رسالةٌ ووصّية.. رقصة تضامنيّة وعطلة برلمانيّة !

كنت أتمنى أن نتضامن مع شعب البحرين ، أو أي شعب عربي أو غير عربي في المنطقة ببيان او إعلان ، أو تقرير أو مسيرة .. تضامنا منسجما مع ظروفنا نحن العراقيين ، فنحن مع رياح التغيير في كل مكان ، ولا يمكن أن يبقى الظلم والعسف والتوحش يسود على أي شعب من الشعوب او أي فئة من الفئات ، ولا يمكن أن نقبل بتدخل أو اختراق أي دخلاء عرب وأجانب أو محتلين غزاة لأي بلد من البلدان . نعم .. نتضامن ولكن ليس على حساب محنتنا الوطنية ، ولا على حساب مأساتنا العراقية .. نتضامن مع من يا نواب الشعب العراقي ؟ بعد ان تجيبوني على سؤالي التالي بضمائركم : هل تعلموني بمن تضامن مع العراقيين في محنتهم الطويلة حتى تمنحون انفسكم تعطيل برلماني وترقصون لوحدكم على الحلبة رقصة بلا معنى ؟!

تساؤلات مشروعة
لا ادري من وقف مع العراقيين مذ كانوا يتساقطون بالمئات والآلاف صرعى الحروب وضحايا القمع والاحتلال والإرهاب والميليشيات المسلحة والدخلاء الأجانب ! لا ادري من وقف مع العراقيين وهم ينسحقون يوما بعد آخر منذ عشرات السنين ! لا ادري من عطّل مجلسه النيابي كأعلى سلطة تشريعية في بلاده ليتعاطف مع العراقيين في واحدة من مآسيهم المحزنة ! لا ادري ما سر هؤلاء النواب الذين اجتمعوا تحت قبة البرلمان ليخصصوا خطاباتهم الحماسية مع شعب البحرين فقط ، ويقرروا التضامن معه لمدة عشرة أيام فيتفرق النواب إلى بيوتهم أو إلى سفرياتهم تحت هذه الحجة ! ولماذا لم يفعلوا ذلك مع شعب تونس ولا مع شعب مصر ولا منع شعب ليبيا ، ولا شعب اليمن ؟؟ ؟ ليس هناك أية مشاعر عربية موحدة تجاه هذا أو ذاك .. ولكن هناك مشاعر طائفية تجعلهم يقفون مع هؤلاء فقط دون أولئك جميعا ! كنت أتمنى أن يكون اغلب البرلمانيين العراقيين اذكي بكثير من ان يسجلوا على أنفسهم مثل هكذا فعل لا معنى له ابدا .. ولا يمكن فهم التناقض المعيب ، فرئيس الجمهورية يتصل تلفونيا مع حسني مبارك قبل سقوطه ليؤيد بقاءه في الحكم .. في حين ان مجلس النواب يمنح لنفسه الحق ان يعطّل اعماله ويعّلق مهامه كي يتفّرق أعضاءه من اجل التضامن مع شعب البحرين .. !

لماذا الكيل بمكيالين ؟
لقد قرأت للعديد من الكتاب العراقيين الذين يعترضون عليكم أيها النواب كونكم تكيلون بمكيالين إزاء هذا مقارنة بموقفكم إزاء ذاك .. وإنكم ترقصون على الحلبة رقصة لا تجيدون أبدا الأداء الفني لها .. لا اعتقد أن غاياتكم نزيهة إزاء هذا التغيير الذي يجتاح منطقتنا كلها ، بل وان التغيير لابد أن يطال حتى العراق ، ذلك أن الزمن قد تغّير الآن أمام الجيل الجديد الذي يرفض تماما أي هدنة بينه وبين السلطات .. ولا ادري كيف نفسر موقفكم هذا الذي يبدو أن ليس كل المجلس كان تواقا لمثل هذه العطلة .. ان تتعطل سلطة تشريعية كاملة عن أداء عملها ، فلم يحدث ذلك الا لأمر جلل يخص البلاد ، والا فليس من العقل ان تمنحوا لأنفسكم الحق أن تعطلوا المسؤولية والعمل من اجل ما أسميتموه بالتضامن مع شعب البحرين .. إذ يسأل احد العقلاء : كان عليكم إذن أن تتضامنوا مع شعب تونس وشعب مصر وشعب ليبيا وشعب اليمن .. بل كان الأولى بكم أن تتضامنوا مع شعب العراق في محنته التي خاضها منذ سنين ..

هل من قطع لرواتبكم عشرة ايام ؟
معنى ذلك أن ليس لنا شغلة ولا مشغلة إلا ونحن نعطل حياتنا التشريعية عشرة أيام كي تجلسون في بيوتكم متضامنين مع هذا وذاك ! ولو احتسبنا كم ستقبضون من أجور على هذه الأيام العشرة وانتم تنامون في بيوتكم ، او تتسكعون هنا وهناك ، أو تسافرون هنا وهناك .. فليس من الحق ولا من العدالة أن تقبضوا فلسا واحدا على هذه الأيام بحجة التضامن والضحك على الناس ! لم نسمع ان برلمانا عربيا او دوليا واحدا قد تضامن أعضاؤه مع أحداث داخلية لبلد معين ، كي يجلسوا في بيوتهم ويقبضون رواتبهم من دون أي تأنيب للضمير ولا أي شعور بالذنب !؟ لقد أضعتم يوما كاملا بالخطب الرنانة وكأن أخوتنا في البحرين يختلفون عن أخوتنا في ليبيا او اليمن .. كأنهم ليسوا كأخوتنا في مصر او أخوتنا في تونس .. ما علاقتكم انتم بالذات بهذا الموضوع ؟ وربما تساءل البعض : لماذا لم تتضامنوا مع مأساة السيدة شيرين عبادي في إيران ، وهي الحائزة على جائزة نوبل ؟ لماذا لم تتضامنوا مع كل الأحرار وما يصادفونه من ظلم وتعسف ، ليس في إيران فحسب ـ حتى لا يتهمني بعضكم اتهامات بائسة ـ ، بل في السعودية أيضا ؟

عودوا الى قبة البرلمان ؟
إنني أطالبكم جميعا مرسلا ندائي إلى الأستاذ أسامة النجيفي رئيس البرلمان ، أن تقطع عنكم أجور عشرة أيام ، إذ لم تقدموا فيها شيئا لشعب العراق ، إلا الجلوس في بيوتكم أو التسكع هنا وهناك ! إنني أطالبكم إن كانت لديكم نخوة وشعور حقيقي بالمواطنة أن ترجعوا إلى أماكنكم في قاعة البرلمان وتعتذروا عن هذه السياسات التي تضيعوا فيها وقت العراقيين ، وهم أحوج ما يكونوا للخدمات والتشريعات والإصلاحات والرقابة منكم .. أن لجنة في البرلمان كانت تكفي لإعداد ورقة ، أو بيان إدانة ، او تصريح شجب تعلنونه على العالم من دون أية مزايدات ولا أية خطابات نارية ، او تصريحات عنترية .. ومثلما وقفتم دقيقة حداد وصمت ، فانتم مطالبون بالوقوف دقيقة حداد وصمت لكل من شهداء مصر وتونس وليبيا واليمن والجزائر ودارفور وغزة وحتى اليابان ان كانت لكم مشاعر إنسانية .. الخ بل وعليكم مراعاة مشاعر العراقيين إن كانت تهمكم مشاعرهم .. لقد اختاركم الشعب لتخدموه لا لتخدموا غيره .. إن باستطاعة الشعب نفسه أن يقوم بالتضامن مع من يريد ، وباستطاعته أن يقوم بهذا الدور عن طريق منظمات وجمعيات وأحزاب وعلاقات وفيس بوك وشارع سياسي .. اما انتم فان مهمتكم تشريعية وليست سياسية .. مهمتكم وطنية وليست دينية .. مهمتكم اجرائية وليست شعاراتية ، مهمتكم خدمية وليست خطابية ..

العراقيون اولى بالمعروف
نحن ندرك أن هذه الأساليب تأتي صناعتها في غرف مغلقة من قبل نفر معين من قيادات حزبية تريد بمثل هذه التصرفات الغبية أن تبعد السلطة في العراق عن المواجهة بينها وبين العراقيين .. إننا ندرك تماما أن هذا هو نوع من الهروب إلى هنا وهناك لشل إرادة العراقيين عن التواصل والاحتجاج على السياسات التي تمارس في العراق .. إنكم ملزمون بالبقاء في أماكن عملكم لمواجهة الحقائق على الأرض ، فانتم ممثلين شعب العراق ولستم وكلاء للآخرين من دول وشعوب أخرى .. ومثلما يتظاهر أبناء كل بلد ضد سياسات حكوماته في الشوارع ، فالعراقيون ما زالوا يتظاهرون في الشوارع أيضا ولهم مطاليبهم .. وعليكم أن تكونوا جاهزين لتمثيل إرادته ومعرفة مطاليبه لا أن تهربوا عنه عشرة أيام تقضونها في بيوتكم ! انه تعطيل متعمد عن المسؤولية ، ولابد أن تحاسبوا على ذلك !

تعطيل البرلمان معناه حلول كارثة في العراق !
لماذا تسكتون على ما يجري في شوارع العراق ؟ لماذا تعطيل أنفسكم عن العمل ؟ باستطاعتكم أن تتضامنوا مع شعب البحرين بوسيلة أخرى ، فالعراقيون لا يمنعونكم من هذه المهمة ، ولكن السؤال : لماذا تعطلون البرلمان وانتم تقبضون أجوركم كاملة غير منقوصة ؟ العراق بحاجة ماسة إلى كل دقيقة عمل من كل عراقي وطني غيور ، وانتم تهدرون الزمن بحجج واهية ، انتم لا تؤمنوا بها أبدا ، وإذا بقيتم على هذا التفكير ، فينبغي عليكم أن تتركوا شؤون العراق وتلقوا خطاباتكم عن شؤون ما يجري في بلدان أخرى ! إن المنطقة مقبلة كلها على التغيير ، فاستعدوا منذ الآن ان تمنحوا أنفسكم عطلة عشرة أيام على كل حدث في أي مكان ! أتدرون متى يعّطل البرلمان في أي مكان ؟ يعطّل في حال حدوث كارثة في البلاد ـ لا سمح الله ـ !

تضامنوا مع العراقيين اولا
كنت أتمنى عليكم أن تسألوا أنفسكم عن العراقيين الأبرياء المحتجزين في المعتقلات والسجون العراقية بلا ذنب اقترفوه .. كنت أتمنى أن تتضامنوا مع أطفال عراقيين يعانون من الأمراض الطارئة والمزمنة ؟ مع المرأة العراقية التي بقيتم ساكتين على غمط حقوقها السياسية والاجتماعية ! كنت أتمنى أن تتضامنوا مع عراقيين قتلهم المحتلون وسحق سياراتهم وبيوتهم ، أو أفناهم الدخلاء وحطمهم الإرهاب ؟ نعم ، كنت أتمنى أن تتضامنوا مع عراقيين أبرياء ذهبوا طعاما للإرهاب والقتل العمد ؟ كنت أتمنى أن تتضامنوا مع مآسي عراقيين يسكنون في مناطق لا تصلح حتى لإقامة الحيوانات ! كنت أتمنى أن تتضامنوا مع شعب يعاني من مشكلة كهرباء وطاقة والصيف قادم على الأبواب ! كنت أتمنى أن تتضامنوا مع عراقيين يتعرضون كل يوم للقتل والغدر والسرقة وتلقي الطعنات ومنهم سيدات بريئات كبيرات في السن ! كنت أتمنى على نواب الشعب العراقي أن يتضامنوا مع كل أبناء الشعب لينزلوا إلى الشارع منذ الصباح الباكر وحتى ساعات الليل حتى يعرفوا احتياجات العراقيين وضروراتهم ! كنت أتمنى أن تتضامنوا مع كل الذين تعرضوا للمطاردة والحجز والاهانة من الإعلاميين والمثقفين العراقيين على أيدي رجال الأمن والشرطة والجيش في قلب بغداد ! كنت أتمنى أن تتضامنوا مع نداءات العراقيين الذين يطالبون الحكومة العراقية بكشف كل الحقائق وعرض كل نتائج اللجان التحقيقية ! كنت أتمنى ان تتضامنوا مع كل من يطالب بالتحقيق في قضايا التزوير والسرقة والاختلاس وضياع أموال العراق على مدى خمس سنوات مضت ! كنت أتمنى أن تتضامنوا يدا واحدة ضد الفاسدين والمفسدين ، وتقوموا فعلا بتعرية مسؤولين كبار ووزراء حكوميين سابقين وحاليين أمام الشعب العراقي بعد أن اتهموا اتهامات خطيرة من قبل مسؤولين آخرين !

اتركوا هذا النوع من الرقص
عودوا إلى مقر عملكم بدل هذه الأساليب التي لم تقدم ولا تؤخر .. عودوا إلى أماكنكم واشغلوا أنفسكم بما هو مهم للعراقيين كلهم بلا استثناء .. عودوا واتركوا هذا النوع من الرقص ، فالرقص مع العراقيين في الشوارع أجدى وانفع لكم ولمستقبلكم .. ليعد من فرضت عليه إرادة الأغلبية ، ليمنح العراقيين مثلا على ولائه للعراق لا الى أي شيء آخر ! عودوا الى قبة البرلمان وكونوا أصحاب ضمائر حية بلا تسويق لهكذا بضاعة بائرة .. فالعالم كله يدرك ما عليه واقعنا السياسي في المنطقة بأسرها .. يدرك تجاوزات كل الحكام والزعماء على شعوبهم .. يدرك أن رياح التغيير آتية على الجميع .. يدرك أن التغيير سيجرف كل السياسات البدوية والدينية والمذهبية والطائفية والأصولية .. التي يتبعها هذا الطرف أو ذاك ! عودوا أيها السادة والسيدات الى كراسيكم المخملية وراقبوا ادوار الوزراء والمسؤولين في السلطة التنفيذية .. وكيف سيقضون على الفساد والمفسدين في مائة يوم ! إنني من مكاني البعيد أراقب ما الذي سيحدث خلال مائة يوم .. وكأن بأيدي هذه الجوقة من الوزراء مصابيح علاء الدين يفركونها ليتحول العراق الى بلد بلا فساد وبلا انحراف وبلا كوارث !

العراق قبل الطائفة
وأخيرا ، فان الطائفية قد زكمت الأنوف ، ويكفيكم هذا النهج الذي تحطمون فيه وحدة البلاد ، وتشاركون الآخرين أدوارهم في الصراع الطائفي الدائر اليوم في كل مكان من عالمنا .. اتركوا هذا ” النهج ” المقيت الذي سحق الحياة وانحرف بالمستقبل .. انتظروا بعيدا عن تأجيج أي حرب طائفية ، فالتغيير سيأخذ معه كل المفسدين والمنحرفين والانقساميين والظلاميين والطائفيين من هؤلاء ومن أولئك معا .. وأخيرا أقول ، بأن البرلمان العراقي يزدحم بذوي المصالح وبالقوى المتحركة باتجاه هذا الطرف أو ذاك وبشكل فاضح .. ولكن هناك نوابا عرفهم الشعب العراقي واحدا واحدا ، وهم في داخل قبة البرلمان يحرصون على وطنيتهم وعلى مصالح العراق وخدمة الشعب العراقي وبعيدون جدا عن هذه الأساليب الرعناء وهم مستقلون ولكن لا يمكنهم فعل شيئ أمام طغيان القوى المنحرفة عن العراق وقيمه الحضارية .

نشرت خصيصا في الجديدة ، 19 آذار / مارس 2011 ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com