الدهر أب العجب، والدنيا أم العبر وللأيام جولة ثم تضمحل، ولئن سرتك ساعة من دهرك فلا بد أن تسؤك منه ساعات.
فالدهر في فلك التقلب دائر
كالبدر بين نقيصة وتمام
ولكن هو الطيش يعمي ويصم وذاك هو الغرور يجر على صاحبه الويل والثبور هذه دعاوي لا تحتاج إلى أقامة البينات، حكمة الله في خلقه، وسنته في كونه ولن تجد لسنته تبديلاً.
فإذا ما أولاك مولاك نعمة فأشكرها بمعرفة قدرك وعدم تعدي طورك، وإذا ما أوتيت من جانب السلطان جزؤاً من السلطة فصنها عما يحط بكرامتها ويمس سمعتها.
فمهما كنت فما أنت إلا العامل جئت لتقضي واجباً كتب عليك وتنفذ أمراً فوّض تنفيذه إليك فتتقاضى ما يسد رمقك ويلزم لنفقتك، فإذا أحسنت كنت مأجوراً فوق أجرتك ومشكوراً بلسان أمتك، وإن أسأت – وأعيذك من ذلك- فقد خسرت الأجر ولم تنفعك إن ذاك الأجرة ووقعت في السنة الأمة، وليست ألسنة الخلق، إلا أقلام الحق.
القانون مقدس محترم والخضوع للقانون أمر واجب في ذمتك بذا قضت الشرائع إذ ليس القانون إلا ما أجمعت عليه كلمة الأمة وأمر بتنفيذه السلطان، به تصان حقوق الأمة وبه تحف البلاد، وتقوى شوكة السلطان، وليس العابث به إلا كالعابث بالأمة ومن عبث بالأمة قذفته الأمة وهناك بشره بالخسران فإذا كنت يا أخي يوماً موكلاً على صيانة القانون خشية من أن يعبث به عابث، فحذار أن تتجاوز أنت عليه وتعبث به قبل كل أحد لمأرب شخصي أو مع ذاتي وتمسى قدوة لمن جعلت رقيباً عليهم ثم إياك أن تتخذ ما نلته من السلطان أحبولة لاقتناص مأربك وسلماً للتوصل إلى ما تهواه نفسك فتلك اكبر خيانة على القانون وأكبر خيانة للأمة.
ثم كن يا أخي صادقاً فيما تخفي وما تعلن، أميناً، عفيفاً، طاهر الذيل، مساوياً بين الكبير والغني والفقير، فلا تزيغ بك صداقة عن سبيل الحق، ولا تلعب بفؤادك مودة أو محبة فتحيله عن الصدق وإن الصدق بالعمل أجل من الصدق باللسان.
عصرنا يا أخي عصر حرب ومدنية وعهدنا عهد ديمقراطية ومساواة بادت معالم الظلم والاستبداد وأقفرت والحمد لله ربوع الاروستقراطية والاعتساف فأصبحت الأمة اليوم ليست الأمة بالأمس، تعلم ما لها وما عليها، ترتع في رياض الحرية وتمثل بحب المساواة فإذا ما كنت موظفاً فما أنت إلا والعامل سواء ذاك يعمل لخدمة أمته، وأنت تعمل لخدمة أمتك، وإن أفضلكم عند الله أتقاكم، والتقوى هي القيام بالواجب، وما الواجب إلا ما أمرت به وبات مفروضاً عليك فان أحسنت أحسنت لنفسك وإن أسأت فعليها وفي هذا لبعض من التذكير، وما أسعدنا إذا ما نفعت الذكرى.
* صدى الجمهور ، العدد 27 ، الخميس 26 مايس 1927م الموافق 25 ذي القعدة 1345 هـ .