بقايا هيكل
الحلقة 11
هيكل.. طغيان التلفيق.. والرؤية القاصرة للتاريخ
ويعترف هيكل بالمعلومات قائلا بعد أن استعاد التفكير ثانية من دون أن يعترف بأخطائه السابقة.. فيقول: “نابليون يعني والصراع الفرنسي البريطاني علي تخومي وعلي بحاري بيكبس ودولة الخلافة الحامية بتقع، الأمة علي نحو ما.. بلاش الأمة عشان ما حدش يزعل هذه المجتمعات اللي عايشة في هذا الفضاء، في هذا الفراغ، في هذه الساحة الجغرافية والتاريخية بتبحث عن حاجة، محمد علي جاء عمل إمكانية إنه والله العرب دون أن ينسلخوا يبقوا يعملوا حاجة مستقلة فجاء في مصر بدأ في مصر ثم أدرك بحسه الاستراتيجي راح الشام كمل الشام لأنه يدرك إنه ما فيش حاجة اسمها مصر لوحدها، لأنه هذا الإقليم زي كل أقاليم العالم عومل باستمرار وتصرف باستمرار وتعرض باستمرار لكل.. (نص هيكل).
كنت أود من هيكل أن يستخدم أداة التاريخ ولو لمرة واحدة ويعترف بأن بونابرت وحملته كان لهما تأثير تاريخي بالغ علي مصر الحديثة في القرن التاسع عشر وتكوينها المعاصر إبان القرن العشرين.. ونقول بونابرت وليس نابليون، لأن الأخير لم يتسم بنابليون إلا بعد أن غدا زعيمًا لفرنسًا وتوّج نفسه امبراطورا باسم نابليون بونابرت. المهم أن دولة الخلافة (يقصد: السلطنة) لم تقع.
نابليون
كنت أتمنى عليك أن توضّح مقاصدك بعناية وببساطة شديدة، فربما أفهمك بحكم تعاملي معك منذ سنين، ولكن آلاف الناس لا تفقه ما الذي تريد إيصاله إليهم.. أي فضاء؟ أي فراغ؟ وهل تقصد بالساحة الجغرافية والتاريخية مصر أم كل المنطقة؟
ثم تعترف بمكانة محمد علي باشا.. وما أحلاك هنا عندما تنسلخ عن كل الذي كتبته ونشرته ضد محمد علي باشا، فتأتي اليوم كي تغير رأيك.. وهنا أسجّل للتاريخ ولكل من يقرأ هيكل في المستقبل قراءة متمعنة أن يقارن بين رأيه القديم في محمد علي باشا وبين رأيه اليوم.. لقد أصبح محمد علي باشا يمتلك حسا استراتيجيا عند هيكل.. ولكن هيكل لا يدري لماذا امتد محمد علي باشا نحو الشام وكمل الشام.. فهل جاء ذلك نتيجة حسّه الاستراتيجي أم أن هناك عوامل تاريخية فرضت عليه أن يمتد باتجاهات مختلفة لم يذكرها هيكل، متمنيا علي القراء الكرام مراجعة كتابي: تكوين العرب الحديث، ط 2 (عمّان: دار الشروق للطباعة والنشر، 1997) وفيه تفصيلات موسعة عن امتدادات محمد علي باشا نحو السودان ونحو الجزيرة العربية ونحو البحر المتوسط ونحو بلاد الشام ومفاوضات فرنسا السرية معه للامتداد نحو الجزائر وهذه تفصيلات تاريخية لها عوامل معقدّة جدا لم تأت من خلال حس استراتيجي لمحمد علي باشا وحده!
فالمسألة ليست بلاد الشام لوحدها يا هيكل، بل توسيع نفوذ مصر علي يد محمد علي باشا إقليميا باتجاهات مختلفة.
حملة إبراهيم باشا علي الشام
دعونا نكمل الشوط مع ما قاله هيكل مسترسلا: “ولأنه كده تعرض للفواعل التي تصنع في إقليم زي الرياح اللي بتهب ومتقفش عند حدود سياسية، محمد علي أدرك أنه حتي لو أتكلم بمنطق الأمن المصري فهو بمنطق الأمن المصري ده بيطلع بره، حتي الكولونيل سيف سليمان باشا الفرنساوي وهو مع إبراهيم باشا في الجيوش المصرية في وقت محمد علي بيعرف الأمن المصري البحت أمن وادي النيل بأنه فوق عند نصيبين شمال الحدود التركية في شمال حلب، هنا الأمة بدت الناس اللي موجودين في هذه المنطقة بدوا يعمل حاجة ثانية، بدا يبقي في محمد علي وفر لهم حاجة مهمة قوي، محمد علي وفر واحد مركز مستقل يقوي دون أن ينسلخ عن الخلافة مركز مستقل ينشأ ويصنع ويجدد ويثقف.. ” (نص هيكل).
يا سيد هيكل، لم يكن هناك حدود سياسية معترف بها حتى يدركها جيش ابراهيم باشا وهو يمتد نحو الشمال.. أي أمن مصري تتكلم عنه يا هيكل وأنت تؤرخ عهد محمد علي باشا بمثل هذه الطريقة السيئة؟ لقد كان هناك جيش واحد يقوده إبراهيم باشا انقسم إلي قسمين اثنين، فكيف جعلتها جيوشا مصرية؟ أي منطق تتكّلم به وأنت لم تقرأ تفصيلات حملة إبراهيم باشا التاريخية؟ هل كانت الحملة موجهة إلي بلاد الشام، أم أن محمد علي باشا أرسلها بعد الخلاف الذي دّب بينه وبين السلطان العثماني محمود الثاني؟ هل كانت خطط محمد علي باشا تقضي بأن يساوي المركز بالمحيط أم أنه حاول السيطرة من خلال مركزه علي المحيط؟
ومن قال لك يا هيكل: إن الناس الموجودين في هذه المنطقة كانوا راضين جدا علي الحكم الذي وقف إبراهيم باشا علي رأسه؟ أتمني أن تقرأ أكثر من أطروحة دكتوراه ورسالة ماجستير أجيزت كلها حول تفصيلات دقيقة عن تلك الحملة المصرية لتجد مدي بشاعتها وما فعلته بالسكان وخصوصا في سوريا.. وبأي منطق حكم إبراهيم باشا بلاد الشام؟
متمنيا أيضا عليك أن تقرأ الصورة الأخرى لعلاقة مصر ببلاد الشام بعيدا عن العواطف القومية.. وستقف حتما علي النهاية المأساوية لجيش مصري تبعثر في الصحاري بعد أن فتكت به الأمراض بعد أن غاب قائده عنه.. فأي مركز مستقل هذا ينشأ ويصنع ويجدد ويثقف وقد رضخ محمد علي باشا لمشيئة قرارات مؤتمر لندن الشهيرة. لقد نجح محمد علي باشا في مصر، ولكنه فشل في كل امتداداته العسكرية وخصوصا حملته علي بلاد الشام التي جاءت لتختتم عهده الطويل.
رفاعة رافع الطهطاوي
يستمر هيكل في حديثه المليء بالفجاجة والمعلومات التاريخية الخاطئة وتوزيع التعابير الكبيرة المعاصرة ، وكأنه يتحدث عن دول تعيش حياتها اليوم.. وينتقل إلي موضوع آخر ساقه إليه استرساله الذي لا معنى له أبدا.. فيقول متمما: “لما جاء رفاعة رافع الطهطاوي وعمل النهضة الفظيعة اللي عملها في التعليم وبدا لأنه مشروع محمد علي اقتضي أيضا التعليم والتعليم قام عليه هذا الفلاح، هذا الرجل اللي كان راح مع البعثة واحدة من بعثات محمد علي راح كإمام للبعثة ثم أصبح هو في واقع باعث نهضة، هذا الرجل الذي قرأ كل أدب وكل فكر وكل استنارة أوروبا ونقلها للغة العربية فبدا العالم العربي يكتشف أنه في مكان مستقل، في مكان يهرع إليه بآماله أو بطموحاته من سواء الإمبراطورية المتهاوية أو من الأطراف اللي عليها الضغوط الإمبراطورية من كل ناحية” (نص هيكل).
هل كان الطهطاوي وراء النهضة الفظيعة؟ وهل من العقل بمكان أن نصف النهضة بالفظاعة؟
أدرك أنه تعبير بلدي، ولكن يا عزيزي كيف بإمكانك استخدام هكذا تعابير جلفية؟ ما هذا التعبير وأنت لا تعرف كيف تركّب جملة مفيدة واحدة مشافهة. لقد تغّير الفلاح وأصبح رجلا نهضويا طموحا، ولا حاجة بنا أن نذكّر العالم، فليس الطهطاوي وحده تحول من فلاّح إلي مثقف عالي المستوي، بل تحّولت مصر من حالتها المملوكية القديمة إلي حالتها النهضوية الجديدة.. هذا الطهطاوي الذي ذهب في أول بعثة دراسية أرسلها محمد علي باشا إلي باريس ولما عاد أصبح باعث نهضة..
ولكن كيف يمكنك أن تجازف بالقول إن الطهطاوي قرأ كل أدب وكل فكر ، وكل استنارة أوروبا ونقلها للغة العربية؟ هل هذا كلام عقلاء؟ هل باستطاعة أحد باستثناء الطهطاوي أن يقرأ كل ما ذكرت؟ لنكن أذكياء في اختيار تعابيرنا أو أن نعلن إفلاسنا الفكري.. وكيف أستطاع الطهطاوي يا هيكل أن ينقل كل أدب وفكر واستنارة أوروبا؟ وكم نبهتك منذ سنين ألا تتسرع في إطلاق الأحكام جزافا! إنك تستغفل الناس التي لا تعرف الطهطاوي ومن هو الطهطاوي ولم تدرك أن له كتابات مختصرة عديدة أ أهمها: تلخيص الإبريز..
محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة
نتابع مع هيكل وأفكاره القاصرة التي سجلها رفقة معلومات خاطئة وأطلق من خلالها أحكامه جزافا.. إنه قرأ عموميات عن عهد محمد علي باشا ولم يتوغّل في أعماق تاريخ المرحلة.. ولم أجده أمينا حتى في نقل معلوماته الخاطئة.. إنه ضحية تاريخ طويل من سلق المعلومات وفبركة الأخبار وتسويق الشعارات.. دعوني أقدم لكم نصا له يقول فيه: “وبدأ ينشأ في القاهرة شيء ثاني، ظاهرة ثانية، سياسية اجتماعية ثقافية اللي ممكن نقوله، لكن في قاعدة للتحديث بدت تنشأ وسط العالم العربي وبدت تحل علي نحو ما محل إسطنبول، هي لا تنافس اسطنبول، ما كنتش بتنافسها، ما هياش عاصمة، ما هياش عاصمة خلافة، ما هياش عاصمة دولة بالعكس هي عاصمة دولة تابعة، دولة قبل حاكمها محمد علي سنة 1840 إنه والله ملكه وملك أبنائه هنا في الحدود المصرية، لكنه الحقيقة اللي خلقها الحقيقة السياسية اللي خلقها، الحقيقة التاريخية اللي خلقها، الحقيقة الثقافية اللي خلقها أدت في مصر وضع خاص نشأ في القرن التاسع عشر ثم وهذه هي الأهم العالم العربي كله ساهم في صنع”( نص هيكل) !
تعالوا معي أيها الناس نقف وقفة نقدية معمقة على النص في أعلاه وهو يتحدث عن القاهرة قاعدة للتحديث.. فعلا إنها غدت قاعدة لتحديث البلاد المصرية، ولا يمكنها أبدا أن تحّل محل اسطنبول.. ثم يرجع بعد أن أدرك خطأ ما قاله ليقول إن القاهرة لا تنافس اسطنبول باعتبارها عاصمة خلافة (ولا أدري ما هذه الخلافة التي سيطرت علي أفكار الناس وهما وخيالا لا حقيقة وواقعا أبدا).
لقد بقيت اسطنبول عاصمة للدولة وقاعدة لكل القوانين الإصلاحية والدستورية التي صدرت فضلا عن أنها بقيت قاعدة جاذبة لكل الطلبة العرب الذين درسوا في أروقة كلياتها ومعاهدها المدنية والعسكرية سواء كانوا من العراق أم من بلاد الشام والحجاز.. صحيح أن محمد علي باشا قد خلق حقائق تاريخية وسياسية وثقافية.. ولكنه فشل في امتداداته الحربية ونفقاته العسكرية.. صحيح أنه كان وراء خلق مصر الحديثة، لكنه بنفس الوقت لم يستطع مجابهة التحديات التي ألمّت به.. إننا بالقدر الذي نعطي لمحمد علي باشا مكانته التاريخية، ولكننا لابد أن نعترف بأن محمد علي باشا كان مصلحا من طراز رفيع ولم يكن تحديثيا فلسفته التغيير الجذري..
هل هي لحظة الحقيقة حقا؟
تحت باب “معالم تجربة حياة حافلة بالأحداث الجسام”، يعود هيكل ليتحدث عن نفسه وكأنه في موقع الدفاع عن أخطاء ارتكبها أو مفاهيم يؤمن بها.. وكأنه ينفي عنه كل ما وجه إليه من حقائق دامغة ليصر علي أنه المالك الوحيد للحقيقة خصوصًا عندما يتعّلق الأمر به.. ولقد حصر شأنه بثلاثة أساسيات عن تجربته في ستين سنة، هي: العمل الصحفي والعمل السياسي ومتابعة العالم كما كان في الوقت الذي عاشه.
إنني لا أعتني بعمله الصحفي، فتلك هي مهنة قام بها سواء نجح أم فشل فيها ، فهو ابن مرحلة ويعتبر جزءًا منها ولا يمكنه التنصّل عنها، أما العمل السياسي، فلا أدري ما الذي أنجزه هيكل في ذلك العمل ؟ وهل تدرج فيه ؟ ولماذا لم يصبح قيادًيا اللهم إلا أن كان عمله السياسي قد انحصر في الذي كلفه به كل من الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات؟ وفيما عدا ذلك، فلا أدري إلي أي تنظيم يحسب هيكل أو حتى إلى أي اتجاه ينتمي.. ؟؟ أما مسألة متابعته العالم كما كان في الوقت الذي عاشه، فهذه المتابعة قد أتت بعد أن أصدر عدة كتب ، وقد أصاب بها قليلاً وأخطأ فيها كثيرًا.. ولقد كنا في كتاب “تفكيك هيكل” قد أوضحنا مدى قدرة الرجل في ثلم الحقيقة والتشويش عليها، بل فبركة الموضوعات واختلاق المعلومات التي لا أصل لها والتلبيس والادعاء وسلخ السير الشخصية وإضفاء سمة التوثيق الكاذب.. الخ
إن ستين سنة من كتابات محمد حسنين هيكل سواء في كتابة المقالات الصحفية، أم في تأليف الكتب العادية.. تطلعنا كلها على شخصية سيكولوجية مازوشية معقّدة على أتم ما يمكن وصفه من تعقيد خصوصًا عندما يتناول القضايا المعاصرة خصوصا العربية منها.. دعوني أتوقف هنا معه على وصفه بـ”القصة الحقيقية”، لنرى كم كان دفاع الرجل واهيا عن نفسه، وكم هو مصرّ إصرارًا غير ذي فائدة علي إتباع المنهج الخاطئ نفسه في افتراض الأشياء والتصديق بها وبناء معلومات وآراء عليها وهذا نتاج عقلية متمرسة منذ ستين سنة على التخمينات وجعلها حقائق وإشاعتها بين الناس.. والناس يصدقونها طبعًا لأنهم يعتبرونها قضايا موثّقة ومثبتة المعلومات.. وهذا هو سر نجاح هيكل في خداع التفكير العربي المعاصر.. إن تعرية مثل هذا الكائن العجيب الذي له القدرة، وهو بهذا العمر، على ممارسة هذا النوع من الخداع في اقتناص الفرص السانحة لضرب ضرباته ضد هذا أو ذاك قد خلق منه طاغية في التلفيق سواء علي مستوي المشافهة أو مستوي التحرير..
ماذا أقول لهيكل؟
من السهولة جدا أن تتكلم ما تشاء عن تاريخ مصر الحديث ولكن من الصعب جدا أن تدافع عما تقول.. من السهولة جدا أن تشّوه تكوين مصر الحديث، ولكن من الصعب جدًا أن تصحح ما قمت به من أخطاء! كونك لا تمتلك أي منهج في الدراسة التاريخية، ولم تستطع أن تسبر أغوار ما أنتجه المؤرخون المصريون علي امتداد مائة سنة. إن تاريخ مصر الحديث لا يمكن لأي أحد أن يكتب فيه إن لم يتمكن من أدواته ومعلوماته الموثقة لا أن يأتي لكي يسقط وجهات نظره السياسية. من السهولة عليك أن تتكلم ما تشاء كونك تنطلق من زاوية أحادية معروفة للقاصي والداني.. ولكنك ملزم بالاستئناس لما كتبه العديد من مؤرخي مصر الكبار حتى تتعلم منهم، كونهم يدركون ما لم تدركه أنت نفسك، خصوصًا، أنهم لم يجعلوا من أنفسهم مراكز ثقل لهذا التاريخ في حين قد جعلت نفسك محوراً في داخل هذا التاريخ.
إن من أهم الشروط التي ينبغي علي المؤرخ الالتزام بها: عدم إشراك نفسه في صناعة الحدث التاريخي، أو جعل نفسه وصيا علي تاريخ معين، أو عهد معين، أو حكم معين.. فإن أخل المؤرخ بشروط الكتابة التاريخية سواء علي مستوي المنهج أو التفسير في أحاديثه أو تآليفه المتعددة، وهو مسئول عنها، فكيف يمكننا الاطمئنان إلي أحكامه واستنتاجاته؟. ويكبر الخطأ مرات ومرات، خصوصا، إذا ما أصبح التاريخ حكائيا علي شاشات التليفزيون، فالتاريخ المرئي له شروطه أيضًا، تلك الشروط التي استحدثتها مناهج الدراسات المتقدمة في أقسام الإعلام المرئي والتي سأحدد بعض ملامحها لاحقًا. إن هيكل الذي اعتاد أن يخرج علينا أسبوعًيا ليتنقل حسبما يشاء من مساحة تاريخية إلي أخري حكائيا متحدثًا لا كاتباً مؤرخاً.. يخرج من دون أي التزام منهجي، فإن المؤرخ الجاد والناقد الأكاديمي يجده يشتط كثيرًا من دون تحديد المسارات التي يجب الالتزام بها..
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، 11 نوفمبر / تشرين الثاني 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .
بقايا هيكل
الحلقة 12
المزوّر لا يفهم التاريخ.. بالتأكيــد!
حان الوقت الآن لمتابعة ما يفكّر به هيكل، أو ما الذي دعاه لأن يحكي لنا هذا وفي مثل هذا التوقيت بالضبط وبعد مرور قرابة خمس سنوات علي صدور كتاب “تفكيك هيكل” الذي حاسبه في البداية علي أسس في المنهج التاريخي الذي لم يدركه صاحبنا هيكل، ولما يزل حتي يومنا هذا لم يدرك أصول ذلك “المنهج” سواء علي مستوي الأمانة التاريخية أو مستوي الدقة في المعلومات أو حتي علي مستوي الكتابة والمساجلات والمقارنات وتسجيل السير وتوثيق الأخبار والابتعاد عن التدليس.. الخ، من الاولويات التي لابد أن يعتني بها المؤرخ الجاد.. دعونا نسمع ما قال: “أنا أولاً عاوز أحذر إن أنا ما باتكلمش في التاريخ، أنا باتكلم في التجربة الإنسانية هو المعني الحقيقي للتاريخ، لو جينا تكلمنا سألنا أنفسنا ما هو المعني الحقيقي للتاريخ؟ في ناس بيعقدوها أوي، المعني الحقيقي للتاريخ هو قصة التجربة الإنسانية، قصة المجتمعات في نشأتها وفي تطورها وتقدمها، قصة الصراع بين هذه المجتمعات في رغبتها في التفوق والتقدم والقوة، لكن لما بيقال عادة كلمة التاريخ الناس بتتخض أو علي الأقل تتحسب لأشياء كبيرة أوي لأنه تبقي الرواية إما مؤرخ يعقد الأمور بأكثر مما ينبغي أو صحفي قد يتعرض للتاريخ وهو مش عمله فإذا به يسطِّح الأمور بأكثر مما ينبغي..” (انتهي النص). واضح من كلام هيكل أنه يعقد مقارنة بالرغم منه بين المؤرخ والصحفي.. وسنري كم بلغ به الاستخفاف بالشأن التاريخي.. ولكن لماذا تحذر أنت أولاً؟ من تحذّر يا تري؟ يحذر من هروب علني من “التاريخ” إلي “التجربة الإنسانية”.. هكذا، يعلن للملأ هروبه من المعضلات التي كان قد أوقع نفسه فيها علي مدي سنوات طوال. إنه يعترف بأنه لم يتكلّم في التاريخ، ولكنه يفّسر التجربة الإنسانية كونها المعني الحقيقي للتاريخ.. ولكن التاريخ كله تجارب إنسانية..
لست مؤرخا يعّقد الأمور بأكثر مما ينبغي !
ولكن ما طبيعة تلك “التجربة”؟ هل هي تجربة إيجابية أم سلبية؟ صحيح أنها قصة المجتمعات وقصة الصراع بين المجتمعات.. ولكنك يا هيكل لم تعتن بهذا الموضوع أبدًا في أي من كتبك وتصريحاتك! أبدًا.. كل ما كتبته كان عن الدول والزعماء والقادة والتواريخ الشخصية وإثارة الملفّات المريبة التي لا نعرف مصادرها.. نحن معشر المؤرخين. أين هي كتاباتك عن التجارب الإنسانية؟ إن كل كتبك مجموعة مقابلات وتسجيل خواطر وتدبيج روايات وخطابات لا نعلم من أين أتيت بها.. لقد تحدثت عن دول وانقلابات عسكرية من دون أن تعتني بالتحليل العلمي للرواية التي تسوقها.. إنك تكتب فصولاً مطولة من اتهامات رميت بها أناساً ربما تعرفهم وربما لم تعرفهم أبدا.. لقد أثرت أشياء كبيرة وخطيرة لا أساس لها من الصحة، وقد كشفنا منها الكثير في “تفكيك هيكل”. لما تبعد نفسك عن التاريخ خوفًا منه لأن الناس (بتتخض) أو تتطير أو تتحسب أشياء كبيرة.. فأنت ماهر حتى في لعبة الانسحاب من الحلبة. ولقد كنت صائبًا في توصيف نفسك ولما لم تصب الهدف تمامًا وأنت تصف غريمك صاحب “تفكيك هيكل”، فلقد اعترفت بأنك الصحفي الذي “يسطح الأمور أكثر مما ينبغي”، ولكن أخطأت خطأ جسيمًا عندما وصفت غريمك المؤرخ بأنه “يعقّد الأمور بأكثر مما ينبغي..”! لا أبًدا يا صاحبي، إنها مسألة منهج وسلوك وأمانة ومعرفة ودقة في تناول الروايات التاريخية خصوصًا تلك التي تمس قادة وزعماء وملوك ورؤساء وأمراء ورجالات دول وسمعة شعوب ونخب وأناس وعلماء..
لا يمكن أبدًا أن يقبل المؤرخ الجاد ما يعرضه هيكل من روايات يستخف بمضامينها كي يقدمها مسطحة وباهتة ولا يهمه أمرها ولكن له رغبة حقيقية في إشاعتها من أجل تشويه التاريخ.. فإذا انتقدك المؤرخ الجاد، فليس معني ذلك أنه يعقّد الأمور بأكثر مما ينبغي! وسنري كيف تواصل الأفكار وأنت ترد علي المؤرخ الثابت في مكانه وأنت الهارب الذي لا تلوي علي شيء! فماذا تقول؟ دعونا نؤجل تفكيكنا لما تحدث به هيكل إلي جولة أخري، فثمة أشياء (خطيرة) تعوّدنا علي سماعها منه دومًا، وسنري إلي أين يريد الرجل أن يوصلنا.
تمنيتك شجاعًا يا هيكل!
كم تمنيت أن تكون شجاعًا يا هيكل كي ترد بطريقة أصولية لا بطريقة وصولية.. إنني في الحقيقة لم أسمعك أو أشاهدك علي التليفزيون فوقتي أثمن من أن أصرفه في سماعك، ولكن جرت اتصالات بي من قبل العديد من الأصدقاء وقد سمعوك تتكلم بطريقة مبطنة وأنت ترد علي استحياء متحدثًا في التاريخ والمنهج التاريخي وكأنك تقول: إياك اعني واسمعي يا جارة!
فماذا تسمي هذا الأسلوب؟ هل ضعفت قدرتك إلي الدرجة التي تخشي فيها المساجلة وأنت تمتلك حق الرد.. علمًا بأنني قد أهملت ما كتبته في السنوات الخمس الأخيرة، ولم أبحث لي عن أي رد منك، فإن وقتي أثمن من أضيعه في سجالك.. ولكن أن تتخفي وراء مؤرخ بريطاني لتقول قولتك وتهرب.. فلن تفلت مني أبدًا في هذه الحالة إذ تمنيتك شجاعًا في قول ما تريده مني صراحة.. وأعتقد أنك لا تستطيع أن تكون صريحًا أبدًا حتي مع نفسك. فماذا تقول ؟
تستطرد قائلاً: “لكن أنا هنا عاوز أتكلم علي التاريخ الستين سنة اللي عشتهم في العمل السياسي باتكلم علي تجربة حياة وليست تجربة عُمْر وبالتالي فأنا باختار منهج تجربة حياة وليست تجربة عمْر. الحقيقة إنه هذا قريب جدا من منهج اعتمده واحد من أهم مؤرخي هذا العصر وهو إليك هوبس باوم..” (نص هيكل).
لست وحدك الذي عاش ستين عامًا.. فثمة رجالات من العرب وغيرهم عاشوا أكثر مما عشت من دون أن يعلمونا بمثل هذا التقدير.. وهناك العشرات بل المئات من الساسة والمثقفين الكبار والصغار ممن عاشوا تجارب حياتهم من دون أن يفصلوها عن أعمارهم، وعادة ما نقول: قضوا أعمارهم في كيت وكيت.. ونقول نحن العرب: ودفعوا حياتهم ثمنًا، أو أحرقوا زهرة شبابهم.. من دون أي تمييز أو مفاخرة بين حياتهم علي حساب أعمارهم. إنها فلسفة لم نسمع بها من قبل. وإذا قلنا نحن العرب بمصطلح “العمر” ( = Age) فإن الانجليز – مثلاً – يقولون، أو هكذا اعتادوا القول بمصطلح “الحياة” (=Life ) فليس في ذلك كله حاجة لاستدعاء المؤرخ هوبسباوم، وهذا الأخير يكتب اسمه يا هيكل بالشكل التالي: اريك هوبسباوم، وليس أليك هوبس باوم!!
يتابع هيكل النص قائلاً: “إليك هوبس باوم عمل نظرية حتي تكاد تكون تتصل بالقرون فسمي في قرون طويلة وفي قرون قصير، القرون الطويلة هي القرون التي يمكن أن تُعد بالسنين، إفلة عمر الجسام لصحفي فالقرن مائة سنة انتهي الموضوع لكنه القرون القصيرة هي القرون التي تقاس فيها تقاس قيمتها بمدي عمق وتأثير وأهمية ما جري فيها لأنه ممكن سنين أوي تفوت لا يجري فيها شيء وممكن شهور قليلة وأيام تتغير فيها مصائر عوالم بأكملها وبالتالي” (نص هيكل).
المؤرخ البريطاني المعروف إريك هوبسباوم ( = Eric Hobsbawm ) يعد من المؤرخين الكبار الذين أرّخوا لتاريخ أوروبا وله كتبه ومقالاته العديدة التي ترجم بعضها إلي الألمانية والتركية . ومن أشهر كتبه: عصر الثورة (أوروبا 1789 – 1848) الذي ترجم إلي الفارسية بعنوان: عصر انقلاب أوروبا.. ولكن هوبسباوم ليس بفيلسوف في التاريخ حتى يأتي له بنظرية تتصل بالقرون.. وأتمنى على هيكل أن يحدد لنا اسم النظرية وتفصيلات هوبسباوم عنها.. ربما هي فكرة قلبها هيكل لتصبح نظرية.. وإذا كانت هناك قرون طويلة وقرون قصيرة، فما علاقة ذلك بالموضوع؟ إن “هيكل” يريد القول بأنه عاش في قرن قصير له قيمته.. والفكرة قديمة نجدها عند هوميروس ، ونجدها عند كونفوشيوس ، ونجدها عند ابن خلدون.. ولكن هيكل يعيد ويكرر اسم (إليك هوبس باوم) وكأنه سمع اسمه خطأ من دون أن يقرأ حرفاً واحدًا في كتابه المعروف ، أو بقية كتبه ! كنت اتمنى ان يعلمنا هيكل أي كتاب من كتب هذا المؤرخ قد قرأ ؟ ومن اين استقى هذه ” الافكار ” ؟ ولو كان أحد طلبتي قد تصّرف بهذه الطريقة بعد ان كنت قد وجهته ونصحته ، كما فعلت ذلك مع هيكل قبل سنوات .. لو فعل احد طلبتي ذلك لوضعت له صفرا ، وقلت له : ابحث لك عن ميدان عمل آخر او مهنة اخرى غير كتابة التاريخ ! ان هيكل لا يكتفي بايراد الخطأ مرة او مرتين ، بل يلّح الحاحا عليه كونه يعتقد ان بضاعته رائجة عند مشاهدين او قراء عرب لا يفهمون ما يقول ! ، اذ نسمع هيكل مستطردا: “فواحد زي إليك هوبس باوم طلع بنظرية أو طرح علي الناس قُبلت أنا فيما أعتقد وأصبحت شأنها معتمد وهي إنه إحنا بنتكلم علي الحياة ولا نتكلم عن الأعداد، بنتكلم عن القيمة ولا نتحدث عن حساب قوائم حساب” (نص هيكل).
لم يطلع إريك هوبسباوم بأي نظرية، ثم تأتي يا هيكل لتتكلم عنها، وكأنك ترافقها وتفترض من عندياتك أن هوبسباوم قد طرحها علي الناس، وأن الناس قبلوها وأنت فيما تعتقد.. ثم تختلق أحجية من عندياتك أيضا بأن أصبح شأنها معتمداً معتمد عند من؟ لا ندري! هل عند الناس؟ هل الناس أنت؟ عندما تضيف باسم (إحنا = نحن) بتتكلم عن الحياة ولا تتكلم عن الأعداد.. وعن القيمة ولا عن حساب قوائم حساب! ربما كانت هذه “اللغة” مقصودة في إيصال رسالة لمن له نظرية حقيقية وليست وهمية.. نظرية في التحقيب التاريخي فرضت نفسها وصاحبها غريمك، وهي ليست مجرد فكرة أو رأي متداول وقديم.. إن من يريد أن يخاطبني بهذه اللغة الملتوية.. فليشهد فصولاً مريرة صعبة ، ولكن من يرد أن يخاطبني بصراحة، فسأقدر عند ذاك شجاعته.
أين أنت من المنهج الكمي ؟
ربما لا تفقه ماذا تعني لغة الحسابات والأرقام والأعداد بالمنهج الكمي والحسابي والإحصائي في دراسة التاريخ، ولعلك لا تدري أن أفضل النتائج والحقائق لا يمكن ان نقف عليها مضبوطة إلا من خلال الأرقام والأعداد.. إن أفضل الاحصاءات والأرقام هي التي يعالجها المؤرخ الحصيف.. ولا قيمة للتاريخ إذا كان لغوًا وكلامًا واسهابًا من قبيل الهذيان وهو يتلاعب بعواطف الناس وأفكارهم .. إن من له وجهات نظر عادية وطوباوية ولا حقيقة لها لا يستوي أبدًا مع من له نظرية في فلسفة التكوين التاريخي وتطبيقات عليها وسواء جاءت التطبيقات في قوائم أم جداول وأعداد.. فذاك هو منهج معقّد وصعب ومتطور في التاريخ، ساعدني جدًا في كشف التزييفات والأكاذيب والمفبركات التي مهر في صنعها من ليس له اي باٍع في العلوم التاريخية ولا في فلسفة التاريخ ، فكلاهما أكبر جدًا من صحفي هرم عاش علي صنع الأكاذيب. إنني أتحداك يا أستاذ هيكل أن تأتيني بتفصيلات مجتزأة أو كاملة عن النظرية المزعومة للمؤرخ إريك هوبسباوم الذي نعرف كتبه ومقالاته نحن معشر المؤرخين.. وأطالبك إن كنت ماهرًا في مثل هذه اللعبة بأن تذكر من هو صاحب آخر نظرية في التحقيب التاريخي اليوم سيما أنها تعتمد علي المنهج الكمّي الذي لا تفقه منه شيئًا.
الهروب ثانية: الأوداج المنتفخة
يتابع مستطردًا وهو ينفي عنه إدانات “تفكيك هيكل” قائلاً: أنا إلي حد ما باعتقد ولو إني برضه بأحذر ثاني أنا ما باتكلمش في التاريخ أنا باتكلم في التجربة الإنسانية بتكلم في تجربة حياة، أنا هاتكلم عاوز أتكلم علي تجربة ستين سنة أنا عشتهم مقاربًا ملاصقًا متصلاً متابعاً بالحوادث وأنا باعتقد إنه هذه الستين سنة لحسن الحظ.. لحسن حظي أنا يعني كانت سنوات حافلة ممكن أوي تعتبر بمقياس هوبس باوم ضمن القرون القصيرة في عددها ولكنها طبعا ستين سنة مش قصيرة، لكن هي تبقي ممكن تبقي القصور السنين قصيرة في عددها لكنها حافلة بكمية الكثافة غير المعقولة اللي فيها، يعني أنا لما أتصور إن إحنا جيلنا علي سبيل المثال وبأتكلم عن ستين سنة هي حاجة غريبة أوي هذه الستين سنة تكاد تكون ابتدأت مع نهاية أو قرب نهاية الحرب العالمية الثانية وتكاد تكون استمرت بأتكلم يعني عن النص الثاني من الأربعينات وبعدين تكاد تكون وصلت إلي مرحلة معينة المرحلة علي الأقل اللي هأتكلم فيها وتكاد تكون وصلت إلي هذه اللحظة ما بعد الحرب الباردة أي أنها الفترة العنيفة والحافلة بالأحداث التي صاحبت طول هذه الفترة اللي ظهرت فيها القوي النووية، الحرب الباردة طلعت وانتهت، الاتحاد السوفيتي ظهر علي شأنه ثم انهار، الولايات المتحدة الأمريكية تقدمت تقود العالم، امبراطوريات قديمة وقعت وبالتالي فهذا عصر كان طبعا مش عاوز أتكلم علي اللي حصل في الطيران اللي حصل في ثورة الاتصالات (Even ) حتي في الحاجات اللي بنستعملها كل يوم زي الـ(Mobile) اللي بقي مسألة غريبة يعني..” (انتهي النص).
ماذا يمكنني قوله؟ قد نفهم هذا العالم كله ببساطة متناهية، ولكن من الصعب جدًا أن نفهم سيكولوجية إنسان لا يري في الوجود إلا نفسه.. ولا يري نفسه إلا وأنها فوق كل شيء.. ولا يري التاريخ متحركًا إلا من خلاله.. شخصية تتوهم الأوهام حقيقة وتوهم الناس بها إيهامًا عجيبًا.. إن اختلاق نظرية ووضعها علي لسان أعظم المؤرخين المعاصرين – علي حد زعمه – ومن ثم تطبيقها علي نفسه، لإيهام القارئ أو المستمع أو المشاهد بأن مقياس (هوبس باوم) يطبّق عليه.. وأن ستين سنة حافلة بكمية الكثافة غير المعقولة علي حد زعمه وكأن الناس لم تعش تلك المرحلة إلا هو نفسه فقط!! مرحلة ما بعد الحرب الثانية إلي ما بعد الحرب الباردة:
الفترة العنيفة الحافلة بالأحداث التي صاحبها مع ظهور الدول الكبري وأفولها مثل الاتحاد السوفيتي ومن ثم تقدّم الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة العالم.. طيب كلها أحداث ووقائع قد حدثت ونحن ندركها جيدًا.. فما الجديد في أنك عايشتها كما عايشها غيرك؟ ماذا تريد أن تقول؟ إلا أنك رجل مهم جدًا كما تدّعي.. كل هذا اللف والدوران ونظرية لا وجود لها تضعها باسم مؤرخ اخترت اسمه ولم تدرك مضامينه. جعلتك تخسر جملة هائلة من الأوراق، أما إذا كنت لا تتفق مع ناقدك المؤرخ ومفكك أوصال نصوصك ، فلا حق لك في أن تغمز من قناة بعيدة، فالأجدى علي المرء أن يسكت من دون أن يستدعي أسماء مؤرخين آخرين ويتطّفل علي كتبهم التي لا ناقة لها بالموضوع ولا جمل!
ماذا أقول؟
إن “هيكل” يذهب بعيدًا ليس في توضيح ما يريد الوصول إليه، بل في إشعار الناس بأنه الرجل المسئول عن هذا التاريخ، اذ يريده كما هو يفكر، لا كما هي طبيعة الأشياء. إن متابعة مبسطة لبعض أحاديثه المرئية علي شاشة الجزيرة الفضائية بعنوان (مع هيكل)، أو أي قراءة لكل ما تحدث به وقاله علي الشاشة لابد أن يدفع كل مثقف حقيقي أو مؤرخ مختص أو أي كاتب حصيف إلي وضع جملة ما قاله أو بعض منه علي مشرحة النقد، وقد جعلني أنا شخصيا أضعه علي المشرحة، لا من أجل تفكيك نصوصه حسب، بل من أجل تشريح مقول قوله، أي باختصار: التوغل داخل النص الذي قاله، وهو المسئول الأول والأخير عنه. لقد توضح لنا من خلال التجربة النقدية كتلك التي قمنا بها أو الحالية التي نقوم بها اليوم.. إن “هيكل” ليست له القدرة علي مراجعة نفسه بعد أي حلقة يذيعها علي الناس، بل وليس له أي محاولة للتواضع أو التراجع عن الأخطاء التي يرتكبها.. إننا لا نريد أن يصغي لنقاده كما هو بقية كل الكتاب والمفكرين الذين يحترمون أنفسهم بالاستئناس لما يقوله غيرهم عنهم، بل نريده أن يراجع نفسه ويتحقق بنفسه من جملة هائلة من الهنات والسقطات التي يوقع بها نفسه، خصوصا من ناحية المعلومات، فكيف به وتفسيراته التي لا تمت للحقيقة بصلة!
نشرت على جريدة روز اليوسف المصرية ، 15 نوفمبر / تشرين الثاني 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
وأيضا على صفحة تجمع الدكتور سيار الجميل
http://www.facebook.com/group.php?sid=ef680591def239dac31065b4f16482c3&gid=48810538237
ملاحظة : لا يسمح بإعادة النشر تحريريا أو الكترونيا ، إلا بترخيص خطي من المؤلف والناشر .