بعد انتظار طويل ومخاض عسير ، صوّت البرلمان العراقي بعد جلسة ساخنة لتمرير قانون الانتخابات ، وبعد حسم أّولي لانتخابات كركوك ، واعتماد قوائم مفتوحة لا مغلقة في وجه الناخبين ، وزيدت مقاعد البرلمان إلى 310 مقاعد ، وتمّ إقرار موعد الانتخابات القادمة . لقد حصل القانون على 141 صوتا من أصل 195 نائبا حاضرا ، علما بأن البرلمان يضم 275 مقعدا . يعد قانون الانتخابات الذي طالب به العراقيون طويلا ، منجزا مهما لضمان التداول السلمي للسلطة ، وتشريعا أساسيا لعملية الانتخابات في مستقبل العراق السياسي ، خصوصا عندما سيعرف الناخب من ينتخب بالاسم وبشكل مفتوح ، وليس كما جرى في الانتخابات السابقة التي اعتمدت القوائم المغلقة ، إذ نص القانون الجديد على أن يكون الترشيح بطريقة القائمة المفتوحة ، الذي يعطي الحق للناخبين في التصويت على القائمة أو أحد المرشحين فيها ، ويجوز الترشيح الفردي . أما انتخابات كركوك ، فتقرر اعتماد سجلات الناخبين الحديثة فيها ، مشترطا خضوع النتائج للمراجعة ، إذا كانت هناك زيادة غير عادية في الناخبين المسجلين خلال السنوات الخمس الماضية ، ولقد تركت عواقب احتمالات المراجعة غامضة.
حمل القانون معه أيضا بعض المشكلات التي لابد أن تخضع للمعالجة عاجلا أم آجلا .. إن مشكلة كركوك لم يحلها هذا القانون ، بل اعتقد انه ساهم في تأجيل الخلاف النظري إلى ما سيحدث على الأرض ، وسيشعر كل العراقيين إن الخلافات قد تأجلت حول محافظة كركوك التي يبلغ عدد سكانها 900 ألف نسمة ، وهم خليط من التركمان والأكراد والعرب مع كلدان وآثوريين . ويطالب الأكراد بإلحاق كركوك بإقليم كردستان ويرفضون إعطاءها وضعًا خاصًا، في حين يعارض التركمان والعرب ذلك ، وطالبوا بتحديث سجل الناخبين متهمين الأكراد بتوطين إعداد كبيرة من الأكراد في كركوك بعد 2004.
من جانب آخر ، قّلل القانون من شأن عراقيين على حساب عراقيين آخرين .. إننا نستغرب جدا أن يتم التعامل حتى اليوم بتصنيف العراقيين اكثريات وأقليات ، من دون مراعاة المواطنة الواحدة بين الجميع .. وإلا ما معنى أن يتم التصويت على النسبة 5% من المقاعد التعويضية في قانون الانتخابات ؟ ولماذا أجحف هذا القانون بحقوق كل المهجرين والمهاجرين العراقيين في الخارج إجحافا مريرا ؟ أليس هؤلاء من العراقيين ؟ الم يهاجروا جراء الاضطهاد والإرهاب ؟ أم أن المعادلة ستختّل جراء شراكتهم الحقيقية في صنع مستقبل بلادهم ؟ ما معنى أن تتضمن مسودة قانون الانتخابات التي وزعت قبل 24 ساعة من موعد التصويت ، ثلاثة خيارات لإنصاف المهجرّين في نسبة المقاعد التعويضية وهي نسبة 5% أو 10% و 15% ؟ ولماذا نقضت فكرة الـ 15% ؟ والأهم ، لماذا يتم التعامل حتى يومنا هذا على أساس التمييز بين العراقيين ؟ إنني أهيب بمجلس الرئاسة العراقي محاولة الاتفاق لإيجاد مخرج لائق لهذه المشكلة ، وان يعيد الحق إلى نصابه ، وينصف العراقيين المقيمين في الخارج ، وهم بالملايين ، إذ تتفوق أعدادهم على وزن نفوس شعوب كاملة في دول أخرى . انكم يا نواب العراق قد اخطأتم خطأ كبيرا في أكثر من مادة يحتويها هذا ” القانون ” .. انكم كنتم وما زلتم تبقون على المحاصصة من دون إن تجعلوا المواطنة أساس البنيان .. إن أخطاءكم وأخطاء من سيأتي من بعدكم ، ستتكرر دوما ، إن بقي مثل هذا ” الدستور ” الذي أقّر عام 2005 على حاله وأحواله من دون تغييرات جذرية على اغلب مواده .. ولا ادري لماذا زدتم عدد المقاعد البرلمانية إلى مثل هذا الرقم ، وانتم قد أقصيتم ملايين العراقيين عن ابسط حقوقهم الوطنية ..
