إن رمضان، شهر فضائل وبركة وعرفان، وتأديته، فريضة ركنية من فرائض الإسلام، لكنه تحول اليوم إلى شهر متعة ومسلسلات وخيام. صحيح أن لهذا الشهر ، أكثر من لون ونكهة وأسلوب. إذ تختلف تقاليده من مكان لمكان. كما حاله عندما يتلون بألوان وأشكال الزمان، فما كان قبل مائة سنة هو غير ما كان من قبلها بمائة عام أو ما غدا عليه اليوم. وما نجد من تقاليد تختص بها البلاد المغاربية هو غير ما نجده في مصر أو الخليج والجزيرة العربية، أو في الشام والعراق، أو في تركيا وإيران، وغيرها من المجتمعات الإسلامية. إن شهر رمضان قد غدا في مجتمعاتنا، فترة زمنية دنيوية تزدهر فيها تجارة المسلسلات التي لا علاقة لها برمضان، كما أن معظم الصائمين (حسب زعمهم) لا يعرف من هذا الشهر معاني النهار ولا منتجات العمل، ولا الدراسة ولا التفكير ولا المحاسبة ولا القيام، لأنهم ينامون في النهار ويسهرون في الليل.
إن شهرا فضيلا كاملا، أصبح مرحلة كسل ونوم واضطجاع. وما إن يسمع آذان المغرب حتى ينقض الناس على موائدهم ليأكلوا بشراهة من طيبات ما رزقوا، ثم تبدأ حياتهم. ربما لا أتحدث عن أناس تذهب لأداء صلاة التراويح، لكنني اقصد أولئك الذين يتسمّرون على شاشات التلفزيون لينتقلوا بين المسلسلات حتى ساعات متأخرة من الليل، في حين اعتاد آخرون السهر في خيم رمضانية كي يتسامروا ويحششّوا الشيشة. ويذهب آخرون للتسكع في الشوارع حتى مطلع الفجر. إنني اقترح على كل الدول الإسلامية أن تجعل شهر رمضان عطلة سنوية، تتعطل فيه الحياة العامة والإدارية والدراسية كي يتفرغ الإنسان المسلم إلى صيامه وقيامه، أو إلى نومه نهارا وسهره ليلا، ويشبع من مسلسلاته، ويكون هو الوحيد عطلة من أصل 12 شهرا، ويبقى الأحد عشر شهرا للعمل والإنتاج والدراسة والوظيفة وكل المهام. وسواء أتى رمضان في أي فصل سنوي، فهو يعد عطلة وحيدة، ومن دون ذلك، فان مجتمعاتنا ستبقى كسولة وعاجزة مع زيادة عطلها الدينية ومناسباتها الوطنية وانسدادات الحياة طوال الصيف. إنني اقترح هذا لأنني وجدت ان شهر رمضان لم يعد كما كان، لم يكن معطلا للحياة المدنية، ولم نكن نعرف فيه التقاليد المستجدة اليوم. ليكن شهرا واحدا يتفرغ الإنسان فيه لربه أو لنفسه. على دولنا أن تمنح مجتمعاتنا شهرا واحدا هو رمضان، يجد فيه الإنسان المسلم كل فرحته بطاعته ربه، أو دعوه مع مسلسلاته أو أغنياته أو تحت خيمه أو على موائده أو تحشيشته أو تسكعاته ليلا.
إن مدة أربعة أسابيع ويلحق بها أسبوع للعيدين الفطر والأضحى هي خمسة أسابيع كافية جدا لأن يجدد فيها الإنسان حيويته ليرجع إلى طبيعة الحياة، فيعمل وينتج ويقرأ كما نجد ذلك في كل مجتمعات العالم المنتج. إن شهر رمضان لم يكن هكذا أبداً، وإذا كان هناك من معترضين كونهم من الصائمين ولا يمكنهم أن يصحوا أو ان يعملوا نهارا، فدعوهم ينامون شهرا كاملا في النهار ويسهرون أو يقومون شهرا كاملا في الليل، لكن لا يمكن أن تبقى مجتمعاتنا كلها خاضعة لتقاليد قديمة أو جديدة تأكل الزمن، وتعبث بالحياة، وتستهلك كل القيم الحقيقية.
مجلة الاسبوعية ، 20 سبتمبر 2009 . ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …