عندما تنشر مقالتي هذه ، أكون قد قلت كلمتي في اجتماع المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة التي ستحتفل بيوم عالمي للملكية الفكرية بتورنتو هذا العام ، وسيصادف الأحد 26 ابريل 2009 .. وينبغي أن يكون معظم الناس على دراية بالملكية الفكرية التي تتضمن حقوق المؤلفين ، وبراءات الاختراع ، والرسوم والمشروعات والخطط والنماذج الصناعية والعلامات التجارية.. الخ ولكن لم يزل الكثير من هذه الأعمال التجارية مستهدف من قبل كل أصحاب عمليات السطو ، والنشر الخفي ، والتعاقدات المزيفة التي تتحايل على المفاهيم القانونية التي ينشغل بها العالم اليوم لمعالجة فجواتها .. إن هذه المنظمة التي تشكلت من عدة دول قد اختارت أن يكون 26 ابريل من كل عام يوما لها ، وهو ذكرى تأسيسها والتوقيع على اتفاقية إنشائها منذ دخولها حيز النفاذ في عام 1970 .
إن لهذا اليوم أهميته بالنسبة لكل المؤلفين والمبدعين والفنانين في العالم ، وتصاحبه أنشطة وفعاليات وحملات ، تسعى كلها إلى زيادة الفهم العام لما للملكية الفكرية من أهمية ، وهي ليست غاية حسب ، بل أنها في الواقع وسيلة ، والتشبث بها وبالكيفية التي تعزز نظام الملكية الفكرية ليس فقط الموسيقى والفنون والتسلية ، وإنما أيضا جميع المنتجات والابتكارات التكنولوجية التي تساعد في تشكيل عالمنا المعاصر . إنني بمقالتي هذه ، أريد أن انقل ” رسالة ” من المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( الويبو ) إلى كل المثقفين والمؤلفين والمبدعين العرب من كل الأجيال ، لما ينالهم من حيف وغبن وسطو وسرقة حقوق علنية من قبل أغلب تجار الكلمة والإبداع العرب الذين تزداد تجاوزاتهم ، وهم يأكلون حقوق الناس الأحياء منهم والأموات .. إنها ” رسالة ” موجهة أيضا ، إلى كل المسؤولين بضرورة تأسيس محكمة قضائية عربية تنظر في حقوق المبدعين والمؤلفين العرب المهدورة على أيدي الناشرين حتى وان كان الناشر يرتبط بدوائر رسمية عربية ! ومن اجل الاحتراز على الأمانة في ما يتعلق بالموضوع ، لابد من ربط أي مشروع مثل هذا بمنظمة الويبو العالمية دوليا ، وان يكون اتحاد الناشرين العرب مسؤولا عن كل تجاوزات أعضائه .. بدل الدفاع عنهم والتغطية عليهم !
إن أهداف اليوم العالمي للملكية الفكرية تتضمن زيادة الوعي بكيفية براءات الاختراع ، وحقوق الطبع والنشر ، والعلامات التجارية ، والرسوم ، والنماذج ؛ فضلا عن زيادة فهم كيفية حماية حقوق الملكية الفكرية سيساعد على تشجيع الإبداع والابتكار ؛ والمساهمة المقدمة من المبدعين والمبتكرين لتنمية المجتمعات في العالم ؛ ناهيكم عن تشجيع الاحترام لحقوق الملكية الفكرية للآخرين.
إن تجربتي الصعبة مع دور النشر العربية هي واحدة من مئات بل آلاف التجارب التي أضاع فيها أصحابها حقوقهم المالية عندما أباح الناشرون العرب لأنفسهم حق استلاب الملكية الفكرية لأصحابها العرب . إنني اسأل كل المؤلفين والمبدعين العرب عن تجاربهم المريرة مع الناشرين الذين يناورون عندما يتعاقدون على طبع ألف أو ألفي نسخة من مؤلف ما ، ولا يمنحون حقوقه له إلا بشق الأنفس حسب المبيعات كما يفترون ! أو لا يمنحونه شيئا ، وهم يطبعون الآلاف المؤلفة من تلك الطبعة الأولى ، ويجنون منها آلاف الدولارات . هل من مساءلة قانونية للآلاف من الكتب المطبوعة ، وقد رحل أصحابها إلى دار البقاء ، من دون مفاتحة الورثة الذين لهم الحق شرعا في تركة المتوفين من المبدعين والمؤلفين ؟ هل ستبقى المؤسسات الرسمية العربية صامتة إزاء هذا النهب المنظّم ؟
يحدثني البعض عن أن كتبا معينة لم يزل أصحابها على قيد الحياة ، وهم يعيشون في أماكن بعيدة .. يعاد طبع كتبهم ، أو تصويرها وتجليدها كالأصل ، وتباع في الأسواق من دون أي حساب ولا كتاب .. ولقد أصبحت الأجهزة الحديثة ، وإعادة السطو من خلال الانترنيت من فواجع هذا الزمن العربي .. إنني لا أجد مثيلا للمأساة العربية أبدا في مجتمعات ودول أخرى . صحيح أن هناك تجاوزات قد تحدث حتى في الدول الغربية ، ولكن ليس بمثل الذي يحدث في سوق الكتاب العربي خصوصا . إن عددا كبيرا من دور النشر العربية ، وما يسمى بمراكز بحوث وترجمة ودراسات عربية تزاول مثل هذا الاستلاب لحقوق الملكية الفكرية والإبداعية العربية والأجنبية معا ، فكثيرا من الكتب المترجمة لا يؤخذ رأي مؤلفيها بذلك ، فالمؤلف يستحق تعويضا عن ملكيته ، كما هو حال المترجم الذي يتقاضى بدوره أجوره .. إن محيط النشر العربي يفتقد كل القيم والأخلاق على أيدي كثير من تجار جهلة محترفين لا يدركون أي معنى للثقافة ، ولا تهمهم إلا جيوبهم ، وليس هناك من رادع قانوني يوقفهم عند حدهّم .. وستزداد هذه المشكلة يوما بعد آخر إن لم تؤسس ضوابط حقيقية لحقوق الناس .. إن جامعة الدول العربية يمكن أن تضطلع بهكذا مهمة إنسانية وفكرية بدل مهامها السياسية التي لا نجني منها شيئا أبدا .
إن من حق كل المؤلفين والمبدعين العرب أن يطالبوا بحقوقهم المستباحة .. إن دعوتنا هذه قد سبقتها دعوات أخرى منذ زمن طويل دون أي استجابة تذكر .. إننا نناشد الضمائر الرسمية الحية ، باسم كل المفكرين العرب لتأسيس نظام قانوني مستقل يلجأ إليه الجميع كي يتوقف السارقون من تجار الكلمة والإبداع عند حدودهم ، وان يعاقب كل المخالفين الذين يخرقون نظم الملكية الفكرية .. فضلا عن تشكيل لجان مراقبة على المطابع ودور النشر ومخازنها ومبيعاتها .. وحماية كل النصوص الإبداعية الفكرية والفنية الموسيقية والغنائية واللوحات التشكيلية من العبث والسطو والاستنساخ .. إنكم بذلك تؤسسون عهدا جديدا للحياة النظيفة ، للابتكار والخلق والإبداع في حياتنا العربية . فهل ستحقق أمنياتنا ؟
نشرت في البيان الإماراتية ، 29 ابريل 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
شاهد أيضاً
زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا
الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …