف كتباً كثيرة ، ولكن يشكك في نسبتها إليه، فلعله كان يقول شيئا ، او يملي جانباً منه فيكتبه له أحد العلماء ممن كانوا لا يفارقون مجلسه، وكانت له الكلمة العليا عند عبد الحميد في نصب القضاة والمفتين. وله شعر ربما كان بعضه أو كثير منه لغيره، جمع في (ديوانين) مطبوعين، ولشعراء عصره أماديح كثيرة فيه، وهجاه بعضهم.. وتوثقت علاقته الادبية ومساجلاته الشعرية مع الشاعر عبد الله راقم افندي من الموصل ( ت 1892 ) .. ومن مؤلفاته : (ضوء الشمس في قوله صلى اللّه عليه وسلم بني الإسلام على خمس ) ، و(فرحة الأحباب في أخبار الأربعة الأقطاب )، و(الجوهر الشفاف في طبقات السادة الأشراف )، و(تنوير الأبصار في طبقات السادة الرفاعية الأخيار )، و(السهم الصائب لكبد من آذى أبا طالب )، و(ذخيرة المعاد في ذكر السادة بني الصياد )، و(الفجر المنير ) من كلام الرفاعي ( اعتمادا على مقدمة ديوان الشاعر عبد الله راقم افندي النجيفي الخوالدي الموصلي ) .
وعليه ، فان ابا الهدى الصيادي لم يصل الى مرتبة الصدر الاعظم في الدولة العثمانية ، كما ادعى منذر سليمان ! بل يبدو انه لم يدرك ابسط المعلومات التاريخية التي حكمت طبيعة تلك المرحلة الزمنية .
3
الجمعية الجغرافية – فرنسا
يكمل صاحبنا منذر سليمان انتقاداته غير المسؤولة التي لا تمت الى المعرفة التاريخية بصلة .. وهو يندفع ليقول : ” يعيب د. سيار الجميل على الاتراك انهم الزموا ضباطا وجنودا عربا في الجيش العثماني المشاركة في حروب البلقان والقفقاس فيما اراضيهم يهاجمها الانكليز ؟! ولكنه يغفل عن حقيقة أن الوحدات العسكرية لم تكن مقسمة على قاعدة العرق بل مختلطة ، لذلك حارب الاتراك على بطاح فلسطين والكوفة وشمال افريقيا العربي . أما الخدمة الالزامية فهي على الجميع وكذلك الضرائب ، وعندما تكون دولة في حرب لابد أن تحشد ضد أعدائها . وربما يصح القول هنا ان قرار الاشتراك في الحرب العالمية الاولى الى جانب المانيا كان خطأ كبيرا ، والافضل كان اعلان حياد الدولة العثمانية والانسحاب الكامل من البلقان قبل عام 1912 ” ( ص 373-374) .
لن اجد عربيا واحدا طوال القرن العشرين يدافع عن مشاركة العثمانيين في الحرب العالمية الاولى ، تلك المشاركة التي كانت بمثابة مأساة تاريخية مزقت الدولة شر ممزق ، وافنت ممتلكاتها بيد المنتصرين الجدد وقت ذاك ، وجعلت الممتلكات تلك تقع في قبضة المستعمرين ، وخصوصا الانكليز والفرنسيين .. ان الذاكرة العربية وخصوصا السورية والعراقية تحترز على خزين من الاحزان والبشاعات التي مثلتها حرب ( سفر برلك ) . انا لم اطالب ان تقسم الوحدات العسكرية على اساس عرقي ، ولكن يبدو ان صاحبنا لم يقرأ شيئا من مذكرات اولئك الضباط الاوائل الذين شاركوا في الحرب العالمية الاولى وخصوصا من العراقيين .. وما كتبوه من خصوصيات واسرار يشترك فيه الجميع .. كنت أتمنى عليه ان يقرأ تاريخ تشكيلات الجيش العثماني واساليب توزيع الجند بعد تأسيس القوانين الجديدة ، وانهيار البنية العسكرية القديمة ونشوء الجيش الجديد وتوزيع الفرق العسكرية ، ومكان كل فرقة ولواء من الولايات العثمانية والويتها المحلية .. حتى يدرك كيف يجادل في مثل هذه القضية .. وكم هو مطلوب من اي محاور قراءة مذكرات ومحاضرات واوراق الضباط العسكريين والرجال المدنيين الذين شاركوا في احداث الحرب العالمية الاولى وعملياتها قبل ان يدخل المرء انفه في ما لا يعنيه الامر .. واقصد على سبيل المثال لا الحصر : مذكرات كل من جعفر العسكري ونوري السعيد وعلي جودت الايوبي ومحمد امين العمري وطه الهاشمي ورؤوف البحراني ومولود مخلص وناجي شوكت وغيرهم .
عبد الحميد الزهراوي
ويبقى منذر سليمان مستطردا يقول : ” يشير د. الجميل بانبهار الى نخبة عراقية تحالفت مع نظيرتها التركية في الخمسينيات ، ويبدو انه لا يخفي هذا الانبهار في كتابات اخرى بمجموعة من الاسر الملكية العربية واقرانها في النصف الاول من القرن العشرين ، زاعما انها كانت عصرا ذهبيا لليبرالية حكيمة لرجال دولة من طراز نادر ، بينما الواقع يعكس نخبا حاكمة او متطلعة الى الحكم كانت رهينة ومتواطئة مع الاجنبي المستعمر ” ( ص 374) .
هنا تتضح الصورة اكثر ، ويكشف الاخ المتدخل عن نواياه وكتابة مثل هذا التعليق الذي يتهمني فيه انني منبهر بالنصف الاول من القرن العشرين والحكومات العربية وقتذاك .. وانني لا اخفي ذلك ابدا ، اذ جهرت به جهارا نهارا ، ليس بالاسر الملكية العربية فقط ، بل بنظم وحكومات عربية ورجال ونخب واحزاب سواء كان ذلك في العراق ام مصر ام سوريا ولبنان ام في تونس والمغرب والجزائر وليبيا والاردن وغيرها .. انني لا انكر ابدا ان ذلك هو نتائج او حصيلة تكونّت عندي بعد مقارنة الازمان والعهود والرجال مع وجود هوامش لا بأس بها من الحريات ومع خدمات رجال مدنيين وعسكريين لكنهم كانوا على درجة من الاستنارة والتمدن .. اما التهمة الجاهزة كونها متواطئة مع الاجنبي المستعمر ، فلا ادري اي نظام سياسي عربي على امتداد القرن العشرين وحتى اليوم لم يتواطئ مع الاجنبي المستعمر ؟ وحتى تركيا وايران منذ نشوئهما وانبثاق نظاميهما الملكي والجمهورية منذ اتاتورك ورضا بهلوي ووصولا الى عهدي اردوغان وخامنئي .. الم تكن هناك تواطئات مع هذا الطرف او ذاك في العالم ؟ ولكن الم تسع الحكومات العربية القديمة بمختلف عناصرها الوطنية والقومية ان تحقق الاستقلالات الوطنية ؟ ولا ادري هل كانت الحكومتين اليابانية والالمانية قد تواطئتا مع المستعمر الاجنبي عندما وصلتا الى اكبر قوتين اقتصاديتين في العالم ؟ ودوما اقول قارنوا يا ناس بين ما كانت عليه الاوضاع في النصف الاول من القرن العشرين وما حققه الانسان العربي من ابداعات واتصالات وما جناه النصف الثاني من القرن العشرين علينا ! انني لا اخجل عندما اسجل ما اعتقده من اقتناع بتاريخ وليس انبهارا بحالة معينة او طائفة معينة او نظام سياسي معين .. وحتى ان كنت منبهرا بزمن من التاريخ المعاصر ، فلن اكون كغيري مرتزقا على باب نظام سياسي او طائفي ! اما بشأن النخبة العراقية التي تحالفت مع تركيا في الخمسينيات ، فان التهمة انني منبهر بها من دون ان يدري هذا الاخ المعترض ان العلاقات العراقية التركية بقيت منذ عهد الملك فيصل الاول طبيعية ، وقد ازدهرت مع الزمن حتى الخمسينيات .. وبقيت هكذا حتى على العهود الجمهورية المتتالية .. فما وجه الغرابة اذن ؟ ولماذا لا ؟ وانت ابعد الناس عن فهم العراق وطبيعة وجوده وجغرافيته وعلاقاته وارتباطاته .. ان مصالح العراق الاقليمية هي بنفس حجم مصالحه القومية ، بل تتفوق الاولى في بعض الاحيان على الثانية من الناحية الاقتصادية والمياه المتشاطئة والاسواق والسياحة .. فما وجه الاتهام ؟ كم كنت اتمنى ان تبقى تحالفات الماضي سارية المفعول في الاقليم .. لنجح العرب كثيرا في تجنّب مشكلات كبيرة ، وحروب بليدة ، وازمات متنوعة .. ولتجنب كل من العرب والاتراك والايرانيين سلاسل من المشكلات والانقلابات والتمردات الداخلية .. ولنجحوا في حل معضلات تاريخية وقومية وجغرافية مشتركة .
5/ خيانة النخبة الشامية !
ويبقى منذر سليمان يمعن في تقولاته واتهاماته غير العلمية ولا المسؤولة ، ليكتب قائلا : ” يتجاوز الكاتب حقيقة ان حسين بن علي وبنيه ناوروا في عامي 1915 و 1916 خشية افتضاح أمرهم مع مكماهون ، وبأنهم كانوا من السذاجة أو القابلية للخيانة ليعتقدوا ان الحكم يمر عن طريق لندن . اما النخبة الشامية فكانت تعجّ بالخونة ، ومعظم من اعدم من قبل جمال باشا ، قبض عليه بأدلة قاطعة لعمالته مع الفرنسي ، وهذا ما يفسّر رعاية فرنسا للمؤتمر العربي الاول في باريس عام 1913 ، ولابد من الاشارة الى ان بعضهم توّرط دون تبّصر أو معرفة بكل الابعاد” ( ص 374) .
ولكي نجيب على هذه التقولات الساخطة على الذاكرة الجماعية العربية ، لابد لي ان اقول بأن الامة العربية قد ابتليت ببعض ابناء طابور خامس فيها هو عدو لها ينخر حصوننا من دواخلها .. وان هذا النفر يخلق كل الاتهامات الجاهزة ، ويستعدي كل العالم على ابناء مجتمعه من اجل خلق الفرقة والانقسامات لتمرير اغراضه البائسة التي يجد من يدفعه الى ممارسة مثل هذا الدور الخطير .. انني لا اتجاوز حقيقة تاريخ الشريف الحسين بن علي ودوره التاريخي مع اولاده ليس في هذين العامين حسب ، بل على امتداد ما ولد من تكوينات تاريخية .. ولماذا خشية افتضاح امرهم كما تدعّي وكأنهم فعلوا ذلك سرا ؟ انهم تعاملوا مع الانكليز علنا وعلى رؤوس الاشهاد ، وكانت مراسلات الحسين مكماهون معلنة على الملأ .. لم يكونوا ساذجين ابدا ، اما ان تصفهم بأن لهم قابلية للخيانة كونهم اعتقدوا ان الحكم يمر عن طريق لندن ، فلا ادري من من الحكام العرب او غير العرب سواء في ايران او غيرها لم يعتقد ان الحكم يمر من دون عاصمة غربية ؟ من لم يتعامل مع الغرب ؟ من لم يتعامل حتى مع اسرائيل ؟ يكفي ان تعرف النهاية المأساوية التي اختتم بها الشريف حسين بن علي حياته منفيا في قبرص من قبل الانكليز .. ويكفيه فخرا انه عاش ومات عنيدا من اجل مبادئه التي ناضل من اجلها ..
اما تقولاتك واتهاماتك للنخبة الشامية ( وقد جمعت الكل في تهمة واحدة : السوريون واللبنانيون وبعض الشهداء الفلسطينيين الابرار ومن كان معهم من العراقيين ) الا اذا كنت لا تعرف من يكون اعضاؤها ! فأنني اطالبك امام العالم كله ان تثبت لنا بالوثائق وكل الحيثيات قولك متهما بأن معظم تلك النخبة الشامية كانت تعجّ بالخونة ، ومعظم من اعدم من قبل جمال باشا ، قبض عليه بأدلة قاطعة لعمالته مع الفرنسي ! انني افهم سر عداءك لهم ، وسر اطلاق مثل هذه الاتهامات الرخيصة عنهم .. كونهم كانوا من انبل المثقفين الاصلاء والوطنيين ورجال الدين العرب الذين دفعوا حياتهم ثمنا للتحرر من نير الاستبداد والتتريك .. وانهم أبوا الا ان يحققوا استقلالهم الوطني بعيدا عن الطائفية المقيتة والانقسامية الفظيعة ..
6/ مأساة النخبة العربية
عاشت مجتمعاتنا في كل من بلاد الشام والعراق مأساة تاريخية حقيقية على عهد حكم الاتحاديين ومنذ العام 1909 بعد ان ازيح ثقل الحكم الحميدي الذي عانت المجتمعات منه الاستبداد والطغيان كما وصف .. وكانت النخب العربية اول من طالتها المأساة .. ولعل اشرس حكم تعرضت مجتمعاتنا العربية له هو ذاك الذي قبض بانفاسه على الحياة ممثلا بشراسة القائد التركي الشهير بالسفاح الكبير جمال الذي عاش بين 1873- 1922 ، وكان احد قادة الجيش العثماني ، وقد عين حاكماً على سوريا وبلاد الشام عام 1915 وفرض سيطرته المطلقة على بلاد الشام كلها وسيدا على كل اعيانها وشيوخها . كان جمال باشا احد زعماء جمعية الاتحاد والترقي ، له تاريخ صعب في قتال البلغار بمقدونيا واشترك في الانقلاب العثماني على السلطان عبد الحميد الثاني . وشغل منصب وزير الأشغال العامة عام 1913 ثم قائدًا للبحرية العثمانية عام 1914.
وصل دمشق بعد نشوب الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918، بعد تنصيبه واليا على سورية وبعد ندبه الإتحاديون ، قائدا للجيش الرابع لإعداد حملة عسكرية لاحتلال قناة السويس. وكانت منطقة نفوذه تمتد من أقاصي حدود أضنة إلى المدينة المنورة. وكانت أخص أعماله أن يشغل الإنكليز في حدود مصر ليضطروا إلى وضع قوة كبيرة من جيشهم في ترعة السويس، ليخففوا بذلك عن الدولة في جناق قلعة، وعن الألمان في الجبهة الغربية، في حين بقي يراقب تقدم البريطانيين وهم يحتلون العراق على امتداد سنوات الحرب العالمية الاولى ( راجع التفصيلات في :
Cleveland, William: A History of the Modern Middle East. Boulder: Westview Press, 2004. “World War I and the End of the Ottoman Order”, 146-167. See also, Fromkin, David, A Peace to End All Peace, Avon Books, 1989, p 214).
جمال باشا السفاح
قبض جمال باشا على زمام السلطة في سورية، بيد من حديد مستخدما كل وسائل البطش والارهاب والقتل والتشريد لكل الناشطين العرب .. ويبدو لي ان سياسته كانت جزءا من مخطط واسع الابعاد محققا اهدافه التي اضرت بالدولة العثمانية ضررا كبيرا ، ومنها :
1) تأمين الجبهة السورية لاختراق البريطانيين العراق والسيطرة عليه من دون ان يفعل شيئا لانقاذ تقهقر العثمانيين امام البريطانيين في العراق .
2) تأخره في إعداد الحملة العثمانية ضد البريطانيين في قناة السويس ، وبعد أن وجد الخصم فرصة للاستعداد للدفاع، حتى إذا سارت الحملة في 4 شباط / فبراير 1915 فشلت وهزمت وعادت بقاياها منهوكة ممزقة شر ممزق .
3) خلق حكمه واساليب سياسته العنيفة ردود فعل عربية في الضد من العثمانيين والسياسة التركية الجديدة التي اتبعها الاتحاديون ، مما هيأ الاجواء والاسباب لاندلاع الثورة العربية الكبرى عام 1916 .
4) دخلت منطقتنا العربية منذ ذلك التاريخ دائرة الصراعات بين بريطانيا وفرنسا ، وخصوصا بعد ان زجت الدولة العثمانية نفسها في اتون الحرب العالمية الاولى .. ان العرب لم يكونوا بمسؤولين عن ذلك ابدا ، ولكنهم وجدوا انفسهم في مركب يتنازع عليه الاخرون .
5) كانت سياسة جمال باشا مؤسسة على فلسفة تتريك العناصر العربية، وقد نسب إليه أنه كان يعمل من اجل الاستقلال عن الدولة العثمانية في البلاد العربية لينصب نفسه إمبراطورا عليها، وأجرى مخابرات سرية بذلك مع الروس، ولكن هذه المزاعم لم تثبت أبدا.
شهداء 1916
لقد حمل جمال باشا معه الى دمشق أضابير التهم واوراق التحقيقات وتقارير الجواسيس، فشرع بالتحقيق مع ابناء النخب الاحرار من الذين كانت الدولة قد رصدت نشاطاتهم وفعالياتهم وكتاباتهم واجتماعاتهم وخطاباتهم .. وعدوا جميعا زمرا من المتهمين المدانين .. وقد أسس جمال باشا ديوانا عرفيا في قصبة عالية اللبنانية ، فحكم في أوائل آب / اغسطس 1331 على 11 رجلا نفذ فيهم القتل شنقا في ساحة البرج في بيروت، وقبض على غيرهم بتهمة العمل للانسلاخ عن السلطنة العثمانية ولادخال الفرنسيين والإنكليز إلى الشام وأفراد هذه القافلة الثانية 21 رجلا شنقوا في بيروت ودمشق في يوم واحد 4 رجب 1334هـ شنق سبعة في دمشق والباقون في بيروت.
بقي جمال باشا ممعنا في غيه وبطشه ، حتى أدركت الدولة العثمانية نتائج سياسته الفظيعة وردود الفعل الوخيمة ، فقامت بنقله ، فسافر إلى أفغانستان حيث عهد إليه تنظيم جيشها، وقد قتل عام 1921 في مدينة تفليس على يد أرمني يدعى اسطفان زاغكيان .
رابعا : الاتهامات الباطلة ضد الروّاد الاحرار
1/ سياسة التتريك والتجويع
لقد عصفت المآسي المحزنة بالمنطقة العربية ابان الحرب العالمية الاولى ، ومرت على كل من العراق وبلاد الشام اخطر الاحداث الجسام مع مجاعات طاحنة ونهب منظم من قبل الدولة لموارد السكان وحلالهم وارزاقهم ، ومورست شتى سياسات الابادة والتجويع، حيث تم إرتكاب المجازر الشهيرة بحق الأرمن والسريان، واشعلت الفتن القومية بين عناصر واعراق مختلفة ومتنوعة .. كما تركزت حملات ملاحقة الوطنيين العرب ، وبشكل خاص ضد تلك النخبة المثقفة من المستنيرين الذين كانوا يعملون على بعث الحضارة العربية.من خلال صنع ارادة عربية كبرى بادوات ثقافية .. واتبع الوالي جمال باشا سياسة ماكرة في تجويع الناس واللعب بالورقة الاقتصادية ، قاطعا خطوط الامدادات التجارية وركّز على مناطق جبل لبنان ، وتمثل ذلك بصورة خاصة بإحتكار السلطات التركية تجارة المواد الغذائية، ومنع إستيراد جبل لبنان للحبوب من مناطق الداخل السوري.. وقطع مسالك الامدادات العراقية السورية عبر الجزيرة الفراتية .. مما جعل السكان يعانون اشد المعاناة في كل من سوريا والعراق .. وعليه ، فإن أقل ما يمكن وصف حكم الاتحاديين العثماني في البلاد العربية أنه كان حكما ظالما له بشاعاته وانعدام اخلاقياته ، فضلا عن جلاء الجانب العنصري باحتقار الأتراك الاتحاديين للعرب إحتقاراً فظيعاً ويصفونهم بـ”بيس عرب”، أي العرب الأقذار.
2/ عيد الشهداء
هي مناسبة وطنية وقومية عربية يحتفل بها في اليوم السادس من شهر مايو / أيار من كل عام في كل من سوريا ولبنان. لقد كان هذا اليوم مشؤوما عند العرب قاطبة كونه اختير لتنفيذ أحكام الإعدام من قبل السلطات العثمانية بحق نخبة مثقفة ومستنيرة من الشباب الوطنيين السوريين في كل من بيروت ودمشق إبان مجريات الحرب العالمية الأولى للفترة 21 أب / اغسطس 1915 و أوائل 1917 ، وقد اختير يوم 6 أيار / مايو بسبب كونه اليوم الذي اعدم فيه اكبر عددا من الشهداء .. واتهم هؤلاء من قبل جلاديهم تعاونهم مع الفرنسيين والانكليز ، اذ اكتشفت السلطات العثمانية وثائق يطالب فيها وطنيون سوريون من الإنكليز والفرنسيين بالتخلص من الحكم العثماني إما بالالتحاق بالثورة العربية أو بالطلب من الفرنسيين احتلال لبنان. لقد قام والي الشام العثماني جمال باشا بانشاء محكمة صورية في عاليه في جبل لبنان ، وأصدر احكاماً بالإعدام على عدد من الوطنيين العرب في دمشق وبيروت. ولقد نفذت أحكام الأعدام شنقاً حتى الموت على دفعتين: واحدة في 21 أب/ اغسطس 1915 وأخرى في 6 أيار/ مايو 1916 في كل من ساحة البرج في بيروت، فسميت ساحة الشهداء، وساحة المرجة في دمشق .. ان السادس من أيار / مايو عدّ في الذاكرة الجمعية العربية عيد الشهداء ، كونه يحمل اقسى ذكرى تاريخية سجلها حكم الاتحاديين ضد العرب ، واعتبر الراحلون أول قافلة للشهداء سارت نحو ساحة الموت في سبيل الحرية منذ تلك الايام الصعبة .. ولم تزل مجتمعاتنا تعاني من التحديات وهي تحكي قصصا على غرار ما جرى في ذلك اليوم المجيد. دعوني اغتنم هذه المناسبة لاستعرض اسماء اولئك الشهداء الابرار الذين يتهمهم البعض هذه الايام بتهم باطلة ، بل ويطعنون في اعز ما حملوه من شرف وامانة من اجل هذه الامة ، وابدوا شجاعة منقطعة النظير ازاء جلاديهم .
3/ قوافل الشهداء
3/1 شهداء الحادي والعشرين من آب/ اغسطس 1915
عبد الكريم الخليل، من الشياح قرب بيروت
محمد المحمصاني، من بيروت
محمود المحمصاني، من بيروت
عبد القادر الخرسا، أصله من دمشق ومقيم في بيروت
نور الدين القاضي، من بيروت
سليم أحمد عبد الهادي، فلسطيني من قرية عرّابة بفلسطين
محمود نجا العجم، من بيروت
الشيخ محمد مسلّم عابدين، مأمور أوقاف اللاذقيّة من دمشق
نايف تللو، من دمشق
صالح حيدر، من أهالي بعلبك
علي الأرمنازي، من حماة
3/2 شهداء 6 أيار 1916 في دمشق
شفيق بك مؤيد العظم، من دمشق
الشيخ عبد الحميد الزهراوي، من حمص
الأمير عمر الجزائري، حفيد الأمير عبد القادر الجزائري من دمشق
سليم الجزائري, من دمشق
شكري بك العسلي، من دمشق
عبد الوهاب الإنكليزي، من دمشق
رفيق رزق سلّوم، من حمص
رشدي الشمعة، من دمشق
3/3 شهداء 6 أيار/ مايو 1916 في بيروت
شخص من التابعية اليونانيّة، مقيم في بيروت
جرجي الحداد، من جبل لبنان
سعيد فاضل عقل، من الدامور
عمر حمد، من بيروت
عبد الغني العريسي، من بيروت
الشيخ أحمد طبارة، إمام جامع النوفرة في بيروت
محمد الشنطي اليافي، من يافا
توفيق البساط، من صيدا
سيف الدين الخطيب، من دمشق
علي بن عمر النشاشيبي، من القدس
محمود جلال البخاري، من دمشق
سليم الجزائري، من دمشق
أمين لطفي الحافظ، من دمشق
3/4 شهداء آخرون -وهناك العديد من الشهداء الآخرين منهم:
الخوري يوسف الحايك، من سن الفيل في بيروت، أُعدم في دمشق يوم 22 آذار سنة 1915م.
نخلة باشا المطران، من أهالي بعلبك أغتيل قرب أُورفه بالأناضول في 17 تشرين الأول سنة 1915م.
الشقيقان فيليب وفريد الخازن من جونية بلبنان أُعدما ببيروت يوم الثاني من أيار سنة 1916م.
عبد الله الظاهر، من عكار، أُعدم ببيروت يوم الأول من آذار سنة 1916م.
يوسف الهاني، من بيروت، أُعدم ببيروت في نيسان سنة 1916م.
محمد الملحم، شيخ عشيرة الحسنة، أُعدم بدمشق في أوائل سنة 1917م.
فجر المحمود، من عشيرة الموالي، أُعدم بدمشق أوائل سنة 1917م.
شاهر بن رحيل العلي، من عشيرة التركي، أُعدم بدمشق على أثر إعلان الثورة العربية الكبرى.
الشيخ أحمد عارف، مفتي غزة، وولده، من مدينة غزة أُعدما في القدس الشريف سنة 1917م.
الشقيقان أنطوان وتوفيق زريق، من طرابلس، أُعدما بدمشق سنة 1916م.
يوسف سعيد بيضون، من بيروت، أُعدم بعاليه بلبنان يوم العاشر من شهر آذار سنة 1916م
هنا التفت لأسأل الاخ د. منذر سليمان بعض الاسئلة : هل من الانصاف والضمير الحي ان نتهم كل ابناء هذه القوافل بالعمالة للاجنبي ، كي نصفق لما فعله الاتحاديون بالعرب ؟ وهل من الامانة التاريخية والاخلاقية العالية ان يصدّق المرء اكذوبة جمال باشا واتهامه العرب ، ادباء ومثقفين مستنيرين وشيوخ عشائر وفقهاء ومفتين ورجال دين .. ليقدموا طعاما الى المشانق مسلمين ومسيحيين ؟ أتمنى على الاخ منذر وامثاله ان يعيدوا النظر في الذي يطلقونه من احكام قاطعة لاسباب سياسية ومن دون اي منطق علمي يقبله العقل ( راجع : د. محمد حامد شريف، الأدباء الشهداء في العصر التركي على يد جمال باشا السفّاح، دار التركي، طنطا (مصر)، الطبعة الأولى ) .
كتاب المؤتمر العربي الأول
ولم تكتف بذلك يا اخ منذر سليمان ، بل رحت تربط المؤتمر العربي الاول عام 1913 بهؤلاء الذين وصفتهم بالعملاء بقولك : ” وهذا ما يفسّر رعاية فرنسا للمؤتمر العربي الاول في باريس عام 1913 ، ولابد من الاشارة الى ان بعضهم توّرط دون تبّصر أو معرفة بكل الابعاد ” ( ص 374) .
وعليه ، ينبغي ان تعلم بأن هذا ” المؤتمر ” انعقد من قبل طلبة شباب عرب ، منهم من كان يدرس في باريس ، ومنهم من كانت له علاقة تجارية مع فرنسا .. وانعقد المؤتمر من دون اي وصاية فرنسية في القاعة الكبرى للجمعية الجغرافية بشارع سانت جرمن بباريس ، واتحداك ان تثبّت تهمتك الجائرة بالوثائق الرسمية ضد المؤتمر .. لقد كان انعقاده بموافقة الدولة العثمانية ، اذ حضره وزير الخارجية العثماني للاطلاع على المطالب العربية التي من اهمها : 1) العودة الى حكم اللامركزية العثمانية ، اي انهم لم يطالبوا بالاستقلال عن الدولة العثمانية ، 2) وكذلك طالبوا بابقاء تدريس اللغة العربية في مدارس البلاد العربية ، 3) وطالبوا ايضا المشاركة في المناصب الادارية وتوظيف العرب في الدوائر الرسمية في ولاياتهم .. وغيرها من المطالب المشروعة ، فما هو وجه العمالة يا عزيزي منذر ؟ وهنا اطالبك مرة اخرى امام العالم ان تثبت بالوثائق هذه التهم الخطيرة ضد المؤتمر العربي الاول بباريس عام 1913 .. وان لم تفعل فانك تضيف خسارة اخرى لجولتك التي لم تعرف تمريرها ، ولا اللعبة التي لم تتقن صناعتها ابدا .. ( ان اهم من كتب عن المؤتمر وحفظ وثائقه لنا هو المؤرخ محب الدين الخطيب ، وقد حدثتني الزميلة المؤرخة الدكتورة خيرية قاسمية قبل عشرين سنة عن وثائق المؤتمر ومشروعيته ودوره النهضوي العربي عند بدايات القرن العشرين ..) وهنا نتساءل : لماذا يلام اولئك الشباب من العرب عندما يعقدون مؤتمرا سياسيا في بلاد بعيدة ؟ لماذا تنطلق التهم بلا حساب لاسباب سياسية وخلافات طائفية ونزعات شعوبية يحملها البعض ضد كل ما هو عربي .. وبهذه المناسبة ، فأنني أعدّ اليوم للشروع بالتحضير لندوة خاصة لمناسبة مرور 100 سنة على المؤتمر العربي الاول بباريس عام 1913 تعقد في اي مكان في العالم عام 2013 القادم . ( راجع التفاصيل في كتاب المؤتمر العربي الاول الذي طبع من قبل حزب اللامركزية بمصر عام 1913 ) .
الأمير فيصل في دمشق 1919
ولم يكتف الاخ منذر بهذا القدر من توزيع التهم علنا والسخط على اولئك الشهداء الذين افنوا حياتهم من اجل مستقبل عربي مشرق ، بل راح يقول : ” خلت ورقة الكاتب من اية اشارة الى الدور المشبوه لبعض رموز النخبة ” القومية ” وتعاونها مع الحركة الصهيونية ضد الدولة العثمانية ، وكان جديرا بألا يغفل بعض النماذج ، مثل رسالة الملك فيصل من باريس بتاريخ 4 آذار / مارس 1919 الى احد قادة الصهاينة في الولايات المتحدة فيلكس فرانكفورتر ، ولا يتسع المجال هنا لايراد نصّها المدان كعمل شائن ” ( ص 374) .
كنت أتمنى على الاخ منذر سليمان ان يتعمق قليلا في قراءة تاريخية فيصل بن الحسين وادواره التي قدمها للعرب .. ان منجزات فيصل بن الحسين اكبر بكثير مما نتصور ، وقد كان الرجل مخلصا في مواقفه وخطاباته وخدماته لقضايا الامة ، وامتلك الرجل ثقافة واسعة وحنكة سياسية افتقدها غيره من الزعماء الاخرين على امتداد تاريخنا المعاصر . لقد انتصر في دخوله دمشق من خلال قيادته لما سمي بالثورة العربية الكبرى 1916- 1920 واسس الحكومة الفيصلية التي توج فيها ملكا على سوريا عام 1920 ، وكانت حكومة عربية مستقلة توضح وثائقها التاريخية قوة تأسيسها ونزاهة كيانها وقد نحرها الفرنسيون بعد احتلالهم سوريا ولبنان .. كان لفيصل دوره البارز في مؤتمر الصلح في فرساي 1919 اذ كان خير ممثّل للعرب من اجل نيل حقوقهم ، ولم يكن هناك افضل منه وقت ذاك لتمثيل العرب ، وقد نجح في منح العالم صورة واضحة عن مطالب العرب اثر الحرب العالمية الاولى ..
وثيقة بيعة العراقيين لفيصل بن الحسين
الأمير فيصل بن الحسين
شكيب أرسلان
واخيرا يختتم تعليقه بالنص التالي قائلا : ” بالمقابل ، كنت أتمنى التذكير الموثّق بمواقف حكيمة وشجاعة مثل مواقف شكيب ارسلان الذي حذّر قائلا : ” لا اعتقد ان بينكم ( يخاطب معارضيه ) من هو عربي اكثر مني .. افتحوا عيونكم على ما يهدد البلاد العربية من خطر .. ، اقرأوا الجرائد الاجنبية .. انظروا الى المعاهدات التي اعلنت والى الاتفاقات التي أذيع خبر عقدها ولم تنشر … الا ترون انها ترمي كلها الى تقسيم الدولة وذهاب الاقطار العربية الى الانكليز والفرنسيين ” . ( ص 374) .
كنت اتمنى ان تستشهد برواية لا علاقة لها بامير البيان شكيب ارسلان ، فاذا كنت تتهم كل النخبة العربية بالعمالة للبريطانيين والفرنسيين .. فأنني أسألك ما علاقة شكيب ارسلان بالنازية وهتلر ؟ واعتقد ان ليس هناك أي فرق كبير بين من يتعامل مع السير ونستون تشرشل والمسيو كليمنصو عن اولئك الذين تعاملوا مع الفوهرر هتلر والدوتشي موسليني ! هل قرأت مقالات شكيب ارسلان في تمجيد النازية والفاشية ؟ ومع جلّ احترامي لشكيب ارسلان ومواقفه وبيانه ، ولكن هل تعلم ان ارسلان اشترى عمارتين الاولى في ساحة سافيني بلانس بالقرب من متحف تل حلف لصاحبه عالم الاثار الدبلوماسي الالماني البارون فون اوبنهايم، والعمارة الثانية في شارع (غرولمان شتراسه) ببرلين التي عاش فيها ارسلان ورهط كبير من العرب وهم يمجدّون الفوهرر ويعتبرونه زعيمهم .. ( مذكرات يونس بحري ، حررها : معن آل زكريا ، الزمان ، لندن ، 11/8/ 2010 ) . واذا كان الشريف حسين عنيدا ، ولم يضحك على أحد في مبادئه ولم ينهزم امام نكث عهود بريطانيا له بتأسيس مملكة عربية تشمل كل المشرق العربي ، ولم يستجب لمؤامرة سايكس بيكو في تقسيم المنطقة ، ولم يعقد اي معاهدة مع الانكليز او الفرنسيين فراح يقضي بقية حياته اسيرا اثر تشتت ملكه في الحجاز على يد عبد العزيز آل السعود وجيشه اثر المعاهدة التي وقعها مع الانكليز عام 1915 باسم معاهدة العقير ، فان السيد جمال الدين الافغاني الذي كان مثلا اعلى للاسلام السياسي في العالم الاسلامي ، وكان اسمه ولم يزل مثلا اعلى لاحزاب وتيارات اسلامية عاشت على امتداد القرن العشرين ، فقد لعب لعبته مع اكثر من دولة غربية ونظام سياسي في الشرق، وتعامل مع اكثر من طرف من الاطراف معاملة عميقة ، وكانت نهايته وهو اسير السلطان عبد الحميد الثاني الذي تسمّى بالخليفة !
7/ وأخيرا : ماذا اقول ؟
لقد قصدت من هذه الجولة النقدية بوضع مداخلة د. منذر سليمان على المشرحة ، وان يتناولها مبضعي بهذا الشكل من الرد ، نظرا لكي احفظ حقي في الرد على كل التقولات التي حرّفت بنية مبيتّة ، وعن قصد وسبق اصرار .. ولقد استفدنا معا من اعادة فهم التاريخ وفق منهج علمي نقدي مقارن ، ناهيكم عن الكشف على معلومات جديدة .. كنت اتمنى ان يكتفي محرر كتاب ” الحوار العربي ـ التركي بين الماضي والحاضر ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 2010 ) بما قيل داخل قاعة الندوة من مداخلات وحوارات ، وان يقارن ما يقدمه البعض من المسموع والمكتوب .. مرة اخرى ، لي الحق ان انّبه الى هذا الامر كل المحررين في مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت لما يقوم به البعض من المشاركين ، اذ لم يكتفوا بما هو مقرر ، بل راحوا يصّرون على محاولاتهم التي وجدت من الضروري ان ارد عليها ، وان اضعها على المشرحة . واذا كان هذا الرد يختص بواحد من الباحثين المشاركين ، فان ثمة ردودا ستأتي في الطريق بحول الله على باحثين آخرين تحتاج مداخلاتهم الى ردود مني لكي نتبين في محاولتنا المتواضعة اوجه الخطأ والصواب في المعرفة التاريخية اولا ، ولكي ندرك كيفية التعامل وطبيعته مع الاحداث التاريخية ثانيا ، ولكي نتبين ان الخلاف لا يقتصر على الرأي ، بل يذهب بعيدا الى حيث القاء الاتهامات وتشويه المعلومات لأسباب متنوعة سياسية وايديولوجية ، بل ودخل البعض خندق الطائفية والمذهبية اليوم وبشكل مثير للقرف .. واعتقد ان المركز سيتفهم طبيعة ما اقدمه الان او ما سأقدمه لاحقا بحول الله . انني اتقدم بالشكر الجزيل للجهود التي يبذلها المركز منذ عقود طوال من السنين لاغناء المعرفة العربية بكل ما هو جدير بالاهتمام .. اتمنى اكون قد وفيت بالامانة وعالجت بالرد على ما نشر من تقولات ضدي لم اسمع بها في جلسات مؤتمر استانبول ، وقد يحسبها الناس انها قد طرحت ضمن حوار علمي ، ولكنها ليست كذلك ابدا ، بل انها أتت ضمن سياق مواربة سياسية واضحة ..
انتهت
نشرت كل من الحلقتين الثالثة والرابعة في الزمان اللندنية : الحلقة الثالثة في 23 آب / اغسطس 2011 ، والحلقة الرابعة في 25 آب / اغسطس 2011 . ويعاد نشرهما على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
أ.د. سيّار الجميل
مؤرخ عراقي / كندا
على المشرحة.. لا مواربة سياسيّة في الحوار العلمي (الحلقتان الأولى والثانية)
أ.د. سيّار الجَميل