باركت أميركا ودول أخرى مع الأمم المتحدة هذا القانون ، وقيل أن السفير الأميركي في العراق كريستوفر هيل ، كان يتجّول في أروقة البرلمان العراقي . كما أنه أصدر رفقة قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال راي أوديرنو، بيانا مشتركا فور انتهاء عملية التصويت باركا فيه الخطوة . ويعني ذلك أن ” القانون ” ما كان ليمرر ، لولا هذه المباركة الأميركية .. وقال السفير أنه كان في البرلمان العراقي للمساعدة ، واصفا يوم إقرار القانون باليوم الجيد للديمقراطية العراقية ! هنا نتساءل : هل سيصدق الرئيس اوباما في تهنئته العراق بإقرار هذا القانون ، كونه سيمهد الطريق أمام انسحاب قواته من العراق ؟ وكيف ستتحدد طبيعة العلاقة بين الطرفين عندما يقول اوباما : ” أن الولايات المتحدة الأميركية ستستمر في دعم العراقيين كشريك قوي وكصديق ” .. وانه على الرغم من وجود التحديات ، ومن انه على ثقة بأنه ستكون هناك أيام صعبة فان ” هذه الموافقة تدفع في اتجاه التقدم السياسي ، الذي يمكن أن يجلب السلام الدائم والوحدة للعراق ، وتسمح بانتقال منظم ومسؤول للقوات الأميركية خارج العراق بحلول سبتمبر المقبل” . السؤال الآخر : هل ستجري الانتخابات التشريعية المقررة في 16 يناير 2010 ، أي بموعدها المؤجل ، أم أنها ستؤجل ثانية بالرغم من إقرار البرلمان لقانون الانتخابات ؟
إننا لا تهمنا التهاني والتبريكات ، بقدر ما يهمنا تخلّص الشعب العراقي من محنته التاريخية .. نحن لا نطالب بقانون مثالي ، لكن لا يمكن أن نقبل أيضا بقانون يجحف حق العراقيين في المهاجر والدواخل والشتات .. نحن لا نقبل إقصاء ملايين العراقيين عن حقهم الوطني المشروع في الانتخابات لأغراض سياسية وإيديولوجية .. نحن لا نقبل أبدا بمنح نسبة مقاعد قليلة لمن تسمونهم بالأقليات ، فإذا أكد هذا القانون على منح 8 مقاعد نيابية لهم تتوزع بين 5 محافظات حيث يمنح المكون المسيحي خمسة مقاعد موزعة على بغداد ونينوى وكركوك ودهوك وأربيل بينما يمنح مقعد واحد لباقي الأقليات ممثّلة بالصابئة المندائية واليزيدية والشبك.. فان هذا إجحاف وغبن كبيران لحق كل العراقيين ، إذ لا يمكنكم اعتماد المحاصصة ، فحصة الأسد للأكثرية من سنة وشيعة وأكراد ، وتبقون الفتات للأقليات ! إن دولة المواطنة لا يمكنها أن تبنى على أسس متهرئة ! إنكم من اجل تمرير ما هو صالح لمن تسمونهم المكونات الكبرى ، تصدرون وتذيعون بأن ما يختلف عليه قابل للتعديل .. وقد مررنا بتجارب عدة ، وفي مقدمتها الدستور العراقي الذي صدر عام 2005 وألحقت به قائمة بالتعديلات ، ولكن لم تعدّل حتى اليوم !
نشرت في البيان الإماراتية ، 18 نوفمبر 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين
ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …